التوازن العسكري بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»

الأول عمره 100 عام والثانية 10 سنوات

مركبات عسكرية تابعة لقوات «الدعم السريع» في قرية أبرق شمال غربي الخرطوم في يونيو 2019 (غيتي)
مركبات عسكرية تابعة لقوات «الدعم السريع» في قرية أبرق شمال غربي الخرطوم في يونيو 2019 (غيتي)
TT

التوازن العسكري بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»

مركبات عسكرية تابعة لقوات «الدعم السريع» في قرية أبرق شمال غربي الخرطوم في يونيو 2019 (غيتي)
مركبات عسكرية تابعة لقوات «الدعم السريع» في قرية أبرق شمال غربي الخرطوم في يونيو 2019 (غيتي)

يبلغ عمر الجيش السوداني نحو 100 عام، فيما نشأت قوات «الدعم السريع» في عام 2013، إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير. غير أن هذه القوات بقيادة نائب رئيس المجلس السيادي، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، نمت بسرعة خلال تلك السنوات القليلة بحيث أصبح البعض يراها جيشاً موازياً في القوة العسكرية للجيش النظامي. ولا يعلم أحد على وجه الدقة عدد وعتاد القوتين العسكريتين، غير أن المعروف أن «الدعم السريع» لا تمتلك قوة جوية، لذا فقد كان تحركها الأول في الصراع الحالي هو محاصرة القاعدة الجوية للجيش في مدينة مروي بشمال السودان، لكي تحيّد سلاح الجوي التابع للجيش من ضرب معسكراتها في حالة وقوع صدام مسلح بين الطرفين.
من ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء العسكريين أن الصدام الذي اندلع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى أمس (السبت)، سيحسمه توازن القوة الأرضية باعتبار أن الصراع داخل المدن. كما يشير هؤلاء إلى أنه ربما يكون الجيش في الموقف الأقوى من حيث الأسلحة والعتاد العسكري، فيما تتميز «الدعم السريع» بأن ولاءها قوي ومباشر لقائدها حميدتي، وذلك في مقابل تيارات وولاءات متباينة داخل الجيش، رغم أن الحديث يدور حول أن الغلبة داخل الجيش للتيار الإسلامي الذي كان مناصراً للرئيس المعزول عمر البشير.
- هيئة التصنيع العسكري
وينتج الجيش معظم احتياجاته العسكرية عن طريق هيئة التصنيع العسكري، بما في ذلك الذخائر بمختلف أحجامها، والمركبات المصفحة والراجمات، بل الطائرات. ونُقل عن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أن القوات المسلحة أصبحت تنتج طائرات مسيّرة (درونات) قتالية وتجسسية. كما يتسلح الجيش براجمات الصواريخ ودبابات روسية الصنع بشكل أساسي من طراز «T54»إلى «72T»، إضافة إلى مدرعات «بي تي آر» من 50 إلى 60، ومدرعات أخرى، إلى جانب صواريخ جو - جو من طرازات روسية، إضافة إلى آلاف قطع المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، وطائرات مقاتلة من طراز «ميغ» و«سوخوي»، وعدد من الطائرات السمتية وطائرات الهليكوبتر. ويتراوح عدد الجيش السوداني القتالي بين 100 و150 ألفاً بين جندي وضابط. بيد أن ترتيبه بين جيوش العالم وفقاً لتقرير «غلوبال فاير باور» لعام 2023، تراجع من المركز 73 إلى المركز 75، وإلى المرتبة العاشرة بين الجيوش الأفريقية.
وبينما وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري، (الجيش وقوات الدعم السريع)، إلى مستوى غير مسبوق من التوتر تجلّى في اندلاع اشتباكات عنيفة وإطلاق كثيف للنار في الخرطوم منذ أمس، اتجهت الأنظار لمقارنة أوجه القوة بين الجانبين. وبحسب تقارير صادرة عن منظمات دولية، يبلغ عدد قوات الجيش في السودان نحو 205 آلاف جندي، بينهم 100 ألف (قوات عاملة)، 50 ألفاً (قوات احتياطية)، 55 ألفاً (قوات شبه عسكرية). فيما تصنف القوات الجوية التابعة للجيش، في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وتمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، و37 طائرة هجومية، و25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، و12 طائرة تدريب، وقوات برية تشمل قوة تضم 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالمياً، و6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالمياً، وقوة تضم 20 مدفعاً ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالمياً، وفق ما ذكر موقع «العربية». وقوة تضم مدافع مقطورة 389 مدفعاً، تجعل الجيش السوداني في المرتبة رقم 29 عالمياً، و40 راجمة صواريخ تجعله في المرتبة رقم 54 عالمياً في هذا السلاح.
- الجيش بعد 1989
كذلك يمتلك الجيش أسطولاً حربياً، رغم أنه من غير المتوقع أن يؤثر ذلك في معارك المدن الحالية، يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالمياً، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار، وفقاً لموقع «غلوبال فاير بور». واعتبرته إحصائيات صدرت عام 2021، من أقوى وأكبر الجيوش في القرن الأفريقي.
يرجع تأسيس الجيش السوداني الحديث إلى ما عُرف بـ«قوة دفاع السودان» التي كانت تحت إمرة جيش الاحتلال البريطاني، وبعد استقلال البلاد في 1956، تكون الجيش الوطني بفرقة مشاة وفرقة بحرية وأخرى جوية، تحت اسم «الجيش السوداني». وخاض الجيش السوداني حروباً مديدة ضد القوات المتمردة في جنوب السودان وأقاليم النيل الأزرق وجنوب كردفان، أكسبته خبرة في حروب العصابات، لكنه تعرض لهزات عنيفة عقب استيلاء الإسلاميين على الحكم في البلاد عام 1989 ومحاولتهم «أسلمة الجيش»، وتحويل الحروب من حروب سياسية إلى حروب جهادية. وإزاء ذلك فقد عدداً كبيراً من قادته ذوي الخبرات الكبيرة والتجارب الثرية، بعد محاكمات وإعدامات وإحالات للعمل العام، وإحلال موالين للإسلاميين محلهم.
- «الدعم السريع» قوات حديثة قوية
أما قوات «الدعم السريع»، حديثة التكوين، فقد قدر محللون عدد قواتها بنحو 100 ألف فرد، ولها قواعد متعددة تنتشر في أنحاء البلاد. كما لها مقار وثكنات عسكرية داخل الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد، وقد استولت على مقار تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ومقار تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول الذي كان يرأسه البشير، كما أنها تنتشر بشكل واضح في إقليم دارفور ومعظم ولايات السودان، إلى جانب مناطق حدودية مع دول الجوار الأفريقي.
وفي حين لا تعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكن الاستعراضات العسكرية التي تنظمها بين حين وآخر تظهر امتلاكها مدرعات خفيفة وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز «لاندكروز بك آب» مسلحة. وأيضاً تظهر تلك الاستعراضات أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وفي وقت سابق، نفت الدعم السريع شائعات راجت عن حصولها على أنظمة تجسس دقيقة ومسيرات متطورة، واتهمت جهات لم تسمها بالعمل على تشويه صورتها.
وتعد قوات «الدعم السريع» أحد التشكيلات للجيش السوداني، رغم تمتعها باستقلالية كبيرة، وهو ما ساهم في وقوع الصدام الحالي بينها وبين القوات المسلحة. في يوليو (تموز) من عام 2019، تم تعديل قانون قوات الدعم السريع بحذف مادة منه تلغي خضوعها لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلاليتها عن الجيش. وتُعرّف قوات الدعم السريع نفسها على أنها «قوات عسكرية قومية»، مشيرة إلى أنها تعمل بموجب «قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017».
- موارد مالية مستقلة
وما يعزز استقلالية الدعم السريع، حصولها على موارد مادية خاصة بها؛ إذ مع تنامي دورها ونفوذها تحدثت تقارير عن سيطرتها على عدة مناجم للذهب، والتي تديرها شركة «الجنيد» المرتبطة بـحميدتي، ناهيك عن حراستها لمناجم في دارفور وكردفان، وفق ما نقلته مؤسسة «كارنيغي».
كما تسيطر قوات الدعم السريع على منجم ذهب في جبل عامر في غرب السودان منذ 2017، إضافة إلى مناجم أخرى في جنوب إقليم كردفان، وهي تعد مصدراً مهماً لتمويل تلك القوات، وجعلها قوة مادية وعسكرية ذات نفوذ واسع في السودان، بحسب تحليل المؤسسة. وكشف أيضاً تحقيق لوكالة «رويترز» للأنباء عن منح الرئيس المخلوع البشير حق التعدين لـقوات «الدعم السريع» في عام 2018.
ومن المفارقات اللافتة أن «الدعم السريع» شيّدت معسكر مثار الصراع في منطقة تسمى «فتنة» قريباً من مطار مروي العسكري، ما اعتبره الجيش السوداني تهديداً مباشراً لقواته المرابطة في القاعدة الجوية، وهو أيضاً ما أزكى حدة التوتر بين القوتين الذي تعود جذوره إلى خلافهما على العملية السياسية الجارية في البلاد.
وجلبت قوات «الدعم السريع» قوات كبيرة إلى «فتنة»، زاعمة التحسب لاحتمالات الغدر بها والاستعانة بالطيران الحربي لضرب قواتها، ولتكون قريبة من الطائرات الحربية التي يتوقع أن يستخدمها الجيش ضدها.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«حماس» و«فتح» في القاهرة... و«اقتراب» من اتفاق بشأن «إدارة غزة»

فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

«حماس» و«فتح» في القاهرة... و«اقتراب» من اتفاق بشأن «إدارة غزة»

فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

تستضيف القاهرة محادثات جديدة بين حركتي «حماس» و«فتح»، بعد جولة أخرى من المحادثات قبل نحو 3 أسابيع. ويفترض أن تتناول الحركتان في لقاءاتهما ملف «إدارة قطاع غزة»، وذلك عشية زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مصر.

وتأتي المحادثات الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة، غداة رفض «حماس» «الصفقة المصغرة» في مفاوضات الهدنة، في حين يتحدّث خبراء ومطلعون على مسار المباحثات بين الحركتين عن «تقدّم» مع اقتراب الموافقة على تأسيس «لجنة مهنية» تدير قطاع غزة مستقبلاً، خصوصاً مع ما يُثار عن قبول «حماس» هذه اللجنة واشتراطها أن تُصدر بمرسوم رئاسي. وقال الخبراء إن زيارة الرئيس الفلسطيني قد تعني اقتراباً من اتفاق أو ترتيبات جادة بين الحركتين، استعداداً لمرحلة «اليوم التالي» من الحرب التي جاوزت العام.

والمقترح المطروح على الطاولة، منذ بداية محادثات الحركتين، الشهر الماضي، مرتبط بتشكيل «هيئة إدارية» لقطاع غزة، يُطلق عليها اسم «اللجنة المجتمعية لمساندة أهالي قطاع غزة»، تتولى مهمة إدارة الشؤون المدنية وتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتوزيعها في القطاع، وإعادة تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر، والشروع في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية، وفق ما كشفته المصادر وقتها.

اجتماع للفصائل الفلسطينية في الصين انتهى بتوقيع إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية في يوليو الماضي (رويترز)

وأفاد مصدر أمني مصري، السبت، لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية بـ«انطلاق اجتماعات حركتي (فتح) و(حماس) بالقاهرة، بشأن إنشاء (لجنة الإسناد المجتمعي) المعنية بإدارة شؤون قطاع غزة، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة». ووفق المصدر فإن «الحركتين لديهما نظرة إيجابية تجاه التحركات المصرية بشأن تشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) رغم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية».

وأضاف أن «الاجتماعات شأن فلسطيني خالص، والجهود المصرية هدفها توحيد الصف والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني»، لافتاً إلى أن «(لجنة الإسناد المجتمعي) تتبع السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتصدر بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس وتتحمّل اللجنة إدارة قطاع غزة».

ويأتي لقاء الحركتين امتداداً لاجتماعات شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفق معلومات القيادي في حركة «فتح»، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، موضحاً أن «الملف الأساسي الذي كان معروضاً (تشكيل هيئة تكنوقراط) أو (لجنة مهنية) لإدارة ملف غزة وتسلمه، ووقتها اشترطت (حماس) تنفيذ قرارات اتفاق بكين بتشكيل حكومة تكنوقراط مسؤولة عن الضفة الغربية والقطاع لعدم فصلهما، وإعلان إطار مؤقت لـ(منظمة التحرير الفلسطينية) يضم كل الفصائل».

وفي يوليو (تموز) الماضي، توصّل 14 فصيلاً فلسطينياً، بما في ذلك حركتا «فتح» و«حماس»، إلى إعلان تاريخي للمصالحة الوطنية في بكين لإنهاء الانقسام، وتعزيز الوحدة الفلسطينية.

صورة التُقطت في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة تُظهر الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

ولم تشهد جولة محادثات الحركتين في القاهرة، الشهر الماضي، أي نتائج، وترك المجال لهما للعودة إلى قيادتيهما، وفق الرقب، لافتاً إلى أن «الجولة الجديدة بمثابة العودة إلى ما طُرح سابقاً لتشكيل لجنة مهنية لإدارة ملف غزة، والجديد أن (حماس) تريد أن يصدر مرسوم فلسطيني رسمي بأن هذه الهيئة تتبع بشكل مباشر الحكومة الفلسطينية الحالية»، مؤكداً أن «هذا تطور مهم في موقف (حماس)».

كذلك مطروح على الطاولة تشكيل وفد مشترك من الفصائل كما كان في الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014، لإدارة الملف السياسي والمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، حسب الرقب، الذي أكد أن «هذا أمر جيد، ويجب الاتفاق عليه، خصوصاً قبل نتائج الانتخابات الأميركية الوشيكة، بوصفه تقوية للموقف الفلسطيني، واستعدادات لأي سيناريوهات مستقبلية مرتبطة بالاتفاق».

ويعتقد الرقب أن هناك إشارات إيجابية تتزامن مع هذه الجولة، خصوصاً مع أفكار «حماس» الجديدة، وزيارة الرئيس الفلسطيني التي قد تعني اقتراباً من اتفاق أو ترتيبات جادة نحو ذلك بين الحركتين، معولاً على أهمية التعالي على كل الخلافات، والموافقة على إطار مؤقت لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» يشمل «حماس» و«الجهاد»، يأخذ على عاتقه إدارة المفاوضات.

ويأتي لقاء «حماس» و«فتح» عشية وصول الرئيس الفلسطيني إلى القاهرة، الأحد، في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين، يلتقي خلالها مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، «وعلى رأس أولويات اللقاء بحث سُبل إنجاح جهود مصر والشركاء الآخرين لوقف حرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني وحمايته وإغاثته وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني، وحشد الجهود كافّة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي»، وفق بيان صحافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة.

ولا تزال أبرز التطورات الفلسطينية المرتبطة بجهود المفاوضات بشأن الهدنة في غزة تراوح مكانها، خصوصاً بعد ما ذكره قيادي بـ«حماس»، الجمعة، بشأن رفض قبول إتمام «الصفقة المصغرة»، وأرجع ذلك إلى أنها «لا تتضمّن وقفاً دائماً للعدوان ولا انسحاباً للاحتلال من القطاع ولا عودة للنازحين، ولا تعالج احتياجات شعبنا للأمن والاستقرار والإغاثة والإعمار، ولا فتح المعابر بشكل طبيعي، خصوصاً معبر رفح»، مؤكداً أن الحركة «منفتحة على أي أفكار أو مفاوضات من أجل تحقيق هذه الأهداف».

وأرجع المصدر المصري، السبت، «تمسُّك حركة (حماس) بعدم تجزئة المفاوضات خوفاً من تسليم الأسرى، ثم عودة الجانب الإسرائيلي إلى إطلاق النار»، لافتاً إلى أن «هناك اتصالات مصرية مكثّفة لحثّ الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة». المصدر أكد أيضاً «وجود دعم دولي للجهود المصرية مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي؛ بهدف التوصل لوقف إطلاق نار بغزة وإعادة الهدوء رغم عدم رغبة أحد الطرفين التجاوب مع تلك الجهود».

ووفق السفير الفلسطيني السابق، بركات الفرا، فإن «لقاء الحركتين بالقاهرة وزيارة الرئيس عباس يمثلان تأكيداً على الدور المصري الحيوي في دعم القضية الفلسطينية»، لافتاً إلى أهمية أن يقود ذلك الوجود إلى مواقف تعزّز الموقف الفلسطيني الموحّد، معرباً عن تفاؤله بإمكانية عقد مصالحة فلسطينية، والتوصل إلى قرار فلسطيني واحد في ظلّ التطورات الحالية بالمنطقة.