روبوت المحادثة «بارد» يناقش تحديات البيئة العربية

في إطار استخدام الذكاء الصناعي للتعامل مع متغيرات المناخ

شعار «بارد» (رويترز)
شعار «بارد» (رويترز)
TT

روبوت المحادثة «بارد» يناقش تحديات البيئة العربية

شعار «بارد» (رويترز)
شعار «بارد» (رويترز)

مع الاهتمام الكبير الذي رافق إطلاق روبوت المحادثة «شات جي بي تي» (ChatGPT) في نهاية العام الماضي، سارعت شركة «غوغل» إلى إطلاق إصدار تجريبي من روبوت المحادثة الخاص بها باسم «بارد» (Bard). هنا نحاور روبوت «بارد» حول تحديات البيئة في العالم العربي، في محاولة لاستكشاف ما تعلّمه الذكاء الصناعي الخاص بشركة «غوغل»، وتوقعاته حول مستقبل البيئة في المنطقة. وما تقرأونه ليس نتيجة أبحاث مرجعية موثّقة مثل بقية مقالات الصفحة البيئية في «الشرق الأوسط»، بل هو ملخّص لإجابات روبوت «بارد» حين سألناه عن البيئة العربية.
- تحديات المياه وتغيُّر المناخ
يصِف «بارد» نفسه بأنه نموذج لغوي كبير، يُعرف أيضاً باسم الذكاء الصناعي للمحادثة، أو روبوت الدردشة المدرّب ليكون مصدراً شاملاً للمعلومات. ويستطيع «بارد» التواصل وإنشاء نص بصياغة بشرية، كما يمكنه الاستجابة لمجموعة واسعة من الطلبات والأسئلة، مثل تقديم ملخّصات لموضوعات واقعية وابتكار القصص.
وعند سؤال «بارد» عن التحديات البيئية الكبرى التي تواجه العالم العربي، وضَعَ ندرة المياه على رأس قائمة هذه التحديات، حيث تحتوي المنطقة على واحد في المائة فقط من موارد المياه العذبة في العالم. ويُعدّ العالم العربي من أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم نتيجة مجموعة من العوامل، مثل قلّة هطول الأمطار، وارتفاع معدلات التبخُّر، والنمو السكاني.

من موقع «غوغل بارد» (أ.ب)

ويتوقع «بارد» أن يكون لتغيُّر المناخ تأثير مدمِّر على اقتصاد المنطقة والزراعة والبنية التحتية، لا سيما أن المنطقة تشهد بالفعل زيادةً في درجات الحرارة، ومزيداً من الظواهر الجويّة المتطرفة، وارتفاعاً في مستوى سطح البحر. كما أن التصحُّر مشكلة رئيسية في العالم العربي، حيث تشير التقديرات إلى أن ثلث أراضي المنطقة معرضة لخطر التصحُّر. ويرتبط التصحُّر بعدد من العوامل، بما فيها تغيُّر المناخ والرعي الجائر وإزالة الأشجار والممارسات الزراعية غير المستدامة.
ويُعدّ تلوُّث الهواء مشكلة رئيسية في العديد من الدول العربية، بسبب انبعاثات المركبات ومحطات الطاقة والأنشطة الصناعية. وغالباً ما تكون إدارة النفايات غير ذات كفاءة في الكثير من المدن العربية، مما يؤدي إلى تراكم النفايات في مدافن القمامة والمكبّات المفتوحة، وتهدد سلامة البيئة وصحة الأشخاص الذين يعيشون في الجوار.
ويقترح «بارد» لمواجهة الندرة المائية في العالم العربي مجموعة من الإجراءات، تشمل تحسين الكفاءة من خلال تبني طرق ري موفِّرة، وإصلاح التسربات في البنية التحتية لتخزين ونقل المياه، وتثقيف الناس حول أهمية الحفاظ على المياه. ورغم كلفتها المرتفعة، يعتبر «بارد» تحلية مياه البحر لجعلها صالحة للشرب أداة قيّمة للمناطق التي تعاني من ندرة المياه. كما أن تدوير المياه، من خلال معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها، طريقة مُجدية مالياً للحفاظ على المياه. ويمكن تدوير المياه لاستخدامها في الري والفعاليات الصناعية ولتلبية الحاجات المنزلية.
ويشير «بارد» إلى أن حصاد مياه الأمطار طريقة بسيطة وفعّالة لتجميع المياه في المناطق التي تشهد هطولات منتظمة. ومن المهم إدارة مستجمعات المياه لمنع التلوُّث وضمان توفُّر المياه لجميع الاستخدامات. ويؤكد «بارد» أن هذه الإجراءات وغيرها ضرورية للتغلُّب على ندرة المياه في المستقبل، حيث من المهم العمل الآن على معالجة هذه الأزمة؛ لأن الوضع سيزداد سوءاً في المستقبل.
وحول أفضل نهج عربي لمواجهة تغيُّر المناخ، من دون الإضرار بعوائد صادرات النفط، يقترح «بارد» الاستثمار في الطاقة المتجددة التي تنعم المنطقة بفائض منها، ويمكنها أن تساعد الدول العربية على تلبية احتياجاتها من الطاقة مع تقليل انبعاثات الكربون أيضاً.
ويمكن للدول العربية تحسين كفاءة الطاقة من خلال استخدام أجهزة تستهلك الطاقة على نحو أقل، وتنفيذ أبنية أفضل في عزل الحرارة والإفادة من الإنارة الطبيعية، وتشجيع الناس على حفظ الطاقة. وتساعد الزراعة المستدامة في تحسين إنتاج الغذاء وحماية البيئة من خلال تعزيز الممارسات الخضراء، مثل استخدام كميات أقل من المياه والمبيدات، مما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية.
وتوجد إجراءات أخرى لتقليل غازات الدفيئة في الجو مثل إعادة التشجير، وتثقيف الناس حول تغيُّر المناخ، والدعوة للعمل الدولي لتطوير وتنفيذ سياسات الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث يمكن للدول العربية أن تلعب دوراً رائداً في هذا المجال. ويشير «بارد» إلى أنه من المهم اتخاذ إجراءات للتصدي لتغيُّر المناخ والتحديات البيئية الأخرى التي تواجه العالم، ذلك أن هذه التحديات تشكّل تهديداً لسكان المنطقة، وتضع اقتصادها وأمنها على المحك.
- مواجهة التصحُّر وأزمة الغذاء
وعمّا إذا كان هناك تقدم منجز عربياً في مواجهة التصحُّر، لم تكن الإجابة الأولى التي قدمها «بارد» محيطة بكامل السؤال، وإن كانت صحيحة نسبياً. ولذلك اخترنا الإجابة الثالثة، من بين ثلاث إجابات يقترحها «بارد» عن كل سؤال، حيث كانت أكثر شمولاً وثراءً بالمعلومات. ويوجِز «بارد» بأن الدول العربية تحرز تقدماً في مكافحة التصحُّر، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به.
وتعمل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر (UNCCD) مع الدول العربية على تطوير وتنفيذ خطط عمل وطنية لمكافحة التصحُّر. وتشمل هذه الخطط تدابير لتحسين ممارسات إدارة الأراضي، وتعزيز الزراعة المستدامة، وحماية الموارد الطبيعية.
ورغم الإنجازات التي تحققت، تبقى مجموعة من التحديات التي تحتاج إلى معالجة من أجل مكافحة التصحُّر في الدول العربية، من بينها النمو السكاني السريع في المنطقة، وتزايد الطلب على الغذاء والماء، وتغيُّر المناخ، وقلّة الوعي بمسألة التصحُّر.
ويمكن للدول العربية أن تحقق تقدماً كبيراً في مكافحة التصحُّر وحماية مواردها الطبيعية من خلال زيادة الوعي بالتصحّر وآثاره، وتحسين ممارسات إدارة الأراضي، وتعزيز الزراعة المستدامة، وحماية الموارد الطبيعية، والاستثمار في البحث والتطوير، والتعاون مع الدول الأخرى لمكافحة التصحُّر.
وعند سؤال «بارد» عن عدم لحظه أزمة الغذاء والجوع ضمن التحديات البيئية الكبرى التي تواجه العالم العربي، اعتذر «بارد» عن ذلك، مشيراً إلى أنه «ما زال قيد التطوير، ويتعلم أشياء جديدة. وسيبذل قصارى جهده ليكون أكثر شمولاً في إجاباته مستقبلاً». لكنه استجاب لاحتجاجنا بإعطاء معلومات إضافية عن الموضوع؛ إذ أشار إلى أن تغيُّر المناخ يؤدي إلى زيادة مصاعب الزراعة في أجزاء كثيرة من المنطقة، مما يتسبب بالجوع وانعدام الأمن الغذائي. كما يساهم الصراع وعدم الاستقرار في بعض أجزاء العالم العربي في انعدام الأمن الغذائي. ويمكن القيام بعدد من المبادرات لمواجهة تحدي الغذاء وإطعام الجياع، من بينها الاستثمار في الزراعة من خلال تزويد المزارعين بالمستلزمات الضرورية مثل البذور والأسمدة ومياه الري.
وإلى جانب الزراعة المستدامة، يمكن للدول العربية توفير مزيد من الطعام عبر تقليل الهدر بتحسين تخزين الأغذية والبنية التحتية للنقل، وتثقيف الناس حول أهمية عدم إهدار الطعام. ويقترح «بارد» أن تقوم الدول العربية بتقديم مساعدات غذائية للأشخاص الذين يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الغذائية، وذلك عبر برامج متنوعة مثل قسائم الطعام والوجبات المدرسية وبنوك الطعام. ويخلص إلى أن أزمة الغذاء والجوع في المنطقة تمثّل تحدياً معقداً تجب مواجهته، فشعوب العالم العربي تستحق الحصول على طعام آمن ومغذٍّ.
وعلى الرغم من اللغة «الدبلوماسية» التي يتحلّى بها روبوت المحادثة «بارد»، لا يمكن إنكار أن مجمل المعلومات التي عرضها كانت دقيقة وشاملة. ويمكن اعتبار هذا الروبوت داعماً لنظم الذكاء الصناعي التي تساعد في حماية البيئة من خلال مراقبة التغيُّرات البيئية والتنبؤ بها، كما في حالة تتبع إزالة الغابات، وتحديد مناطق التلوُّث، وتوقع آثار تغيُّر المناخ.
وتعمل العديد من المؤسسات والشركات حول العالم على تطوير أنظمتها الخاصة باستخدام خوارزميات التعلُّم الآلي التي تقوم على جمع البيانات وتحضيرها ونمذجة إجراءات التنبؤات الدقيقة. وفيما يمثّل الذكاء الصناعي أداةً قويّةً لحل مجموعة متنوعة من المشكلات، تبقى صحة المعطيات ودقّتها العامل الأهم في الوصول إلى توقُّعات سليمة وغير متحيزة. فمحركات الذكاء الصناعي هذه لا تعمل من عدم، بل هي مبرمجة لجمع معلومات عن الموضوع المطروح من ملايين المصادر بلغات متعددة، وتنسيقها على نحو منطقي متناسق. لذا تُبنى صدقيتها على قدرة الاختيار من مصادر موثوقة والحكم على دقّتها. وقد أمكننا ربط معظم المعلومات التي أعطاها «بارد» عن البيئة العربية بتقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) التي تصدر سنوياً بالعربية والإنجليزية منذ عام 2008، وكذلك الربط بمقالات من مجلة «البيئة والتنمية». لكن كل هذا لا يغني عن العقل البشري؛ إذ إن الآلة لا تستطيع الحكم إذا ما زوِّدت بمعلومات غير صحيحة، عن قصد أو غير قصد.


مقالات ذات صلة

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

العالم العربي تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

أعلن النائب التونسي ثابت العابد، اليوم (الثلاثاء) تشكيل «الكتلة الوطنية من أجل الإصلاح والبناء»، لتصبح بذلك أول كتلة تضم أكثر من 30 نائباً في البرلمان من مجموع 151 نائباً، وهو ما يمثل نحو 19.8 في المائة من النواب. ويأتي هذا الإعلان، بعد المصادقة على النظام الداخلي للبرلمان المنبثق عمن انتخابات 2022 وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي برلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية، لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي. ومن المنت

المنجي السعيداني (تونس)
العالم العربي مصر تبدأ تحريكاً «تدريجياً» لأسعار سلع تموينية

مصر تبدأ تحريكاً «تدريجياً» لأسعار سلع تموينية

بدأت مصر في مايو (أيار) الحالي، تحريكا «تدريجيا» لأسعار سلع تموينية، وهي سلع غذائية تدعمها الحكومة، وذلك بهدف توفير السلع وإتاحتها في السوق، والقضاء على الخلل السعري، في ظل ارتفاعات كبيرة في معدلات التضخم. وتُصرف هذه السلع ضمن مقررات شهرية للمستحقين من أصحاب البطاقات التموينية، بما يعادل القيمة المخصصة لهم من الدعم، وتبلغ قيمتها 50 جنيهاً شهرياً لكل فرد مقيد بالبطاقة التموينية.

محمد عجم (القاهرة)
العالم العربي «الوطنية للنفط» في ليبيا تنفي «بشكل قاطع» دعمها أطراف الحرب السودانية

«الوطنية للنفط» في ليبيا تنفي «بشكل قاطع» دعمها أطراف الحرب السودانية

نفت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا «بشكل قاطع»، دعمها أياً من طرفي الحرب الدائرة في السودان، متوعدة بتحريك دعاوى قضائية محلياً ودولياً ضد من يروجون «أخباراً كاذبة»، وذلك بهدف «صون سمعتها». وأوضحت المؤسسة في بيان اليوم (الاثنين)، أنها «اطلعت على خبر نشره أحد النشطاء مفاده أن المؤسسة قد تتعرض لعقوبات دولية بسبب دعم أحد أطراف الصراع في دولة السودان الشقيقة عن طريق مصفاة السرير»، وقالت: إن هذا الخبر «عارٍ من الصحة». ونوهت المؤسسة بأن قدرة مصفاة «السرير» التكريرية «محدودة، ولا تتجاوز 10 آلاف برميل يومياً، ولا تكفي حتى الواحات المجاورة»، مؤكدة التزامها بـ«المعايير المهنية» في أداء عملها، وأن جُل ترك

جمال جوهر (القاهرة)
العالم العربي طرفا الصراع في السودان يوافقان على تمديد الهدنة

طرفا الصراع في السودان يوافقان على تمديد الهدنة

أعلن كلّ من الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» تمديد أجل الهدنة الإنسانية في السودان لمدة 72 ساعة إضافية اعتباراً من منتصف هذه الليلة، وذلك بهدف فتح ممرات إنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين. ولفت الجيش السوداني في بيان نشره على «فيسبوك» إلى أنه بناء على مساعي طلب الوساطة، «وافقت القوات المسلحة على تمديد الهدنة لمدة 72 ساعة، على أن تبدأ اعتباراً من انتهاء مدة الهدنة الحالية». وأضاف أن قوات الجيش «رصدت نوايا المتمردين بمحاولة الهجوم على بعض المواقع، إلا أننا نأمل أن يلتزم المتمردون بمتطلبات تنفيذ الهدنة، مع جاهزيتنا التامة للتعامل مع أي خروقات». من جهتها، أعلنت قوات «الدعم السريع» بقيادة م

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي «السفر عكس التيار»... سودانيون يعودون إلى الخرطوم رغم القتال

«السفر عكس التيار»... سودانيون يعودون إلى الخرطوم رغم القتال

في وقت يسارع سودانيون لمغادرة بلادهم في اتجاه مصر وغيرها من الدول، وذلك بسبب الظروف الأمنية والمعيشية المتردية بالخرطوم مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، يغادر عدد من السودانيين مصر، عائدين إلى الخرطوم. ورغم تباين أسباب الرجوع بين أبناء السودان العائدين، فإنهم لم يظهروا أي قلق أو خوف من العودة في أجواء الحرب السودانية الدائرة حالياً. ومن هؤلاء أحمد التيجاني، صاحب الـ45 عاماً، والذي غادر القاهرة مساء السبت، ووصل إلى أسوان في تمام التاسعة صباحاً. جلس طويلاً على أحد المقاهي في موقف حافلات وادي كركر بأسوان (جنوب مصر)، منتظراً عودة بعض الحافلات المتوقفة إلى الخرطوم.


مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.


اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.