السينما المغربية تعيش حالة ازدهار متوالية

تطرح مسائل وإشكالات اجتماعية مختلفة

مشهد من «آدم» لمريم توزاني (إلي إن بروديكشن)
مشهد من «آدم» لمريم توزاني (إلي إن بروديكشن)
TT

السينما المغربية تعيش حالة ازدهار متوالية

مشهد من «آدم» لمريم توزاني (إلي إن بروديكشن)
مشهد من «آدم» لمريم توزاني (إلي إن بروديكشن)

أقام مهرجان تطوان السينمائي في العاشر من الشهر الماضي ندوة حول واقع السينما المغربية وما يتوخاه النقاد والمبدعون منها ووضعها اليوم في السوق كإنتاجات متعددة المستويات والتوجهات.
موضوع كهذا يُطلق من حين لآخر وتحت البنود ذاتها. فبين كل فترة وأخرى يتم طرح مثل هذه المواضيع البحثية في ندوات تتشابه في العناوين كما في الغايات والنتائج. لكن الجديد في ندوة المهرجان المغربي هو إنه يتحدّث عن طفرة جديدة من الأعمال الجيدة التي تم إطلاقها في السنوات العشر الأخيرة والأعمال الجديدة التي تداولها الباحثون والنقاد بالاهتمام.
هناك ما بين 18 و22 فيلماً مغربياً يتم إنتاجه في كل سنة منذ انتهاء ما فرضه وباء «كورونا» من التزامات. قبل ذلك كان العدد أكبر قليلاً، إذ بلغ في بعض سنوات العقد الماضي نحو 30 فيلماً في العام بذلك نافس - عددياً على الأقل - ما تنتجه السينما المصرية.

- حكايات النساء
أهم ما تعكسه السينما المغربية حالياً من مزايا هو التنوّع الكبير في الطروحات والقدرة على الوصول إلى المنصّات العالمية (مهرجانات وبعض العروض التجارية في الغرب). هذا بحد ذاته ليس جديداً فهناك أجيال متعاقبة من المخرجين المغاربة الذين حققوا أعمالهم بمساعدة حكومية (مركز السينما المغربية) أو من دونها ومنذ نحو نصف قرن. في كل موجة تطوّرٌ يصاحب المرحلة ويعكس الاهتمام بوسائل وصيغ المعالجات وبتقديم نصوص تخدم الرغبة في طرح قضايا ومواقف اجتماعية مهمّة. العديد من الأفلام له صيغة جماهيرية بحتة ولكن عدداً متزايداً منها صالحة لدخول المهرجانات والأسواق الأجنبية من دون إهمال التوزيع الداخلي أيضاً.
من الأعمال الحديثة فيلمان للمخرجة مريم توزاني هما «آدم» (2019) و«القفطان الأزرق» (2022). في الفيلم الأول حكاية امرأة حامل وبلا مأوى تستضيفها أرملة لديها فتاة تساعدها في إدارة دكان لبيع الفطائر الشعبية. في ذلك الفيلم المدروس بعناية ورقّة ستتبادل الامرأتان بعض المواقف. كل واحدة ستساعد الأخرى في شؤون حياتها. ففي مقابل منح المرأة الحامل مكاناً للعيش ستقوم الثانية بمساعدة الأخرى في صنع العجائن، مما يرفع من مدخول المحل. كذلك، ستمنح المرأة الحامل الأرملة القوّة للتوقف عن حدادها الدائم والانفتاح على الحياة من جديد.
لا تبتعد المخرجة كثيراً عن الحكايات الباحثة في مشاكل المرأة في فيلمها الثاني «القفطان الأزرق». هنا بطلة هذا الفيلم، مينا (لبنى أزبال) هي أيضاً امرأة عاملة لكن مشكلتها ليست طبيعية ولا هي مطروقة في السينما العربية من قبل. فهي تواجه ميول زوجها المثلية من موقع ضعيف كونها تعيش بثدي واحد نتيجة إصابتها بالسرطان. في الفيلمين نجاح في اختيار حكايات جيدة محورها المرأة، والقدرة على نقل هذا الاهتمام إلى مستوى جاد وطموح.
المنوال الذي تختاره المخرجة توزاني لسرد حكاياتها أقرب إلى الشخصيات وصدق معاناتها من ذاك الذي نجده في فيلم زميلتها مريم بن مبارك. في فيلمها «صوفيا» رغبة في طرح المرأة كقضية (وهذا فعل تشترك به سينمات عربية كثيرة هذه الأيام أصابت في اختياراتها أم لم تصب) لكن الأحداث التي تقع في فيلمها من النوع الذي يرفع الراية الخطأ في هذا الصدد. صوفيا (مها علمي) حامل من دون علم والديها (رغم أن بطنها يدل على ذلك) وعندما تنجب بمساعدة قريبة لها تدعي أن الأب هو شاب فقير ثم تكشف عن حقيقة أن الشاب ليس هو الأب، بل رجل أعمال من أصدقاء والدها تعرّض لها في غياب والديها. يمنح الفيلم بطلته الحق في الكذب، مما ينسف أي قضية حقّة حاولت المخرجة ولوجها في ذلك الفيلم.
هذا هو حال فيلم «ملكات» (تم نقده في الأسبوع الماضي) أيضاً وهو فيلم جديد للمخرجة ياسمين بنكيران التي تنجح في سرد ومعالجة الحكاية كقصّة تشويقية أكثر مما تنجح في تحويل الموضوع إلى موقف يدعو لقضية المرأة الاجتماعية. فبطلاتها هاربات من جرائم ارتكبنها، مما يُلغي أن الفيلم يتحدث عن قضية حرية المرأة كما أكدت المخرجة وبعض النقاد.

«عرق الشتا» لحكيم بلعباس (إلي إن بروديكشن)

- أبعاد عائلية
وضع المرأة مهم في السينما المغربية لكنه ليس، في فيلم «عرق الشتا» للمخرج حكيم بلعبّاس، عن وضع المجتمع بأسره. هي من لبنة العائلة وكيف تحيا وبأي نصيب من الأقدار التي تهيمن على قراراتها. هذا ما ورد في فيلمه النيّر «عرق الشتا»، دراما عميقة ورائعة كونها مستمدة من البيئة التي يعرفها المخرج جيداً. يروي بلعبّاس هنا حكاية مزارع اسمه مبارك (من قرية أبي الجعد، التي وُلد فيها المخرج سنة 1961) يحفر في أرضه طامعاً في بئر ماء ينقذ به المحاصيل في موسم أصابه الجفاف. لديه زوجة حامل وابن معاق وديون عليه سدادها وآمال صغيرة (تبدو له بحجم جبال عالية) يريد تحقيقها. لكن كل شيء بعيد المنال بدوره. الاستدانة من المصرف لا تبدو ممكنة والأرض لا تفي بالمطلوب وثقل العالم يعلو كتفيه. يحث مبارك الخطى، لكن لا شيء تستطيع هذه الخطوات الوصول إليه لإنقاذه مما يعاني منه.
منح المخرج الحالة الشخصية أبعادها العائلية كما في المشاهد الحميمة بين مبارك وزوجته وتلك المتوترة في العمق بينه وبين ابنه المعاق الذي يتمنى لو لم ينجبه. تلاحق الكاميرا بأسلوبها الواقعي هذه الشخصيات، وما على المخرج إلا أن يؤسس لها ما يريده منها. غالباً المشاهد كافية لأن تعبر عن الدور المطلوب منها، كمشاهد الحفر، التي تبدأ بعمق ظاهر لكن الحفرة تصبح أعمق وأعمق تماماً رمزاً لحال مبارك (دور رائع للممثل غير المحترف حميد بلعباس) المنزلق أكثر وأكثر في بؤسه ويأسه. لا يحتاج حكيم إلى الحوار. ليس أن الفيلم صامت أو بلا حوار، لكن الصورة تعبر عن كل شيء يستطيع الكلام قوله.
ينقد حكيم بلعبّاس وضعاً اجتماعياً كما فعل العديد من أترابه وما زالوا بينهم نبيل عيوش في «غزية» وهاشم العسري في «البحر من ورائكم» و«الجاهلية» وإسماعيل العراقي في «زنقة كونتاكت». هذا الأخير يموج بين الواقع والفانتازيا الداكنة ويدور حول مغني روك (أحمد حمّود) يلتقي، في مطلع الفيلم وبناء على حادثة سير، بالمومس راجيا (خنساء باتما). لقاؤهما أكبر من مجرّد صدفة وينتهي بهروب مشترك صوب مستقبل غير مستقر. كلاهما هارب. سيتركان مدينة كازابلانكا (يمنحها المخرج صورة جديدة) إلى البرية، حيث لا مكان بعد ذلك للجوء جديد.
الأكثر عرضة لنقد مفتوح على دلالات اجتماعية بأسلوب فانتازي هو هشام العسري انطلاقاً من كل فيلم قام بإخراجه حتى الآن. في «الجاهلية» (2018)، على سبيل المثال، طرح معالجة على شخصيات لا تكشف عما هي وما تفكر به. يتحدث أحدهم فيقول إنه يود الانتحار، لكنه لا يبين السبب. الشخصية التي يمكن أن نطلق عليها كلمة «محورية»، هي شخصية لطفي، الذي يعيش بلا ذاكرة (كشأن «ضربة في الرأس» فيلم آخر للمخرج نفسه) والمحاط بشخصيات متعددة لكل منها درب يؤدي لمشكلة أخرى لا يتسع الفيلم لطرحها في ساعتيه.
في «البحر من ورائكم» (2016) قدم العسري شخصية رجل اسمه طارق ويربط سريعاً بينه وبين فاتح الأندلس طارق بن زياد، صاحب العبارة الشهيرة التي يشكل نصفها عنوان الفيلم. هو شخص حزين. مطحون. تعرّض للاضطهاد وسوء المعاملة وها هو الآن لا يقوى على فعل شيء. أكثر من مرّة تتاح له فرصة الانتقام من رجل ذي سُلطة كان اعترف بمسؤوليته لما حدث لعائلته، الأمور من هنا، وفي غير مكان، لا تترابط جيّـداً على نحو مستتب ولا الفيلم يبلور حكاية مسرودة جيّـداً.
ما تنتجه السينما المغربية من أعمال يستحق التوقف عنده مع ارتفاع منسوب الأفلام الراغبة في الوصول إلى المزيد من الأسواق الغربية. هذا أسهل بكثير من فتح الأسواق العربية لأسباب تتعلق باللغة وامتناع رأس المال عن تأسيس قنوات توزيع فعلية للأفلام المستقلّة.


مقالات ذات صلة

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

يوميات الشرق خيرية نظمي في مشهد من فيلم «هجرة» (الشرق الأوسط)

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

تعود خيرية نظمي إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

قال المخرج البريطاني روان أثالي إن اختيار المشهد الافتتاحي لفيلم «العملاق» لم يكن قراراً مفاجئاً، بل كان محدداً منذ المراحل الأولى للكتابة.

أحمد عدلي (جدة )
يوميات الشرق لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

أكد حسن هادي أنَّ الفيلم حاول عكس صورة المجتمع خلال التسعينات، بسبب الحصار والعقوبات المفروضة.

داليا ماهر (الدوحة)
سينما أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

كل ما يحدث في «أڤاتار: نار ورماد» على مدى ثلاث ساعات و17 دقيقة كان يمكن له أن يحدث على كوكب الأرض فيما لو قرر جيمس كاميرون وكاتبا السيناريو ذلك.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا) )
يوميات الشرق سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية

وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

توفيت الفنانة المصرية سمية الألفي صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع المرض.

يسرا سلامة (القاهرة)

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)
أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)
TT

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)
أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)

كل ما يحدث في «أڤاتار: نار ورماد» على مدى ثلاث ساعات و17 دقيقة كان يمكن له أن يحدث على كوكب الأرض فيما لو قرر جيمس كاميرون وكاتبا السيناريو ذلك.

هذا ليس جديداً، بل في الواقع حال فيلمَي السلسلة السابقَين «أڤاتار» (2009) و«أڤاتار: طريق الماء» (2022). التيمة التي تدور حول استعمار البيض للقبائل هي في الأساس بعض التاريخ الأميركي مع مواطني البلاد الأصليين. التكنولوجيا مقابل السهام وأدوات القتال البدائية تدخل في هذا المعترك (شأن تلميحات أكيرا كوروساوا في عدد من أفلامه بدءاً بـ«الساموراي السبعة» في 1954). الحيوانات المائية في هذه السلسلة هي بديل للحيتان والأسماك في البحار الأرضية. الحيوانات المجنّحة التي تطير هي استعاضة عن الخيول في أفلام الوسترن والأفلام التاريخية.

قبائل مُستعمَرة

«أڤاتار: نار ورماد» يؤكد هذه الاستعارات مجدداً. حتى الحكاية هنا هي، في الأساس، حكاية قبائل متقاتلة كما كان حال قبائل الولايات المتحدة (وكل القارة الأميركية) ضد بعضها بعضاً تنازعت على الزعامة والأرض والمراعي.

ما يختلف هو أن الحكاية في «أڤاتار: نار ورماد» تسرد في إطار خيالي ممتع للنظر. تصاميم الفيلم المرسومة وألوانها وبصرياته المتعددة ما زالت دعوة لمتابعة رقي فني في أساسه. شخصيات هذا الفيلم تتحرّك على خلفيات كثيرة والمؤثرات التقنية والبصرية تُولّف بين الحركة البدنية والمحيط الذي يغلّفها طوال الوقت. في المشاهد الخالية من المعارك هي أشبه بسباحة حالمة وفي غيرها تبقى مثيرة للاهتمام بسبب طريقة تنفيذها.

تدور الاحداث على كوكب غرائبي التشكيل والطبيعة من صخور معلّقة إلى غابات عملاقة ومخلوقات نصفها أليف ونصفها الآخر مخيف. (أ.ب)

في الفيلمَين الأول والثاني من السلسلة يقوم الصراع أساساً بين الأرضيين الذين استعمروا جزءاً من كوكب باندورا (على بُعد ملايين السنوات الضوئية كما يذكّرنا الفيلم الجديد) وبين قبيلة ناڤي. هنا، يوجد بُعد آخر. عدو جديد متمثّل بقبيلة أخرى اسمها مانغكوان (تقودها محاربة اسمها ڤارانغ تؤديها أونا تشابلن التي لم يسبق لها الظهور في هذه السلسلة من قبل) هي التي تُغير على أفراد قبيلة ناڤي بعدما انشق عنها الآدمي المتحوّر جاك (سام وورثنغتون) بسبب رفض رئيسها السماح لجاك استخدام السلاح الناري دفاعاً ضد الغازين. هذا ما يجبر جاك وأفراد عائلته التوجه صوب موقع جديد. جاك وزوجته كانا قد خسرا (في نهايات الجزء الثاني) أحد أولادهما في تلك المواجهة. الآن عليه أن يدافع عن أفراد أسرته وصحبه ضد الجميع وهذا هو جزء أساسي من الحكاية التي يعرضها سيناريو لا يخلو من التكرار في المواقف والحوارات.

سام وورثينغتون قبل المعركة (تونتييث سنتشري ستديوز)

إبداع تقني

كيف يجوز لمخرج بمهارة جيمس كاميرون إغفال حقيقة أن السيناريو المرسوم يكرر ما يسرده حتى في إطار المشهد الواحد (في كل مشهد هروب هناك صراخ متوالٍ من نوع «اركض، اركض، اسرع، وGo‪, Go‪, Go كما لو كنا نشاهد فيلماً حربياً تقع أحداثه في فيتنام).

الأفدح هو قيام الكتيبة (سام جوفي وأماندا سيلڤر وجوش فرايدمان وشاين سالرنو) باستخدام تعابير يستخدمها أهل الأرض على كوكبنا هذا مثل Bro (اختصارا لكلمة Brother) وCopy (كلمة تُستخدم في الاتصالات اللاسلكية). إليها تنضم عبارات من تلك التي تصف حالات عاطفية بلا قدرة على ابتكار بدائل لها تناسب شعباً يعيش على بُعد تلك الملايين من السنين.

هذا ما يؤثر على هويّة عمل يحاول -درامياً- أن يقع على كوكب غرائبي التشكيل والطبيعة من صخور معلّقة إلى غابات عملاقة ومخلوقات نصفها أليف ونصفها الآخر مخيف.

المخرج جيمس كاميرون يوجّه أحد ممثليه (تونتييث سنتشري ستديوز)

يعوّض الفيلم بعض هذا الضعف بالتصاميم التقنية والبصرية المذهلة. ما زال المخرج كاميرون بارعاً وموهوباً في تصميم فيلم من البصريات غير المألوفة (التي ترتفع إلى مستوى الفيلمين السابقين من السلسلة بلا ريب)، خصوصاً في مشاهد المعارك التي تنطلق بعد نحو ثلث ساعة من الفيلم وتستمر تباعاً حتى النهاية. يدرك أن لديه قصّة تُروى لكنه هو مَن يحدد كيفية سردها. في هذا النطاق، أراه اهتم بتغطية ثغرات الحوار الساذج بالبصريات، أو هكذا اعتقدَ أنه يستطيع التحليق فوقها.

بيد أن هذه البصريات لا تصنع وحدها فيلماً عظيماً وبوجود أحداث متكررة (مثل فشل المستعمرين في تحقيق انتصار حاسم في المعركة ضد قبيلة ناڤي) يجعل المواقف تدور حول نفسها أكثر من مرّة.

في سلسلة «سيد الخواتم» (Lord of the Rings) لبيتر جاكسون المشابه في إبداع تصاميمه كان هناك محور واحد، لكن كل فيلم من أجزائه الثلاثة قام على حكاية مختلفة.

على ذلك، هذا الصعيد البصري لا يجب الاستهانة به أو تجاهله. لجانب ابتداع عالم مثير للمشاهدة برسوماته وألوانه هناك المخلوقات الغريبة التي يوفرها الفيلم والمواقع الفضائية والبحرية والأرضية التي تأتي دوماً بجديد، أو -بالأحرى- بطريقة لتقديمها على نحو جديد.

زوي سالدانا في الحرب (تونتييث سنتشري ستديوز)

هذا ما يصنع من «أڤاتار: نار ورماد» العمل الملحمي الضخم الذي ينتظره كثيرون. بالنسبة لصانعيه هذه الفانتازيات المنفّذة بجماليات وبأوتار مشدودة هي حبل نجاة في فيلم بلغت تكلفته 400 مليون دولار. مع إنجازه أكثر من 100 مليون دولار في أيامه الخمسة الأولى ما زال بحاجة إلى 900 مليون دولار ليجمع ربحاً.

في حين أن المشاهدين سيربطون تلقائياً حكاية هذا الفيلم بما سبق من «أڤاتار»، فإن الحكاية، في نهاية الفيلم، مكتفية بنفسها لمن يدفعه الفضول لتجربة جديدة في إطار هذه السلسلة. في الوقت ذاته للنهاية سبيل واضح صوب جزء رابع يجري الإعداد لعرضه في مثل هذا الشهر من سنة 2029.

هذا وقت كافٍ لكي يستأجر كاميرون مجموعة أخرى من الكتّاب يمنحونه وفيلمه المقبل نَفَساً جديداً.


كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
TT

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).

أربعة أفلام لأربعة مخرجين عرب آلت إلى القائمة القصيرة في سباق الأوسكار التي أعلنت عنها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل يومين. إنها الجوائز الأكثر استقطاباً للاهتمام بين كل المناسبات السنوية في مثل هذا الموسم. المناسبة التي باتت، منذ سنوات، محط آمال الكثير من السينمائيين، في مختلف المجالات، ومن خارج الولايات المتحدة، كما من داخلها.

القائمة القصيرة تشمل فروعاً مختلفة ليس من بينها بعد سباق الأفلام الرئيسية أو سباق الممثلين والمخرجين. هي تمهيد مثير للاهتمام يسبق الحفل الثامن والتسعين لتوزيع الجوائز يوم 15 من مارس (آذار) المقبل.

توقعات

لا بد من التذكير أنه في العام ما قبل الماضي ظهر فيلمان عربيان فقط في هذه القائمة، هما «أم كل الأكاذيب» لأسماء المدير (المغرب) و«أربعة بنات» لكوثر بن هنية (تونس). في العام التالي، 2024، مثّل «من المسافة صفر» الذي أشرف على إنتاجه الفلسطيني رشيد مشهراوي، السينما العربية وحيداً. أما هذا العام، فإن الأفلام المدرجة في قائمة الأوسكار القصيرة تحمل دلالة مهمّة كونها المرّة الأولى التي تدخل أربعة أفلام من إخراج سينمائيين عرب هذه القائمة معاً.

هذه الأفلام هي «كعكة الرئيس» لحسن هادي (العراق) و«كل ما بقي منك» لشيرين دعيبس (الأردن) و«فلسطين 36» لآن ماري جاسر (فلسطين) و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية (تونس).

من «كعكة الرئيس» (مايدن فوياج فيلمز)

باستثناء «كعكة الرئيس»، فإن الأفلام الثلاثة الأخرى مرتبطة بالقضية الفلسطينية كتاريخ («فلسطين 36» و«كل ما بقي منك») أو كحاضر («صوت هند رجب»)؛ ما يدل على أن المقترعين يريدون لهذه الأفلام أن تعبّر علناً عما يقع في فلسطين لدرجة أن فيلماً إسرائيلياً ناقداً للوضع المفروض على الفلسطينيين في الداخل، وهو «البحر» لشاي كارميلي - بولاك، لم يُتح له الوصول إلى هذا الخط قبل النهائي.

بما أن الترشيحات الرسمية التي ستُعلن في الثاني والعشرين من الشهر المقبل تضم، في سباق «الأفلام العالمية» خمسة أفلام فقط؛ فإنه ليس من المتوقع وجود أكثر من فيلم عربي واحد. وما هو مؤكد أنه سيكون واحداً من هذه الأفلام الثلاثة ذات الموضوع الفلسطيني.

المخرجة شيرين دعيبس (أي أم بي فايرووركس)

هذا ما يعني أن المنافسة بين أفلام كوثر بن هنية، وآن ماري جاسر وشيرين دعيبس ستكون حادّة خلال التصويت على القائمة الرسمية في الشهر المقبل.

يزيد من هذا الاحتمال وجود أفلام أجنبية مهمّة في القائمة القصيرة ستتنافس فيما بينها كما ستنافس الأفلام المذكورة في سعيها لتحقيق الوثبة صوب الأوسكار.

الأفلام الأجنبية

هناك أحد عشر فيلماً آخر تتنافس في هذا المحور، وهي:

> «صراط» (Sirat) لأوليڤر لاكس (أسبانيا)

> «العميل السري» (The Secret Agent) لكلايبر مندوزا فيلو (البرازيل)

> «لا خيار آخر» (No Other Choice) لبارك - تشان ووك (كوريا الجنوبية)

> «مناوبة متأخرة» (Late Shift) لبترا بيوندينا ڤولبي (سويسرا)

> «الفتاة ذات اليد اليسرى» (The Left‪-‬Handed Girl) لشيه تسينغ تساو (تايوان)

> «بَلِن» (Belén) لدولوريس فونزي (الأرجنتين)

> «كانت مجرد حادثة» (It Was Just an Accident) لجعفر بناهي (فرنسا)

> «باتجاه البلد» (Homebound) لنيراج غاوان (الهند)

> «كوكيهو» (Kokuho) لسانغ إلي لي (اليابان)

> «قيمة عاطفية» (Sentimental Value) لواكيم ترايير (النرويج)

الصوت النسائي

لا بد من العودة إلى الأفلام العربية ضمن هذا الجمع من الأعمال لملاحظة أن الأفلام التي تداولت الموضوع الفلسطيني، وهي، مرّة أخرى، «صوت هند رجب» و«فلسطين 63» و«كل ما بقي منك» هي من إخراج نساء (ليس من بينها فيلم رجالي)، وهذا مقابل فيلم «كعكة الرئيس» الذي حققه العراقي حسن هادي. ربما يكون ذلك تعبيراً عن اهتمام أعلى أو ربما لأن المخرجات المذكورات (بن هنية، جاسر ودعيبس) سبقن الرجال العرب في السنوات الأخيرة صوب التقاط ما هو مهم وناجح.

المخرجات العربيات جزء من حضور أكبر في هذا السباق المهم؛ إذ إن هناك سبع مخرجات في هذه القائمة التي تحتوي على 15 فيلماً. كذلك، وفي نطاق قائمة الأفلام التسجيلية الطويلة المؤلفة أيضاً من 15 فيلماً، نجد عشرة أفلام من إخراج نسائي.

ملاحظة أخيرة، وهي أن الأفلام العربية الأربعة ليست من إنتاج بلد واحد وإن انتمت، في قائمة الأوسكار كما لو كانت كذلك. «صوت هند رجب» المتقدّم باسم تونس هو أيضاً إنتاج مشترك بين فرنسا، وبريطانيا، والسعودية والولايات المتحدة. فيلم آن ماري جاسر الذي يرفع الراية الفلسطينية يُداخله تمويل سعودي، وقطري، وفرنسي، وبريطاني، وسويدي، وأسترالي ونرويجي. كذلك الحال مع «كل ما بقي منك»؛ إذ بجانب نسبة تمويل أردنية هناك مشاركة سعودية، ومصرية، وقطرية، وألمانية، ويونانية وأميركية.

أما «كعكة الرئيس»، فتمويله الأساسي ورد من قطر والولايات المتحدة.


شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
TT

شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)

والأسماك تطير فوق رؤوسنا ★★★★And the Fish Fly Above Our Heads

• إخراج: ‪ ديما الحر‬

• لبنان | تسجيلي

• عروض 2025: مهرجان مراكش

تؤلف المخرجة اللبنانية ديما الحر فيلمها الجديد من أشباح مدينة بيروت القابعة على شاطئ البحر. حين تنتقل إلى داخل تلك المدينة تكشف عن حزنها حتى من دون أن تصوّره في نماذج وقصص. يفتقد الفيلم ما كانت عليه يوماً ويلمح لما هي عليه الآن.

ما ينصبّ اهتمام المخرجة عليه هم رجال وحيدون جعلوا البحر صديقهم الوحيد. بغياب أمل ما، حلم فقد طريقه أو حب جرفته الأيام بعيداً لمدينة أو لإنسان، يُمضي رضا وعادل وعلي أيامهم على ذلك الشاطئ. لا شيء آخر يشدّهم كما البحر في صفائه أو في هيجانه. لا شيء يحرّكهم بعيداً سوى العودة إلى داخل المدينة التي تؤويهم ليلاً. لا تعرض المخرجة مشاهد لهم وهم يغادرون البحر ولا منازلهم وكيف يعيشون ومع مَن، بل تنتقل من نهار بارد إلى آخر مع رجال يرتدون لباس البحر ويستلقون فوق صخوره أو يقفزون إليه.

تتناول المخرجة بنجاح لافت هذه الشخصيات التي باتت تعيش على الهامش. يبتسمون أحياناً لكن كلماتهم لا تخفق في فتح دواخلهم الحزينة. يتذكرون وربما يضحكون أحياناً لكنه الضحك الذي يُخفي الحزن. وبينما تُمضي الكاميرا وقتاً طويلاً بصحبة هؤلاء (منفردين غالباً) تتيح كذلك النظر إلى المدينة في وصفٍ لا يحتاج إلى كلمات. كل هذا لأن «والأسماك تطير فوق رؤوسنا» ليس فيلماً عنها بل عن نماذج بشرية هجرتها الروح وأقبلت على البحر كأملٍ وحيد باقٍ.

العنوان ممتزج بمشهد مؤلَّف على نحو تجريبي جيد يعكس وصف من يغطس في الماء بعيداً إلى أن تصبح الأسماك بمنزلة طيور تحلِّق فوق رأسه. نرى البحر في لقطة تميل مقلوبة على نفسها حتى يصبح البحر فوق والمدينة تحتها. تعبير جميل لفيلم معنيّ بتعابيره متحدّثاً عن شخوص تعيش بمنأى عن كل شيء آخر.

ضع روحك على يدك وامشِ★★★★ PUT YOUR SOUL ON YOUR HAND AND WALK

• إخراج: زبيدة فارسي

‫• فرنسا | تسجيلي | ألوان (110 د) ‬

• جائزة «غولدن أثينا» في مهرجان أثينا.

مثل فيلم كوثر بن هنية «صوت هند رجب» يعمد هذا الفيلم إلى إيجاز حياة أنثى في أثناء النكبة الكبرى المتمثّلة في العدوان الإسرائيلي على غزّة. مثله أيضاً تنتهي حياة تلك الأنثى بالموت قتلاً. أكثر من ذلك، يتشابه الفيلمان في أنهما يعمدان إلى توظيف الحقائق وسردها عبر تواصل بين جهتين تتابعان ما يحدث من لحظة التقاط كل فيلم شخصيّته حتى موتها. كل ما في الأمر أن فيلم بن هنية روائيٌّ، وفيلم فارسي تسجيليٌّ.

«ضع روحك على يدك وامش» (Rêves d‪’‬Eau Produtions).

فارسي مخرجة إيرانية خرجت من السجن السياسي في إيران لانتقادها النظام عندما كانت تعمل داخل بلادها. انتقلت للعيش والعمل في باريس. بعد عدّة أفلام تناولت فيها جوانب الحياة في بلدها اختارت أن تقدّم هذا الفيلم التسجيلي القائم على ما تبادلته عبر الكمبيوتر والهاتف مع المصوّرة الصحافية فاطمة حسّونة.

لم تكن أي منهما تعلم أن حياة حسّونة ستنتهي بعد يومين من إعلان قبول الفيلم للعرض في مهرجان «كان» (حيث شهد عرضه العالمي الأول) بسبب قصف جوي نالها وأفراداً من عائلتها. لكن فاطمة، ابنة الخامسة والعشرين ومن خلال المكالمات المصوّرة مع المخرجة، تتنبأ بقرب نهايتها؛ فالموت والحياة يتجاوران كل يوم.

عنوان الفيلم مأخوذ عن عبارة تذكرها فاطمة في أحد المشاهد واصفةً حالها، وهي تسجّل بكاميرتها مدينة تم تدميرها بإمعان وقسوة. تصف حالها وحال من تراه يوماً ثم يغيب عنها في يوم آخر. فاطمة ذات ابتسامة عريضة دائمة لكن ما يتفاعل في داخلها يخرج في لحظات مؤثرة. هذا فيلم يقصد أن يبلغ رسالته على نحو مباشر لأنه لا مجال لنحو آخر.

فتاة عسراء ★★★LEFT‪-‬HANDED GIRL

• إخراج: شي-تشينغ تساو

• تايوان، فرنسا، الولايات المتحدة | دراما

• عروض 2025: ترشيحات الأوسكار.

هناك هجرة من بلد لآخر (أو من قارة لأخرى أيضاً) وهجرة داخلية من الريف إلى المدينة أو العكس. ما تختار المخرجة تساو سرده هو حال ومشكلات عائلة مؤلّفة من أم وابنتيها من قرية ريفية إلى مدينة تايباي بهدف الانتماء والعمل.

«فتاة عسراء» (Cinema Inutile)

تفتتح الأم شو (جانل تساي) مطعم «نودلز» في سوق مكتظة لكن العيش في مدينة كبيرة له تأثيران مختلفان. بالنسبة إلى الفتاة الكبرى آي آن (شي- يوان ما) تمثّل المدينة مرحلة مهمّة في حياة المراهقة التي تريد أن تعيش سنوات حياتها كما تراها: فرصة لممارسة حرّيتها. أما بالنسبة إلى آي جينغ (نينا يَ) ذات السنوات الخمس فإن الوقت مبكر جداً لكي تتأثر بعوارض الاغتراب. هي الفتاة المعنية بالعنوان التي يخبرها جدّها بأن استخدام اليد اليسرى كعادتها يُعد فعلاً شيطانياً. كونها محوراً فعلياً بين شخصيات الفيلم لا يعني أن هناك الكثير مما يقع لها. اهتمام المخرجة بها هو جزء من اهتمامها بما يقع لهذه العائلة الصغيرة والتوتر الذي يسود العلاقة بين الأم وابنتها الكبيرة.

الفيلم من كتابة وتوليف المخرج الأميركي شون باركر (أربع أوسكارات العام الماضي عن فيلمه Andora) وسبق له التعاون مع المخرجة تساو التي قامت بإنتاج بعض أعماله. يُحسن باركر توليف فيلم جيد وسريع الانتقال بين مشاهده، لكنَّ السيناريو يميل إلى ميلودرامية مفرطة ويشبه في تكوينه أفلاماً آسيوية معنية بأشكال استعراضية وبأحداث تفيض عن الحاجة من بينها نهاية غير متوقعة تبدو دخيلة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز