شهِدت صناعة الطاقة تغيُّراً جذرياً مع تسارع التحوّل التدريجي نحو مصادر الطاقة المتجددة. ومع ذلك، لا يبقى كل ما يبدو مستداماً على هذا النحو عند نهاية دورة حياته، كما في حالة الألواح الشمسية الكهروضوئية (الفوتوفولطية). وبالرغم من أنها مصدر مستدام للطاقة؛ إذ تعتمد فقط على الإشعاع الشمسي، فإن التخلُّص من الألواح الشمسية عند تراجع أدائها لا يزال مشكلةً تبحث عن حلول.
- التكلفة المرتفعة تقلل تدوير الألواح
يتراوح عمر الألواح الشمسية من 25 إلى 30 عاماً، وتحتوي على معادن ثمينة كالفضة والنحاس. ومن المتوقع مع زيادة عدد الألواح المنتهية الصلاحية أن يزداد عدد ونشاط الشركات التي تسعى لإعادة تدوير الألواح وتجنُّب إلقائها في مدافن النفايات.
وفي الولايات المتحدة، التي تمثّل فيها الألواح الشمسية أسرع مصادر الطاقة نمواً، يتم التخلص من نحو 90 في المائة من الألواح المستهلكة في مدافن النفايات من دون أي معالجة. وفي المقابل، يطالب المدافعون عن البيئة بزيادة معدّلات التدوير، حيث يمكن لاسترداد المواد القيّمة أن يساعد في تعزيز الاقتصاد الدائري، ويقلل النفايات والتلوُّث.
وتتقاضى مدافن النفايات الصلبة في الولايات المتحدة عادةً ما بين دولار إلى دولارين لقبول التخلُّص من كل لوح شمسي، وترتفع هذه التكلفة إلى نحو 5 دولارات إذا جرى تصنيف الألواح على أنها نفايات خطرة. وفي المقابل، تتقاضى شركات إعادة تدوير الألواح الشمسية نحو 20 دولاراً لكل لوح يجري تدويره.
وتطبّق بعض الشركات العاملة في هذا القطاع عملية إعادة الاستخدام للألواح الصالحة للعمل التي انخفض أداؤها، كاستخدام ألواح مزارع الطاقة الشمسية في الوحدات السكنية مباشرةً، أو من خلال تصديرها بالملايين إلى الدول النامية. وفي حين تمثّل هذه الممارسة خياراً أفضل من عملية التدوير، إذا جرى استخدامها لسنوات إضافية، إلا أن مصير الألواح، التي ينتهي كثير منها في مكبّات عشوائية في الدول النامية، يمثّل مشكلةً أخلاقية وبيئية.
وتكفل أغلب الشركات الصناعية ألا يزيد النقص في كفاءة الألواح الكهروضوئية على 10 في المائة خلال السنوات العشر الأولى من عمر الألواح، وعلى 20 في المائة عند بلوغها 25 سنة. ولكن التجربة الفعلية تُظهر أن انخفاض الكفاءة بعد 25 عاماً يتراوح بين 6 و8 في المائة فقط، وبالتالي فإن الألواح الكهروضوئية العالية الجودة تبقى صالحةً لإعادة الاستخدام حتى 40 عاماً. وتسهم عملية تدوير الألواح الشمسية، رغم تكلفتها المرتفعة حالياً، في خفض استهلاك الطاقة والموارد. فتدوير الألمنيوم يستلزم طاقة أقل بنسبة 95 في المائة من تصنيع الألمنيوم من مواد بِكر. ويساعد تدوير كل لوح شمسي في تجنُّب انبعاث 40 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون.
- التدوير وتعديل السياسات
تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) أنه بحلول عام 2030 ستبلغ الكمية العالمية للألواح الكهروضوئية المستهلكة نحو 4 في المائة من عدد الألواح المركّبة. وتحذّر الوكالة من أن حجم نفايات الألواح الشمسية سيرتفع إلى ما لا يقل عن 5 ملايين طن سنوياً بحلول منتصف القرن الحالي، وبكمية تراكمية تبلغ 60 مليون طن بحلول 2050.
ووفقاً لوكالة «آيرينا»، ستكون الصين، التي تُعد أكبر منتج لألواح الطاقة الشمسية في العالم، قد أخرجت من الخدمة أكثر من 13.5 مليون طن من الألواح بحلول 2050. وستمثّل هذه الألواح أكبر كمية تراكمية بين الدول المنتِجة لألواح الطاقة الشمسية، ونحو ضعف الكمية التي ستتخلص منها الولايات المتحدة بحلول ذلك الوقت.
وفي العالم العربي، من المتوقع أن ترتفع كمية نفايات الألواح الكهروضوئية السنوية في السعودية من 300 طن في 2020 إلى 450 ألف طن في عام 2050. وسترتفع كمية نفايات الألواح في الإمارات من 50 طناً في 2020 إلى 350 ألف طن في 2050، وستزداد في المغرب من 10 أطنان إلى 50 ألف طن في الفترة نفسها.
وتُقدّر قيمة المواد الخام التراكمية التي يمكن استردادها تقنياً من الألواح الكهروضوئية على مستوى العالم بنحو 450 مليون دولار بحلول عام 2030، أي ما يعادل تكلفة المواد الخام اللازمة لإنتاج نحو 60 مليون لوح جديد، أو ما يكفي لتوليد 18 غيغاواط من الطاقة. ومن المتوقّع أن يزداد حجم سوق تدوير الألواح الشمسية بالمليارات، لتتجاوز القيمة القابلة للاسترداد بشكل تراكمي مبلغ 15 مليار دولار بحلول 2050.
ويواجه العاملون في قطاع إعادة تدوير الألواح الشمسية تحديات اقتصادية وتقنية وتنظيمية كبيرة. ويمثّل نقص البيانات حول معدّلات تدوير الألواح جزءاً من المشكلة، ما يعوق إصدار التشريعات التي توفّر المزيد من الحوافز لمشغّلي المزارع الشمسية التي انتهى عمرها الافتراضي بدلاً من التخلُّص منها عشوائياً.
وتُعد الألواح الكهروضوئية المنتهية الصلاحية نفايات إلكترونية في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012. وفيما ينص توجيه الاتحاد الأوروبي الخاص بنفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية على معايير محددة للتخلص والاسترجاع، تتباين المعدّلات الفعلية لتدوير النفايات الإلكترونية من بلد أوروبي إلى آخر. وفي المحصلة لا يختلف معدّل تدوير الألواح الشمسية في أوروبا عن المعدّل الأميركي، الذي يبلغ 10 في المائة، بسبب صعوبة استخراج المواد القيّمة من الألواح.
ومن المتوقع أن تصبح إعادة التدوير أكثر انتشاراً عندما يرتفع عدد الألواح التي ينتهي عمرها الافتراضي إلى الحدّ الذي يصبح فيه القطاع أكثر جدوى، ويوفّر للعاملين فيه مواد قيّمة يمكن بيعها. وتستطيع الحكومات المساعدة في تسريع هذا التحوّل من خلال حظر التخلُّص من الألواح الكهروضوئية في مدافن النفايات، وتقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية لمستخدمي الألواح الشمسية، ودعم التصاميم البيئية الواعية التي تسهّل عملية التدوير.
إن الاعتقاد الشائع بأن الألواح الشمسية غير قابلة لإعادة التدوير هو أمر مبالغ فيه. ومع ذلك، يتطلّب تدوير الألواح الشمسية وقتاً لينتشر على نطاق واسع، ويستلزم مزيداً من البحث لتحقيق أعلى المعدّلات في إعادة تدوير جميع المكوّنات على نحو مناسب.
تدوير الألواح الشمسية سوق بمليارات الدولارات
تدوير الألواح الشمسية سوق بمليارات الدولارات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة