الجزائريون يترقّبون إسدال الستار على محاكمة وجهاء حكم بوتفليقة

غالبيتهم أكدوا أنهم كانوا يتلقون الأوامر من شقيق الرئيس

السعيد بوتفليقة (الشرق الأوسط)
السعيد بوتفليقة (الشرق الأوسط)
TT

الجزائريون يترقّبون إسدال الستار على محاكمة وجهاء حكم بوتفليقة

السعيد بوتفليقة (الشرق الأوسط)
السعيد بوتفليقة (الشرق الأوسط)

يترقب الجزائريون أن ينتهي القضاء قريباً من معالجة كل ملفات الفساد، التي اتهم فيها وجهاء النظام في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، والتي انطلق فيها التحقيق منذ عام 2019 بعد أسابيع قليلة من تنحي الرئيس تحت ضغط الحراك الشعبي، خصوصاً بعد أن استنفد غالبية المتابعين إجراءات الطعون، وثبتت «المحكمة العليا» أحكام السجن الصادر بحقهم.
ورفضت «المحكمة العليا»، الأسبوع الماضي، طعناً بالنقض أودعه وزير التضامن السابق، جمال ولد عباس، لإلغاء أو تخفيض حكم السجن بحقه (4 سنوات مع مصادرة أملاكه)، بخصوص اختلاس 45 ألف دولار من مساعدات أجنبية لذوي الاحتياجات الخاصة، ما يعني أن العقوبة التي أنزلتها المحكمة به باتت نهائية، علماً بأن أحد أبنائه مدان غيابياً بالسجن 20 سنة مع التنفيذ، وهو هارب في فنزويلا، التي قررت محاكمته بتهم الفساد نفسها التي طالته في بلاده، بعد أن رفضت تسليمه، حسب مجلة «جان أفريك» الفرنسية.
وأكدت مصادر قضائية أن رؤساء الحكومات الثلاثة، عبد المالك سلال وأحمد أويحيى ونور الدين بدوي، المتابعين بتهم الفساد، أنهوا كل الإجراءات المتاحة لنقض الأحكام ضدهم، وهي كثيرة تجاوزت 10 سنوات سجناً لكل واحد منهم. وقالت صحيفة «الوطن» الفرنكفونية بهذا الخصوص، إن القضاء أنهى الاشتغال على الملفات التي بدأ بمعالجتها عام 2019، بإصدار أحكام نهائية، بينما الملفات التي فتحها عامي 2020 و2021 ما زالت مطروحة على المحاكم. أما ملفات عام 2022 فهي قيد التحقيقات، وسيتم إحالتها على القطب القضائي المتخصص في الإجرام المالي بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة، الذي عهدت إليه كل القضايا ذات الصلة بمتابعة المسؤولين المتهمين بالفساد، خلال فترة حكم بوتفليقة (1999 - 2019).
ولوحظت في الأسابيع الماضية وتيرة متسارعة في إحالة المتهمين بالفساد على المحكمة الابتدائية، وفي التعامل مع طلبات استئناف الأحكام (الدرجة الثانية من التقاضي)، والطعن بالنقض (الدرجة الأخيرة)، ما ترك انطباعاً بأن وزارة العدل تبحث عن إسدال الستار عن «محاكمة رموز الفساد» بسرعة. وسبق لدفاع كبار المسؤولين المتهمين أن احتجوا على «تنظيم محاكمات سياسية، الغرض منها النزول عند مطالب الحراك»، وذلك بمعاقبة عشرات الأشخاص، الذين يعتقد أنهم تسببوا في إهدار المال العام، على مدى 20 عاماً، لكن من دون إعطائهم حقهم في محاكمة عادلة، حسب محاميهم.
والأسبوع الماضي، التمست النيابة السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الصحة السابق، عبد المالك بوضياف، المتابع رفقة ثلاثة من أبنائه في قضية تخص صفقة شراء عتاد للعلاج بالأشعة لفائدة مرضى السرطان، التي ألحقت خسائر بالخزينة العمومية، قدرت بسبعة ملايين دولار، وفق ما كتبته «الوطن».
وفي هذا الملف، كما في بقية ملفات الفساد، يوجد المئات من الكوادر التابعين للوزارات والأجهزة الحكومية، تمت إدانتهم. وغالباً ما يصرحون في المحاكم بأنهم دفعوا ثمن الانصياع لأوامر الوزراء، الذين طالبوهم بتنفيذها رغم أنها مجانبة للقوانين. كما أكد كثير من الوزراء أنهم كانوا يتلقون الأوامر من الرئاسة، تحديداً من سعيد بوتفليقة، الذي كان الرئيس الفعلي للبلاد خلال فترة طويلة، والذي يوجد في السجن هو أيضاً. وبالمحصلة، فقد اتهم القضاء ودان الآلاف من الأشخاص في السنوات الثلاث الأخيرة.
وإلى جانب ملفات الموقوفين، تترقب الحكومة الجزائرية رداً إيجابياً من بلدان غربية على طلبات تسليمها مسؤولين مقيمين بها، متهمين بالفساد، أبرزهم وزير الطاقة السابق شكيب خليل وزوجته الأميركية، ووزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب. إلى جانب عدد كبير من أبنائهم المتورطين معهم في أعمال تمت خارج القانون، ومسؤولين عسكريين بارزين هربوا إلى الخارج، قبل إطلاق تحقيقات ضدهم، ومنهم قائد سلاح الدرك الجنرال غالي بلقصير.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

لماذا يتمسك الجيش السوداني برفض العودة للتفاوض مع «الدعم»؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
TT

لماذا يتمسك الجيش السوداني برفض العودة للتفاوض مع «الدعم»؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)

في مقابل دعوات دولية وإقليمية عدة ومواعيد محتملة لاستئناف التفاوض، والعودة إلى «منبر جدة»، يظهر مسؤولون في الجيش السوداني رفضاً للعودة إلى المحادثات مع «الدعم السريع» ويتشددون في موقفهم. وعلى الرغم من المخاطر التي تحاصر السودان على مستوى تفشي الأمراض والجوع، فضلاً عن نمو عمليات النزوح، لا تزال الحرب مستعرة في أنحائه كافة منذ أكثر من عام.

ويذهب محللون وخبراء عسكريون إلى تفسير «الموقف المتشدد» لقادة الجيش السوداني ورفض قادته للتفاوض بأنه «مرتبط في الأساس بالوضع العسكري الميداني»، ورهنوا تغيير ذلك الوضع بـ«تحقيق انتصارات» تدفع الجيش للعودة إلى المحادثات.

وكان مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، توعد بتوجيه ضربة عسكرية قوية ضد «الدعم السريع»، لكنه لم يحدد مكانها. وبحسب تصريحاته، فإنها قد تكون في أي منطقة في العاصمة الخرطوم.

وقال العطا لدى مخاطبته جرحى العمليات العسكرية في منطقة كرري العسكرية شمال أم درمان ليل السبت - الأحد، إنه «لا تفاوض ولا هدنة مع (الدعم السريع)». ودأب العطا، الذي يعد أكثر القادة العسكريين دعماً لاستمرار الحرب، على إطلاق تصريحات تبشر بانتصار الجيش.

ويتمركز قادة الجيش السوداني بشكل أساسي في بورتسودان (شرق البلاد)، في حين يتنازع السيطرة على الخرطوم العاصمة (وسط البلاد)، وتفرض «الدعم السريع» سيطرتها على ولاية الجزيرة (وسط) الحيوية، وباتت 4 مدن في إقليم دارفور من أصل 5 مدن تحت سيطرة «الدعم».

استراتيجية عسكرية

وقال مصدر دبلوماسي رفيع المستوى على صلة وثيقة بالملف في السودان لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف القادة العسكريين الذي يوصف بـ(المتشدد) من العودة إلى محادثات السلام، ينطلق من استراتيجية عسكرية بحتة، مرتبطة بالتهديد العسكري الذي يشكله الطرف الآخر (أي الدعم السريع)، واستمراره في العمليات الحربية التي تهدد البلاد، ويتلقى الدعم العسكري دون وجود تحرك دولي وإقليمي جاد لوقفه»، وفق المصدر.

وأشار الدبلوماسي الذي طلب حجب هويته، إلى أن «قادة الجيش السوداني يتمسكون بشروطه المتعلقة بالالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في (إعلان مبادئ جدة) في 11 مايو (أيار) من العام الماضي».

وذكر أن الجيش السوداني لديه «بعض التساؤلات حول من أي نقطة يمكن استئناف المفاوضات في منبر جدة». ويقضي الاتفاق بحسب وجهة نظر الجيش السوداني، بخروج «الدعم السريع» من المناطق المدنية والعسكرية التابعة له، وهو الأساس الذي يرتبط بعودته إلى محادثات السلام.

ويتفق المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ، في أن ما وُصف بـ«الموقف المتشدد» لقيادة الجيش مرتبط بوضعه الميداني، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن يذهب الجيش للمفاوضات في حال استطاع تغيير وضعه العسكري على الأرض».

وشرح أنه منذ سيطرة «الدعم السريع» على ولاية الجزيرة (وسط السودان) لم يحقق الجيش الوعود التي أطلقها بتحقيق انتصارات عسكرية سواء كان باسترداد الجزيرة أو إحراز تقدم عسكري في الخرطوم.

وواصل أبو الجوخ: «يضاف إلى صعوبة الأوضاع الحصار المفروض من (الدعم السريع) على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ما يؤكد أن المشهد بكلياته لا يشير إلى أي تحسن في موقف الجيش العسكري، وهذا السبب الرئيسي في عدم قبوله بالعودة إلى المفاوضات».

ويضع كذلك المحلل السياسي عنصري «جذب إيران إلى المنطقة مجدداً، ومحاولة كسب الجانب الروسي» كعاملين مساعدين يدفعان قادة الجيش لرفض عملية التفاوض في الوقت الراهن لكسب المزيد من الوقت لتحسين الموقف العسكري.

تيارات مؤثرة

أما المحلل العسكري حسام الدين بدوي، فيرى أنه «لا يجب التعامل مع الجيش السوداني كمؤسسة واحدة تصدر قراراتها من مجالسها القيادية وتتخذ قراراتها بالصورة التراتبية المتعارف عليها»، مضيفاً: «أصبح داخل الجيش أكثر من مركز قرار واحد، وهذا يتضح جلياً من تصريحات قادة الجيش خصوصاً أعضاء مجلس السيادة».

وأشار إلى أن «التصريحات توضح تنازع التيارات السياسية المسيطرة على الجيش، وعلى وجه الخصوص (الإسلاميون)، وهم الطرف الأكثر تطرفاً بمواجهة مسألة إنهاء الحرب، وأصبحوا الآن المسيطرين الفعليين على مفاصل الدولة»، وفق تقييمه.

وقال بدوي إن «العودة لمنبر التفاوض مرتبطة بفصل قيادة الجيش لقرارهم عن السياسيين المؤثرين عليهم، والذين تزداد قوتهم وتأثيرهم كلما تطاول أمد الحرب».

كما أشار القيادي في «قوى الإجماع الوطني»، كمال بولاد، إلى أن «بعض قادة الجيش متأثرون في موقف الرفض للتفاوض بتيارات (النظام المعزول) الذين يرون أنها (الفرصة الأخيرة) للعودة من جديد للسلطة عبر الجيش».