تقرير: أحافير النمل العملاق قد تغيّر مفهوم أحجام الحشرات

تقرير: أحافير النمل العملاق قد تغيّر مفهوم أحجام الحشرات
TT
20

تقرير: أحافير النمل العملاق قد تغيّر مفهوم أحجام الحشرات

تقرير: أحافير النمل العملاق قد تغيّر مفهوم أحجام الحشرات

منذ أكثر من 47 مليون سنة كان النمل العملاق آكل اللحوم يجوب أرض غابات ما قبل التاريخ في أميركا الشمالية بحثًا عن فريسة.
«العملاق» ليس من قبيل المبالغة أيضا. فبعض المستعمرات القديمة التي عاشت فيما يعرف الآن بولاية وايومنغ كانت تحكمها ملكات بحجم الطيور الطنانة. حيث كانت أكبر ملكة نمل معروفة عاشت على الإطلاق بألمانيا يقترب حجمها من حجم طائر النمنمة؛ فكان طولها أكثر من 5 سنتيمترات (2 بوصة)، ولها أجنحة تمتد إلى 16 سنتيمترا. ويُعتقد أن جيشها من العمال يصطاد أي شيء يصادفه وربما حتى السحالي والثدييات والطيور.
وكما النمل الحديث كانت هذه الحشرات القديمة على الأرجح تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة دون قدر ملموس من الحرارة في بيئتها. حيث يعتمد مدى انخفاض درجة الحرارة إلى حد كبير على حجم الجسم.
وفي حين أن الحيوانات التي يمكنها تعديل درجات الحرارة الخاصة بها تتحمل المناخات الباردة عن طريق زيادة كتلتها إلى الحد الأقصى وتقليل جلدها، فإن الحيوانات التي تحتاج إلى امتصاص الحرارة من بيئتها تعمل بشكل أفضل مع مساحة سطح أكبر وحجم أقل. واليوم، توجد ملكات النمل الأكبر بالقرب من المناطق الاستوائية كمثال على ذلك، وذلك وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص نقلا عن The Canadian Entomologist.

إذن كيف عبر النمل العملاق القديم جسر بيرينغ البري البارد الذي كان يربط روسيا بألاسكا ذات يوم للانتقال من أوروبا إلى وايومنغ؟
وفي هذا الاطار، اقترح الباحثون عام 2011 أن هذا الجسر الأرضي المعتدل كان يتضمن ذات مرة «بوابة» يتم التحكم فيها بالمناخ. وخلال فترات وجيزة من الاحتباس الحراري، قد تكون تلك البوابة مفتوحة للسماح للكائنات ذات الدم البارد مثل النمل بالمرور بشكل مريح من قارة إلى أخرى.

الحفرية المكتشفة حديثًا لملكة النمل القديمة تعقد الآن هذه الفرضية

وحيث ان اكتشاف أحفورة ملكة النمل العملاقة في ألمانيا، وهي أكبر نملة تم العثور عليها على الإطلاق، إذ تنتمي لنفس جنس النمل العملاق الموجود في وايومنغ وألمانيا المسمى «تيتانوميرما». إلّا ان العثور على أحفورات بكولومبيا البريطانية في كندا هي الأولى من نوعها تظهر في مثل هذا المناخ البارد.
وفي حين أنه لا يمكن للعلماء التأكد من حجمها بسبب طبيعتها المهروسة، إلّا أن هناك احتمال أن تكون كبيرة مثل نظيرتها في وايومنغ.

وفي هذا الاطار، يتساءل عالم الحفريات بروس أرشيبالد من جامعة سيمون فريزر (SFU) أنه «إذا كان هذا نوعًا أصغر، فهل تم تكييفه مع هذه المنطقة ذات المناخ الأكثر برودة عن طريق تقليل الحجم وتم استبعاد الأنواع العملاقة كما توقعنا في عام 2011؟ أم أنها كانت ضخمة، وفكرتنا عن التسامح المناخي للنمل العملاق وكيف عبر القطب الشمالي كانت خاطئة؟».
جدير بالذكر ان «تيتانوميرما» الكندية (الملكة الأحفورية العملاقة) ليست في حالة جيدة، ما يعني أنه لا يمكن تخصيصها لنوع معين، لكنها قريبة بعمرها من الحفريات الأخرى التي من نوعها الموجودة في أوروبا ووايومنغ.

واعتمادًا على طريقة ضغطه، يمكن أن يكون طول الكائن الحي في الأصل 3 أو 5 سنتيمترات. غير أن التقدير الأقصر سيجعله أصغر بنسبة 65 في المائة من نظيره في وايومنغ، ما يدعم فكرة أن النمل العملاق يتطلب مناخًا حارًا ولا يمكن السماح له إلا بالمرور عبر بوابة المناخ لجسر بيرينغ الأرضي خلال فترة الاحتباس الحراري.
ويشير القياس الأكبر إلى أن النمل القديم كان لديه قدر أكبر من تحمل البرودة مما كنا نظن، وكان بإمكانه عبور الجسر الأرضي في أي وقت. وأن الطريقة الوحيدة للتمييز بين هذه السيناريوهات هي العثور على المزيد من الحفريات. فهل أفكارنا عن بيئة تيتانوميرما وكذلك عن هذا التشتت القديم للحياة، بحاجة إلى مراجعة؟ وفق أرشيبالد، الذي يستدرك قائلا «في الوقت الحالي لا يزال هذا لغزا».


مقالات ذات صلة

أكبر قطّة في العالم تأكل القريدس وتشرب الماء المعبَّأ

يوميات الشرق 30 عاماً من اللطافة (فيسبوك)

أكبر قطّة في العالم تأكل القريدس وتشرب الماء المعبَّأ

يزعم رجل بريطاني أنه يملك أكبر قطّة سنّاً في العالم، ويعزو عمرها الطويل إلى «كثير من الملاطفة والعناق»، بجانب نظام غذائي يتكوَّن من القريدس والماء المعبّأ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق النهاية بداية جديدة (إ.ب.أ)

آخر شمبانزي في الأَسر بكولومبيا يبدأ حياة جديدة

بعدما عاش بمفرده لعامين، نُقل «يوكو»، آخر شمبانزي يعيش في الأَسر بكولومبيا، عبر طائرة إلى البرازيل؛ حيث سيلتقي قردة أخرى من نوعه في محمية للرئيسيات.

«الشرق الأوسط» (بيريرا (كولومبيا))
يوميات الشرق قردة الشمبانزي تتمتع بقدرات هندسية فريدة عند صنع أدواتها (جامعة أكسفورد)

الشمبانزي يصمم أدواته بمهارة هندسية

كشفت دراسة دولية أن قردة الشمبانزي تتمتع بقدرات هندسية فريدة عند صنع أدواتها؛ حيث تختار بعناية المواد المناسبة بناءً على خصائصها الهيكلية والميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق مشهد قلَّما يتكرَّر (جامعة أوكلاند)

مشهد نادر لأخطبوط يمتطي أسرع سمكة قرش في العالم

المشهد النادر قبالة سواحل نيوزيلندا يُظهر أخطبوطاً من فصيلة «الماوري» يمتطي قرش «ماكو»، الأسرع في العالم الذي تصل سرعته إلى 46 ميلاً في الساعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الماء ليس دائماً الغرق (جامعة سانت أندروز)

لِمَ لا تغرق الفقمة خلال الغوص؟

اكتشاف جانب أساسي من تطوّر الثدييات البحرية، الذي يُعدُّ جوهرياً في سلوكها الرئيسي - الغوص - هو أمر مثير جداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

فرقة أدونيس... بين «وديان» الموسيقى وسهولها والقمم

جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)
جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)
TT
20

فرقة أدونيس... بين «وديان» الموسيقى وسهولها والقمم

جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)
جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)

تستوحي فرقة «أدونيس» ألبومها الجديد من الحياة بدروبها الشاقّة، بوديانها وسهولها وقممها الشاهقة. لم يُطلق الموسيقيون اللبنانيون الأربعة على مجموعتهم الغنائية عنوان «وديان» عبثاً. للألبوم حكايةٌ يشبه بطلُها البشرَ العاديين الذين يصلون إلى حافة الهاوية ويختبرون قعرها.

«الناس عموماً، والجيل الصاعد خصوصاً، يريدون موسيقى تشبه الحقيقة وكلاماً مقتبساً من الواقع، وهذا ما نحاول تقديمه». يتحدّث أنطوني خوري، مغنّي الفرقة، لـ«الشرق الأوسط»، عشية إطلاق ألبوم «أدونيس» السابع، والذي يضمّ 12 أغنية.

الرحلة عبر الألبوم والانتقال من أولى أغانيه إلى آخِرها، كما الخروج من مكانٍ صاخب مليء بالناس، والذهاب طوعاً نحو العزلة. لدى «أدونيس» حرصٌ على سرد الحكايات من خلال الموسيقى: «تتنوّع المشاهد أمام عينيْ بطل الألبوم. يسير نحو مكانٍ غير مأهول، يجد نفسه حيناً في الوادي السحيق فينتابه الخوف، وأحياناً على قمة الجبل فتتغيّر انطباعاته».

غلاف ألبوم «وديان» لفرقة أدونيس اللبنانية (إدارة الأعمال)
غلاف ألبوم «وديان» لفرقة أدونيس اللبنانية (إدارة الأعمال)

هذه المشهديّة الطبيعية المتبدّلة انعكست حتماً على مزاج الألبوم وألوانه الموسيقية. صحيح أنّ الهوية الأساسية هي «الإندي روك»، كما في «ناديني»، و«لو بدّك ياني»، إلّا أنّ للـ«RnB» مساحته كذلك في أغانٍ مثل «ما اعرفها». تخوض الفرقة أيضاً تجربة الـbaroque pop حيث يتداخل البوب الهادئ والموسيقى الأوركسترالية في أغنية «الطريق السريع». ومهما تعدّدت الأنواع الموسيقية في «وديان»، يبقى الثابت ذلك الدمج المتقَن والسلس بين الغربي والشرقي، والذي يبلغ ذروته في «خود ساعات».

وفق أنطوني، فإنّ الفرقة حريصة على الهوية التي عُرفت بها، منذ انطلاقتها قبل 14 عاماً؛ أي الروك الكلاسيكي المستقل والناطق باللهجة اللبنانية. لكن في مقابل هذا الثبات، ثمة كثير من التحوّلات. سارت «أدونيس» على إيقاع التجديد في موسيقاها. يعدّد أنطوني مفاتيح التطوّر: «أوّلاً نحب أن نتسلّى بالموسيقى ونصنع ما ليس متوقّعاً. ثم إننا نفتح دائماً باب التعاون مع موسيقيين آخرين آتين من خلفيّات ثقافية متعددة». هذا ما حصل في «وديان»، حيث كانت للمنتج الأردني عمرو الشوملي اليد الطولى في العملية الإنتاجية، إلى جانب المنتجيْن اللبنانييْن تَيم وروبير الأسعد.

في «وديان»، كما في سائر أعمال «أدونيس»، لا يقتصر اللهو بالموسيقى على اللحن، بل ينسحب على الكلام. ليس مستغرباً مثلاً أن تتداخل اللهجتان اللبنانية والأردنية في أغنية مثل «ما اعرفها»؛ «ما المانع في ذلك؟»، كما يعلّق أنطوني مبتسماً. هو الذي أمضى فترات طويلة في عمّان لإنجاز الألبوم، كان لا بدّ من أن يتأثّر باللهجة ويضمّنها إحدى الأغاني.

يتولى أنطوني إضافة إلى الغناء كتابة الأغاني وتلحينها (إدارة الأعمال)
يتولى أنطوني إضافة إلى الغناء كتابة الأغاني وتلحينها (إدارة الأعمال)

يكتب الكلام مستنداً إلى موهبةٍ تتمازج فيها لغة الناس مع مستوى عالٍ من الشاعريّة. يؤلّف الموسيقى كذلك. أما المنتَج النهائي من ألبومات وحفلات، فلا يكتمل دون رفاقه الذين يستمدّ منهم أنطوني الطمأنينة والرغبة في الاستمرار؛ هم عازفو فريق «أدونيس» وشركاء الرحلة الطويلة: نيكولا حكيم، وجويي أبو جودة، وجيو فيكاني.

بعد إطلاق الألبوم، في 10 أبريل (نيسان) الحالي، تقوم الفرقة بجولةٍ تأخذها من أبوظبي والقاهرة، إلى أوروبا وكندا، مروراً بالرياض. كلّما حطّ أنطوني في المملكة العربية السعودية، استرجعَ سنواتٍ من طفولته ومراهقته أمضاها في منطقة الدمّام. «أذكر الهدوء والشعور بالأمان والسكون. في الخُبَر، حصل احتكاكي الأول بالموسيقى. هناك، قررت تطوير موهبتي ومنحتُها مساحتها». ومنذ ذلك الحين، لم يفارق الشاب الثلاثينيّ البيانو، لتنسكب كلماته فوق النغم لاحقاً وتكتمل الخلطة بصوته المتأرجح بين الأداء القويّ والنبرة الحزينة التي لا بدّ منها.

من إحدى حفلات الفرقة (إدارة الأعمال)
من إحدى حفلات الفرقة (إدارة الأعمال)

بما أنّ قبالة كل وادٍ جبل، لا تغيب الإيقاعات المرحة والراقصة عن الألبوم، كما في أغنية «نانسي». هي مستوحاة ببساطة من مزحة أطلقتها الفنانة نانسي عجرم عندما قالت إنها لا تحب الرقص. وحتى في أغنية مثل «خود ساعات»، والتي تتطرّق إلى الفراق والصمت بين الحبيبَين، لا مفرّ من إيقاع الفرح المستوحى من أغاني الفنانين اللبنانيين التي ضربت في فترة عام 2000.

يلفت أنطوني إلى أنّ العمل على ألبوم «وديان» استمرّ سنتَين، وقد تأخّر الإصدار بسبب ما مرّ به لبنان والمنطقة من عدوان إسرائيلي. ولكل مَن عبَروا وادي الحرب بصلابة وعزيمة، تُهدي الفرقة أغنية «أبطال»؛ «لأنّ الأبطال ليسوا فحسب مَن يقاتلون على الجبهة، بل كل مَن واصل أداء رسالته الإنسانية، رغم الخطر والخوف، كالأطباء والمُسعفين والطيّارين والصحافيين»، وفق تعبيره.

تتكلم «أدونيس» لغة الشباب اللبناني والعربي وتريد لأغانيها أن تشبه الواقع (إدارة الأعمال)
تتكلم «أدونيس» لغة الشباب اللبناني والعربي وتريد لأغانيها أن تشبه الواقع (إدارة الأعمال)

لا تقتصر التحيّات القلبيّة على أبطال الحرب، بل يخصّ أنطوني كذلك كلاً من جدّته جانو وابن أخيه تيمو بمعزوفتَين. «أثّرت بي وفاة جدّتي جانو كثيراً، وهي كانت في طليعة مَن شجّعوني على خوض الموسيقى، فقررت إهداءها هذه المعزوفة. ثم وُلد تيمو، الحفيد الأول في العائلة، الذي جاء ليذكّرنا بأنّ بعد الموت حياة، وبعد الوديان سهولاً».

الإرث، وانقضاء الزمن، والبقاء، واستدامة الطبيعة مقابل فناء الإنسان، كلّها موضوعات تعبر بين سطور أغاني «وديان». وعندما يُسأل أنطوني عن أولويات «أدونيس»، بعد 14 سنة على انطلاقتها، يعود ليشدّد على فكرة الإرث تلك، رغم أنّ الفرقة ما زالت شابّة. يقول: «نفكّر حالياً بالموسيقى التي سنترك خلفنا، نريد أن يليق ما نقدّم، الآن، بمَن قد يسمعوننا بعد 20 أو حتى 100 عام».

«أدونيس» في مهرجانات بعلبك الدولية عام 2022 (إدارة الأعمال)
«أدونيس» في مهرجانات بعلبك الدولية عام 2022 (إدارة الأعمال)

يخطّط الشبّان الأربعة للاستمرارية كذلك، متحصّنين بشراكتهم المتينة وصداقتهم الحقيقيّة. يؤمنون بالانفتاح على فنانين آخرين آتين من خلفيات ثقافية متنوّعة ومن تجارب موسيقية مختلفة. «لا نقلق من المنافسة»، كما يقول أنطوني. «ننظر بفضول إلى التجارب الموسيقية الصاعدة، هي تُلهمنا وتحفّزنا على التحدّي والتجديد».