تمثال «عابد تاروت» له مكانة استثنائية في خريطة الأنصاب الأثرية

موطنُه منطقة الرفيعة في محافظة القطيف السعودية

تمثال عابد تاروت يعود لمنتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد (متحف الرياض)
تمثال عابد تاروت يعود لمنتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد (متحف الرياض)
TT

تمثال «عابد تاروت» له مكانة استثنائية في خريطة الأنصاب الأثرية

تمثال عابد تاروت يعود لمنتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد (متحف الرياض)
تمثال عابد تاروت يعود لمنتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد (متحف الرياض)

خرجت مجموعة كبيرة من التماثيل البشرية تعود إلى مراحل زمنية متلاحقة، من نواحٍ عديدة من الأراضي السعودية، وظهرت من خلال الدراسة المتأنية لهذه التماثيل، ملامح تكوين هذا الفن وتطوره الخلاق في هذه البقاع من الجزيرة العربية.
تتجلى مرحلة البدايات في أنصاب تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، وتتجلى مرحلة الاختمار من خلال تماثيل كبيرة تعود إلى حقبة تمتد من القرن الخامس إلى القرن الثالث قبل الميلاد، تجسد ما بات يُعرف اليوم بالأسلوب اللحياني، نسبة إلى مملكة لحيان. بين مرحلة البدايات ومرحلة الاختمار، تبرز أنصاب تعكس تعددية كبيرة في الأساليب، منها تمثال بديع يُعرف محلياً باسم «عابد تاروت»، يحتل مكانة استثنائية في هذه الخريطة.
يشير هذا الاسم إلى الموقع الذي خرج منه التمثال، أي جزيرة تاروت، التي تتبع إدارياً محافظة القطيف في المنطقة الشرقية، على الضفة الغربية من الخليج، وتشكل واحة ساحلية تمتد من مدينة صفوى شمالاً إلى مدينة الدمام جنوباً. تُعد تاروت رابع أكبر جزيرة في الخليج العربي، وتُعد من أقدم بقاع الجزيرة العربية. والظاهر أنها كانت معروفة جغرافياً منذ القدم، وقد ذكرها بطليموس باسم «تارو»، ويبدو أنها أقيمت على أنقاض أبنية قديمة، لعلها كانت معبد العشتروت، واشتهرت بهذا المعبد، وعُرفت بتاروت، بعدما حُذف القسم الأول من اسم المعبودة اختصاراً، على ما أشار إليه جواد علي في «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام».

أين عُثِر على التمثال؟
في منطقة الرفيعة التي تقع في جنوب شرقي الجزيرة، عُثر على تمثال «عابد تاروت» مع مجموعة من اللقى الأثرية في سنة 1966 خلال أعمال حفر طالت مقبرة أثرية مطمورة. في تلك الحقبة، وصلت إلى المملكة العربية السعودية بعثة دانماركية، وأجرت مسحاً شاملاً للساحل الشرقي، وكشفت عن مواقع عديدة كان لها في الماضي نشاط اقتصادي بارز. وفي هذه المواقع، عُثر على كم هائل من الأواني والكسر الفخارية، كما عُثر على أعداد من التماثيل الطينية الصغيرة.
كشفت البعثة الدانماركية عن آثار عمران متقطع متفاوت، يبدو في أقدم طبقاته معاصراً لما يُعرَف بـ«حضارة العبيد»، التي ظهرت في عصر ما قبل التاريخ في الشرق الأدنى، ويعود اسمها إلى «تل العبيد» الواقع غرب مدينة أور في جنوب العراق. ويمتد الزمن بهذا العمران إلى عهد ما يُعرف بـ«حضارة باربار»، القرية التي تقع اليوم في شمال غربي مملكة البحرين، وفيها معبد باربار الذي يعود إلى زمن مملكة دلمون.
دلمون هي الأرض التي تماثل الفردوس، فهي في الأدب السومري «مكان طاهر، مكان نظيف، مكان مضيء. حيث لا يفترس الأسد ولا يفترس الذئب. حيث لا يعرف أحد رمد العين ولا أوجاع الرأس. حيث لا يشتكي الرجل من الشيخوخة والمرأة من العجز. حيث لا وجود لمنشد يندب ولا لجوال ينوح». تبين أن جزيرة تاروت كانت إحدى أهم مراكز مملكة دلمون، وقد استمر فيها الاستقرار البشري، وكان لها الدور الأكبر في الحياة التجارية في الخليج، وهي حسب القول الشهير الذي أطلقه العالم جيفري بيبي «أقدم موقع استيطاني في الخليج».
من هذه الجزيرة، خرجت مجموعة من التماثيل، و«عابد تاروت» أهمها وأكثرها فرادة، وقد تعاقب أهل الاختصاص على دراسته وتحليله، دون أن يفلحوا في تحديد هويته ووظيفته. عُثر على هذا التمثال بعدما لحق به الكثير من الدمار، وأُعيد إلى وضعه الأصلي بعد عملية ترميم دقيقة، غير أن بعض آثار التهشيم ظلت واضحة على وجهه للأسف. نُحت هذا التمثال في قطعة واحدة من الحجر الجيري، وطوله يناهز المتر، وهو أطول في الأصل، ذلك أن قدميه مفقودتان للأسف. يمثل هذا النصب رجلاً عريض الوجه، حليق الشعر، ينتصب عارياً على قدميه، محدقاً بعينيه الواسعتين نحو الأمام، رافعاً يديه المعقودتين على صدره، واللافت أن لباسه يقتصر على ثلاث لفات تنعقد حول خصره على شكل حزام بارز. يستقر الرأس على كتفين عريضتين، وتبدو الرقبة الصغيرة شبه غائبة. وتنفصل الساقان الملتصقتان، الواحدة عن الأخرى، عند الركبة، وتبين على الظهر ملامح العمود الفقري على شكل خط غائر محفور بوضوح في الوسط.
يقف العابد عارياً على قاعدة، ويداه مضمومتان إلى الصدر، واضعاً الكف اليمنى فوق الكف اليسرى. تتبع هذه الحركة المثال السومري الذي يظهر من خلال عشرات التماثيل التي عُثر عليها في مواقع عديدة، مثل تل الحريري، على الضفة الغربية اليمنى لنهر الفرات في سوريا، وتل خفاجة، على ضفة نهر ديالى في العراق، وتل أسمر كذلك في محافظة ديالى. تمثل هذه الأنصاب الفردية المتعددة الأحجام قامات منتصبة تقف في وضعية مشابهة، غير أن أصحابها لا يظهرون عراة، ولا نجد بينها ما يماثل عري عابد تاروت إلا في تمثال نحاسي من تل الخفاجة، يظهر صاحبه بشكل شبه عارٍ، مع زنار مؤلف من ثلاث لفائف حول وسطه.
تتميز وجوه هذه التماثيل السومرية بطابعها التجريدي وبأسلوبها التحويري الحاد. على العكس، يتميز وجه «عابد تاروت» بطابعه الحسي، وتماثل ملامحه بشكل لافت ملامح وجه سومري محفوظ في متحف اللوفر، مصدره مدينة كرسو التي تقع شمال شرقي مدينة لكش، في محافظة ذي قار، وتعرف حالياً بتل تلو. هنا وهناك، يحضر رجل حليق الرأس، له ملامح حسنة التنفيذ، مع أذنين بارزتين للخارج عليهما تجاويف، وعينان واسعتان يحدهما خط الأهداب الناتئ.
في الخلاصة، يتبع «عابد تاروت» في تأليفه النسق السومري بشكل عام، غير أنه يتميز بطابع خاص لا لبس فيه، ويُجمع البحاثة على القول بأنه صُنع محلياً، ولم يصل من الخارج كما خُيل إلى البعض عند اكتشافه. في انتظار ما ستظهر الاكتشافات اللاحقة، يبرز هذا التمثال في الميدان السعودي كمنحوتة فريدة من نوعها تتميز بأسلوب متقن يشهد لتقليد فني راسخ ظهر في هذه الناحية من الخليج في الألفية الثالثة قبل الميلاد.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».