مصر تُطمئن مواطنيها في الخارج بشأن رواتبهم وتنفي نية استقطاعها

الحكومة قالت إنها لا تتدخل في الحسابات الشخصية

سها جندي وزيرة الهجرة المصرية تستقبل عمرو هندي النائب المصري عن المصريين بالخارج (وزارة الهجرة المصرية)
سها جندي وزيرة الهجرة المصرية تستقبل عمرو هندي النائب المصري عن المصريين بالخارج (وزارة الهجرة المصرية)
TT

مصر تُطمئن مواطنيها في الخارج بشأن رواتبهم وتنفي نية استقطاعها

سها جندي وزيرة الهجرة المصرية تستقبل عمرو هندي النائب المصري عن المصريين بالخارج (وزارة الهجرة المصرية)
سها جندي وزيرة الهجرة المصرية تستقبل عمرو هندي النائب المصري عن المصريين بالخارج (وزارة الهجرة المصرية)

حسمت الحكومة المصرية حالة الجدل التي أُثيرت حول «استقطاع نسبة من رواتب وحسابات المصريين في الخارج». وأكدت «عدم إمكان الإقدام على هذه الخطوة». وقالت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، سها جندي، إن «الحكومة لا تتدخل في الرواتب والحسابات الشخصية للمصريين المقيمين بالداخل أو بالخارج».
وقال وزيرة الهجرة في تصريحات اليوم (الثلاثاء)، إنه «لا توجد نية لاستقطاع جزء من رواتب العاملين بالخارج أو من تحويلاتهم الشخصية التي هي ملك لهم»، مضيفة أن «الدولة المصرية تدعم بقوة أبناءها بالخارج، وتحرص على حماية حقوقهم وحفظها وحل مشكلاتهم». وتابعت أن وزارة الهجرة تتواصل مع مختلف الجاليات المصرية في كل أنحاء العالم وتستمع إلى مقترحاتهم ومتطلباتهم، وتقدم لهم البرامج التي تصبّ في مصلحتهم، وتعمل جاهدة على ربطهم بوطنهم وتشجيعهم وتحفيزهم وإشراكهم في مسيرة التنمية الجارية بالبلاد. كما أكدت في تصريحات تلفزيونية أن «التحويلات ملك للناس الذين عملوا بها»، وأن الحكومة «لا تتدخل في الحسابات الشخصية للمصريين في الداخل أو الخارج».
من جانبه، نفى بيان للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، «شائعة اعتزام الحكومة استقطاع جزء من تحويلات المصريين في الخارج»، مشيراً إلى اهتمام الدولة برعاية كل شؤون المصريين بالخارج، وتلبية احتياجاتهم، مع تحفيزهم على توجيه استثماراتهم إلى مصر، والاستفادة من الفرص الاستثمارية المطروحة، دون تدخل الحكومة في رواتبهم أو حساباتهم الشخصية.
وكانت تصريحات النائب بهاء الدين أبو شقة، وكيل مجلس «الشيوخ» المصري (الغرفة الثانية من البرلمان)، بشأن «تخصيص نسبة من رواتب المصريين في الخارج لصالح الدولة»، قد أثارت حالة من الجدل بين المصريين في الداخل والخارج، وسط تساؤلات بشأن إمكان تنفيذ هذا المقترح.
وجاءت تصريحات أبو شقة خلال جلسة (الاثنين) لاستيضاح سياسة الحكومة بشأن الإجراءات التحفيزية للمصريين بالخارج. إلا أن النائب البرلماني اضطر، إثر موجة من الهجوم، إلى إيضاح المقصود بكلماته. وقال، في تصريحات صحافية عقب انتهاء الجلسة العامة، إن «حديثه بشأن تخصيص جزء من راتب المصريين بالخارج لصالح الدولة تم تفسيره بشكل خاطئ»، مؤكداً أن «مقترحه بشأن المصريين في الخارج ليس إجبارياً، وإنما من باب رد الجميل والوفاء للدولة».
وتعوّل مصر على المصريين في الخارج الذين يقدَّر عددهم بـ12 مليون مصري (وفق وزارة الهجرة)، كمصدر من أهم مصادر النقد الأجنبي، وتعمل الحكومة المصرية على تنويع مبادراتها لجذب المزيد من تحويلات المصريين بالخارج وتدبير الدولار، واستخدام الآليات الجاذبة لجذب هذه التحويلات.
وحسب هدى الملاح، مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»، فإن «تحويلات المصريين بالخارج شق مهم جداً لضخ التدفقات الدولارية للدولة المصرية، لا يقل أهمية عن إيرادات السياحة، وقناة السويس، والصادرات، بل إنها من أهم بنود إيرادات الدولة، ومع استمرار الأزمة الاقتصادية والأزمة الروسية - الأوكرانية، تأثرت هذه التحويلات».
وتشير بيانات البنك المركزي الصادرة في فبراير (شباط) الماضي، إلى أن تحويلات المصريين بالخارج خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2022 - 2023 سجلت انخفاضاً بنسبة 20.9 في المائة لتصل إلى 6.4 مليار دولار مقابل 8.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
وتتمثل أبرز مبادرات الحكومة المصرية لجذب المزيد من تحويلات المصريين بالخارج في «منح بعض التيسيرات للمصريين المقيمين في الخارج لاستيراد السيارات»، التي طرحتها الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بهدف ضخّ المزيد من العملة الصعبة إلى الاحتياطي النقدي المصري، وتوفير أعداد كبيرة من السيارات داخل السوق في محاولة لمواجهة ارتفاع الأسعار الجنوني الذي لا يتناسب مع قيمة السيارة الحقيقية.
وقبل أيام، وافق مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى من البرلمان) مبدئياً، على تعديلات على مشروع القانون الخاصّ بمنح تيسيرات لاستيراد سيارات المصريين بالخارج، والتي تستهدف تخفيض 70 في المائة من قيمة الضريبة الجمركية للوديعة المستردة لجميع سيارات المصريين بالخارج، وذلك لتسهيل الإجراءات بما يترتّب عليها انفراجة كبرى متوقعة، تعزز عمليات شراء السيارات من الخارج.
ويؤكد النائب عمرو هندي، عضو مجلس النواب (البرلمان المصري) عن المصريين بالخارج، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس، لـ«الشرق الأوسط»، أن «منح تيسيرات لاستيراد السيارات يجعل المصريين بالخارج يسهمون في دعم اقتصاد وطنهم، حيث يسهم في توفير ما بين 6 و8 مليارات دولار لمصر، وبالتالي توفير العملة الصعبة». ويشير هندي إلى الجهود التي تبذلها الدولة لدعم ومساندة المصريين في الخارج، مبيناً أن الدولة المصرية تولي ملف المصريين بالخارج اهتماماً كبيراً، للاستفادة القصوى من قدراتهم، ولدورهم الكبير في دعم الجهود المبذولة لمساندة الدولة ودعم الاقتصاد الوطني، إضافةً إلى أن الدولة المصرية تولي اهتماماً كبيراً لتحفيز وجذب وتوطين الاستثمارات.
وهنا توضح هدى الملاح أن «منح التيسيرات لاستيراد السيارات هي مبادرة إيجابية سواء للمصريين في الخارج أو الداخل، فلا تقتصر الفائدة على المصريين الموجودين في الخارج، بل أيضاً على المقيمين بالداخل، حيث تقلل من قيمة ثمن السيارات في مصر، إلى جانب تقليل الاستيراد بالعملة الصعبة من الخارج، وبالتالي زيادة حصيلة مصر الدولارية بشكل عاجل».
* المصريون في الخارج
- عدد المصريين في الخارج يقدَّر بـ12 مليون مصري، حسب وزارة الهجرة المصرية.
- تحتضن المملكة العربية السعودية أكبر جالية مصرية بعدد يصل إلى 2.5 مليون مصري.
- 6.4 مليار دولار قيمة تحويلات المصريين بالخارج خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2022 - 2023.
- 8.1 مليار دولار قيمة تحويلات المصريين بالخارج خلال الربع الأول من العام المالي الماضي 2021 - 2022.
- صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج خلال الـ5 أعوام المالية المقبلة بقيمة تصل إلى 8 مليارات دولار.
- صندوق النقد الدولي يتوقع بلوغ قيمة تحويلات المصريين بالخارج بحلول العام المالي 2027 - 2028 نحو 41.9 مليار دولار.
- تحويلات المصريين في الخارج بلغت نحو 31.9 مليار دولار في 2021 - 2022.
- تحويلات المصريين في الخارج بلغت نحو 31.4 مليار دولار خلال 2020 - 2021.
- تحويلات المصريين في الخارج بلغت نحو 27.8 مليار دولار في العام المالي 2019 - 2020.
- مصر خامس أعلى دولة في تلقي التحويلات من الخارج على مستوى العالم عام 2021 حسب البنك الدولي.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.