بماذا سيعود غروسي من طهران بعد تخصيب الـ84%؟

(تحليل إخباري)

مدير «الذرية» الإيرانية محمد إسلامي يتحدث خلال المؤتمر الفصلي لوكالة «الطاقة الذرية» ويبدو غروسي إلى جانبه في فيينا سبتمبر الماضي (رويترز)
مدير «الذرية» الإيرانية محمد إسلامي يتحدث خلال المؤتمر الفصلي لوكالة «الطاقة الذرية» ويبدو غروسي إلى جانبه في فيينا سبتمبر الماضي (رويترز)
TT

بماذا سيعود غروسي من طهران بعد تخصيب الـ84%؟

مدير «الذرية» الإيرانية محمد إسلامي يتحدث خلال المؤتمر الفصلي لوكالة «الطاقة الذرية» ويبدو غروسي إلى جانبه في فيينا سبتمبر الماضي (رويترز)
مدير «الذرية» الإيرانية محمد إسلامي يتحدث خلال المؤتمر الفصلي لوكالة «الطاقة الذرية» ويبدو غروسي إلى جانبه في فيينا سبتمبر الماضي (رويترز)

السيناريو نفسه يتكرر كل مرة بخصوص الملف النووي الإيراني كلما اقترب موعد الاجتماع الدوري لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يلتئم في فيينا، مقر الوكالة، ما بين 6 و10 مارس (آذار) الحالي.
ومسار السيناريو ينطلق تقليدياً مع توزيع تقرير الوكالة عن الأنشطة النووية الإيرانية على أعضاء المجلس، وهو ينص، منذ العام 2018 وبشكل دائم، على غياب التعاون الكافي من السلطات الإيرانية، خصوصاً بالنسبة لجلاء ظروف العثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة رسمياً. وهذه المسألة تجرّ أذيالها منذ العام 2019. وتخوف الوكالة أن تكون مؤشراً على وجود برنامج نووي إيراني سري عسكري الطابع.
وجاءت الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي لتغطي على الملف النووي لصالح التركيز على دور طهران في تزويد موسكو بالمسيرات. ثم سلطت الأضواء على التبعات المترتبة على وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني أواسط سبتمبر (أيلول) الماضي والمظاهرات الاحتجاجية التي تبعتها والقمع الأعمى الذي لجأت إليه السلطات لوأدها.
وبالفعل، فإن اهتمام الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة بالملف النووي تراجع إلى المواقع الخلفية في حين كثرت التساؤلات عن قدرة النظام الإيراني على البقاء. إلا أن كشف تقرير الوكالة الأخير، يوم 28 فبراير الماضي، عن أن مفتشيها عثروا على جزيئات نووية مخصبة بنسبة 83.7 في المائة في موقع فوردو بالغ التحصين، أعاد تسليط الضوء على هذا الملف لأنه كشف اللثام، وفق ما تقوله مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، عن أمرين: الأول، قدرة الخبراء الإيرانيين الفنية على الارتقاء بالتخصيب إلى درجة النقاء التي يريدونها. كذلك، فإن وصولهم إلى الدرجة عالية الارتفاع يبين انعدام اهتمامهم بتنفيذ التزاماتهم النووية من جهة، ومن جهة أخرى عدم اكتراثهم بالتحذيرات الدولية التي وجهت إليهم منذ أن تخلوا عن التخصيب بنسبة 3.67 في المائة المتاحة لهم بموجب اتفاق العام 2015.
والآخر، وهو الأخطر، أن إيران اقتربت كثيراً من الحافة الضرورية لإنتاج السلاح النووي وهي 90 في المائة، لا، بل إنه يتعين النظر إليها اليوم على أنها عضو فيما يسمى «دول الحافة» النووية؛ ما يعني أنها «قادرة على إنتاج السلاح النووي إذا رغبت في ذلك».
وبكلام آخر، فإن «شبح إيران نووية» بدأ يلوح في الأفق. ويفيد تقرير صادر مؤخراً عن معهد العلوم والأمن في واشنطن، بأن إيران قادرة على إنتاج خمس قنابل نووية باستخدام مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 و20 في المائة، وذلك خلال شهر واحد وأنها قادرة على إنتاج أول قنبلة بعد 12 يوماً من بدء الاختراق، أي قرار الإنتاج.
ومن جانبه، عبر ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، الأحد الماضي، عن قلقه الشديد من التقدم التقني الإيراني، ورأى أن طهران «تحتاج إلى أسابيع عدة لبلوغ نسبة الـ90 في المائة» إذا رغبت في ذلك. إلا أنه توجد عتبات أخرى يتعين اجتيازها قبل أن تعدّ إيران دولة نووية. وأضاف بيرنز، أن الولايات المتحدة «لا تظن أن المرشد علي خامنئي اتخذ قرار إعادة عسكرة البرنامج النووي الذي توقف في العام 2003». لكن توضيح بيرنز لم يخفف من القلق الغربي.
وأمس، قالت آن كلير لوجاندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، إن تقرير الوكالة الدولية «يشير إلى مسار مقلق للغاية تتبعه إيران وليس له أي مبرر... إنه تطور غير مسبوق وخطير جداً». وأضافت «يشير التقرير أيضاً إلى عدم توفر إمكانية للوكالة الدولية لترسيخ استمرارية حصولها على معلومات بشأن البرنامج النووي الإيراني» وخلاصتها «نحن نعرب عن دعمنا الكامل للوكالة في جهودها للحصول على التوضيحات كافة من إيران؛ لأن العمل بالتزاماتها الدولية موجود على المحك». وكانت لوجاندر تشير بذلك إلى اتفاقية الضمانات التي وقّعتها طهران والتي تخلت عن العمل بموجبها؛ ما يعرضها لعقوبات. وبحسب المسؤولة الفرنسية، فإن باريس ومعها الدول الغربية الأخرى المعنية بالملف النووي الإيراني «ستكون بالغة التيقظ للعناصر التي سيعود بها مدير الوكالة الدولية» من الزيارة التي سيقوم بها إلى طهران ومن لقائه مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والمسؤولين الآخرين.
وما يريده الغربيون ثلاثة أمور: الأول، أن توفر طهران العناصر التقنية كافة ذات الصدقية للأسئلة المطروحة، وهي من نوعين: ظروف التخصيب بنسبة 83.83 في المائة المكتشفة أخيراً، والحصول على إجابات شافية بالنسبة للمواقع الثلاثة القديمة. والثاني، قبول إيران بمزيد من عمليات التفتيش للمواقع النووية وزيادة المفتشين. والثالث، تمكين الوكالة من أن تتبع مسار البرنامج النووي الإيراني من غير عوائق في حين الوكالة تعبّر عن عجزها عن توفير الضمانات حول سلمية البرنامج المذكور.
اللافت هذه المرة، أن طهران سعت للتقليل من أهمية «اكتشاف» الوكالة. فقط كررت، في الأيام الماضية، وفي إطار رسالة وجهتها للوكالة، أنها لا تسعى لحيازة السلاح النووي وأن بلوغ التخصيب نسبة بالغة الارتفاع «غير مقصود» كما أنه جاء نتيجة أخطاء تقنية في أجهزة الطرد المركزية. وهذه «الليونة» بعيدة كل البعد عن مقارباتها السابقة، حيث كانت تلجأ إلى التهديد وإلى مزيد من الإجراءات في حال صدر قرار مندد من مجلس المحافظين على غرار الذي رأى النور في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وفي أي حال، فإن الدول الغربية الرئيسية حرصت سابقاً على إبقاء خيط التواصل قائماً مع طهران وامتنعت عن نقل الملف بكليته إلى مجلس الأمن الدولي؛ ما كان سيفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران؛ لأنها كانت أبقت الباب مفتوحاً أمام التوصل إلى اتفاق محدث مع طهران يتيح مجدداً احتواء برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها. وحتى أمس، امتنعت العواصم الغربية المعنية عن الكشف عن خططها المستقبلية بانتظار تقييم العناصر التي سيعود بها غروسي من طهران والتي على ضوئها سيتقرر ما إذا كانت واشنطن وباريس ولندن وبرلين ستعمد إلى تقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس المحافظين أم سوف تمتنع عن ذلك، وما إذا كانت العلاقة مع إيران ستشهد مزيداً من التصعيد أم ستفتح كوة للتواصل المتجدد بين الطرفين؟


مقالات ذات صلة

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

شؤون إقليمية «الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقارير بشأن إعادة وضع كاميرات مراقبة في إيران، في سياق الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وقال فريدريك دال، المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، إن «العمل جار» دون تحديد عدد الكاميرات أو المواقع التي وصلتها الوكالة الدولية. وأفادت «جمعية الحد من التسلح» التي تراقب امتثال لدول لمعاهدة حظر الانتشار النووي ومقرها واشنطن، بأن الوكالة الدولية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض منشآت إيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي في طهران بداية مارس

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أفادت «جمعية الحد من التسلح» بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة رافائيل غروسي، وإيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي طهران في بداية مارس (آذار) إلى اتفاق مع المسؤولين الإيرانيين بشأن إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في مواقع نووية عدة وزيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو. وتسبب الاتفاق في تفادي مجلس محافظي التابع للوكالة الدولية إصداراً جديداً يدين طهران بسبب عدم تجاوبها مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصاً تلك المتعقلة بالتحقيق في ثلاثة مواقع سرية، عثر فيها على آثا

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

بعد نحو 5 أشهر على إعدام علي رضا أكبري، النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني، على خلفية اتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر إسرائيلية وإيرانية أن المسؤول السابق «كان جاسوساً غير متوقع» بسبب ولائه الشديد للنظام، لكنه لعب دوراً رئيسياً في الكشف عن منشأة فوردو التي ضمت أنشطة سرية لإيران قبل أن تعترف طهران بوجود موقع تخصيب اليورانيوم الواقع تحت الأرض في عام 2009. وأعدم أكبري (62 عاماً)، الذي يحمل الجنسية البريطانية، فجر 14 يناير (كانون الثاني)، بعد ثلاثة أيام من تسريب قضية اعتقاله لوسائل الإعلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس من ضياع فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وحمّل الغرب مسؤولية تعثر المفاوضات. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي في نيويورك أمس: «سيكون من الخطأ الفادح تفويت فرصة استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي»، وحمّل «تصرفات الغرب» المسؤولية إذ قال «في هذه المرحلة، لا يعتمد استئناف الاتفاق، على إيران أو روسيا أو الصين... الذين دمروه يجب عليهم إعادته إلى الحياة الآن». وانتقد لافروف «متطلبات جديدة لم يتم ذكرها في المسودة الأولى للاتفاق». وأضاف «لنفترض أنه تم التوصل إلى اتفاق لاستئنافه منذ فترة طويلة.

شؤون إقليمية عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، أمس أن بلاده تلقت أفكاراً بشأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 عن إيران، معرباً عن امتنانه للدور البناء لسلطان عمان ونواياه الصادقة في هذا الصدد. وفي اليوم الثاني لزيارته إلى عمان التي اختتمها أمس متوجهاً إلى بيروت، قال عبداللهيان عقب لقائه مع نظيره العماني إن مسقط «تلعب دائماً دوراً بناء» في محادثات النووية، وأضاف «قد أجرينا المشاورات اللازمة في هذا الصدد». وفي وقت لاحق، نقلت وكالة الأنباء العمانية عن عبداللهيان القول إن سلطنة عُمان لديها «مبادرات جدية» فيما يخص الملف النووي الإيراني «ستسهم» في عودة المفاوضات. وذكرت وزارة الخارجية العما

ميرزا الخويلدي (مسقط)

إيران توقف زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده

المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)
المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

إيران توقف زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده

المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)
المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)

أوقفت السلطات الإيرانية، اليوم الجمعة، رضا خندان زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده التي اعتُقلت عدة مرات في السنوات الأخيرة، بحسب ابنته ومحاميه.

ونشرت ابنته ميراف خاندان عبر حسابها على موقع «إنستغرام»: «تم اعتقال والدي في منزله هذا الصباح». وأكد محاميه محمد مقيمي المعلومة في منشور على منصة «إكس»، موضحاً أن الناشط قد يكون أوقف لقضاء حكم سابق.

ولم ترد تفاصيل أخرى بشأن طبيعة القضية أو مكان احتجازه، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوقفت زوجته ستوده البالغة 61 عاماً والحائزة عام 2012 جائزة «ساخاروف» لحرية الفكر التي يمنحها البرلمان الأوروبي، آخر مرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أثناء حضورها جنازة أرميتا غاراواند التي توفيت عن 17 عاماً في ظروف مثيرة للجدل. وكانت دول أوروبية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد أعربت عن دعمها للمحامية التي أُطلق سراحها بعد أسبوعين.

وقد دافعت عن العديد من المعارضين والناشطين، من بينهم نساء رفضن ارتداء الحجاب الإلزامي في إيران، وكذلك مساجين حُكم عليهم بالإعدام بسبب جرائم ارتكبوها عندما كانوا قاصرين. وكان زوجها يساندها باستمرار، ويطالب بالإفراج عنها في كل فترة اعتقال. ويأتي توقيفه فيما من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في الأيام المقبلة قانون جديد يهدف إلى تشديد العقوبات المرتبطة بانتهاك قواعد اللباس في إيران.

وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير إن النساء قد يواجهن عقوبة تصل إلى الإعدام إذا انتهكن القانون الرامي إلى «تعزيز ثقافة العفة والحجاب».