بات الدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي في حلحلة الأزمة الليبية أكثر وضوحاً مما مضى، لكن رغم ذلك يتساءل عدد كبير من الليبيين حول مدى قدرته بالفعل على المساعدة في حلحلة الأزمة السياسية التي تتخبط فيه البلاد، وسط قراءات مختلفة لهذا الحضور وحجمه وأهميته، وما يمتلكه من أدوات لتحقيق اختراق في ملف المصالحة الوطنية، فيما يرى سياسيون آخرون أن الاتحاد يسعى لمواكبة التحركات والجهود، التي تدفع بها أطراف دولية وإقليمية للإسراع بإجراء الانتخابات.
بداية، يرى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، وجود ترابط بين تحرك الاتحاد والجهود الغربية الأميركية تحديداً بشأن الأوضاع في ليبيا، وقال إن الاتحاد الأفريقي أعلن منذ فترة عزمه تنظيم مؤتمر حول المصالحة الوطنية في ليبيا، كما أن بعض أعضائه يشتكون من فوضى السلاح في ليبيا، «لكن هذا لا ينفي مراعاته للتوجه الأميركي بالتعجيل بالانتخابات الليبية».
ورغم تأكيده أن ملف المصالحة الوطنية في ليبيا بالغ الأهمية للتمهيد للانتخابات، إلا أن التكبالي توقع أن تكون مساهمة الاتحاد «ضعيفة للغاية»، وقال بهذا الخصوص إن «الأطراف الليبية، التي يمكنها لعب دور حقيقي كالقوى المسلحة وبعض الزعامات القبلية، لا تستجيب إلا للدول الكبرى، فضلاً عن تركيز الاتحاد على القضايا الأكثر صلة بالعمق الأفريقي، وانحسار اهتمامهم بملف ليبيا مؤخراً على زوايا محددة، كمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل».
كما تساءل التكبالي عن الآليات التي تملكها المنظمة القارية لإحداث مصالحة في ليبيا، في ظل اتساع الشروخ بالنسيج الليبي على مدار السنوات الماضية، مشدداً على أن ليبيا «تحتاج لمعالجة غضب أهل الجنوب من التهميش لعقود، وحل مشاكل بعض المدن المهمشة مثل تاورغاء التي هجر سكانها مع سقوط النظام السابق على خلفية اتهامهم بالولاء له، وبعضهم ما زالوا بعيدين عن منازلهم».
ويرى التكبالي أن «هناك زاوية واحدة يمكن للاتحاد بواسطتها تحقيق إنجاز في ملف المصالحة، وهي الضغط على المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية لتقديم ترضيات لقيادات التشكيلات المسلحة بالمنطقة الغربية حتى تقوم بالإفراج عن المحتجزين بسجونها دون أي جريرة»، وكذلك «الإفراج عن رموز النظام السابق، الذين انتهت مدة محكوميتهم، ما سيعزز حالة الرضا لدى الكثير من الأسر والقبائل».
بالمقابل، أشار الناشط السياسي الليبي حسام القماطي، إلى أن عقد مؤتمر للمصالحة في ليبيا «هو مجرد محاولة خجولة من الاتحاد لإيجاد دور له في الساحة الليبية عبر التنسيق مع المجلس الرئاسي». كما رفض القماطي اختصار البعض للمصالحة بالإفراج عن رموز النظام السابق، وتجاهل العديد من الأخطاء التي حدثت بالبلاد بعد «ثورة فبراير»، مستبعداً على هذا النحو قدرة المنظمة الأفريقية على تحقيق أي تقدم في هذا الملف، «خصوصاً مع افتقادها لعوامل التأثير على صناع القرار بالمشهد الليبي، وحلفائهم الإقليميين والدوليين».
كما اتهم الناشط السياسي، المجلس الرئاسي، بـ«الفشل الذريع» في وضع الخطط والبرامج، التي كان بإمكانها تحقيق المصالحة التي اضطلع بمسؤوليتها، وأيضاً حكومة «الوحدة»، بـ«إهمال تلك القضية»، بقوله: «لقد تركت العديد من النازحين بالمدن الليبية بلا مأوى، وتركت مهجرين أيضاً خارج البلاد لا يستطيعون العودة لأسباب أمنية، كما تركت إعادة إعمار المدن الليبية بعموم البلاد، خصوصاً بالجنوب، وأعلنت تبرعها بـ50 مليون دولار لإعمار المناطق التي تضررت من الزلزال بتركيا. فيما أعلنت السلطات في طرابلس إطلاق سراح عبد الله منصور، أحد قيادات النظام السابق».
من جهته، أشار مدير الوحدة الأفريقية بـ«مركز العرب للأبحاث والدراسات»، رامي زهدي، إلى نجاح الاتحاد في معالجة بعض قضايا القارة السمراء مؤخراً، «ما قد يدفع بعض القوى الدولية للاعتماد عليه للعب دور مماثل في ليبيا». لكنه استبعد أن يحقق خطوات كبيرة بملف المصالحة الليبية، مرجعاً ذلك لعوامل عديدة، منها «ضعف تدخله بالساحة الليبية، التي لم تكن تتسق على الإطلاق مع ما كان يرصد من اتساع مساحة التدخلات من قوى إقليمية وغربية»، إضافة إلى «عدم امتلاك الاتحاد أي آلية محددة سياسية أو عسكرية تجبر الأطراف المتنازعة في ليبيا على الالتزام بالقرارات الصادرة عن المؤتمر المزمع تنظيمه». وضرب زهدي مثالاً بقضية «المرتزقة الأفارقة» في ليبيا، وقال إن «أقصى ما يمكن للاتحاد القيام به هو توجيه رسائل للدول الأعضاء به للضغط على القيادات المتحكمة بحركة هؤلاء المرتزقة لإقناعهم بالخروج لا إجبارهم».
ليبيون يتساءلون عن مدى قدرة «الاتحاد الأفريقي» على حلحلة الأزمة السياسية
ليبيون يتساءلون عن مدى قدرة «الاتحاد الأفريقي» على حلحلة الأزمة السياسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة