الحرب، هي الكلمة الأكثر شيوعاً في إسرائيل اليوم... إذ يستخدمها قادة المظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو، بشكل صريح وبلا تردد. بَيْد أن وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، الذي قاد «وحدة الكوماندوس» التي تسللت إلى تونس حيث اغتالت القائد الفلسطيني خليل الوزير، أيام شغله منصب رئيس أركان الجيش، كان أول من تفوَّه بها. ولحق به جنرالات آخرون، بينهم زئيف راز ورون خولدائي اللذان كانا قائدين في سلاح الجو، ورئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت الذي أمر بتدمير المفاعل النووي السوري وهو قيد الإنشاء في دير الزور. كل هؤلاء القادة يستندون إلى تاريخهم القتالي الطويل في تهديداتهم، ويستمدّون الإلهام من مئات ألوف المتظاهرين الذين خرجوا ويخرجون إلى الشوارع عدة مرات في الأسبوع منذ بداية حكم نتنياهو... فالجمهور الواسع يشارك في هذه المظاهرات بقوة، والشعارات التي يرفعها تحذِّر من الديكتاتورية والفاشية. كما أن الحكومة وقادة الائتلاف يتحدثون عن حرب، ويهددون باعتقال الجنرالات في جيش الاحتياط وبقية المسؤولين السابقين الذين يطلقون التصريحات النارية ويؤكدون أنهم ماضون في الانقلاب على سياسة الحكم السائدة منذ 74 سنة، بإصرار شديد... والشرر يشتعل في عيونهم. لقد بُذلت جهود كبيرة، بقيادة رئيس الدولة يتسحاق هيرتسوغ، لجمع الطرفين إلى حوار بحثاً عن حل وسط. وتمكّن هيرتسوغ من فتح قناة اتصال بينهما، لكن هرج القتال لا يزال صاحب الموقف. ففي الطرفين قادة مقاتلون يبحثون عن كسر الطرف الآخر، ولا يقتنعون بالتفاهم، قائلين «بين الجنة والنار لا توجد حلول وسط».
إذا كان طرفا الصدام المرتقب في إسرائيل يتكلّمان عن «حرب أهلية بين اليهود»، فإن ثمة من يرى أيضاً بوادر انزلاق نحو حرب خارجية ضد «عدو ما خارج الحدود». ويشير هؤلاء إلى أن الحرب هي الآن المَخرج الأفضل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخصوصاً أنه سبق أن لجأ إليها ونجح.
كان ذلك عام 2012، عندما انطلقت هبّة احتجاج واسعة في إسرائيل ضد سياسة الحكومة الاقتصادية. يومها بدأت باعتصام للأزواج الشباب الذين احتجّوا على عجزهم عن تأمين سكن، فنصبوا خياماً في شارع روتشيلد «شارع الأغنياء» في تل أبيب، ثم في غضون بضعة أسابيع تحوّلت إلى مظاهرات يومية ضد حكومة نتنياهو شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين... وفي أوْجِها بلغ عدد المتظاهرين 400 ألف. وعلى نمط ما كان يسمى «الربيع العربي»، رفعوا في تل أبيب وحيفا وهرتسليا والقدس الغربية الشعار الذي تردَّد داخل ميدان التحرير في القاهرة وفي دمشق وتونس وطرابلس: «الشعب يريد إسقاط النظام».
حينذاك أعلن نتنياهو قبوله بحث مطالب المتظاهرين، وأنشأ لجنة وطنية لإقرار برنامج اقتصادي يحل مشكلة السكن وغيرها من القضايا الاقتصادية. وجنباً إلى جنب، نفّذ الجيش الإسرائيلي عملية حربية على قطاع غزة بدأت يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال قائد قوات «حماس» أحمد الجعبري، واستمرت 8 أيام. وقد أُطلق على تلك العملية مسمى ذو معنى لافت «عمود عنان»؛ وهو اسم توراتي يشير إلى فترة تيه اليهود في صحراء سيناء حيث أرسل لهم الله، خلال ساعات النهار، عموداً من السحاب يمتد من الأرض حتى السماء ليسير معهم ويرشدهم إلى طريقهم.
وهكذا انشغل الإسرائيليون بمتابعة الحرب، حيث جرى تجنيد 57 ألف جندي في الاحتياط، وهو ما يعني أن 57 ألف عائلة انشغلت في متابعة مصائر أبنائها جنود الاحتياط، ومثلها وأكثر (حوالي 100 ألف عائلة) تابعت أخبار الأبناء من الجنود النظاميين، هذا فضلاً عن إطلاق 1506 صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، و1500 غارة إسرائيلية على غزة. وفي حصيلة العملية قتل 6 إسرائيليين و223 فلسطينياً، لكن نتنياهو حقّق الهدف، إذ خَبَت هبّة الاحتجاج ثم اندثرت، وصمد بعدها في الحكم 9 سنوات.
هل يعود التاريخ إلى الوراء؟
ما من شك في أن نتنياهو، الذي يختنق بحملة الاحتجاج الجماهيري ويجد نفسه محاصَراً بحملة انتقادات واسعة في دول الغرب الحليفة والصديقة، يتمنى أن يستطيع الخروج إلى حرب تعيد المتظاهرين إلى بيوتهم. إلا أن الحروب تحتاج إلى جيوش... والجيش الإسرائيلي لا يتعجّل الاستجابة لرغبات نتنياهو، فهو يجد نفسه من ضحايا خطة نتنياهو، وليس هذا من اليوم؛ فعبر العقد الأخير يدير اليمين المتطرف في إسرائيل حرباً ضروساً ضد الجيش. وكانت البداية عندما رفض جميع قادة الجيش والأجهزة الأمنية طلب نتنياهو شن حرب على إيران. يومذاك تجنّدت جميع وسائل الإعلام اليمينية (صحيفة يسرائيل هيوم وصحيفة مكورريشون وموقع قناة 7 وموقع ميدا والقناة 14 التلفزيونية) ومعاهد الأبحاث اليمينية (المعهد الأورشليمي لدراسات الدولة والجمهور ومعهد القدس للأبحاث الاستراتيجية والأمنية) ضد الجيش، ونشرت المقالات والدراسات والتقارير التي تتحدث عن «تخلي الجيش عن العقيدة القتالية» وعن «عقيدة الإقدام والمواجهة»، وتتّهمه بالتبذير والفساد.
الخطة الحكومية التي يطرحها نتنياهو، اليوم، تشمل سحب صلاحيات الجيش في الضفة الغربية. وبموجب الاتفاقيات الائتلافية للحكومة، عيّن وزير المالية بتسلئيل سموترتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية، وزيراً ثانياً في وزارة الدفاع، وعيَّن زميله في الكتلة البرلمانية أيتمار بن غفير، وزيراً للأمن القومي ومسؤولاً عن الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون، لذا فإن الجيش يرى في الحكومة الحالية «خصماً وقحاً» يتطاول على القيادات العسكرية ويمسّ هيبتها. ومع أن الجيش بنى لنفسه تقليداً تاريخياً اعتاد فيه شن حروب بوتيرة مرة كل 3 إلى 4 سنوات، ويستخدم الحرب لتدريبات الجنود بشكل فعلي على القتال ولإجراء عمليات تجريب على الأسلحة الجديدة، فإنه في زمن نتنياهو يتردد في الخروج إلى الحرب، ويختار العمليات الحربية التي تناسبه ولا تساعد نتنياهو بشكل مباشر.
ومع هذا فإن رائحة الحرب لا تغيب عن سماء البلاد، فالتوتر في الضفة الغربية والقدس يتصاعد باستمرار، ويمكن أن يؤدي إلى جرّ الجيش لشن عمليات حربية؛ ذلك أن اليمين المتطرف يفرض قرارات وقوانين وممارسات تشعل النيران في المناطق الفلسطينية. فمن جهة، يعمل بن غفير على التصعيد في القدس الشرقية ويهدم فيها البيوت العربية يومياً، ويبادر إلى قوانين لسحب المواطَنة من مواطنين فلسطينيين من إسرائيل والقدس، ويضيِّق الخناق على الأسرى الفلسطينيين في السجون. ومن جهة ثانية، يبادر سموترتش إلى مشروعات استيطانية كبيرة، آخِرها قرار «الكابينيت» (المجلس الوزاري المصغر لشؤون السياسة والأمن في الحكومة الإسرائيلية)، بناء حوالي 10 آلاف وحدة سكنية في المستوطنات، وبدء عملية تشريع للبؤر الاستيطانية. يضاف إلى كل ذلك تصعيد القمع الميداني وتشجيع المستوطنين على قتل فلسطينيين، ومهاجمة البلدات الفلسطينية بتحطيم زجاج البيوت والسيارات وإشعال النيران في بيوت أخرى.
الهدف «إحداث انقلاب»
اليمين الإسرائيلي المتطرف لا يقْدم على هذه العمليات بغرض الانتقام من عمليات فلسطينية فحسب، بل بغرض «إحداث انقلاب» في تعامل إسرائيل مع الموضوع الفلسطيني، إذ يعتبره «ناعماً» ويرى أنه يثبِّت حل الدولتين، في حين أن غايته إجهاض هذا الحل.
الوسط الليبرالي في الساحة السياسية الإسرائيلية، وكذلك في الجيش، يؤمن بضرورة إبقاء فسحة من الأمل بإقامة كيان فلسطيني مستقل (أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي)، والحفاظ على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكم «حماس» في قطاع غزة؛ لضمان النظام، وإعفاء إسرائيل من مهمة ومصاريف إدارة الشؤون الفلسطينية اليومية. ومقابل ذلك يؤمن غلاة المستوطنين واليمين المتطرف بموقف معاكس تماماً، ويرون ضرورة الدفع بانهيار السلطة الفلسطينية وسيادة الفوضى، وانتهاز الفرصة لملء الضفة الغربية بالمستوطنات ودفع الفلسطينيين إلى الرحيل، ويعتبرون أن في هذه الفوضى مصلحة أكبر لإسرائيل.
لقد عبَّر عن هذه العقيدة بشكل صريح، إفرايم عِنبار، رئيس المعهد الأورشليمي للاستراتيجية والأمن «JISS»، والمدير المؤسس لمركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية، وهو يُعدّ أحد المرجعيات المهمة لليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم، إذ يقول: «الفوضى في المناطق، كوضع مؤقت، ليست بالضرورة أسوأ سيناريو، فعندما أصبح محمود عباس (أبو مازن) وعصابته مشكلة لكلا الجانبين، ينبغي لإسرائيل ألا ترتعد من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية». ويفسّر أقواله، في دراسة نشرها بموقع المعهد، قائلاً: «الفوضى السياسية ليست السيناريو المفضل؛ لأن الفوضى في الضفة الغربية تُعدّ مشكلة أمنية لإسرائيل، لكن هذه المشكلة تصبح أقل حِدّة إذا تنافست الميليشيات الفلسطينية، المتصارعة على النفوذ، بعضها مع بعض. ومن شأن الصراع على الخلافة بعد وفاة أبو مازن أن يصرف الانتباه عن محاربة إسرائيل المكروهة، ويمنع التنسيق في الصراع المستمر ضد إسرائيل. أضفْ إلى ذلك أن الفوضى في الضفة الغربية قد تمنح إسرائيل الشرعية للعمل بحرّية أكبر ضد الإرهابيين. وقد تؤدي الفوضى أيضاً إلى نتائج إيجابية، حيث سيؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية، التي كانت حتى الآن مصدراً للعنف المستمر ضد إسرائيل، وسبباً للاضطراب الإقليمي». ويضيف: «لقد دعّمت السلطة الفلسطينية سياسات أنظمة متطرفة مثل إيران، كما أنها مُعادية لأميركا بشكل واضح. علاوة على ذلك فإنها تهدّد دولتين على الأقل من دول (الوضع الراهن) - إسرائيل والأردن».
ويتابع عِنبار شرح أفكاره: «انهيار السلطة وفشل الحركة الوطنية الفلسطينية في إقامة دولة قد يقلّلان من شهية الفلسطينيين لكيان مستقل. وسيسبّب تفكّك السلطة الفلسطينية مشكلة كبيرة للعلاقات العامة الفلسطينية، ويقلّص من قوة جاذبيتهم لدى أنصارهم المتظاهرين بالبراءة والورع في جميع أنحاء العالم وبين الإسرائيليين. ستتضح إخفاقات أداء الكيان السياسي الفلسطيني للجميع، وستثير فهماً أكبر للمخاوف الإسرائيلية من العواقب المدمّرة للقومية الفلسطينية».
البروفسور عِنبار يرفض المخاوف من أن تحلّ «حماس» محل السلطة الفلسطينية في الشارع، فيقول: «الفوضى في الضفة الغربية قد توفر فرصاً جديدة لتحقيق استقرار للوضع. ويمكن لخيبة الأمل من تفكك السلطة أن تجلب إلى المقدمة قيادة أكثر واقعية وتصالحية. وعلى الرغم من صعود قوة حماس، من المضلل تقديم هذه المنظمة على أنها البديل الوحيد لقيادة السلطة. سلطة حماس في غزة ليست تجربة ناجحة، وإغراء الإسلام الراديكالي آخذ في التلاشي. الفوضى، كوضع مؤقت، ليس بالضرورة أسوأ سيناريو، ويجب ألا ترتعش إسرائيل من احتمال سقوط السلطة الفلسطينية».
وهكذا فإن زرع الفوضى هو نهج عقائدي لدى حلفاء نتنياهو يخدم هدفهم الأساس للسيطرة على الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها بالكامل، ولهذا الغرض كانوا قد تقدموا بسلسلة مطالب من نتنياهو اشترطوا عليه بلورتها في الاتفاقيات الائتلافية، وصاغوها في عدة قوانين، رافضين التصويت على الحكومة الجديدة قبل سن هذه القوانين.
نتنياهو، من جهته، قَبِل هذه الشروط، ونفّذها بحذافيرها؛ ليس لأنه يؤيدها، بل لأنه يقبض ثمنها بعملة أخرى، إذ يريد، في المقابل، إجهاض محاكمته بتُهم الفساد الثلاث: الاحتيال وخيانة الأمانة وتلقي الرشاوى. وهذه الأحزاب المتطرفة هي الوحيدة التي تؤيد تخليصه من المحاكمة، لذا فهي وحدها التي يستطيع تشكيل حكومة معها، وهي الوحيدة التي تقف إلى جانبه في خطة الضغط على الجهاز القضائي.
الصدام مع «الدولة العميقة»
مشكلة نتنياهو راهناً أنه يخوض هذه «المعركة» بمغامرة تصل إلى حد المقامرة، فالهجوم على الجهاز القضائي ليس سهلاً في إسرائيل؛ لأنه جهاز قوي جداً وذو سطوة شديدة، ويتسم مثله - وربما أكثر منه - بالعناد والغطرسة ويرفض الهزيمة، وهو أيضاً يشكل ركناً أساسياً في «الدولة العميقة» التي تتحكم يشؤون الدولة العبرية، وتضم النيابة والمؤسسة الاقتصادية؛ من البنك المركزي، إلى البنوك التجارية، وحتى رجال الأعمال، والمؤسسة الأكاديمية وأجهزة الأمن والجهاز الصحي والسلك الدبلوماسي وأصحاب الوظائف العليا ورئاسة خدمات الدولة، والمسنودة بوسائل الإعلام وبنقابة المحامين. وقد التقت مصالح «الدولة العميقة» مع مصالح أحزاب المعارضة الليبرالية ومع القيادات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وهذا هو سر الالتفاف الواسع وراء حملة الاحتجاج على خطة الحكومة للانقلاب على جهاز القضاء و«قصّ» أجنحته. وقد اختار المحتجّون لحملتهم شعاراً أساسياً هو «التصدي لخطة تحطيم أركان الديمقراطية وإبدال حكم ديكتاتوري بها». وبينما يعتبر رئيس المعارضة يائير لبيد، ووزيرة القضاء الأسبق تسيبي ليفني، الخطة «بداية للفاشية»، هدّد عدد من الجنرالات بالعنف وسفك الدماء. وقد ردّ الوزير الجديد في حكومة نتنياهو، دافيد عمسالم، مهدداً باعتقال «مَن يخرقون القانون» من هؤلاء الجنرالات. وطالب نواب آخرون باعتقال أولمرت، والمستشارة القضائية الحالية للحكومة غالي بهاراف ميارا، والمستشار السابق أبيحاي مندلبليت، والرئيس الأسبق للمحكمة العليا القاضي أهارون باراك. أما نتنياهو فأعلن مواصلته هذا الانقلاب حتى آخِر رمق.
الصحيح أن هذه الأجواء المشحونة لا تعود فحسب إلى خطة الانقلاب في القضاء، وأن المتظاهرين ضدها ليسوا أولئك الذين يرفعون شعار «نعم للديمقراطية ولا للديكتاتورية» فحسب، بل هي أكبر وأعمق من ذلك.
إن وراء هذه المواجهة «حرباً» يخوضها بشكل فعلي أركان «الدولة العميقة» في إسرائيل؛ من مختلف الجبهات والمواقع: الجيش والشرطة وسائر أجهزة الأمن، والجهاز القضائي بكل ساحاته ومنابره؛ كالمحاكم والنيابة ومؤسسة المستشار القضائي ونقابة المحامين، وقادة خدمات الدولة، والمؤسسة المالية؛ بما فيها البنك المركزي والبنوك التجارية واتحاد أرباب الصناعة، والمؤسسات الأكاديمية.
بعض هؤلاء متخوّفون فعلاً من تراجع مكانة إسرائيل في الأسواق العالمية بشكلٍ يكبّدها خسائر مالية فادحة، وهم يشيرون إلى بداية ظاهرة سحب الاستثمارات الأجنبية، وبعضهم يخشون من حرب تصفية للنخبة السياسية الأشكنازية التي تسيطر على الحكم منذ بداية الحركة الصهيونية قبل أكثر من 100 سنة. وبينما تخوض المؤسسة الأمنية هذه المواجهة في إطار حملة انتقامية من نتنياهو شخصياً ورفاقه المقرَّبين، فإن «الدولة العميقة» في إسرائيل تشعر بأن نتنياهو جاء ليخوض حرباً شخصية شمشونية «ومن بعدي الطوفان» كي لا يُسجن، ولا يهمُّه أن تؤدي هذه الحرب إلى دمار البيت كله، لذا قررت ألّا تسمح له بذلك... فدخلت معه معركة حسم.
قلق وحذر عند الجنرالات من تدهور الأوضاع الأمنية
> أمام خلفية المواجهة الحالية بل «الحرب الداخلية» في إسرائيل، يتجاوب بنيامين نتنياهو كلياً مع مطالب حلفائه من حزبي المستوطنين المتطرفين «الصهيونية الدينية» (بتسلئيل سموترتش) و«عظمة يهودية» (أيتمار بن غفير)، التي تؤذي الفلسطينيين وتتسبب في تصعيد التوتر، وهو يأمل حقاً بانزلاق الصدامات إلى عملية اجتياح حربية تؤدي إلى إجهاض حملة الاحتجاج ضده.
غير أن الجيش يحاول تفادي الحرب بقدر الإمكان، ولهذا الغرض يضع حوالي 70 % من وحداته القتالية (26 وحدة) في الضفة الغربية، متذرّعاً بأنه بذلك يطوِّق الأحداث بنجاعة أكبر ويقلل العمليات المسلَّحة. وخلال الأسبوع، حذّر الجنرالات من نتائج هذا الانشغال في الضفة الغربية. ونقل رون بن يشاي، محلل الشؤون العسكرية والأمنية في موقع «واي نت»، التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، الأربعاء، عن مسؤولين كبار في الجيش أنهم حذّروا أمامه من أن «الأمن القومي العام في إسرائيل بدأ منذ الأسابيع الثلاثة الماضية التدهور والانهيار»، وقالوا له إن «اشتعال الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وشرقي القدس بلغت حد وصول معدل الإنذارات اليومي من نية الفلسطينيين تنفيذ عمليات ضد الأهداف الإسرائيلية إلى أكثر من 40 إنذاراً في كل يوم، وهو ما يُعدّ وضعاً خطيراً جداً». وقالوا إن الانشغال في الضفة الغربية على مدار الساعة بسبب سياسة بن غفير وسموترتش «بات يستزف قواهم ويمس الجهوزية العسكرية والعملياتية ويحدث خللاً في خطط التدريب اللازمة لرفع كفاءة الوحدات المقاتلة واستعداداتها للحرب المقبلة».
وأردف بن يشاي أن الجنرالات قلقون أيضاً من تأثير سياسة الحكومة على ساحة العلاقات الدولية مع حلفاء إسرائيل، فقد شهدت الفترة الأخيرة تدهوراً ملموساً في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في أعقاب قرار «الكابينيت» بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، في تجاهل مطلق للتحفظ الأميركي على تلك الخطوة، وهو أمر قد يضر الدعم العسكري التكنولوجي الذي تقدمه واشنطن إلى إسرائيل لرفع قدراتها العسكرية أمام التهديد الإيراني.
إزاء هذه التطورات، يغدو واضحاً أن الشرخ يتسع ويتعمق ويرفع حِدة الصراعات ويخفّض مستوى الخطاب، ويُدخل إسرائيل في أزمة لا يبدو الخروج منها قريباً. وثمة نداءات استغاثة من قوى عدة، يتقدمها الرئيس هيرتسوغ و9 من الرؤساء السابقين لمجلس الأمن القومي يحذرون من حرب أهلية. من جهتهم، يحذّر الفلسطينيون من حرب ضدّهم تأتي تصديراً للحرب الداخلية، والجميع يؤكد أن هذه الحرب المكلفة تبدو الآن شبه حتمية.