«عض أصابع» بين السلطات الفرنسية والنقابات

الاتحادات العمالية واليسار لتعبئة أوسع ضد مشروع رفع سن التقاعد

البرلمان الفرنسي لدى مناقشته مشروع قانون تعديل سن التقاعد الحكومي أمس (أ.ف.ب)
البرلمان الفرنسي لدى مناقشته مشروع قانون تعديل سن التقاعد الحكومي أمس (أ.ف.ب)
TT

«عض أصابع» بين السلطات الفرنسية والنقابات

البرلمان الفرنسي لدى مناقشته مشروع قانون تعديل سن التقاعد الحكومي أمس (أ.ف.ب)
البرلمان الفرنسي لدى مناقشته مشروع قانون تعديل سن التقاعد الحكومي أمس (أ.ف.ب)

عاود البرلمان الفرنسي (الاثنين) مناقشة مشروع قانون تعديل سن التقاعد الذي تقدمت به الحكومة وأهم بنوده رفعها من 62 إلى 64 عاماً وسط تواصل الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع بينما الحكومة مصممة على السير به حتى النهاية.
وتسود مناقشات البرلمان المفترض به أن ينتهي من المناقشة خلال أسبوع، حالة من الهرج والمرج. فالمعارضة المشكَّلة من أحزاب اليسار «الشيوعي والاشتراكي وفرنسا المتمردة»، ومن الخضر ومن اليمين المتطرف «حزب التجمع الوطني»، تمارس سياسة التعطيل من خلال طرحها عشرين ألف تعديل، تبقّى منها للأسبوع الأخير نحو 7 آلاف لم يتم النظر بها وسيكون من الصعب الانتهاء منها في الأيام القليلة المتبقية. ويُعدّ ما تقوم به المعارضة المتنوعة تحت قبة البرلمان موازياً للحراك في الشارع. وإذا كانت الحكومة تراهن على تراجعه، فإن ما حصل يوم السبت الماضي جاء بالدليل القاطع على حيويته واستمرار المعارضة الشعبية للخطة الحكومية. ورغم التفاوت الكبير بين الأرقام الرسمية والنقابية، فمن الواضح أن التعبئة متواصلة. واعترفت وزارة الداخلية (السبت) بأن أقل بقليل من مليون شخص نزلوا إلى الشارع في العاصمة باريس «93 ألفاً» وبقية المدن الكبرى والوسطى. وفي المقابل، قدّر الاتحاد النقابي «الكونفدرالية العامة للعمل» القريبة من الحزب الشيوعي التي يديرها فيليب مارتينيز، أعداد المشاركين بأكثر من 2.5 مليون شخص، بينهم 500 ألف في باريس وحدها. أما رئيس النقابة الإصلاحية «الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل»، لوران بيرجيه، فقد اتهم السلطات بالتلاعب بالأرقام وتعمد خفضها، مؤكداً أن 1.8 مليون شخص شاركوا في المظاهرات التي كان اللافت فيها ظهور عائلات بأكملها، صغاراً وكباراً، ما يعني أن التعديل الحكومي يثير قلق الكثير من الشرائح السكانية والعمرية.
الثابت حتى اليوم أن الحكومة لن تسحب مشروعها من التداول ولن تقبل التراجع عن عموده الفقري «أي الـ64 عاما» لأنها ترى أن التراجع عنه ستكون له نتيجتان متصلتان: الأولى، إصابتها بهزيمة سياسية مدوية بوجه المعارضة. والأخرى، عجزها عن مواصلة ما يريده الرئيس إيمانويل ماكرون من استكمال مشروع «تحديث» القوانين الناظمة للمجتمع الفرنسي. يضاف إلى ما سبق أن الحكومة ترى أن التخلي عن خطتها سيعني «إفلاس» نظام التقاعد فضلاً عن أن سن التقاعد المعمول به حالياً يعد الأدنى في إطار بلدان الاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال، فإن سن التقاعد في ألمانيا وهي القوة الاقتصادية الأكبر داخل الاتحاد «فرنسا الثانية» هو 67 عاماً.
بالنظر إلى ما سبق، فإن الحركة الاحتجاجية تتجه إلى مزيد من التصعيد لمزيد من الضغوط على الحكومة. والدليل على ذلك قرار النقابات الإجماعي «الثماني الرئيسية والخمس الإضافية التي انضمت إليها مؤخراً» الدعوة إلى يوم من التظاهر والإضرابات الخميس القادم «16 فبراير (شباط) الجاري» أي قبل يوم واحد من انتهاء المناقشات في البرلمان. والأهم من ذلك أن الاتحادات العمالية تهدد بـ«شل الحركة الاقتصادية» في البلاد بدءاً من السابع من مارس (آذار) القادم وهي تريد الاستفادة من الأسابيع الثلاثة الفاصلة بين الموعدين «الأول والثاني» لمزيد من التعبئة ولإقناع المترددين بأن الخيار الوحيد المتاح أمام النقابات هو ليّ ذراع الحكومة لدفعها إلى التراجع عن مشروعها. وكان لافتاً أن أمين عام النقابة الإصلاحية المعتدلة لوران بيرجيه الذي يعد المحاور النقابي الطبيعي الأول للسلطة، يعتمد خطاباً بالغ التشدد، إذ أكد عقب مظاهرات (السبت) أن الغرض من دعوة السابع من مارس «إظهار قدرتنا على شل الاقتصاد إذا تبين لنا أن الحكومة لم تفهم أنه يتعين عليها التراجع». ومنذ اليوم، تحذر النقابات من «يوم أربعاء أسود» (7 مارس) ويمكن أن يتبعه «يوم خميس أسود» الذي يصادف «اليوم العالمي لحقوق المرأة». وتشكو النساء من أن المشروع الحكومي لا يفي المرأة حقها بل إنها المتضررة الأولى منه.
هل يعني ذلك كله أن الطريق الوحيدة المتاحة للحكومة هي التراجع؟
حقيقة الأمر أن الوضع ليس بهذه البساطة. ذلك أن الحكومة، رغم افتقارها للأكثرية المطلقة داخل البرلمان يمكنها أن تعوِّل على تصويت نواب حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل لصالح مشروع القانون أو على الأقل غالبية هؤلاء للوصول إلى الأكثرية المطلقة «289 نائباً». أما إذا تَبينت لها صعوبة هذا الهدف، فإنها قادرة على الربط بين التصويت لصالح مشروع القانون وبين التصويت على طرح الثقة بها، بمعنى أن الفشل في الحصول على الأكثرية سيعني بشكلٍ آليٍّ استقالة الحكومة. وليس سراً أن الأحزاب ليست راغبة اليوم في العودة إلى صناديق الاقتراع. ذلك أن الرئيس ماكرون هدد سلفاً بأن إسقاط الحكومة في البرلمان سيعني حكماً حل المجلس النيابي والتوجه إلى انتخابات تشريعية جديدة. وواضح أن حزب «الجمهوريون» الذي خسر عشرات النواب في انتخابات الربيع الماضي والذي تعتمله انقسامات داخلية، ليس مستعجلاً للمثول مجدداً أمام الناخبين. ثم إن برامجه الانتخابية الرئاسية المتلاحقة نصّت جميعها على رفع سن التقاعد، لا بل إن مرشحاً لرئاسيات العام 2017 اقترح سن 67 عاماً بدل 62 عاماً حالياً ولذا فإنه يشعر بالإحراج للتصويت ضد المشروع الحكومي.
هكذا تتبدى الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية التي تعيشها فرنسا في الوقت الحاضر والتي تتفاعل معها الأزمة المعيشية التي لها عنوانان رئيسيان متداخلان: الأول غلاء الأسعار خصوصاً المواد الغذائية الأساسية والخضار والفاكهة والمحروقات المختلفة، والآخر التضخم المستشري الذي لم تعرف فرنسا مثيلاً له منذ ثلاثين عاماً، وكلاهما يضرب القدرة الشرائية ومدخرات الطبقات الأكثر هشاشة. وفي المقابل، فإن الكثيرين يتساءلون عن الأسباب التي تمنع الحكومة من فرض ضرائب استثنائية إضافية على الشركات التي حققت أرباحاً قياسية في العام المنقضي والتي استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة. وتعد شركة «توتال إنيرجيز» الأولى من بينها لأن أرباحها الصافية تصل إلى نحو عشرين مليار يورو، وهو رقم لم يسبق لها أن وصلت إليه سابقاً وليس ثمرة إدارة متميزة أو استثمارات استثنائية بل فقط لأن أسعار النفط ومشتقاته ارتفعت منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
هكذا تواجه السلطات ضغوطات متداخلة. هي في جانب والشارع في جانب آخر. وبما أن العملية أشبه بـ«عض أصابع»، فليس المعروف اليوم مَن سيصرخ أولاً.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
TT

«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)

تعمل روسيا على تطوير سلاح جديد مضادّ للأقمار الاصطناعية، صُمّم خصيصاً لاستهداف منظومة «ستارلينك» التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، وفق ما أفادت تقارير استخباراتية صادرة عن دولتين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

وبحسب وثائق اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس»، يهدف السلاح، المعروف باسم «سلاح تأثير المنطقة»، إلى إغراق مدارات أقمار «ستارلينك» بمئات الآلاف من المقذوفات عالية الكثافة.

وقد يسمح هذا النوع من الأسلحة بتعطيل عدد كبير من الأقمار الاصطناعية دفعة واحدة، لكنه ينطوي في الوقت ذاته على مخاطر أضرار جانبية كارثية قد تطال أنظمة فضائية أخرى عاملة في المدار.

وتشير التقارير إلى أن الهدف من هذا التطوير يتمثل في الحد من التفوق الغربي في الفضاء، الذي لعب دوراً محورياً في دعم أوكرانيا ميدانياً خلال الحرب الجارية.

غير أن محللين لم يطّلعوا على هذه المعطيات تحديداً أعربوا عن تشككهم، متسائلين عمّا إذا كان يمكن نشر مثل هذا السلاح من دون التسبب في فوضى غير قابلة للسيطرة في الفضاء. وأشاروا إلى أن هذه الفوضى قد تطال ليس فقط جهات غربية، بل أيضاً شركات ودولاً، من بينها روسيا وحليفتها الصين، التي تعتمد على آلاف الأقمار الاصطناعية في المدار لتأمين الاتصالات والدفاع واحتياجات حيوية أخرى.

وأضاف المحللون أن التداعيات الكبيرة المحتملة، بما في ذلك المخاطر التي قد تهدد أنظمة روسيا الفضائية نفسها، قد تشكّل في نهاية المطاف عامل ردع لموسكو يحول دون نشر هذا السلاح أو استخدامه.

وقالت فيكتوريا سامسون، المتخصصة في أمن الفضاء في مؤسسة «العالم الآمن»، التي تشرف على الدراسة السنوية للمنظمة حول أنظمة الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية: «لا أقتنع بهذا الطرح إطلاقاً... حقاً لا أصدّقه». وأضافت: «سأُفاجأ كثيراً، بصراحة، إذا أقدموا على خطوة من هذا النوع».

في المقابل، قال قائد قسم الفضاء في الجيش الكندي، البريغادير جنرال كريستوفر هورنر، إن احتمال العمل الروسي على مثل هذه القدرات لا يمكن استبعاده، في ضوء اتهامات أميركية سابقة أفادت بأن موسكو تسعى أيضاً إلى تطوير سلاح نووي فضائي عشوائي التأثير.

وأضاف هورنر: «لا أستطيع القول إنني اطّلعت على إحاطة بشأن هذا النوع من الأنظمة، لكنه ليس أمراً غير قابل للتصديق». وتابع: «إذا كانت التقارير المتعلقة بالسلاح النووي دقيقة، وإذا كانوا مستعدين لتطويره والذهاب إلى هذا الحد، فلن يكون مفاجئاً بالنسبة لي أن يكون لديهم ضمن نطاق تطويرهم ما هو أدنى من ذلك قليلاً، لكنه لا يقل ضرراً عنه».

ولم يردّ المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على طلبات وكالة «أسوشييتد برس» للتعليق. وكانت روسيا قد دعت في السابق إلى جهود داخل الأمم المتحدة لمنع نشر الأسلحة في المدار، في حين قال الرئيس فلاديمير بوتين إن موسكو لا تنوي نشر أسلحة نووية في الفضاء.

سلاح يستهدف عدة أهداف

وعُرضت النتائج الاستخباراتية على وكالة «أسوشييتد برس» بشرط عدم الكشف عن هوية الأجهزة المعنية، في حين لم تتمكن الوكالة من التحقق بشكل مستقل من خلاصات هذه النتائج.

ولم تردّ قوة الفضاء الأميركية على الأسئلة التي وُجّهت إليها عبر البريد الإلكتروني. ومن جهتها، قالت قيادة الفضاء في الجيش الفرنسي، في بيان لوكالة «أسوشييتد برس»، إنها لا تستطيع التعليق على هذه النتائج، لكنها أضافت: «يمكننا أن نؤكد أن روسيا كثّفت في السنوات الأخيرة أنشطة غير مسؤولة وخطِرة، بل عدائية، في الفضاء».

تشير النتائج الاستخباراتية إلى أن روسيا ترى منظومة «ستارلينك» على وجه الخصوص تهديداً خطيراً. وقد لعبت آلاف الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض دوراً محورياً في صمود أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي الشامل، الذي يدخل عامه الرابع.

ويُستخدم الإنترنت عالي السرعة الذي توفره «ستارلينك» من قبل القوات الأوكرانية في الاتصالات الميدانية وتوجيه الأسلحة ومهام أخرى، كما يعتمد عليه المدنيون والمسؤولون الحكوميون في المناطق التي تضررت فيها الاتصالات جراء الضربات الروسية.

وكان مسؤولون روس قد حذّروا مراراً من أن الأقمار الاصطناعية التجارية التي تخدم الجيش الأوكراني قد تُعدّ أهدافاً مشروعة. وقالت روسيا هذا الشهر إنها نشرت نظاماً صاروخياً أرضياً جديداً من طراز «إس-500»، قادراً على استهداف أهداف في المدار المنخفض.

وبخلاف صاروخ اختبرته روسيا عام 2021 لتدمير قمر اصطناعي متوقف عن العمل يعود إلى حقبة الحرب الباردة، فإن السلاح الجديد قيد التطوير يهدف، بحسب النتائج الاستخباراتية، إلى استهداف عدة أقمار لـ«ستارلينك» في آن واحد، عبر مقذوفات قد تُطلقها تشكيلات من أقمار اصطناعية صغيرة لم تُطلق بعد.

وقال هورنر إنه من الصعب تصور كيفية حصر سحب المقذوفات لاستهداف «ستارلينك» فقط، محذراً من أن الحطام الناتج قد يخرج «عن السيطرة بسرعة».

وأضاف: «تفجير حاوية مليئة بكرات معدنية صغيرة سيغطي نظاماً مدارياً كاملاً، وسيقضي على كل أقمار (ستارلينك) وكل الأقمار الأخرى الموجودة في المدار نفسه. وهذا هو الجانب المقلق للغاية».

نظام قد يكون تجريبياً

ولم تحدد النتائج التي اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس» موعداً محتملاً لامتلاك روسيا القدرة على نشر هذا النظام، كما لم توضح ما إذا كان قد خضع للاختبار، أو إلى أي مرحلة وصل البحث والتطوير.

وقال مسؤول مطّلع على النتائج وعلى معلومات استخباراتية أخرى لم تُكشف للوكالة، إن النظام قيد التطوير النشط، وإن تفاصيل توقيت نشره المتوقّع شديدة الحساسية ولا يمكن مشاركتها. وتحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته.

ورجّحت سامسون أن تكون هذه الأبحاث الروسية ذات طابع تجريبي فحسب. وقالت: «لا أستبعد أن يعمد بعض العلماء إلى تطوير فكرة كهذه باعتبارها تجربة فكرية مثيرة، على أمل أن يتمكنوا يوماً ما من إقناع حكومتهم بتمويلها». وأضافت سامسون أن التلويح بتهديد روسي جديد محتمل قد يكون أيضاً محاولة لاستدراج رد فعل دولي.

وقالت سامسون: «غالباً ما يروّج أصحاب هذه الأفكار لها؛ لأنهم يريدون من الجانب الأميركي تطوير قدرات مماثلة، أو لتبرير زيادة الإنفاق على قدرات مواجهة التهديدات الفضائية، أو لاعتماد نهج أكثر تشدداً تجاه روسيا». وأضافت: «لا أقول إن هذا ما يحدث في هذه الحالة تحديداً، لكن من المعروف أن بعض الأطراف تستخدم مثل هذه الطروحات المتطرفة لتحقيق أهدافها».

مقذوفات صغيرة قد تمرّ دون رصد

وتشير النتائج الاستخباراتية إلى أن المقذوفات ستكون صغيرة جداً، لا يتجاوز حجمها بضعة مليمترات، ما قد يمكّنها من الإفلات من أنظمة الرصد الأرضية والفضائية التي تراقب الأجسام في الفضاء، الأمر الذي قد يصعّب تحديد الجهة المسؤولة عن أي هجوم وربطه بموسكو.

وقال كلايتون سووب، المتخصص في أمن الفضاء والتسلّح في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن «عدم القدرة على تتبّع المقذوفات سيعقّد الأمور»، لكنه أضاف أن «الناس سيتمكنون في النهاية من استنتاج ما حدث». وتابع: «إذا بدأت الأقمار الاصطناعية تتعطّل وتتضرر، فمن السهل ربط النقاط».

ولا يزال حجم الدمار الذي قد تُحدثه هذه المقذوفات الصغيرة غير واضح. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) كان اصطدام يُشتبه بأنه ناجم عن قطعة صغيرة من الحطام كافياً لإلحاق أضرار بمركبة فضائية صينية كانت مخصّصة لإعادة ثلاثة رواد فضاء إلى الأرض.

وقال سووب إن «الضرر الأكبر سيصيب على الأرجح الألواح الشمسية؛ لأنها الأكثر هشاشة»، مضيفاً أن ذلك «قد يكون كافياً لإلحاق أذى بالقمر الاصطناعي وإخراجه من الخدمة».

«سلاح ترهيب» يهدد بفوضى فضائية

ويرى محللون أن المقذوفات والحطام الناتج عن أي هجوم من هذا النوع قد يعودان تدريجياً نحو الأرض، ما قد يعرّض أنظمة فضائية أخرى للخطر أثناء سقوطهما.

وتدور أقمار «ستارلينك» على ارتفاع يقارب 550 كيلومتراً فوق سطح الأرض، في حين تعمل محطة «تيانغونغ» الصينية الفضائية ومحطة الفضاء الدولية في مدارات أدنى، «ما يعني أن كلتيهما ستواجه مخاطر محتملة»، وفق سووب.

وأضاف أن الفوضى الفضائية التي قد يتسبب فيها مثل هذا السلاح قد تمكّن موسكو من تهديد خصومها من دون الحاجة إلى استخدامه فعلياً. وقال: «يبدو الأمر وكأنه سلاح ترهيب، يُستخدم للردع أو لإيصال رسالة معينة».

من جهتها، رأت سامسون أن العيوب الكبيرة لسلاح المقذوفات العشوائي قد تدفع روسيا في نهاية المطاف إلى العدول عن هذا المسار.

وقالت سامسون: «لقد استثمروا قدراً هائلاً من الوقت والمال والموارد البشرية ليصبحوا قوة فضائية». وأضافت أن استخدام مثل هذا السلاح «سيؤدي فعلياً إلى قطع الوصول إلى الفضاء عنهم أيضاً»، متسائلة: «لا أعلم ما إذا كانوا مستعدين للتضحية بكل ذلك».


«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

كشف تحقيق أجرته صحيفة «الغارديان» البريطانية وبيانات جمعتها منظمة «إن سيكيوريتي إنسايت» غير الحكومية، عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

ووفقاً للبيانات، فقد وقع ما يقرب من 300 هجوم وتعطيل لمرافق الرعاية الخاصة بالولادة والنساء الحوامل خلال السنوات الثلاث الماضية، بالإضافة إلى 119 حادثة على الأقل تضمنت ضربات مباشرة على المستشفيات وغرف الولادة.

ووقعت معظم هذه الهجمات في أوكرانيا وغزة والسودان، حيث تُحاصر مئات الآلاف من النساء الحوامل في مناطق النزاع.

استهداف النساء والكوادر الطبية

وقُتلت الكثير من النساء، ومُنع بعضهن من الحصول على الرعاية، وأُجبر البعض الآخر على الولادة في ظروف غير آمنة.

كما تُظهر البيانات مقتل 68 قابلة وطبيب نساء وتوليد على الأقل، واختطاف 15، واعتقال 101، مشيرة إلى أن هذه الأمور كانت تحدث أحياناً أثناء مساعدتهم للنساء في عمليات الولادة.

فلسطينية تحمل جثمان رضيع قُتل في ضربات إسرائيلية بمدينة غزة سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع؛ إذ لا تشمل إلا الحوادث التي تم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام المحلية والوطنية والدولية وقواعد البيانات الإلكترونية. وفي بعض مناطق النزاع، تكون الاتصالات والمعلومات شحيحة.

وفي العام الماضي، أفادت التقارير بأن نصف النساء اللواتي توفين أثناء الحمل أو الولادة كنّ في مناطق النزاع. وتقول سيما باحوس، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة: «هذه ليست نتائج طبيعية للحرب، بل هي نمط من العنف الإنجابي».

مرافق رعاية الأمومة والولادة

إلى جانب قتل النساء والكوادر الطبية المؤهلة، تُدمر الهجمات مرافق رعاية الأمومة والولادة، وتُشكل تهديداً لقدرة الدول على إعادة بناء قواها السكانية.

وفي غزة، أشارت لجنة تابعة للأمم المتحدة، في أحد أسباب إعلانها أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية هناك، إلى تأثير الهجمات على المستشفيات ومرافق رعاية الأمومة والولادة على الحق في الأمومة والصحة الإنجابية.

رُضَّع يتشاركون حضَّانة واحدة في مستشفى بمدينة غزة يوليو الماضي بسبب نقص الوقود (رويترز)

وحتى بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول)، يقول أطباء في غزة إن النساء والأطفال ما زالوا يموتون بسبب تردي الرعاية الصحية؛ نتيجة لنقص الأدوية والمعدات. وقد صرّح مسؤول في إحدى وكالات الأمم المتحدة بأنه تلقى تقارير عن نساء في غزة يلدن في الأنقاض على جوانب الطرق لعدم تمكنهن من الوصول إلى المستشفيات.

ويقول الدكتور عدنان راضي، رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في مستشفى العودة: «تعرضت أجنحة المرضى وغرف العمليات وأجنحة الولادة لإطلاق صواريخ وقذائف مباشرة».

وفي أوكرانيا، تضررت أو دُمرت 80 منشأة على الأقل للولادة وحديثي الولادة منذ بداية عام 2022.

طفل حديث الولادة بمستشفى بوكروفسك للولادة في دونيتسك شرق أوكرانيا (رويترز)

وقد أشار تحقيق «الغارديان» إلى أن الضغط النفسي زاد بشكل كبير من المضاعفات أثناء الولادة.

وفي مدينة خيرسون، جنوب أوكرانيا، تضرر مستشفى الولادة خمس مرات منذ بداية الحرب. ويقول رئيس قسم التوليد، بيترو مارينكوفسكي: «روسيا تستهدفنا عمداً».

وفي السودان، وتحديداً في يوم الثامن والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، كانت ثلاثون امرأة يحتمين في المستشفى السعودي للولادة بمدينة الفاشر، حين وقعت واحدة من أبشع الحوادث التي شهدتها الحرب الأهلية في هذا البلد، حيث اقتحم مسلحون من «قوات الدعم السريع»، المستشفى، وأفادت التقارير بمقتل أكثر من 460 مريضاً ومرافقيهم.

وكان عبد ربه أحمد، فني المختبر البالغ من العمر 28 عاماً، والذي كان يعمل في المستشفى تلك الليلة، من بين الناجين القلائل المعروفين. ويقول: «سمعت صراخ النساء والأطفال. كانوا يقتلون كل من في المستشفى. من استطاع منا الفرار، هرب».

سودانية اضطرت للهروب بطفلها من بلدتها الصغيرة إلى مخيم أدري في تشاد (أ.ب)

ووصفت منظمات حقوق الإنسان هذه المجزرة بأنها «فظاعة لا توصف»، وواحدة من أسوأ الأمثلة الحديثة على انهيار حماية مئات الملايين من المدنيين العالقين في مناطق النزاع.

وفي ميانمار، تعرضت المرافق الطبية للقصف، وقُبض على عشرات القابلات والمرضى، أو قُتلوا أو جُرحوا خلال العامين الماضيين في ظل الحرب الأهلية الدائرة في البلاد.

لا ضمانات ولا ملاحقات

وحالياً، تعيش 676 مليون امرأة على بعد 50 كيلومتراً من مناطق نزاعات مميتة، وهو أعلى مستوى مسجل منذ التسعينات، وسط غياب الضمانات والملاحقات القضائية لجرائم الحرب لمن يستهدفون خدمات رعاية الأمومة.

وتقول بايال شاه، محامية حقوق الإنسان في منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» غير الحكومية، إن غياب المساءلة خلق «ثقافة الإفلات من العقاب». وتضيف: «الهجمات المتعلقة بالصحة الإنجابية هي ضمن أعمال الإبادة الجماعية، حيث تقوم بمنع الولادات أو تدمير بقاء جماعة ما».

ويقول خبراء طبيون إن معظم وفيات الأمهات يمكن الوقاية منها باتباع الإجراءات الروتينية، لكن الأنظمة الصحية قد تنهار أثناء الحرب؛ ما يؤدي إلى تدمير الظروف التي تجعل الولادة الآمنة ممكنة.

وتقول منظمات حقوقية إن الخوف يدفع النساء أيضاً إلى الابتعاد عن المرافق التي كانت تُعدّ آمنة؛ ما يُجبرهن على المخاطرة، كالولادة في المنزل دون مساعدة طبية متخصصة أو إمكانية الوصول إلى الرعاية الطارئة.


الصين: احتجاز أميركا سفناً «انتهاك خطير» للقانون الدولي

ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
TT

الصين: احتجاز أميركا سفناً «انتهاك خطير» للقانون الدولي

ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)

قالت وزارة الخارجية الصينية، الاثنين، إن احتجاز ‌الولايات المتحدة ‌لسفن تابعة ‌لدول ⁠أخرى ​بشكل ‌تعسفي يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، مؤكدة رفض بكين ⁠جميع العقوبات ‌الأحادية وغير ‍المشروعة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، ​في مؤتمر صحافي يومي، إن فنزويلا ⁠لها الحق في تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى، وفق ما ذكرته وكالة «​رويترز» للأنباء.

وأكد مسؤولون أميركيون لـ«رويترز»، الأحد، أن خفر السواحل الأميركي يتعقب ناقلة نفط في المياه الدولية قرب فنزويلا، وذلك في ثاني عملية من نوعها خلال يومين، والثالثة في أقل من أسبوعين في حال نجاحها.

وقال مسؤول: «يلاحق خفر السواحل الأميركي سفينة تابعة لأسطول الظل... وهي ضالعة في تحايل ​فنزويلا على العقوبات»، مضيفاً أنها «ترفع عَلماً زائفاً وتخضع لأمر احتجاز قضائي».

وذكر مسؤول آخر أن الناقلة تخضع للعقوبات، لكنه أضاف أنه لم يجر اعتلاؤها بعد، وأنه ربما يتم اعتراضها بطرق عدة مختلفة، منها الإبحار أو التحليق بالقرب منها.

ولم يحدد المسؤولون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، موقعاً دقيقاً للعملية أو اسم السفينة المستهدفة.

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن قبل أيام عدة عن فرض «حصار» على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا أو تخرج منها.

وشهدت حملة الضغط التي يشنها ترمب على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تعزيز الوجود العسكري في المنطقة وتنفيذ أكثر من عشرين غارة عسكرية على سفن في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي بالقرب من الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

وتسببت هذه الهجمات في مقتل 100 شخص على الأقل.