«سانت كاترين»... مدينة المزارات والجبال في قلب سيناء المصرية

تجتذب مغامري الصحاري ومحبي أجواء «الشتاء الأوروبي»

سانت كاترين في قلب محافظة جنوب سيناء (فيسبوك)
سانت كاترين في قلب محافظة جنوب سيناء (فيسبوك)
TT

«سانت كاترين»... مدينة المزارات والجبال في قلب سيناء المصرية

سانت كاترين في قلب محافظة جنوب سيناء (فيسبوك)
سانت كاترين في قلب محافظة جنوب سيناء (فيسبوك)

قمم الجبال الوردية ترسل نداءً خفياً يحفزك للتسلق. مزارات تنتمي للأديان السماوية الثلاثة تجعل المكان يعبق بطاقة روحانية استثنائية. الثلوج تتساقط في الشتاء كقطع صغيرة من القطن حتى تجعل كل شيء تقع عليه عيناك مكسواً بغطاء أبيض شديد الرقة والهشاشة. أما في أجواء الصيف، فأنت على موعد مع مغامرات الصحراء التي تبدأ بالسفاري نهاراً، وتنتهي بحفلات الشواء والتخييم ليلاً.
إنها مدينة «سانت كاترين» التي تقع في قلب محافظة جنوب سيناء المصرية بالقرب من المنتجعات السياحية الشهيرة مثل شرم الشيخ ونويبع ودهب، لكن هذه المدينة تتميز بسحر خاص يجعلها درة استثنائية في تاج الجمال الخلاب. جاء موقعها رمزاً للسمو فوق هضبة يبلغ ارتفاعها 1600 متر فوق سطح البحر، وتحيط بها عدة جبال من الأعلى في سيناء ومصر، مثل جبل كاترين وموسى والصفصافة.

مزارات تنتمي للأديان السماوية الثلاثة تجعل المكان يعبق بطاقة روحانية استثنائية (فيسبوك)

هذا الارتفاع الشاهق جعلها تتميز بمناخ معتدل معظم فترات العام، لكنها في الشتاء تكتسب طابعاً أوروبياً بسبب الثلوج التي تكسو قمم الجبال وتفترش الطرقات والمباني القليلة الأنيقة ذات الطابع البدوي المميز.
ويعد تساقط الثلوج بكثافة أمراً مبهجاً للسكان، حيث يعني أن مياه التخزين المخصصة للشرب سوف تزداد، كما أن المحاصيل الزراعية سوف تنتعش، لا سيما في بداية فصل الربيع.
وطبقاً للموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار المصرية، فإنه على سفوح جبل سيناء، حيث تلقى النبي موسى (عليه السلام) الوصايا العشر من الله، يقع أحد أقدم الأديرة العاملة في العالم، وهو دير القديسة كاترين، واسمه الفعلي هو «دير الله المقدس لجبل سيناء»، وتم بناؤه بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (527 - 565 م) لإيواء الرهبان الذين كانوا يعيشون في شبه جزيرة سيناء منذ القرن الرابع الميلادي.
استشهدت القديسة كاترين في أوائل القرن الرابع الميلادي، حيث يحمل الدير اسمها بعد اكتشاف الرهبان جسدها بالقرب من جبل سانت كاترين في القرن التاسع الميلادي.
ويشتمل الدير على هياكل متعددة؛ أهمها كنيسة تجلي السيد المسيح المخلص، التي تضم في حد ذاتها تسع كنائس أصغر، إحدى هذه الكنائس هي «الكنيسة المحترقة» التي تكلم عندها الله مع النبي موسى. ويشتمل دير سانت كاترين أيضاً على عشر كنائس أخرى وأماكن إقامة الرهبان وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى، فضلاً عن مكتبة تضم كثيراً من الكتب النادرة، وكذلك 6 آلاف مخطوطة.

زيارة تناسب محبي الأجواء الأوروبية (صفحة سانت كاترين في فيسبوك)

اللافت للنظر أن الدير يضم بداخله واحداً من أهم الآثار الإسلامية، وهو المسجد الفاطمي الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، حيث بُني عام 500 هـ - 1106م في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله، وجاء بناؤه داخل الدير ليعكس العلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين، التي شهدت ذروتها في زمن الخلافة الفاطمية، كما عمل الخلفاء الفاطميون خلال فترة حكمهم على بناء المساجد في الأماكن المقدسة. وأصبح المسجد الفاطمي في دير سانت كاترين محطة للحجاج في طريقهم إلى مكة، حيث تركوا كتابات تذكارية عديدة ما زالت على محراب الجامع إلى الآن. ويقع «مسجد الدير» في الجزء الشمالي الغربي ويواجه الكنيسة الرئيسية، وتتعانق مئذنته مع برج الكنيسة وله منبر خشبي آية في الجمال.
ومن المزارات التي يجب ألا تفوت السائح هناً أيضاً «مقام النبي هارون» و«الشجرة المعلقة» التي يُعتقد أنها هي التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة حين توهجت خلال تكلم النبي موسى مع الله ،عز وجل، فضلاً عن «جبل البنات».
ونظراً لخصوصية السياحة الدينية هنا، أطلقت الحكومة المصرية مشروع «التجلي الأعظم»، الذي يهدف إلى تطوير المدينة بشكل شامل، وفق مخطط استراتيجي يشمل الطرق والفنادق والبيوت البدوية ومراكز الخدمات المختلفة.
وتعد عملية الصعود إلى «جبل موسى» مغامرة مشوقة في حد ذاتها، نظراً لارتفاع الجبل الذي يصل إلى 7363 قدماً فوق سطح البحر. وتستغرق عملية الصعود نحو ساعتين، سواء من خلال «طريق الرهبان» أو «طريق الجمال».

طبيعة جميلة في فصل الشتاء (صفحة سانت كاترين في فيسبوك)

ورغم الدلالة الروحانية للصعود، لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث، إلا أن الجميع يستمتع من فوق قمة الجبل بالمنظر المذهل في سحره للجبال والهضاب المحيطة، فضلاً عن التقاط الصور التذكارية ساعتي الشروق والغروب. ويروي سياح كيف أن الصلاة فوق قمة الجبل تعد تجربة روحانية غير مسبوقة وتمثل ذكرى لا تُنسى.
وُينصح بارتداء الأحذية الرياضية المناسبة، وعدم التخفف في الملابس، حتى لو كان الوقت صيفاً، نظراً لانخفاض درجة الحرارة فوق قمة الجبل، التي تصل شتاءً إلى ما دون الصفر. ويمكن صعود هذا الجبل أو غيره من الجبال الأخرى.
تم إعلان سانت كاترين «محمية طبيعية» تزخر بمقومات سياحية فريدة، فضلاً عن الحياة البرية والحيوانات مثل الغزلان والذئاب. ويمكن هنا الاستمتاع برحلات السفاري والتخييم، فضلاً عن ركوب الجمال وشراء الملابس البدوية والاستمتاع بالطعام البدوي الذي يوفره طباخون مهرة يمزجون بينه وبين الطعام العصري ببراعة.
هناك رحلات يومية للباص السياحي من القاهرة إلى سانت كاترين، حيث يتحرك الباص في الحادية عشرة صباحاً، ويصل وجهته في السادسة مساء. ويفضل بعض السياح عدم الاعتماد على الباص اليومي والتحرك تبعاً لشركة خاصة. كما يقصد كثيرون سانت كاترين قادمين من مقاصد سياحية مجاورة مثل دهب ونويبع عبر رحلة تستغرق نحو ساعتين بالتاكسي.
ويعد فندقا «سانت كاترين بلازا» و«مورغان لاند»، و«قرية دانييلا»، و«مخيم بيدون»، من أبرز الأماكن التي يقصدها السائح للإقامة خلال زيارته للمدينة، حيث تتسم بأسعارها المناسبة وقربها من كافة المزارات المستهدفة.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.