قمم الجبال الوردية ترسل نداءً خفياً يحفزك للتسلق. مزارات تنتمي للأديان السماوية الثلاثة تجعل المكان يعبق بطاقة روحانية استثنائية. الثلوج تتساقط في الشتاء كقطع صغيرة من القطن حتى تجعل كل شيء تقع عليه عيناك مكسواً بغطاء أبيض شديد الرقة والهشاشة. أما في أجواء الصيف، فأنت على موعد مع مغامرات الصحراء التي تبدأ بالسفاري نهاراً، وتنتهي بحفلات الشواء والتخييم ليلاً.
إنها مدينة «سانت كاترين» التي تقع في قلب محافظة جنوب سيناء المصرية بالقرب من المنتجعات السياحية الشهيرة مثل شرم الشيخ ونويبع ودهب، لكن هذه المدينة تتميز بسحر خاص يجعلها درة استثنائية في تاج الجمال الخلاب. جاء موقعها رمزاً للسمو فوق هضبة يبلغ ارتفاعها 1600 متر فوق سطح البحر، وتحيط بها عدة جبال من الأعلى في سيناء ومصر، مثل جبل كاترين وموسى والصفصافة.
مزارات تنتمي للأديان السماوية الثلاثة تجعل المكان يعبق بطاقة روحانية استثنائية (فيسبوك)
هذا الارتفاع الشاهق جعلها تتميز بمناخ معتدل معظم فترات العام، لكنها في الشتاء تكتسب طابعاً أوروبياً بسبب الثلوج التي تكسو قمم الجبال وتفترش الطرقات والمباني القليلة الأنيقة ذات الطابع البدوي المميز.
ويعد تساقط الثلوج بكثافة أمراً مبهجاً للسكان، حيث يعني أن مياه التخزين المخصصة للشرب سوف تزداد، كما أن المحاصيل الزراعية سوف تنتعش، لا سيما في بداية فصل الربيع.
وطبقاً للموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار المصرية، فإنه على سفوح جبل سيناء، حيث تلقى النبي موسى (عليه السلام) الوصايا العشر من الله، يقع أحد أقدم الأديرة العاملة في العالم، وهو دير القديسة كاترين، واسمه الفعلي هو «دير الله المقدس لجبل سيناء»، وتم بناؤه بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (527 - 565 م) لإيواء الرهبان الذين كانوا يعيشون في شبه جزيرة سيناء منذ القرن الرابع الميلادي.
استشهدت القديسة كاترين في أوائل القرن الرابع الميلادي، حيث يحمل الدير اسمها بعد اكتشاف الرهبان جسدها بالقرب من جبل سانت كاترين في القرن التاسع الميلادي.
ويشتمل الدير على هياكل متعددة؛ أهمها كنيسة تجلي السيد المسيح المخلص، التي تضم في حد ذاتها تسع كنائس أصغر، إحدى هذه الكنائس هي «الكنيسة المحترقة» التي تكلم عندها الله مع النبي موسى. ويشتمل دير سانت كاترين أيضاً على عشر كنائس أخرى وأماكن إقامة الرهبان وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى، فضلاً عن مكتبة تضم كثيراً من الكتب النادرة، وكذلك 6 آلاف مخطوطة.
زيارة تناسب محبي الأجواء الأوروبية (صفحة سانت كاترين في فيسبوك)
اللافت للنظر أن الدير يضم بداخله واحداً من أهم الآثار الإسلامية، وهو المسجد الفاطمي الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، حيث بُني عام 500 هـ - 1106م في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله، وجاء بناؤه داخل الدير ليعكس العلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين، التي شهدت ذروتها في زمن الخلافة الفاطمية، كما عمل الخلفاء الفاطميون خلال فترة حكمهم على بناء المساجد في الأماكن المقدسة. وأصبح المسجد الفاطمي في دير سانت كاترين محطة للحجاج في طريقهم إلى مكة، حيث تركوا كتابات تذكارية عديدة ما زالت على محراب الجامع إلى الآن. ويقع «مسجد الدير» في الجزء الشمالي الغربي ويواجه الكنيسة الرئيسية، وتتعانق مئذنته مع برج الكنيسة وله منبر خشبي آية في الجمال.
ومن المزارات التي يجب ألا تفوت السائح هناً أيضاً «مقام النبي هارون» و«الشجرة المعلقة» التي يُعتقد أنها هي التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة حين توهجت خلال تكلم النبي موسى مع الله ،عز وجل، فضلاً عن «جبل البنات».
ونظراً لخصوصية السياحة الدينية هنا، أطلقت الحكومة المصرية مشروع «التجلي الأعظم»، الذي يهدف إلى تطوير المدينة بشكل شامل، وفق مخطط استراتيجي يشمل الطرق والفنادق والبيوت البدوية ومراكز الخدمات المختلفة.
وتعد عملية الصعود إلى «جبل موسى» مغامرة مشوقة في حد ذاتها، نظراً لارتفاع الجبل الذي يصل إلى 7363 قدماً فوق سطح البحر. وتستغرق عملية الصعود نحو ساعتين، سواء من خلال «طريق الرهبان» أو «طريق الجمال».
طبيعة جميلة في فصل الشتاء (صفحة سانت كاترين في فيسبوك)
ورغم الدلالة الروحانية للصعود، لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث، إلا أن الجميع يستمتع من فوق قمة الجبل بالمنظر المذهل في سحره للجبال والهضاب المحيطة، فضلاً عن التقاط الصور التذكارية ساعتي الشروق والغروب. ويروي سياح كيف أن الصلاة فوق قمة الجبل تعد تجربة روحانية غير مسبوقة وتمثل ذكرى لا تُنسى.
وُينصح بارتداء الأحذية الرياضية المناسبة، وعدم التخفف في الملابس، حتى لو كان الوقت صيفاً، نظراً لانخفاض درجة الحرارة فوق قمة الجبل، التي تصل شتاءً إلى ما دون الصفر. ويمكن صعود هذا الجبل أو غيره من الجبال الأخرى.
تم إعلان سانت كاترين «محمية طبيعية» تزخر بمقومات سياحية فريدة، فضلاً عن الحياة البرية والحيوانات مثل الغزلان والذئاب. ويمكن هنا الاستمتاع برحلات السفاري والتخييم، فضلاً عن ركوب الجمال وشراء الملابس البدوية والاستمتاع بالطعام البدوي الذي يوفره طباخون مهرة يمزجون بينه وبين الطعام العصري ببراعة.
هناك رحلات يومية للباص السياحي من القاهرة إلى سانت كاترين، حيث يتحرك الباص في الحادية عشرة صباحاً، ويصل وجهته في السادسة مساء. ويفضل بعض السياح عدم الاعتماد على الباص اليومي والتحرك تبعاً لشركة خاصة. كما يقصد كثيرون سانت كاترين قادمين من مقاصد سياحية مجاورة مثل دهب ونويبع عبر رحلة تستغرق نحو ساعتين بالتاكسي.
ويعد فندقا «سانت كاترين بلازا» و«مورغان لاند»، و«قرية دانييلا»، و«مخيم بيدون»، من أبرز الأماكن التي يقصدها السائح للإقامة خلال زيارته للمدينة، حيث تتسم بأسعارها المناسبة وقربها من كافة المزارات المستهدفة.