صراع أبطال «الكوميكس» يتجدد بين «دي سي» و«مارفل»

كيف انفرد «أفاتار» بنفسه ونجح؟

مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»
مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»
TT

صراع أبطال «الكوميكس» يتجدد بين «دي سي» و«مارفل»

مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»
مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»

النجاح العالمي لفيلم «أفاتار: طريق الماء» أثمر حتى كتابة هذه السطور عن تبوؤ الفيلم المركز الثالث بين الأفلام أعلى إيراداً في تاريخ السينما. الرقم المسجل هو ملياران و118 مليوناً و262 دولاراً. ومع مشارف «الويك - إند» غداً قد يخترق الفيلم المزيد من المراكز، والبعض يتوقع له أن يتبوأ الرقم الأول خلال الأيام العشرة المقبلة.
جيمس كاميرون، مخرج هذا الفيلم والجزء الأول منه، كان حقق المركز الأول لسنوات عندما حقق «تايتانك» سنة 1997 وشاهد إيراداته ترتفع حتى تجاوزت كل الأرقام السابقة. لكن أفلاماً أخرى، من بينها Avengers‪:‬ Endgame وStar Wars VII‪:‬ The Force Awakens نافست «تايتانك» على المركز الأول. وإذا ما وصل فيلم جيمس كاميرون الجديد إلى القمّة، كما هو متوقع، فإنه سيكون المخرج الوحيد الذي أنجز هذا النجاح ثلاث مرّات، وذلك عن «تايتانك» (مليارين و208 ملايين دولار) والجزء الأول من «أفاتار» قبل 14 سنة (مليارين و999 مليون دولار).‬‬

مجموعة أبطال {دي سي}

الدرس الذي تستطيع استوديوهات هوليوود الاستفادة منه هو أن الإنتاجات العملاقة كـ«أفاتار: طريق الماء» وأفلام «الأكشن» الأضخم من كل واقع لا عليها نبذ العامل الإنساني من حكاياتها. على العكس، تستطيع أن تحمل رسائل إنسانية وأبعد سياسية من دون أن يؤثر ذلك على نجاحاتها، ما دام هناك من يعرف سر الخلطة بين العناصر.
هذا عكس ما تطرحه هوليوود من أفلام سوبر هيرو (وسوبر فيلينز) القائمة على المؤثرات والخدع البصرية والكثير من ضوضاء المعارك والموسيقى والصوت. انبثاقاً من هذا، تميّز «أفاتار: طريق الماء» باهتمام صانعيه بالشخصيات. صحيح أنها جميعاً (غالباً) منضوية تحت أشكال غير آدمية، إلا أنها تنفح بالعاطفة، وتحمل تلك المشاعر التي لا جدال في أهميتها مثل الحب والتضحية والكيان العائلي الواحد.
نعم، أحياناً ما نرى في حكايات «سوبرمان» و«فلاش غوردون» و«ذَا أفنجرز» ملامح هذه المشاعر، لكنها تبدو مبتذلة ومجانية ومجرد زينة لاستقطاب الباحثين عنها.

سوبرمان يطير مجدداً

منافسة
«فوكس»، التي أنتجت «أفاتار طريق الماء» وكل الأجزاء المنتمية إليه، باتت من ممتلكات شركة ديزني، التي أرادت احتواء كل المنافسين لها. كانت «فوكس» تعوم فوق كنوز تابعة لشركة Marvel المرتبطة بدورها إلى «ديزني» بشراكة وثيقة، إذ كانت تضم شخصيات أخرى لشركة «مارفل» بينها X‪ - ‬ Men وDaredevil وFantastic Four. هذه كلها آلت إلى «ديزني» حالياً. ‬
علاقة جيمس كاميرون بشركة «تونتييث سنتشري فوكس» بدأت قبل البيعة بسنوات. لكن الرجل حمى نفسه من أن يُصبح أداة أخرى من أدوات «ديزني» بعقود صارمة تمنع أحداً سواه من تقرير مصير سلسلته هذه. ديزني في هذه الحال، ليست أكثر من موزع نشط للفيلم الحالي وما سيتبعه من أعمال.
لكن «ديزني» الآن تتطلع إلى منافسة أخرى على الطريق اسمها DC.
للقلة التي لا تعلم، Marvel وDC هما المعقلان الأكبر بين كل مؤسسي شخصيات «الكوميكس» المعروفة. «دي سي» لديها «سوبرمان» و«باتمان» و«ستيل» و«أكوامان» و«بلاك آدام» وشخصيات أخرى عديدة بعضها مسحوب من بعض ما تم ذكره مثل «سوبرغيرل» و«سوبربوي» و«جوكر» (الآتي من رحم «باتمان). «مارفل» لديها معسكر من الشخصيات المنافسة مثل «أيرون مان»، «فلاش غوردون»، «ذا أفنجرز»، «ثور»، و«حراس المجرة» و«سبايدر مان»... إلخ.
التنافس بينهما على شاشات السينما هو التنافس ذاته بين «وورنر»، التي تملك حقوق أفلام DC و«ديزني»، مالكة حقوق أفلام Marvel ورغم نجاحات «وورنر» السابقة من خلال أفلام «سوبرمان» و«باتمان»، فإن الغلبة في هذه المنافسة آلت - في الخمسة عشر عاماً الأخيرة - إلى «مارفل».
في الواقع، لم تنجح محاولات «وورنر» في الأعوام الخمس الأخيرة في تنويع وترويج شخصياتها الكلاسيكية مطلقاً. شيء ما واجه محاولاتها جذب الجمهور الذي أحب «باتمان» كما أنجزه تيم بيرتون في نهاية الثمانينات وكريستوفر نولان في مطلع هذا القرن، وسقط لها في العام الماضي «باتمان» آخر، كما كان سقط لها قبل ثلاثة أعوام اللقاء الذي بدا واعداً في «سوبرمان ضد باتمان».

مشاريع مستقبلية
«ليس هناك من مفر أمامكم سوى اللجوء إلى منهج جديد تماماً إذا ما أردتم الاستمرار في صنع أفلام سوبر هيرو».
القائل هو مخرج سلسلة «حرّاس المجرة» (The Guardians of the Galaxy) جيمس غن (Gunn) الذي حقق نجاحاته عند «ديزني»، عبر تلك السلسلة. وهو أضاف: «دعوني وشركائي نعيد ترتيب بيتكم على أساس جديد، وإلا فإنه لا مستقبل لكم في هذا النطاق».
«وورنر» وافقت وانتقل غن من معية ديزني ومارفل إلى وورنر - دي سي وباشر الشغل (مع شريكه بيتر سافران) من اليوم الأول.
في يوم الاثنين الماضي، وبعد ثلاثة أشهر من تعيينه، أقام غن وبيتر سافران مؤتمراً صحافياً في ربوع شركة وورنر شمالي لوس أنجليس لإعلان المنهج الجديد الذي ستسير عليه وورنر من الآن وصاعداً. قال فيما قاله: «أسسنا لصرح جديد تماماً وآلية منفصلة عن وورنر. تم منحنا كل الدعم وحرية التخطيط والتنفيذ وأستطيع الإعلان عن التالي».
والتالي كان جملة من الأفلام التي سيباشر العمل على تنفيذها تباعاً.
سلاح المقدّمة ما زال في يدي «سوبرمان» و«باتمان» لكن على أسس جديدة وحكايات يذكر المخرج أنها غير متوقعة. هو بنفسه سيقوم بإخراج «سوبرمان: وصية» (Superman‪:‬ Legacy الذي سيكون جاهزاً للعرض في الحادي عشر من يوليو (تموز) 2025. ‬
هناك أيضاً إعادة ولادة لشخصية «سوبرغيرل» التي، حسب الروايات، ابنة عم «سوبرمان» وتتمتع بقدراتها الخاصة. يشرح غن أن الفارق بين «سوبرمان» و«سوبرغيرل» أن «سوبرمان» هبط الأرض، بينما ترعرعت «سوبرغيرل» فوق كوكب كريبتون حيث وُلدت.
شمل الإعلان كذلك مسلسلاً من الكوميكس بعنوان Swamp Thing الذي كان حاول يجد لنفسه مكاناً على الأرض قبل عدّة سنوات، لكنه فشل. الشخصية هنا تحتاج لعناية كبيرة كونها شخصية تشبه مخلوقات غير آدمية بأشكال آدمية. هذا المشروع سينتمي إلى أفلام الرعب أكثر من انتمائه إلى أفلام الفضائيات و«السوبرمانيات».
لن يغيب «باتمان» (والنيّة استعادته مع شخصية تلميذه روبن) وستعود «ووندروومان» والحبل على الجرار كما قيل في المؤتمر الصحافي.
وهناك إعادة بعث لشخصيات ليست مشهورة مثل Waller الذي اقتبسه غن من مسلسل تلفزيوني قصير كان أشرف عليه من بطولة فيولا ديفيز.
أيضاً Lanterns الذي هو حالة خاصة. ذلك أن المشروع حتى وقت قريب كان لا يزال قيد الإنجاز تحت يدي المخرج غريغ برلنتي، لكن الواضح أنه لم يستطع، لسبب أو لآخر، التقدّم به كثيراً، فتم شطب المشروع والآن يُعاد تركيبه ضمن هذه الرؤية الجديدة.
واحد من تلك المشاريع التي تأمل «وورنر - دي سي» تحقيقها (والتي هي أيضاً جديدة) اسمه Authority الذي سيكون حول مجموعة من حراس الأرض يستخدمون وسائل غير مطروقة من قبل ومستقاة من نظام اسمه «وايلد ستورم». يقول سافران: «ليس عن أخيار ضد أشرار، بل شخصية (أوثوريتي) ستكون رمادية في هذا الشأن».
ما يتبدّى من خلال كل ذلك، أن «وورنر» قررت الالتزام برؤية غن - سافران للمستقبل ووافقت على أن تكون لــ«دي سي» كيانها المستقل. غرفة عمليات يكون لها مطلق الحرية في القرار والتنفيذ. للغاية تم توظيف عدد كبير من الكتّاب الذين سبق لهم وأن وضعوا سيناريوهات مثل هذه الأفلام، وتحديد برنامج عمل يقتضي إطلاق فيلمين سينمائيين في العام ومسلسلين تلفزيونيين كل سنة.
الباقي يتوقف على الجمهور وعلى سينمائيين آخرين كانوا حذّروا من مغبّة إطلاق أفلام تعتمد على المؤثرات وحدها. بين هؤلاء مارتن سكورسيزي وكريستوفر نولان وجيمس كاميرون نفسه.

9 أفلام «كوميكس» لعام 2023
1 - Guardians of the Galaxy - Part 3 (Marvel)
2 - (Shazam! Fury of the Gods (DC
3 -(Aquaman and the Lost Kingdom (DC
4_ Kraven ‪ (Marvel)‬‬
5 -(Blue Beetle (DC
6 -(The Flash (DC
7 - The Marvel ‪ (Marvel)‬‬
8 - Ant - Man and the Wasp Quantumania (Fox- Marvel)
9 Spider - Man Across the Spider - Verse


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.