نتنياهو في باريس للتعبئة ضد إيران

تغييب للملف الفلسطيني بتجاهل ما يحصل في الضفة

اجتماع سابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو 2018 (غيتي)
اجتماع سابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو 2018 (غيتي)
TT

نتنياهو في باريس للتعبئة ضد إيران

اجتماع سابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو 2018 (غيتي)
اجتماع سابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو 2018 (غيتي)

كثيرون ما زالوا يتساءلون في باريس عن السبب الذي من أجله اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي التوجه إلى فرنسا، دون غيرها من الدول الأوروبية، في أول زيارة له خارج المنطقة، حيث التقى الرئيس إيمانويل ماكرون مساء الخميس على مائدة عشاء في قصر الإليزيه بعيدا عن عيون الصحافة وبعيدا عن أي تصريحات صحافية. وكثيرون يتساءلون عن إسراع ماكرون في دعوة نتنياهو للقائه علما بأنه كان يفضل بقاء «صديقه» يائير لبيد على رأس الحكومة الإسرائيلية. وللتذكير، فإن لبيد اختار باريس لأول زيارة خارجية له. ثم يزداد التساؤل بشأن نتنياهو الذي يرأس أكثر الحكومات يمينية في إسرائيل فيما الصحافة الفرنسية يمينا ويساراً تسلط الضوء على ضمها وزراء عنصريين بشكل فاضح، فضلا عن الاحتجاجات الشعبية المتلاحقة التي تواجه نتنياهو في الشارع.
الواضح اليوم أن الأخير يريد توظيف زيارته لهدفين: الأول، داخلي وفحواه إظهار قوة علاقاته الخارجية للتغطية على صعوباته الداخلية. والثاني التركيز على الملف الإيراني وتعزيز الضغط على طهران مستخدما الورقة الأقوى وهي دورها في الحرب الروسية على أوكرانيا. ولم يخف نتنياهو هذا الأمر إذ أعلن قبل ركوبه الطائرة أمس، متوجها إلى باريس، أن «الموضوع الرئيسي لمحادثاتنا سيكون بالطبع إيران والجهود المشتركة لمحاربة عدوانها وتطلعها لامتلاك أسلحة نووية». وكانت قد سبقته إلى ذلك السفارة الإسرائيلية في باريس، في بيان جاء فيه أن نتنياهو «سيقوم بزيارة دبلوماسية لباريس حيث يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويبحث معه الجهود الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني وسبل تعزيز اتفاقات إبراهيم وتوسيعها».
وفي الحالتين، ليس من ذكر، من الجانب الإسرائيلي، لملف العنف المشتعل في الضفة الغربية وفي غزة وللخطط الاستيطانية وللاستفزازات الحكومية والمستوطنين، ولا أثر لأي إشارة لأي تطور إيجابي إزاء السلطة الفلسطينية.
والتركيز على الملف الإيراني لن يكون صعبا بالنسبة لإسرائيل، لأن فرنسا تذهب في الاتجاه نفسه. وقد كشفت التصريحات التي أدلت بها وزيرة الخارجية كاترين كولونا لـ«الشرق الأوسط» والتي نشرت يوم الخميس، الانعطافة المتشددة لباريس، حيث نددت بأداء إيران في ملفها النووي ووأدها للجهود التي بذلت لعام ونصف لإعادة إحياء اتفاق 2015 وتعزيز ترسانتها الصاروخية والباليستية وانخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا عبر المسيرات التي تمد بها موسكو أسبوعياً والمقدرة بـ500 مسيرة وزعزعة الاستقرار في الإقليم. وقالت كولونا: «لا نزال عازمين على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، كما أننا عازمون على التصدي لها ولذا نحن نتواصل على نحو وثيق مع شركائنا الدوليين والإقليميين لهذا الغرض...».
ويتضح مما سبق أن نتنياهو يريد استخدام حالة الاستياء العامة في الدول الغربية إزاء إيران، للدفع باتجاه فرض مزيد من القيود عليها، علما بأن الدور الذي تلعبه طهران في الحرب الروسية - الأوكرانية كان الحافز الذي دفع الأوروبيين لفرض مجموعة عقوبات إضافية على مسؤولين وكيانات إيرانية وآخرها حصل الاثنين الماضي.
بيد أن الأوروبيين لم يصلوا بعد إلى اتفاق على وضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب الأوروبية، لأسباب قانونية من جهة وأخرى سياسية بمعنى الإبقاء على «شعرة معاوية» بينهم وبين طهران. وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالغ الوضوح عندما اعترف بأن خطوة من هذا القبيل «ستكون لها انعكاساتها السلبية على ملفات أخرى».
تجدر الإشارة إلى أن لقاء ماكرون - نتنياهو يأتي بعد أسبوعين من اجتماع ضم مدير دائرة الشؤون الاستراتيجية في الخارجية الفرنسية فيليب برتو ونظيره الإسرائيلي جوشوا زرقا، حيث كان الملف الإيراني على رأس لائحة محادثاتهما.
رغم أهمية الملف النووي، ثمة ملف آخر لا تفوت إسرائيل مناسبة إلا وتثيره. وكان ذلك واضحا خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأخيرة. إسرائيل تريد استغلال علاقاتها من أجل الدفع باتجاه توسيع «اتفاقيات إبراهيم» التي أبرمت خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب. وفهم من تصريحات الناطقة باسم الخارجية الفرنسية آن - كلير لوجاندر، أن الوزيرة كولونا كانت عازمة على إثارة هذا الملف. وقالت لوجاندر، في إطار المؤتمر الصحافي الأسبوعي، أمس، إن «المهم بالنسبة إلينا هو دعم الجهود الآيلة للحوار في المنطقة ودعم كل ما من شأنه تعزيز الاستقرار الإقليمي».
موقف باريس من «اتفاقيات إبراهيم» التي أيدتها في وقتها، أنها «جيدة لكنها غير كافية» لأنها لا توفر الحل للملف الفلسطيني. وجاء في بيان لقصر الإليزيه قبل لقاء ماكرون - نتنياهو، أن «رئيس الجمهورية سيعرب مرة أخرى عن تضامن فرنسا مع إسرائيل في مواجهة الإرهاب. لكنه، في ظل التوترات المتنامية، سيذكر بضرورة أن يتجنب الجميع اتخاذ تدابير تغذي دوامة العنف وسيعرب عن استعداده للمساهمة في معاودة الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين». ولمزيد من الإيضاح، قالت لوجاندر: «إننا سنعبر عن تعلقنا بحل الدولتين وبالتالي يتعين العمل من أجل توفير السبل لذلك، وستكون رسالة الرئيس ماكرون لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحاجة للمحافظة على أفق سياسي وعلى حل الدولتين الذي هو الحل الوحيد الذي يتيح للإسرائيليين والفلسطينيين العيش بسلام وأمن جنبا إلى جنب».
يقول دبلوماسي فرنسي سابق في المنطقة، إنه في ظل «الإهمال» الدولي لما يجري في الأراضي الفلسطينية، وتراجع الحل السياسي سنوات ضوئية إلى الوراء، «من المفيد أن تؤكد الرئاسة الفرنسية «استعدادها للمساهمة في معاودة الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين». بيد أن الدبلوماسي المشار إليه يعبر سلفا عن تشاؤمه وذلك لثلاثة أسباب: الأول، أن ماكرون، طيلة ولايته الأولى، اهتم بالملفات اللبنانية والعراقية والسودانية وبتوثيق علاقاته مع دول الخليج ومع مصر. لكنه لم يبد أي اهتمام جدي بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي. والثاني، أن كل مبادرة تصدر عن فرنسا وبشكل عام عن أوروبا في الملف المذكور، تلقى بشكل آلي معارضة إسرائيل وتهمتها جاهزة ومضمونها التحيز للطرف الفلسطيني. والثالث أن فرنسا «ومعها أوروبا» لا يمكن أن تحرك ساكنا في موضوع كهذا من غير ضوء أخضر ودعم أميركيين. وبحسب الدبلوماسي المشار إليه، فإن فرنسا وأوروبا يمكن أن تلعبا «دورا داعما» وليس دورا رياديا.
يبقى أن نتنياهو لن يكتفي بلقاء ماكرون، بل سيعقد، وفق سفارة إسرائيل في باريس، اجتماعين آخرين مهمين. الأول مع «رجال أعمال بارزين في فرنسا في المجال المالي ويعقد اجتماعاً مع زعماء الجالية اليهودية» على ما أوضحت سفارة بلاده في العاصمة الفرنسية. ويغادر فرنسا مساء السبت.


مقالات ذات صلة

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

شؤون إقليمية غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

في اليوم الذي استأنف فيه المتظاهرون احتجاجهم على خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير منظومة الحكم والقضاء، بـ«يوم تشويش الحياة الرتيبة في الدولة»، فاجأ رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وأقوى المرشحين لرئاسة الحكومة، بيني غانتس، الإسرائيليين، بإعلانه أنه يؤيد إبرام صفقة ادعاء تنهي محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد، من دون الدخول إلى السجن بشرط أن يتخلى عن الحكم. وقال غانتس في تصريحات صحافية خلال المظاهرات، إن نتنياهو يعيش في ضائقة بسبب هذه المحاكمة، ويستخدم كل ما لديه من قوة وحلفاء وأدوات حكم لكي يحارب القضاء ويهدم منظومة الحكم. فإذا نجا من المحاكمة وتم تحييده، سوف تسقط هذه الخطة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد مرور 75 عاماً على قيامها، أصبح اقتصاد إسرائيل واحداً من أكثر الاقتصادات ازدهاراً في العالم، وحقّقت شركاتها في مجالات مختلفة من بينها التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وغيرها، نجاحاً هائلاً، ولكنها أيضاً توجد فيها فروقات اجتماعية صارخة. وتحتلّ إسرائيل التي توصف دائماً بأنها «دولة الشركات الناشئة» المركز الرابع عشر في تصنيف 2022 للبلدان وفقاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متقدمةً على الاقتصادات الأوروبية الأربعة الأولى (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ولكن يقول جيل دارمون، رئيس منظمة «لاتيت» الإسرائيلية غير الربحية التي تسعى لمكافحة ا

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، في تل أبيب، امتعاضه من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وامتناعه عن دعوته للقيام بالزيارة التقليدية إلى واشنطن. وهدد قائلاً «إذا لم يدع نتنياهو إلى البيت الأبيض قريباً، فإنني سأدعوه إلى الكونغرس». وقال مكارثي، الذي يمثل الحزب الجمهوري، ويعدّ اليوم أحد أقوى الشخصيات في السياسة الأميركية «لا أعرف التوقيت الدقيق للزيارة، ولكن إذا حدث ذلك فسوف أدعوه للحضور ومقابلتي في مجلس النواب باحترام كبير. فأنا أرى في نتنياهو صديقاً عزيزاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

بدأت المواجهة المفتوحة في إسرائيل، بسبب خطة «التعديلات» القضائية لحكومة بنيامين نتنياهو، تأخذ طابع «شارع ضد شارع» بعد مظاهرة كبيرة نظمها اليمين، الخميس الماضي، دعماً لهذه الخطة، ما دفع المعارضة إلى إظهار عزمها الرد باحتجاجات واسعة النطاق مع برنامج عمل مستقبلي. وجاء في بيان لمعارضي التعديلات القضائية: «ابتداءً من يوم الأحد، مع انتهاء عطلة الكنيست، صوت واحد فقط يفصل إسرائيل عن أن تصبحَ ديكتاتورية قومية متطرفة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

إيران تصعّد مواجهتها مع «وكالة الطاقة الذرية»

عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
TT

إيران تصعّد مواجهتها مع «وكالة الطاقة الذرية»

عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

صعّدت إيران مواجهتَها ضد «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، إذ أعلنت أمس أنَّها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، وذلك رداً على قرار تبنته الوكالة الدولية ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في إطار برنامجها النووي.

وأيّد مشروع القرار، الذي طرحته على التصويت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بدعم من الولايات المتحدة، 19 دولة من أصل 35 في الوكالة، وعارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو، بينما امتنعت الدول الـ12 الباقية عن التصويت، ولم تستطع فنزويلا المشاركة.

وبعد اعتماد القرار، قال ممثل إيران في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن هذا التدبير له «دوافع سياسية».

وتستخدم أجهزة الطرد المركزي في تخصيب اليورانيوم المحوّل إلى غاز من خلال تدويره بسرعة كبيرة، ما يسمح بزيادة نسبة المادة الانشطارية (يو - 235) لاستخدامات عدة.