برلمان تونس الجديد... هل هو حل للانسداد أم عنوان أزمة سياسية جديدة؟

وسط شكوك حول مدى فاعليته في إحداث تغيير حقيقي على الأرض

تونسي يدلي بصوته في الدورة الثانية من انتخابات البرلمان التي عرفت نسبة مشاركة متدنية (د.ب.أ)
تونسي يدلي بصوته في الدورة الثانية من انتخابات البرلمان التي عرفت نسبة مشاركة متدنية (د.ب.أ)
TT

برلمان تونس الجديد... هل هو حل للانسداد أم عنوان أزمة سياسية جديدة؟

تونسي يدلي بصوته في الدورة الثانية من انتخابات البرلمان التي عرفت نسبة مشاركة متدنية (د.ب.أ)
تونسي يدلي بصوته في الدورة الثانية من انتخابات البرلمان التي عرفت نسبة مشاركة متدنية (د.ب.أ)

(تحليل سياسي)
في ظل تمثيل ضعيف للأحزاب، وحضور باهت للمرأة، يستعد المبنى التاريخي لمقر البرلمان التونسي في جهة باردو لاستقبال نوابه الجدد، بعد الإعلان المتوقع للنتائج النهائية في مارس (آذار) المقبل، بعد تعطل أشغال هذه المؤسسة منذ إعلان التدابير الاستثنائية من قبل الرئيس قيس سعيد في 25 من يوليو (تموز) 2021.
وأفضت النتائج الأولية إلى صعود 154 نائباً من إجمالي 161، فيما لم يتقدم أي مترشح في 7 دوائر انتخابية بالخارج لعدم استيفاء الشروط المطلوبة، ومن بينها جمع 400 تزكية من الناخبين، كما يشترط ذلك القانون الانتخابي الذي عدله الرئيس سعيد بنفسه.
ويتعين انتظار ما سيقرره البرلمان المقبل بشأن المقاعد الشاغرة، وذلك إما باللجوء إلى انتخابات جزئية لاستكمال العدد، أو اتخاذ حلول أخرى قانونية. لكن في كل الأحوال، فإن هذه الانتخابات التي جرت بنظام الاقتراع على الأفراد وقاطعتها المعارضة والنسبة الأكبر من الناخبين، دفعت بنواب غير معروفين للرأي العام، حيث تقتصر روابطهم في الأغلب على الدوائر المحلية التي يتحدرون منها.
وحازت الأحزاب المؤيدة لقرارات 25 يوليو، ما نسبته 8.4 في المائة من المقاعد، فيما تراجعت حصة المرأة بعد التخلي عن شرط التناصف بين الجنسين في الانتخابات، إلى 16.2 في المائة، وهي الأدنى منذ بدء الانتقال السياسي في البلاد في عام 2011. وفي هذا السياق يعترف زهير المغزاوي، زعيم حزب «حركة الشعب» الداعم للرئيس قيس سعيد، والفائز الأبرز بين الأحزاب بمقاعد في البرلمان الجديد، بضعف شرعية البرلمان، قياساً إلى النسبة المتدنية للمشاركة، التي لم تتعد 11.3 في المائة في الدور الثاني و11.22 في المائة في الدور الأول. لكن المغزاوي استدرك في تصريحه لوكالة الأنباء الألمانية مؤكدا أن البرلمان «يمكن أن يعزز شرعيته بالإنجاز... وهذا ما ينتظره التونسيون: الإنجاز في المجاليْن الاقتصادي والاجتماعي. البرلمان له صلاحية التشريع، ومن الناحية السياسية يمكنه أن يطرح القضايا الرئيسية... وإذا فشل البرلمان في الإنجازات فعندها سيفشل، وسيتحول إلى عبء. والآن نختلف مع الرئيس في تحديد الأولويات بدقة».
وليس واضحاً كيف سيعمل البرلمان في ظل التشتت السياسي، والافتقاد إلى كتل حزبية سواء متجانسة أو من المعارضة.
كما لا يملك البرلمان الجديد نظاماً داخلياً، ولا يعرف كيف سيتم تكوين اللجان الداخلية في غياب المعارضة، التي قاطعت برمتها الانتخابات.
تقول سلسبيل القليبي، أستاذة القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية، لوكالة الصحافة الألمانية: «لقد نظم دستور 2014 مشاركة المعارضة في اللجان، لكن المعارضة الآن مغيبة وغير واضحة. وليس هناك عائلات سياسية في البرلمان، وهذا يضع إشكالاً أمام تكوين مكتب رئاسة البرلمان».
ويشترط الدستور الجديد، الذي وضعه الرئيس سعيد عبر استفتاء شعبي، موافقة الأغلبية المطلقة في البرلمان لتقديم لائحة ضد الحكومة، بينما يتطلب سحب الثقة أغلبية الثلثين، وهو ما يعد احتمالاً صعب التحقيق، وفق الخبيرة في القانون الدستوري.
وتضيف القليبي موضحة: «ستضاف في البرلمان غرفة ثانية تمثل الأقاليم والجهات. لكن هناك علامة استفهام تتعلق بالعلاقة بين الغرفتين؛ لأنه لا يوجد قانون حتى الآن ينظم هذه العلاقة أو كيف سيعملان معاً».
لكن على الرغم من الغموض الذي يرافق جوانب كثيرة من عودة عمل المؤسسة الدستورية، فإن ميزة هذا البرلمان، بحسب القليبي، هي أن المقاعد داخله ليست ثابتة، حيث يحق للناخبين طلب سحب الوكالة من النائب متى أخل بالتزاماته. وقالت بهذا الخصوص: «صحيح أن الشروط معقدة لسحب الوكالة، لكن النائب سيكون أمام وضع غير مريح، وسيعمل تحت الضغط».
لكن في ظل صلاحيات مقيدة تفتقر بشكل خاص إلى رقابة كاملة على أعمال السلطة التنفيذية، بجانب شروط معقدة لسحب الثقة من الحكومة، تحوم الشكوك حول مدى فاعلية البرلمان الجديد في إحداث تغيير حقيقي على الأرض، تحتاجه تونس الغارقة في أزمة اقتصادية واجتماعية بشدة.
كجواب عن هذا التساؤل، يقول عماد الخميري، النائب في البرلمان المنحل لعام 2019 والمتحدث باسم حركة النهضة الإسلامية، أكبر الأحزاب المعارضة للرئيس سعيد: «المقاطعة ونسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات تعنيان أن هذا البرلمان ولد ميتاً، وأن المسار الذي وضعه الرئيس قيس سعيد فقد كل مشروعية وشرعية».
وتابع الخميري موضحاً: «نحن الآن أمام أزمة مفتوحة وأكثر تعقيداً بجانب مناخ يتسم بالانقسام، ووضع مالي واقتصادي خانق للدولة. وعلى التونسيين أن يتحملوا اليوم مسؤولياتهم في تجاوز هذا الوضع».
وفي حين تطالب «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم أطيافاً من المعارضة، بتنحي الرئيس سعيد، ووضع حكومة إنقاذ لبدء مرحلة انتقالية ومراجعات دستورية، يردد الرئيس سعيد بأنه بصدد «تصحيح مسار الثورة، وخوض معركة تحرير للحفاظ على الدولة».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)
TT

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية المصرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية دبلن، أول من أمس (الأربعاء).

وذكرت الخارجية أن هذه الخطوة تأتي تتويجاً لجهود مصرية استمرت لأكثر من عام ونصف العام؛ لاستعادة مجموعة من القطع الأثرية عبارة عن مومياء مصرية وعدد من الأواني الفخارية والقطع الأثرية الأخرى، من جامعة كورك الآيرلندية، التي أبدت تعاوناً كبيراً في تسهيل إجراءات إعادة القطع الأثرية.

وقد تم الانتهاء من التفاصيل النهائية للاتفاق على هامش زيارة السيسي إلى دبلن.

وأعربت الخارجية المصرية عن شكرها العميق للجانب الآيرلندي على «هذه الخطوة المهمة في تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية المتنامية بين البلدين».

وأكدت أن القطع المستعادة تمثل حقبة مهمة من التاريخ المصري القديم، وجزءاً من التراث الثقافي المصري الذي يحظى باهتمام جميع البشر، حيث من المقرر أن يتم عرض القطع الأثرية في المتاحف المصرية.