احترار في طبقة «الستراتوسفير»... ما علاقته بأجواء يناير الدافئة؟

بات نمطاً متكرراً خلال السنوات الأخيرة

بعض الدول الأوروبية سجلت درجات حرارة في شهر يناير تحدث عادة في أواخر الربيع (Mabel Amber)
بعض الدول الأوروبية سجلت درجات حرارة في شهر يناير تحدث عادة في أواخر الربيع (Mabel Amber)
TT

احترار في طبقة «الستراتوسفير»... ما علاقته بأجواء يناير الدافئة؟

بعض الدول الأوروبية سجلت درجات حرارة في شهر يناير تحدث عادة في أواخر الربيع (Mabel Amber)
بعض الدول الأوروبية سجلت درجات حرارة في شهر يناير تحدث عادة في أواخر الربيع (Mabel Amber)

بينما تشهد طبقة «الستراتوسفير»، وهي إحدى طبقات الغلاف الجوي، احتراراً مفاجئاً سجلته الأقمار الصناعية، شهدت دول عربية وأجزاء كبيرة من القارة الأوروبية، ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة في يناير (كانون الثاني)، فهل توجد علاقة بين الاثنين؟
للوهلة الأولى قد يبدو أن هناك علاقة، لكون طبقة الغلاف الجوي «الستراتوسفير»، التي تطير فيها الطائرات بالرحلات البعيدة، هي الأقرب لطبقة «التروبوسفير»، القريبة من الأرض، والتي تحدث فيها المنخفضات الجوية. ولكن العكس هو الصحيح، حيث يقول الخبراء إن الاحترار الحادث بتلك الطبقة، بدأت تظهر آثاره في موجات من البرودة أنهت الارتفاع غير المسبوق بدرجات الحرارة، الذي شعرنا به خلال شهر يناير.
وبلغت درجة الحرارة العظمى في مصر خلال بعض أيام شهر يناير «26 درجة مئوية»، كما حدث يوم الجمعة الماضي، حسب ما أعلنته هيئة الأرصاد الجوية. كما شهدت دول أوروبية ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة خلال شهر يناير، حيث وصلت في بعض الأيام ببولندا والتشيك إلى 19 درجة مئوية. وبينما كانت تتراوح درجات الحرارة في بيلاروسيا، حول الصفر خلال شهر يناير، وصلت إلى 16.4 درجة مئوية في أحد أيام يناير الفائت.
واختلف الخبراء في تفسير سبب هذا الارتفاع في درجة الحرارة، لكنهم اتفقوا في النهاية على أن كل الأسباب تشير بأصابع الاتهام إلى التغيرات المناخية، وهو ما لم يحدث مع تفسير التحول الذي حدث في نهاية الشهر، بحدوث انخفاض في درجات الحرارة، حيث أجمعوا على أن سببه هو احترار طبقة «الستراتوسفير».
ويقول أليكس بوركيل، كبير خبراء الأرصاد الجوية في بريطانيا في تقرير نشرته «الغارديان» في الأسبوع الأول من يناير: «يمكننا قول إن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها حدث مناخي متطرف في أوروبا (من حيث الحرارة الشديدة في يناير) مشابهاً لأكثر الأحداث تطرفاً في أميركا الشمالية، حيث كانت الحرارة شديدة في منطقة شاسعة، وهو أمر نكاد نشعر به لأول مرة».
وعزا بوركيل ذلك إلى كتلة هوائية دافئة نشأت قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، ومرور الهواء على شرق المحيط الأطلنطي، حيث درجات الحرارة فوق سطح البحر تزيد على المعتاد بدرجة إلى درجتين مئويتين.
ولا ينكر عالم الأرصاد الجوية البريطاني سكوت دنكان، دور الهواء الدافئ وارتفاع درجة حرارة الماء في ارتفاع درجات الحرارة، ولكن ليس للمستوى الذي تم تسجيله، بحيث يؤدي ذلك إلى حدوث المناخ المتطرف شتاءً، الذي حطم كل الأرقام القياسية.
ورغم أن دنكان لا يملك تفسيراً واضحاً، فإنه قال: «لا شك أن ما يحدث هو من تبعات التغيرات المناخية»، وهو ما أيده البروفيسور بيل ماكغواير، صاحب الكثير من الدراسات عن عواقب انهيار المناخ، والذي قال: «الشيء الأكثر إثارة للقلق بشأن ما حدث، هو سرعة الاحتباس الحراري، إنها لمحة صغيرة عن المستقبل، حيث سيتقلص فصل الشتاء إلى شهرين من الطقس الكئيب والرطب والمعتدل، مع القليل من الصقيع أو الجليد أو الثلج».
ويتفق مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، مع ما ذهب إليه ماكغواير، مؤكداً أن درجات الحرارة المرتفعة تنذر بما هو أسوأ في المستقبل.
وقال علام في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «العالم يتجه إلى خط عدم الرجعة، وهو حدوث ارتفاع في درجة حرارة الأرض إلى المستوى الذي لا تجدي معه أي محاولات للإصلاح».
وارتفعت حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية، مقارنة بالحال قبل قيام النهضة الصناعية في خمسينات القرن التاسع عشر. وأوصى العلماء بعدم تجاوز الزيادة حد الـ1.5 درجة، لتفادي تبعات الوصول إلى مراحل خطيرة من تغير المناخ، غير أن مخرجات قمة المناخ «كوب 27»، التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تشير إلى أن العالم غير مستعد لتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010، لتحقيق هذا الهدف، بل إن العالم يتجه إلى الوصول لزيادة تقدر بدرجتين، وهو مستوى إذا تم الوصول إليه سيكون من الصعب التراجع، كما يؤكد علام.
وعن التحول من ارتفاع درجات الحرارة إلى البرودة هذه الأيام، والتي من المتوقع أن تزيد خلايا الأيام المقبلة من شهر فبراير (شباط)، كما تشير توقعات الطقس، قال علام، إن الاحترار المفاجئ في طبقة «الستراتوسفير» هو المسؤول عن ذلك.
والاحترار الستراتوسفيري، أصبح نمطاً أكثر تكراراً في السنوات الأخيرة، وهو ظاهرة ترتفع فيها درجات حرارة طبقة «الستراتوسفير» أعلى القطب الشمالي للأرض، من نقطة تصل إلى 70 مئوية تحت الصفر، إلى نحو 50 مئوية، ليؤدي ذلك بطبيعة الحال، إلى اضطراب الطقس أسفل منها، لتشكل ما يسمى بـ«التيار القطبي»، وهو دوامة ضخمة من الهواء البارد جداً تدور فقط في حدود الدوائر القطبية الشمالية، وتصبح أوسع انتشاراً، لتؤثر في مناطق تقع أسفل الدوائر القطبية الشمالية مثل أوروبا وقطاع كبير من أميركا الشمالية، وقد يصل التأثير إلى الوطن العربي.
وكانت دراسة أجرتها جامعة بريستول البريطانية، ونُشرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بمجلة «جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش»، قد قامت بفحص 40 احتراراً مفاجئاً في طبقة «الستراتوسفير» حدثت خلال 60 سنة مضت، وكان نحو الثلثين منها سبباً في موجات طقس بارد جداً اجتاحت أوروبا وشمال أميركا الشمالية وآسيا، مع تساقط كثيف للثلوج.
وخلصت الدراسة إلى أنه «بناء على ذلك، ثمة احتمال كبير لحدوث موجات باردة خلال شهر فبراير».


مقالات ذات صلة

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

المشرق العربي مجرى نهر العاصي في منطقة جسر الشغور غربي إدلب وقد بدا جافاً تماماً أغسطس الماضي (أ.ب)

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

تقرير يرصد أبرز الأنهار التي تعرضت لعوامل شديدة من الجفاف في المنطقة، إضافة إلى تعليق خبير في الشأن المناخي عن الأزمة وأبرز سُبل الحل.

يسرا سلامة (القاهرة)
شؤون إقليمية صورة تُظهر انخفاض مستويات المياه خلف سد على طول نهر الكرخة بسلسلة جبال البرز شمال إيران (أ.ف.ب) play-circle

إيران توقف توليد الكهرباء من سدّ مائي كبير بسبب الجفاف

أوقفت السلطات الإيرانية إنتاج الكهرباء من أحد أكبر سدود البلاد، بسبب انخفاض ملحوظ في منسوب المياه بالخزان، حسبما ذكرت وسائل إعلام رسمية.

«الشرق الأوسط» (طهران)
آسيا امرأة أثناء زيارتها لمنطقة ضربتها فيضانات مفاجئة مميتة عقب هطول أمطار غزيرة في منطقة بيروين (رويترز)

إندونيسيا: ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات والانهيارات الأرضية إلى 248

كافح عمال الإنقاذ في إندونيسيا اليوم للوصول إلى الضحايا في كثير من المناطق المدمرة التي ضربها زلزال وفيضانات.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
المشرق العربي صورة مثبتة من مقطع فيديو يظهر جفاف نهر العاصي في سوريا بالكامل

للمرة الأولى في التاريخ... نهر العاصي يجف بالكامل في سوريا

يشهد نهر العاصي في سوريا جفافًا كاملًا للمرة الأولى في تاريخه، في حدث يشكل سابقة بالنسبة للشريان المائي الحيوي في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص رغم اختلاف البيئات بين السعودية وبريطانيا وأستراليا تجمع المشاريع رؤية بناء زراعة مرنة وقادرة على مواجهة التغير المناخي (أدوبي)

خاص من السعودية إلى أستراليا وبريطانيا… ابتكارات طلابية ترسم مستقبل الزراعة

كشفت 3 مشاريع طلابية من السعودية وأستراليا وبريطانيا مستقبلاً زراعياً جديداً يعتمد على الري الذكي وإنعاش التربة وتحليلها لحظياً، لبناء زراعة مرنة.

نسيم رمضان (دبي)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.