الضغوط تدفع باريس لاستعادة مجموعة جديدة من رعاياها المحتجزين في سوريا

15 امرأة و32 قاصراً أعيدوا إلى فرنسا في ثالث عملية من نوعها

مقاتلة من «قسد» أثناء عملية بحث داخل مخيم «الهول» للاجئين في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في 26 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
مقاتلة من «قسد» أثناء عملية بحث داخل مخيم «الهول» للاجئين في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في 26 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
TT

الضغوط تدفع باريس لاستعادة مجموعة جديدة من رعاياها المحتجزين في سوريا

مقاتلة من «قسد» أثناء عملية بحث داخل مخيم «الهول» للاجئين في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في 26 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
مقاتلة من «قسد» أثناء عملية بحث داخل مخيم «الهول» للاجئين في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في 26 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

أسفرت الضغوطات المتلاحقة على الحكومة الفرنسية في الداخل والخارج، وآخرها الإدانة التي صدرت بحقها الأسبوع الماضي عن لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، عن دفع باريس إلى استعادة 15 امرأة و32 طفلاً من عائلات تابعة لعناصر من تنظيم «داعش» كانوا محتجزين في معتقل «روج» الواقع شمال شرقي سوريا، قريباً من الحدود التركية - العراقية.
وتدير المعتقل المذكور ومعتقلات غيره أبرزها مخيم «الهول»، «قوات سوريا الديمقراطية» والإدارة الكردية المحلية. وسارعت وزارة الخارجية التي أشرفت على العملية، إلى توزيع بيان، صباح أمس، جاء فيه أن باريس «قامت بعملية جديدة أعادت بموجبها إلى التراب الوطني أطفالاً فرنسيين وأمهاتهم كانوا محتجزين في مخيمات واقعة شمال شرقي سوريا».
وأضاف البيان أن العملية المذكورة وفرت عودة 32 قاصراً و15 امرأة بالغة، وأن القاصرين سُلموا للأجهزة المكلفة مساعدة الأطفال وسيستفيدون من متابعة طبية واجتماعية، في حين أن النساء سُلمن للأجهزة القضائية المختصة. وبنهاية البيان، عبّرت فرنسا عن شكرها للإدارة المحلية شمال شرقي سوريا التي سهلت حصول عملية الترحيل.
ولاحقاً، أصدرت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب بياناً أفاد بأنه تم توقيف 8 نساء سبق أن صدرت بحقهن مذكرات بحث وتحرٍّ، في حين أن النساء الـ7 المتبقيات سيمثلن أمام قضاة التحقيق في وحدة مكافحة الإرهاب بعد أن أصدرت النيابة العامة المذكورة مذكرات توقيف بحقهن منذ وصولهن إلى الأراضي الفرنسية.
وبذلك تكون السلطات قد فصلت بين الأمهات وأبنائهن وفق ما درجت على القيام به منذ العملية الأولى من هذا النوع التي جرت في يوليو (تموز) من العام الماضي.
وكانت رحلة جوية خاصة لاستعادة الأمهات وأبنائهن قد حطت قبيل الفجر في مطار «فيلاكوبليه» الواقع جنوب العاصمة، وهو المستخدم للحالات الخاصة والرسمية. وتتراوح أعمار النساء ما بين 19 و53 عاماً. أما أعمار القاصرين فمتنوعة. ومن بين العائدين فتاة يتيمة عمرها اليوم 19 عاماً، وقد كانت في عمر الـ11 عاماً عندما أخذها والداها إلى سوريا، وأخرى عمرها اليوم 24 عاماً، ووصلت إلى سوريا في سن الـ15 عاماً. ومن بين القاصرين صبي عمره 13 عاماً خطفه والده قبل 7 سنوات، وسيكون متمكناً من العودة إلى والدته واسمها الأول صونيا. ولم تكشف السلطات الفرنسية رسمياً عن الأعداد المتبقية من النساء والقاصرين الذين ما زالوا يوجدون في المخيمات، إلا أن المحامية ماري دوزيه، التي تمثل مجموعة من العائلات المطالبة باسترجاع النساء والقاصرين والتي لعبت دوراً رئيسياً في التعبئة الإعلامية ولدى المحاكم، أفادت أمس بأن ما لا يقل عن مائة قاصر و50 امرأة ما زالوا محتجزين في سوريا. وبحسب المحامية المذكورة، «لا يزال هناك (في المخيمات شمال شرقي سوريا) أيتام وعدد من الأمهات يطلبن العودة مع أطفالهن، وبينهم امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة».
تعد العملية الأخيرة الثالثة من نوعها، تعمد فيها السلطات الفرنسية إلى استعادة «جماعية» لنساء وأطفال، ما يعد تخلياً واضحاً عن خطها السابق الذي كان يقوم على درس كل حالة على حدة. وسبق لها، إضافة إلى عملية خريف عام 2021 حيث استرجعت 15 امرأة و40 طفلاً، أن قامت في يوليو الماضي بعملية ثانية استرجعت 16 امرأة و35 طفلاً. وكان وزير العدل الفرنسي أشار في كلمة له أمام مجلس الشيوخ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أن السلطات استعادت جماعياً 75 طفلاً، في حين أن العدد الإجمالي للقاصرين الذين رجعوا من سوريا يصل إلى 300 شخص. ولم تكشف الخارجية أمس عن خطط مستقبلية شبيهة بما نُفذ أمس، وحقيقة أن الضغوط التي مورست على السلطات الفرنسية جعلتها في وضع بالغ الصعوبة إزاء العائلات المعنية وفي نظر القانون الأوروبي والأمم المتحدة والمنظمات التي تدافع عن الطفولة وعن حقوق الإنسان.
وجاء البيان الصادر عن لجنة محاربة التعذيب التابعة للأمم المتحدة ليزيد من هشاشة الموقف الفرنسي. وكانت العائلات الفرنسية المعنية قد رفعت شكوى إلى اللجنة المذكورة في عام 2019 متهمة الحكومة الفرنسية بانتهاك المادتين 2 و16 من اتفاقية مناهضة التعذيب، والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، بعدم إعادتهم إلى الوطن.
وقبلها، أدانت لجنة حقوق الطفل، ثم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فرنسا عام 2022 بسبب عدم تحركها لإعادة النساء والقصر. والعائدات هن فرنسيات توجهن طوعاً أو التحاقاً بأزواجهن إلى مناطق يسيطر عليها الجهاديون في العراق وسوريا، وقُبض عليهن بعد هزيمة «تنظيم الدولة الإسلامية» عام 2019. أما القاصرون، فإن الكثيرين منهم وُلدوا هناك.
وليس سراً أن باريس كانت ترفض الاسترجاع الجماعي للنساء اللواتي التحقن بأزواجهن إلى المنطقة السورية – العراقية، أو ذهبن بمفردهن إلى هناك، واللائي يسميهن الإعلام الفرنسي بـ«الداعشيات». وثمة سببان كانا يدفعان السلطات الفرنسية إلى الرفض: أولهما سياسي؛ إذ إن الرأي العام الفرنسي لا يتقبل فكرة استعادة نساء داعشيات ذهبن إلى منطقة القتال ما بين سوريا والعراق، وربما شاركن فيها وهن من المتطرفات، وبالتالي ثمة مخاطرة سياسية في قبول استعادتهن إلى فرنسا. السبب الثاني أمني. وتكمن قوته في أن فرنسا تعرضت منذ عام 2015 لعمليات إرهابية على علاقة بـ«داعش» أو بـ«القاعدة» أسفرت عن سقوط 243 قتيلاً ومئات الجرحى، وبالتالي فإن وجود هؤلاء النسوة في المجتمع الفرنسي يشكل بذاته تحدياً أمنياً.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا ترفض قطعاً استعادة الرجال الذين انضموا إلى صفوف المنظمتين الإرهابيتين، وتدعو إلى محاكمتهم حيث هم موجودون في سوريا أو في العراق، رغم أن محاكمتهم في سوريا لا تصح قانوناً؛ لأن الإدارة المحلية الكردية غير معترف بها دولياً. يضاف إلى ما سبق أن موقف فرنسا أصبح أكثر هشاشة عندما قبلت دول أوروبية مثل فنلندا والدنمارك والسويد استعادة كل مواطنيهم، وهو حال الولايات المتحدة الأميركية كذلك التي تساند السلطات المحلية الكردية في الضغط على دول «المصدر» لاستعادة مواطنيها.
وإلى جانب الأوضاع الإنسانية المزرية للعيش في المخيمات، فإن المسؤولين الأكراد ينبهون للمخاطر الأمنية المترتبة على وجود عشرات الآلاف من المعتقلين في المخيمات التي يشرفون عليها. وبحسب بيانات لمنظمات غير حكومية، فإن مخيم «الهول»، وهو أكبر مخيم، يضم ما بين 55 و57 ألف شخص، بينهم سوريون وعراقيون ومواطنون من دول أخرى. وذكرت منظمة «أطباء بلا حدود» أن 64 بالمائة من قاطني مخيم «الهول» هم أطفال. وبالنظر للأعداد المتبقية من النساء والأطفال الفرنسيين الذين ما زالوا في المعتقلات الكردية، فإن الضغوط سوف تتواصل على السلطات الفرنسية لمواصلة ما قد بدأته، واسترجاع من تبقى من مواطنيها في سوريا.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.