رئيس المركز التنفيذي لـ«الديمقراطي الكردستاني» الإيراني: أولوياتنا إقامة نظام فيدرالي

مصطفى هجري قال لـ «الشرق الأوسط» لا ينبغي لأي جماعة أو مجموعة أن تعدّ نفسها المالك المطلق للبلاد

مصطفى هجري
مصطفى هجري
TT

رئيس المركز التنفيذي لـ«الديمقراطي الكردستاني» الإيراني: أولوياتنا إقامة نظام فيدرالي

مصطفى هجري
مصطفى هجري

تحولت المدن الكردية في غرب وشمال غربي إيران مرة أخرى إلى بؤرة للاحتجاجات الشعبية التي يرتفع فيها سقف مطالب المحتجين إلى إطاحة النظام. مثل الاحتجاجات السابقة، وجه كبار المسؤولين الإيرانيين أصابع الاتهام إلى أعداء الخارج، من دول متخاصمة ومنافسة إلى معارضين، بالوقوف وراء «مؤامرة عالمية» تحاك ضد «تقدم البلاد». وكانت الأقليات العرقية في مقدمة الاتهامات، إذ حاول الحكام سحب فتيل الأزمة بترهيب الإيرانيين من «الانفصالية» وتهديد السيادة الوطنية.
وبموازاة رفع حملة القمع، قصفت إيران مواقع للأحزاب الكردية بالمسيرات والصواريخ الباليستية. ولوحت بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المعارضين الأكراد. وكان أقدم الأحزاب الكردية المعارضة، الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، محور الاتهامات الإيرانية... حاورت «الشرق الأوسط» رئيس المركز التنفيذي للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض، مصطفى هجري، الذي تشكل تحركات حزبه مخاوف مشتركة بين النظام الحكام في إيران، ومن يطرحون بديلاً لا يعترف بتطلعات الشعوب غير الفارسية لإقامة حكمها الذاتي. يشدد هجري الذي طوى حزبه مؤخراً خلافات داخلية دامت نحو عقدين، على أن أولوية حزبه هي إقامة إيران فيدرالية ديمقراطية برلمانية.
> قبل أن تبدأ الاحتجاجات الأخيرة بأسابيع، رأينا توحد فرعي الحزب الكردستاني الإيراني، ما مغزى عودة اللحمة بين فرعي الحزب الكردستاني الإيراني؟
- نواجه الآن نظاماً ديكتاتورياً ورجعياً في إيران، يقمع الحريات، ويحرم الشعب من حقوقه الأساسية. نحن في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، والمنظمات السياسية في المعارضة الإيرانية، والشخصيات السياسية، نكافح منذ سنوات عديدة ضد نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن للأسف هذا الكفاح لم يؤتِ ثماره بعد، والشعب لم ينَل مطالبه.
ونرى سبب عدم تجاوب الجمهورية الإسلامية مع مطالب الشعب، في تشتت الإيرانيين وتشرذمهم، خصوصاً المنظمات السياسية، نرى أنهم بعيدون، بعضهم عن بعض، ولديهم وجهات نظر مختلفة. لهذا السبب انقسمت القوى داخل إيران، ونتيجة لذلك ضعفت كفاءتها، لم تتمكن من إيصال أصواتها في المظاهرات والمسيرات كما ينبغي.
لهذا السبب، وبعد عدة سنوات من الانقسام في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، قررنا لم الشمل من أجل أن تكون الحركة الكردية فعالة في كردستان الإيرانية. ناقشنا هذا لفترة طويلة ولحسن الحظ، تمكنا مؤخراً من الوصل بين فرعي الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران.
لقد ترك ذلك أثراً كبيراً على كردستان إيران، وكذلك بين المعارضة الإيرانية. أعتقد أن إعادة الوحدة هذه قد يكون لها تأثير على بقية التنظيمات الإيرانية المعارضة التي تكافح ضد الجمهورية الإسلامية، ويمكن أن تكون بداية عهد جديد من الوحدة والتعاون والأفكار والخطط المشتركة.

هجري خلال جولة تفقدية لقوات البيشمركة في قاعدة تابعة لتلك القوات بإقليم كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني)

> هل يعني هذا أننا سنرى مزيداً من التعاون بين الأحزاب الكردية في المستقبل؟
- قبل الوحدة في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، كنا متحالفين مع أحزاب بارزة في كردستان. نحن نتعاون مع فرعين من حزب كوموله في تحالف مركز الأحزاب الكردية المعارضة الإيرانية. وسنواصل هذه المعركة معاً.
> ما أولويات حزبكم أو رفاقكم في الوسط الكردي المعارض؟
- بشكل عام أولوياتنا هي إقامة إيران فيدرالية ديمقراطية برلمانية، نحن نناضل من أجل هذا الهدف، ومتطلبات تحقيق هذا الهدف؛ الوحدة والقتال المتآزر والموحد مع مجموعات المعارضة، والشعب الإيراني.
> إذا كان الشعب الكردي الإيراني يريد الحكم الذاتي، فما موقفكم؟ هل تقصد بالفيدرالية ما نشهده في إقليم كردستان العراق؟
- لا أستطيع القول إنها ستكون نسخة لما نشهده في كردستان العراق، لأنه مهما كان شكل الحكومة في إيران، يجب أن يكون هذا الشكل من الحكم منسجماً مع الوضعين السياسي والجغرافي والوطني للبلاد... ولكن باختصار، يجب أن أقول إننا نريده في الإطار الجغرافي لإيران، يجب أن يكون للشعب الكردي، وكذلك الشعوب الأخرى في إيران التي تعيش في جغرافيتها الخاصة، حكوماتهم الداخلية الخاصة، وأن ينشطوا في إطار دستور ديمقراطي بإيران، وبذلك كلنا نعتبر إيران ملكاً لنا. فلا ينبغي لأي جماعة أو مجموعة أن تعد نفسها المالك المطلق لإيران تحت أي عنوان ولا يجوز لها أن تضطهد الآخرين.
> البعض في المعارضة الإيرانية ينفي وجود أقليات عرقية ودينية وغيرها، ولا يعتبرون لها مكاناً في مستقبل إيران، كيف تردون على هذه المزاعم؟
- منذ سنوات، تنفي الأفكار الشوفينية وجود شعوب متعددة في إيران، وفشلت مساعيهم. اليوم، سواء داخل البلاد أو خارجها، رأينا بوضوح أن الأفكار الحديثة والتقدمية قد فهمت واقع اليوم، ويريدون أن تكون إيران الراهنة، تُضمن فيها حقوق الشعوب وجميع السكان. ونحن أيضاً سياستنا هي ضمان الحقوق الوطنية للشعب الكردي في إطار إيران ديمقراطية وفيدرالية.
> رغم أنكم تصرون على إيران حرة وديمقراطية، فإن مطالبكم تم اعتبارها من الإيرانيين بأنها انفصالية... ما ردكم على هذا الاتهام؟
- قبل قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أثار هذا الاتهام النظام البهلوي لمواجهة مطالب الحزب الديمقراطي الإيراني، وبعد ذلك ورث النظام الحالي من سلفه هذا الاتهام.
يهدف الاتهام إلى تشويه نضالات التحرير للشعب الكردي وفي السياق الإيراني بصفة عامة، وفي الحقيقة، فإنه يعاقب ناشطي الحزب الديمقراطي والشعب الكردي في محاكم الجمهورية الإسلامية بشدّة. ولا يوجد حزب بارز في كردستان الإيرانية يطالب بالانفصال، وإذا أراد بعض الأشخاص والشخصيات، وربما عدد من الأحزاب الصغيرة جداً الانفصال عن إيران، فإن سلوكهم هو رد فعل على عنف وقمع جمهورية إيران الإسلامية. لذلك ليس هناك حزب بارز في كردستان إيران يريد تقسيم إيران والانفصال عنها.
> ما التحدي الأهم أمام الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركات المعارضة الكردية للوصول إلى بديل للنظام الحالي؟
- أرى التحدي الأهم في حقيقة أن بعض التنظيمات السياسية للمعارضة الإيرانية، للأسف، هي أحزاب شمولية إلى حد ما... يعتقدون أنهم وحدهم سيكون بمقدورهم الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وسوف يشكلون الحكومة بإرادتهم.
أعتقد أنه من المستحيل أن يتمكن حزب أو جماعة من قلب الجمهورية الإسلامية وإقامة الدولة التي يريدها.
الطريق الصحيح هو الوصول إلى إطار محدد مع كل التنظيمات السياسية للمعارضة الإيرانية، أو على الأقل مع غالبيتها، حتى نتمكن من العمل، بعضنا مع بعض، على أساس برنامج محدد والمضي قدماً في هذا النضال، لتحقيق مطالب الناس. إطار يستوعب فعلياً المطالب الرئيسية للمجموعات المختلفة، بحيث يتبعه الناس، خصوصاً الشعوب الإيرانية ويشاركون في المعارضة وفي النضال ضد الجمهورية الإسلامية.
> كيف ترى الوضع السياسي الداخلي في إيران؟
- أعتقد أنه يجب تحليل الوضع في إيران بشكل منفصل من بداية الجمهورية الإسلامية إلى شهر سبتمبر (أيلول)، أو هذه الأيام التي تشكلت فيها الحركة الأخيرة، لأن هذه النضالات هي في الواقع نقطة تحول في تاريخ نضالات الإيرانيين الشعب ضد الجمهورية الإسلامية. أعتقد أن هذه النضالات قد حققت الكثير للشعب الإيراني المحب للحرية، وللشعب الكردي في كردستان الإيرانية، وفي الواقع، هذه الأيام، إذا تعاطف الناس، بعضهم مع بعض، وتعاونوا ووقفوا بشكل موحد ضد الجمهورية الإسلامية، فيمكنهم تحقيق رغباتهم.
أعتقد أن هذه الحركة التي تستمر في إيران حتى لو تم قمعها، فإن نتائجها الإيجابية ستبقى تجربة ناجحة للشعب. بعد الحركة الأخيرة، أصبحت الجمهورية الإسلامية جمهورية إسلامية أخرى، والآن ثبت أنه على الرغم من كل الإجراءات والاستثمارات، فشلت الجمهورية الإسلامية في خلق إطار فكري محدد لشعب إيران.
يجب أن نتوصل إلى إطار محدد مع كل التنظيمات السياسية المعارضة الإيرانية، أو على الأقل غالبيتها، حتى نتمكن من العمل، بعضنا مع بعض، على محور برنامج وبرنامج معين، ودفع هذا النضال بما يتماشى مع رغبات الشعب. إطار يستوعب فعلياً المطالب الرئيسية للمجموعات المختلفة بحيث يتبعه الناس، خصوصاً الشعوب الإيرانية، ويشاركون في المعارضة وفي النضال ضد الجمهورية الإسلامية.
> كيف ترى مستقبل الاحتجاجات الحالية؟ وإلى متى سيستمر مثل هذا الوضع من وجهة نظرك؟
- أعتقد أنه إلى أن تتحد نضالات الشعب، سيتمكن نظام الجمهورية الإسلامية من قمعها بشدة. لكن لمواصلة هذا النضال، هناك قضيتان مهمتان للغاية؛ أولاً، يجب أن يكون للمعارضة الديمقراطية والمحبة للحرية في إيران برنامج مشترك، وأن تكون قادرة على توجيه الشعب وتوحيده. ثانياً، على الناس زيادة صمودهم وعدم اليأس وترك الشارع، لأن إسقاط الجمهورية الإسلامية يتطلب كثيراً من المقاومة والتضحية.
> إذن هل تتنبأ بأن هذه الاحتجاجات العفوية ستستمر في المستقبل؟
- بلا ريب، سنشهد مرة أخرى احتجاجات من هذا النوع وربما أكثر انتشاراً، لأنه لا يمكن لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهذه الآيديولوجية والنهج، أن يكون قادراً على تلبية مطالب الشعب وكسب رضا الناس.
بعد سنوات قليلة من التسامح، فقد الناس كل شيء وانتهى تسامحهم ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع في إيران على هذا النحو.
ما كان واضحاً في الأيام الأولى من الاحتجاجات الأخيرة هو أن الجمهورية الإسلامية وجهازها الدعائي كانت لهما مقاربتان تجاه الاحتجاجات الأخيرة: أولاً، حاولا نشر مقاطع مختلفة حول وصول البيشمركة الكردية إلى مدن كردستان، وكان واضحاً أنهما لجآ إلى المقاطع القديمة حتى تنسب هذه الاحتجاجات إلى من يسمون بيين، وكان النهج الثاني هو تقديم المتظاهرين كأعداء للدين الإسلامي.
> هل ستؤثر هذه الأساليب على الشعب الإيراني؟
- لا أعتقد أنه سيكون لها أي تأثير، لأن الجمهورية الإسلامية، طوال فترة حكمها قدمت كل المطالبين بالحرية على أنهم يعتمدون على الأعداء وضد الإسلام ونظام الحكم. لقد بالغت الجمهورية الإسلامية في هذا الأمر كثيراً. لقد ذهبت الدعاية المشؤومة إلى حد أنه إذا كان من الممكن في البداية أن يتم تصديق هذه الدعاية من جماعة ما بسبب الجهل، فإنه اليوم لا أحد يصدق تلك الاتهامات.
كما ترون، الأمر لا يتعلق فقط بقضية الحزب الكردستاني الإيراني أو أحزاب المعارضة الأخرى، بل إنه حتى شعر المرأة والحجاب ينسبونه إلى إسرائيل وأميركا وأعداء إيران. الجمهورية الإسلامية ليست مستعدة للاستجابة لمطالب الشعب، وتقمع على الفور أي صوت معارض ولو على مستوى منخفض جداً، بدلاً من الاستماع وتقبل المسؤولية واتخاذ خطوات نحو أمن الناس وراحتهم وحريتهم.
> كيف تقيمون دور «الحرس الثوري» الإيراني في قمع الاحتجاجات الحالية، خصوصاً في كردستان وبلوشستان؟
- هناك تقارير وأدلة دامغة على دور القوات القمعي، بما في ذلك «الحرس الثوري» في قمع بلوشستان وكردستان، خصوصاً في الـ100 يوم الماضية، نظراً لسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى والاعتقالات، والإعدامات.
> كيف ترى دور المرأة في الاحتجاجات الأخيرة، ومكانتها بشكل عام في نضالات شعب كردستان إيران؟
- شاركت نساء كردستان الإيرانية في النضال من أجل الحرية إلى جانب النساء في جميع أنحاء إيران، لكن هذه الحركة في الأيام الأخيرة عززت بشكل كبير من أهمية نضال المرأة، وقللت من هموم المرأة وخوفها من القمع من قبل نظام الجمهورية الإسلامية، لهذا السبب أعتقد أن المرأة ستكون أكثر نشاطاً من ذي قبل، وستكون أكثر تأثيراً في تعزيز تطلعاتها الخاصة كامرأة، وكذلك التطلعات العامة للشعب الإيراني.
> سألتك عن الوضع الداخلي لإيران، وأريد أيضاً أن أسأل عن وضع إيران الإقليمي... كيف ترى دور إيران في المنطقة؟
- كان الدور الذي لعبته إيران في المنطقة خلال هذه الفترة دوراً تدخلياً وعدوانياً، ومثل التهديدات التي تتعرض لها داخل إيران، استندت سياسة إيران الخارجية أو الإقليمية أيضاً إلى تهديدات جيرانها، ونتيجة هذا الوضع الذي أوجدته الجمهورية الإسلامية، فبدلاً من مساعدة الجمهورية الإسلامية في تحقيق أهدافها، أعطت النتيجة المعاكسة تماماً... والآن نرى أنه نتيجة لهذه السياسة، فإن الدول العربية، إذ ليس كلها، بل معظمها، بدلاً من أن تكون معادية لإسرائيل، اتحدت معها، وتشكل «ميثاق إبراهيم» وتتقدم، وتتحد ضد الجمهورية الإسلامية.
في بعض البلدان الأخرى التي يشكل الشيعة فيها مجموعات مهمة أو يشكلون الأغلبية، مثل لبنان والعراق، نرى أنه إذا اعتقد هؤلاء في البداية أن الجمهورية الإسلامية «شيعية»، ووفقاً لمزاعم الجمهورية الإسلامية، فإنها ستكون كذلك ملجأ للشيعة، الآن نرى نفوراً من هذا النوع من السياسة، وقد رأينا مرات عديدة في مدن مختلفة من العراق ولبنان، نزل الناس إلى الشوارع في مظاهراتهم واحتجاجاتهم ضد اعتداءات الجمهورية الإسلامية وسياساتها، ولهذا أعتقد أن النظام، رغم أنه يحاول أن يظهر نفسه قوياً جداً في المنطقة، فإنه الآن في أسوأ وضع سياسي.
> كيف تقيّمون دافع الحكومة الإيرانية الجديدة لتحسين العلاقات مع جيرانها؟
- ليس لدى النظام الإيراني أي دافع لتحسين العلاقات مع جيرانه، بل يهدف إلى تصدير ثورته إلى هذه البلدان، وتنبع هذه السياسة من المعتقدات الآيديولوجية لهذا النظام. كررت الجمهورية الإسلامية مرات كثيرة أنها تتخذ خطوات نحو السلام والمصالحة في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه مشغولة بالتآمر ضد هذه الدول وزعزعة استقرارها. حتى لو سنحت له الفرصة، فإن النظام سيتآمر لقلب حكومات في المنطقة ويحاول تطبيق آيديولوجيته في دول المنطقة ونقل الوضع القائم الآن في إيران.
وفق آيديولوجية النظام، فإن الإسلام يعني التشيع القائم على ولاية الفقيه، من أجل ذلك يريد نشر هذا النوع من الإسلام في دول الجوار وأماكن أخرى بالعالم. ويعدّ ذلك واجباً شرعياً للجمهورية الإسلامية.
> شهدنا عدة عمليات عسكرية في إيران العام الماضي، واتهمت طهران، إسرائيل، بالتورط فيها، وأيضاً اتهمت الأحزاب الكردية في كل مرة. ما ردك على هذه الاتهامات؟
- يعود هذا الاتهام إلى السياسة الخاطئة لنظام الجمهورية الإسلامية؛ أولاً: لا يفهم حقائق اليوم، وثانياً: ليس مستعداً لمراجعة خططه في المنطقة والعالم، ومواصلة سياساته، لهذا السبب، في الهجمات على الجمهورية الإسلامية، بدلاً من إدراك نقاط ضعفها من حيث البرنامج والأسلحة والتنظيم والسعي لتصحيحها، تحاول دائماً إلقاء اللوم على الآخرين في هذه الأفعال. وعندما يرى النظام نفسه خالياً من العيوب، فهو بالتأكيد غير مستعد لمراجعة سياسته، وإلا كيف يمكن للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني أو الأحزاب الكردية الأخرى، القيام بعمليات في طهران ووسط البلاد وتكون إسرائيل الفاعل؟ حتى لو كان الافتراض صحيحاً، فهو علامة على الضعف الكبير للجمهورية الإسلامية؛ أن هذا النظام رغم كل التبجحات وإظهار نفسه بأنه قوة إقليمية، عجز في عاصمته أمام العمليات المنسوبة إلى إسرائيل.
> قبل 4 سنوات استهدفت الجمهورية الإسلامية مقر حزبكم بصاروخ في مثل هذه الأيام، كما هاجمت هذا العام عدة أماكن في إقليم كردستان العراق، هل أثرت هذه الهجمات على موقعكم في كردستان؟ بشكل عام كيف تقيّم هذه الهجمات؟
- في رأيي، هذه الهجمات ليس لها أدنى تأثير علينا، لكنها تجعلنا أكثر يقظة من الناحية الأمنية، ولدينا تخطيط أكثر تفصيلاً. لو كان نظام الجمهورية الإسلامية قد نجح في تحقيق أهدافه بقصف وقتل وإسكات صوت الحزب الكردستاني الإيراني وأحزاب المعارضة الإيرانية الأخرى، لكان قد حقق هذا الهدف منذ سنوات. رغم كل هذا القمع واغتيال اثنين من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، واصل عدد كبير من نشطاء هذا الحزب داخل وخارج البلاد، وغيرهم من المناضلين، كفاح الشعب الكردي من أجل الحرية في إيران.
> بما أن كثيراً من النشطاء والسجناء السياسيين الأكراد كانوا من بين ضحايا إعدامات عام 1988، ما رأيك في إدانة حميد نوري، الممثل السابق للمدعي العام الإيراني؟
- نحن نعتبر هذه المحكمة مناسبة وصحيحة للغاية. إنها تشبه محكمة ميكونوس التي اعترفت بكون الجمهورية الإسلامية إرهابية على أعلى مستوى. وفي الحقيقة، فإن محاكمة حميد نوري هي محاكمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي إنجاز سياسي جيد للغاية بالنسبة للجمهورية الإسلامية. المناضلون من أجل الحرية في إيران بشكل عام وعائلات شهداء تلك الأيام بشكل خاص، ونأمل في أن تتم محاكمة مسؤولي الجمهورية الإسلامية كل يوم في مثل هذه المحكمة العادلة والنزيهة ومعاقبتهم على أفعالهم.
> هل أنتم راضون عن الحكم الصادر في قضية اغتيال عبد الرحمن قاسملو، وكذلك قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني في ميكونوس؟ هل من الممكن أن تمنحك محاكمة حميد نوري حافزاً لمتابعة تلك الاغتيالات؟
- كما ترون، نحن راضون جداً عن المحاكمة التي جرت في ألمانيا فيما يتعلق بالاغتيال الذي حدث في ميكونوس واستشهد شرفكندي الأمين العام للحزب الديمقراطي ورفاقه هناك، ونحن جداً شاكرون للقضاة والمدعين العامين في هذه المحاكمة، ونعرب عن امتناننا مرات كثيرة. أعلنا أن هذه المحاكمة، على الرغم من الاعتراضات والمعوقات التي سمحت بها الحكومة الألمانية في ذلك الوقت، واصلت عملها بمسؤولية وحيادية كبيرة، وكانت النتيجة تقريباً نتيجة نادراً ما تحدث في التاريخ، ولكن بالنسبة لنا، فنحن مستاؤون جداً من اغتيال واين واغتيال الدكتور قاسملو ورفاقه، لأنه للأسف الحكومة في فيينا حينذاك، تمكنت من ممارسة تأثير كبير على الشرطة والمحاكم، ولم يتمكنوا من إجراء هذه المحاكمات وهذه القضية بطريقة عادلة ونزيهة. ورغم أن القتلة في ميكونوس كانوا جميعاً هاربين، فإن الشرطة الألمانية تمكنت من إلقاء القبض عليهم بعد فترة، لكن القتلة في قضية فيينا كانوا موجودين في مشهد الجريمة وجرى اعتقالهم، وبعدها رافقتهم الشرطة إلى المطار بدلاً من المحكمة.
> هل تأمل في محاكمة منفذي اغتيال عبد الرحمن قاسملو؟
- طبعا نأمل في أن يحاكم مرتكبو هذا الاغتيال وجميع الاغتيالات والقتل بحق هؤلاء المحبين للحرية أمام محكمة محايدة بعد إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران.
> تخليت عن الكفاح المسلح منذ سنوات عديدة وما زلت تحافظ على جهوزيتك العسكرية... هل من الممكن الدخول في مفاوضات مع إيران بالمستقبل؟
- نحن حزب سياسي ومطالبنا اجتماعية وسياسية للشعب. إذا حمل الحزب الديمقراطي الكردستاني السلاح ذات مرة وشجع الحرب المسلحة كشكل من أشكال النضال، فذلك لأن الجمهورية الإسلامية لم تترك مجالاً لمواصلة مطالبنا والشعب الكردي في إيران، مهما حاولنا في البداية، لم تتوصل جمهورية إيران الإسلامية، ولاحقاً أثناء استشهاد الدكتور قاسملو، إلى نتيجة مفادها أنه حاول مناقشة وحل مطالب الشعب بطريقة سلمية وتصالحية مع مسؤولي الجمهورية الإسلامية، لكن ردهم كان القتل والسجن، والقمع. الاختبار الذي نمر به في جمهورية إيران الإسلامية هو أن هذا النظام لا يحترم أياً من حقوق القوميات الإيرانية وأي مطالب بالحرية الإيرانية، ولا يقبل المسؤولية في هذا الصدد. لذلك فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني يجب أن يدافع عن نفسه وقوات البيشمركة هي أساس الدفاع، لذلك نرغب ولا نزال نريد أن يستمر النضال سلمياً في إيران، ولكن إذا تعذرت مواصلة هذا النوع من النضال وكنا في مواجهة القمع، فمن الواضح ألا يمكننا الاستسلام لنظام الجمهورية الإسلامية. لذلك نحافظ على جاهزيتنا العسكرية لاستخدام قوتنا كلما رأينا ضرورة للدفاع المشروع عن أنفسنا وشعبنا.
> هل كانت لديكم خطة للحوار مع دول المنطقة؟ هل أجريت أي مكالمات حتى الآن؟
- دول المنطقة غير معنية بإقامة علاقات معنا، ربما لأنها ترى مصالحها في تعزيز العلاقات مع الجمهورية الإسلامية وليست مستعدة للإضرار بهذه المصالح من خلال إقامة علاقات وتواصل معنا.
> لقد مارست الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضغوطاً كثيرة على بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق فيما يتعلق بالمعارضة الكردية، هل أجريت حواراً مباشراً مع بغداد؟
- للأسف لا. حتى الآن، لم نجرِ حواراً محدداً مع بغداد، والسبب هو أنه، للأسف، لم تكن هناك حكومة مستقرة في بغداد يمكننا الاتصال بها، في العراق حكومة الميليشيات هي المهيمنة، لكن في رأيي، يجب علينا أن نحاول العمل مع بغداد وعلينا أن نتواصل معهم ونشرح لهم وضعنا، وهذا التواصل ضروري جداً، خصوصاً أننا في أرض العراق مع بغداد.
> تحدثتم عن تغير رأي الشيعة في لبنان والعراق تجاه الجمهورية الإسلامية، أي رسالة توجهون لأبناء المنطقة في هذا الصدد؟
- رسالتنا هي أنه ما دام نظام الجمهورية الإسلامية في السلطة، فإنه سيستخدم كل قوته لعدم السماح لدول المنطقة بإرساء الأمن والراحة. وهي تخطط دائماً لخلق انقسامات دينية ووطنية ولغوية، ووضعها في مواجهة، بعضها مع بعض، حتى تضعف هذه الدول أكثر فأكثر، وتوسع الجمهورية الإسلامية نفوذها في هذه البلدان. في كل مرة تدعم إحدى المجموعات مجموعة أخرى حتى تستمر هذه الاختلافات. هذه هي الأشياء التي رأيناها في العراق، ونراها في لبنان، ورأينا هذه القضايا في دول أخرى تمكنت الجمهورية الإسلامية من اختراقها بشكل أو بآخر. يحدث هذا في الغالب بالبلدان التي يشكل الشيعة فيها أغلبية أو مجموعة كبيرة. هذا الوضع مستمر من قبل الجمهورية الإسلامية، لذا فإن أي نوع من الأمل لهذا النظام وأن يكون مدافعاً عنهم ويساعدهم، هو أمل وهمي، وعقود حكم الجمهورية الإسلامية تثبت ذلك، لذلك أنا متأكد من ذلك الآن. لقد فهم كثير من شعوب دول المنطقة هذه الحقيقة، ونريدهم أن يتحدوا مع المعارضة في هذا الصدد ضد الجمهورية الإسلامية، لأنه كلما سارعنا في إطاحة النظام، أسرعنا في تحقق أمن وراحة دول الجوار.
> هل تعتقد أن الحوار حول الملف النووي الإيراني كان له تأثير على موقف الدول الغربية من قضية إيران في مجال حقوق الإنسان؟ وهل تقيّم هذا التأثير على أنه إيجابي أم سلبي؟
- لسوء الحظ، لم يكن لها تأثير إيجابي. مع الأسف، على الرغم من الادعاء بأن هذه الدول تتحدث عن حقوق الإنسان وتعترف بأنها حامل لواء حقوق الإنسان في العالم، فإنها تحاول جميعاً أن تكون مع دولة إرهابية ودولة تنتهك حقوق شعبها ولا قيمة لها. لقد باعت الدول الغربية مصالحها بالمزاد العلني فيما يتعلق بقضية خطة العمل المشتركة الشاملة وجميع جرائم الجمهورية الإسلامية، ومن المؤسف حقاً أن تتعامل هذه الحكومات الجمهورية الإسلامية على هذا النحو.
> ألم يبعدك التخلي عن مطلب الحكم الذاتي والوصول إلى موضوع الفيدرالية عن المثل العليا لقيادات حزبك السابقين، خصوصاً قاسملو؟
- لا، لقد وافق الدكتور قاسملو وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في ذلك الوقت على موضوع الحكم الذاتي وطالبوا به. ومرت عشرات السنين على ذلك، وخلال هذه الفترة مرت سياسات عالمية وإقليمية وحتى إيران نفسها شهدت كثيراً من التغييرات... القوميات التي تعيش في إيران، الآن يريدون جميعاً نوعاً من اللامركزية حتى يتمكنوا من الحصول على حكومتهم الداخلية مثل أمة في منطقتهم الجغرافية والبقاء في إطار إيران. يريدون أن تكون إيران ملكاً لكل الإيرانيين. أعتقد أنه إذا كان الدكتور قاسملو وغيره من القادة الذين طرحوا مسألة الحكم الذاتي مطلباً أساسياً للحزب الديمقراطي الكردستاني في ذلك الوقت، موجودين، فإنهم سيطرحون المطلب نفسه الآن. في ذلك الوقت، كان الحكم الذاتي لكردستان هو شعارنا، في الواقع صوت الشعوب من أجل الحقوق الإدارية لم يكن بارزاً أو ضعيفاً جداً، لكن الكل يريدهم. في الحقيقة، نحن نريد شعار الفيدرالية ليس فقط للشعب الكردي، بل لجميع الشعوب الإيرانية، ونعتقد أن هذا هو أفضل شكل للإدارة السياسية في بلد متعدد الشعوب مثل إيران، بحيث تعد جميع الشعوب نفسها جزءاً من إيران ولا يتم تهميشه، وسوف تنتهي المظالم والتمييز القائم، ولهذا السبب هذا هو المطلب الصحيح وهو يسير جنباً إلى جنب مع متغيرات وتحولات العالم.
> ماذا بقي للجيل الجديد من جيل قاسملو وقادة الحزب السابقين؟
- لقد تم التخلي عن كثير من السياسات المتقدمة للدكتور قاسملو... التنظيم في شكل اليوم هو إرث الدكتور قاسملو للحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران. في الواقع، كانت سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني القائمة على مصالح شعب كردستان الإيرانية سمة أخرى من سمات سياسات عصر الدكتور قاسملو التي بقيت لنا حتى الآن... تركيزنا على الديمقراطية. الحقيقة هذه هي السياسة التي ندين بمعظمها للدكتور قاسملو. لأننا توصلنا إلى هذا الاستنتاج وعلمنا الدكتور قاسملو أن معظم الفظائع والضعف والقمع التي حدثت لشعب إيران وكردستان هي بسبب نقص الديمقراطية، لذا أصبحت الديمقراطية الآن على رأس جدول أعمالنا.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

عادت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتحدث عن قلق شديد وشعور بالخطر الوجودي من النشاط الإيراني المتجدد لشراء وإنتاج الصواريخ الباليستية والعودة إلى المشروع النووي، وهو الأمر الذي يذكر بما حصل قبيل الهجوم الإسرائيلي على إيران في حرب الـ«12 يوماً» في يونيو (حزيران) الماضي. ويؤكدون في تل أبيب أن حرباً أخرى باتت حتمية، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يريد أن يعرف إن كانت الولايات المتحدة مستعدة للشراكة فيها.

وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن هناك عدة إشارات تدل على أن إيران بدأت تتحرك من جديد باتجاه إحياء مشروعها النووي، مع أنها لم تستأنف بعدُ تخصيب اليورانيوم. فهناك حركة دائمة في الأسابيع الأخيرة حول المفاعلات النووية التي تم تدميرها في الحرب الإسرائيلية الأميركية عليها.

وأضافت المصادر أن هناك جهوداً هستيرية لإنتاج الصواريخ الباليستية، التي تبلغ بمعدل 3000 صاروخ في الشهر. ومع أن هذه الصواريخ تعتبر من الجيل القديم عديم الدقة، التي يمكن إسقاطها قبل أن تصل إلى أهدافها، فإن ما يصل منها إلى هدفه كافٍ لأن يُحدث دماراً خطيراً.

وتؤكد هذه المصادر، وفقاً للكاتبة في «معاريف» العبرية، آنا برسكي، أن العقيدة الجديدة في الجيش الإسرائيلي تحتم توجيه ضربة استباقية، مع أنها لا تستبعد أيضاً هجوماً استباقياً من طهران.

وقالت: «حتى لو لم يكن النووي على رأس القائمة الفورية، فإن إيران تواصل التحرك، أحياناً عبر ترميم بنى تحتية، وأحياناً عبر إخفاء، وأحياناً ببساطة عبر استغلال الغموض وفجوات الرقابة. بكلمات أخرى، ترميم القدرة الصاروخية وترميم النووي ليسا محورين منفصلين، بل منظومة واحدة، وهي تقلق جداً إسرائيل. الصاروخ يبني غرفاً. الغلاف يسمح بالنووي، والنووي، حتى لو تأجل، يبقى الهدف الأسمى».

استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

وأكدت الكاتبة أن نتنياهو قرر طرح الموضوع على طاولة البحث خلال لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الاثنين، وسيحاول معرفة إن كان مستعداً للشراكة مع إسرائيل في هذه الحرب وكيف.

وقالت برسكي: «سيطرح عليه أربعة بدائل، منها: هجوم إسرائيلي مستقل عبر مساعدة أميركية محدودة، وحملة مشتركة، وعملية أميركية كاملة، وهي ليست مناورة نظرية. فهي تعكس جدالاً على فهم الوقت: هل الانتظار ومحاولة كبح إيران بوسائل سياسية، أم العمل قبل أن يصل الترميم إلى نقطة اللاعودة».

وأضافت: «ومركز الثقل في اللقاء لن يكون ما تريد إسرائيل عمله، بل ما الذي تكون الولايات المتحدة مستعدة لأن تحتمله. هنا يتأكد الموقف الأميركي كما ينعكس في التحليلات الأخيرة. ترمب يريد خلق نظام إقليمي جديد دون أن يعلق مرة أخرى في حرب لا نهاية واضحة لها. من ناحيته، إيران تعد خطراً، لكنها أيضاً حفرة مالية وسياسية وعسكرية. وهو كفيل بأن يفضل صيغة دبلوماسية متصلبة، عقوبات وتهديد عسكري في الخلفية، على جولة أخرى تلزمه بأن يشرح للجمهور الأميركي لماذا يعود إلى سماء الشرق الأوسط مع قاذفات وذخائر».

وقد خرجت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية بعناوين مثيرة عن حتمية حرب مقبلة مع إيران. وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن إيران هي التي يمكن أن تبادر إلى هذه الحرب، وذلك لأنها تتحسب من انتشار المظاهرات التي بدأت في مدينة مشهد إلى بقية المدن الإيرانية، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والنقص الكبير في الماء والكهرباء وارتفاع أسعار الوقود. وتؤكد أنه من المحتمل أن تقدم القيادة الإيرانية على شن حرب حتى تشغل الشعب عن معاناته.

لكن صحيفة «معاريف» اعتبرته مبادرة إسرائيلية، لأن هناك خطراً وجودياً وهناك فرصة لا يجوز إضاعتها. وقالت: «يصل الموقف الإسرائيلي من مكان وجودي. فمن ناحيتنا، الخيار العسكري ليس شعاراً بل تأمين حياة. إذا كانت التقديرات بشأن تسريع إنتاج الصواريخ وإعادة الدفاع الجوي صحيحة، فإن إسرائيل تخشى من أن تُغلق نافذة الفرص. اليوم إيران لا تزال في منتصف الترميم، لكن غداً ستكون محمية أكثر، متوزعة أكثر، وقدرة الهجوم ستكون أغلى وأخطر. وعليه، حتى لو عرض نتنياهو لترمب سلسلة بدائل، فإن الرسالة واحدة: إسرائيل لن تسمح لإيران بالوصول مرة أخرى إلى وضع يكون بوسعها فيه أن تنصب مظلة صواريخ ودفاع تغلق السماء من فوق المواقع الحساسة».

لكن الصحيفة تتحدث هنا عن «فجوة استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة. القدس وواشنطن. ترمب يريد الامتناع عن الحرب، بينما إسرائيل تخشى من أن منع الحرب الآن سيخلق حرباً أكبر بعد ذلك. ترمب الذي عاد إلى البيت الأبيض مع الوعد بتصميم نظام إقليمي جديد وتقليص الاحتكاك الأميركي المباشر، معني بالاستقرار: في غزة، في الشمال، وفي الساحة الإيرانية. من ناحيته، وقف نار إقليمي وحفظ الردع أفضل من جولة تصعيد أخرى. لكن الردع، كما يفهمونه في إسرائيل، يصمد فقط إذا ما كان من خلفه تهديد مصداق. نتنياهو سيصل إلى مار آلاغو مع رسالة واضحة بما يكفي: من دون خط أحمر حقيقي، إيران ستواصل البناء، الترميم والاستعداد الفاعل للهجوم المقبل. ترمب سيكون مطالباً بأن يقرر إذا كان سيقلص مجال العمل الإسرائيلي باسم الاستقرار، أم يترك التهديد العسكري على الطاولة، حتى وإن كان بثمن المخاطرة بالتصعيد».


إيران لا تستبعد هجوماً جديداً وتتمسك بالتخصيب

عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
TT

إيران لا تستبعد هجوماً جديداً وتتمسك بالتخصيب

عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن طهران «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل، وأكثر من السابق»، مشدداً على أن الجاهزية تهدف إلى منع الحرب لا الترحيب بها، وأن إيران أعادت بناء ما تضرر خلال هجمات يونيو (حزيران) الماضي.

وفي مقابلة مطولة مع قناة «روسيا اليوم»، بثت الأحد، أوضح عراقجي أن إيران «لا ترحب بالحرب»، لكنه شدد على أن «أفضل وسيلة لمنعها هي الاستعداد لها»، مضيفاً أن أي هجوم جديد «لن يكون سوى تكرار لتجربة فاشلة».

وتعود تصريحات الوزير الإيراني إلى زيارته موسكو الأسبوع الماضي، حيث أجرى محادثات سياسية ودبلوماسية، بالتزامن مع تصاعد التوتر الإقليمي واستمرار الجدل حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني.

وأشار عراقجي إلى أنه أجرى في وقت سابق اتصالات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بشأن الملف النووي، قبل أن تقرر طهران وقف هذه الاتصالات منذ عدة أشهر. وقال إن استهداف إيران «خلال مسار تفاوضي» شكَّل «تجربة مريرة»، مذكراً بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015 «دون مبرر منطقي».

وأضاف أنه واصل تبادل وجهات النظر مع ويتكوف بعد الحرب الأخيرة، لكنه اعتبر أن الإصرار الأميركي على استئناف المفاوضات جاء «بنهج خاطئ»، مشدداً على أن طهران «مستعدة لاتفاق عادل ومتوازن عبر التفاوض»، لكنها «غير مستعدة لقبول الإملاء».

وأكد عراقجي أن استئناف أي حوار مشروط بطرح «حل تفاوضي قائم على المصالح المتبادلة»، معتبراً أن أمام الولايات المتحدة «خيارين واضحين»: إما العودة إلى الدبلوماسية، وإما الاستمرار في مسار «أثبت فشله».

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي، ما أشعل حرباً استمرت 12 يوماً بين الجانبين. وانضمت الولايات المتحدة لاحقاً إلى المواجهة عبر قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وقال عراقجي إن الضربات الأميركية التي استهدفت منشأتَي نطنز وفوردو النوويتين تسببت في أضرار «خطيرة»، لكنها لم تقضِ على القدرات التكنولوجية لإيران، ولا على إرادتها في مواصلة برنامجها النووي، الذي وصفه بـ«السلمي». وأضاف: «التكنولوجيا لا يمكن قصفها».

وشكك الوزير الإيراني في تقييم وزارة الدفاع الأميركية الذي قال إن البرنامج النووي الإيراني تأخر ما بين عام وعامين، مؤكداً أن طهران تمتلك «حقاً مشروعاً» في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، وأنها «لن تتخلى عن هذا الحق».

صورة من قمر «ماكسار» تُظهر «مجمع فوردو» بعد أن شنَّت الولايات المتحدة ضربات على المنشأة النووية تحت الأرض بالقرب من مدينة قم في إيران (أرشيفية - رويترز)

وأشار إلى أن إيران مستعدة لتقديم «ضمانات كاملة» بأن برنامجها سيبقى سلمياً، كما فعلت في اتفاق عام 2015، مقابل رفع العقوبات، معتبراً أن ذلك الاتفاق أثبت نجاح المسار الدبلوماسي عندما قام على «الاحترام المتبادل وبناء الثقة»، في مقابل ما وصفه بفشل الخيار العسكري.

وفي سياق إقليمي أوسع، توقع عراقجي استمرار النهج الإسرائيلي خلال عام 2026، معتبراً أن «الحصانة من المحاسبة» التي توفرها واشنطن وبعض الدول الأوروبية «تعيد العالم إلى منطق القوة، وتضعف القانون الدولي والإنساني».

وفي هذا الإطار، ذكرت شبكة «إن بي سي نيوز» أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيستمع إلى إحاطة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتناول مخاوف إسرائيلية من إعادة تشغيل مواقع تخصيب اليورانيوم التي استهدفتها الضربات الأميركية، إضافة إلى احتمال توسيع برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

ونقلت الشبكة عن مسؤولين إسرائيليين قلقهم من استئناف أنشطة التخصيب، واستعدادهم لعرض خيارات جديدة على الإدارة الأميركية للتعامل مع هذه التطورات.

وفيما يتعلق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال عراقجي إن إيران لا تزال ملتزمة بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومستعدة للتعاون مع الوكالة، لكنه انتقد امتناعها عن إدانة الهجمات التي استهدفت منشآت نووية خاضعة لإشرافها، معتبراً ذلك «سابقة خطيرة» وانتهاكاً للقانون الدولي.

وأضاف أن قصف منشآت نووية سلمية خاضعة لضمانات الوكالة «أضعف نظام عدم الانتشار»، داعياً الوكالة إلى العودة إلى دورها المهني ورفض ما وصفه بـ«التسييس».

وعقب الهجمات، علقت إيران بعض أوجه التعاون مع الوكالة الدولية، وقيّدت وصول مفتشيها إلى المواقع المتضررة، وربط قانون أقره البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) الماضي دخول المفتشين بالحصول على موافقات من مجلس الأمن القومي، بما يتطلب مصادقة المرشد علي خامنئي.

وكانت إيران قد توصلت في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى إطار تعاون جديد مع الوكالة بوساطة مصرية، غير أن طهران أعلنت لاحقاً اعتباره ملغياً بعد تحرك أوروبي لإعادة تفعيل مسار فرض عقوبات الأمم المتحدة.

وأوضح عراقجي أن طهران تطالب بمراجعة آليات التفتيش في المواقع التي تعرضت للقصف، مشيراً إلى عدم وجود سابقة لكيفية تفتيش منشآت نووية متضررة من هجمات عسكرية، وأن مشاورات مع الوكالة جارية للتوصل إلى إطار واضح في هذا الشأن.

وفي السياق نفسه، قال بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ونائب رئيسها: «من الناحية الأمنية، ليس من المناسب في الوقت الراهن تزويد العدو بمعلومات حول مدى تضرر المواد النووية والمواقع».

وأضاف كمالوندي لوكالة «إيسنا»، السبت، أن «الهجوم على إيران وقع في وقت كان فيه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية موجودين في البلاد قبل يوم واحد فقط»، مشيراً إلى عدم وجود لوائح محددة لزيارة منشآت تعرضت لهجوم عسكري.

وربط كمالوندي عودة التعاون إلى ما قبل الحرب بتوقف التهديدات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، واحترام حقوق إيران في الملف النووي، «ولا سيما فيما يتعلق بالتخصيب»، مؤكداً رفض ما وصفه بـ«نغمة التخصيب الصفري».

صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حُفَراً في منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم عقب الضربات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

وأوضح أن إيران وصلت في الملف النووي إلى «مرحلة لم يعد فيها أي أمر مجهول»، لافتاً إلى أن بناء محطة طاقة نووية «عملية معقدة وتقنية»، في إشارة إلى الطابع «السلمي» للبرنامج.

من جهته، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن الوكالة تمكنت من استئناف بعض أنشطة التفتيش في إيران، لكنها لا تزال «محدودة للغاية»، دون الوصول إلى المواقع الرئيسية في نطنز وأصفهان وفوردو، التي وصفها بأنها «الأكثر أهمية».

وأضاف غروسي أن مسألة استعادة الوصول الكامل إلى هذه المواقع «تشكل التحدي الأكبر حالياً»، مؤكداً أن التواصل مع إيران «لا يزال قائماً»، رغم عدم عودة التعاون إلى مستواه السابق.

وقبل الهجمات على منشآتها النووية، كانت إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من مستوى الاستخدام العسكري، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران كانت تمتلك نحو 441 كيلوغراماً من هذه المادة عند اندلاع الحرب، قبل أن يتعذر عليها التحقق من المخزون منذ 13 يونيو.

وتؤكد الدول الغربية عدم وجود حاجة مدنية إلى هذا المستوى من التخصيب، فيما تقول «الوكالة الذرية» إن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة لسلاح نووي التي تخصب اليورانيوم عند نسبة 60 في المائة.


ليلة «يلدا» العريقة في إيران تحت ضغط الغلاء والركود

امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)
TT

ليلة «يلدا» العريقة في إيران تحت ضغط الغلاء والركود

امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)

يحتفل الإيرانيون، الأحد، بليلة الانقلاب الشتوي المعروفة باسم «يلدا»، وهي مناسبة ضاربة في التاريخ تعود إلى العصور القديمة وترمز إلى بدء فصل الشتاء، في لحظة فرح نادرة تُعكّرها معدلات التضخم والركود الاقتصادي.

ويُحيي الإيرانيون أطول ليلة في السنة، على شكل تجمعات عائلية لتناول الحلويات والفاكهة، وخصوصاً الرمّان والبطيخ والكاكي إضافة إلى الجوز.

وقالت ماري غوزاردي، وهي مصممة ديكور تبلغ 37 عاماً التقتها «وكالة الصحافة الفرنسية» في بازار تجريش شمال طهران خلال تسوقها ليلة «يلدا»: «في ليلة (يلدا)، تجتمع العائلة كلّها في منزل جدي لنستعيد ذكريات الأيام الجميلة».

وأضافت، وقد وضعت وشاحاً زهرياً حول عنقها: «للأسف، بسبب أحداث مثل الحرب (التي استمرت 12 يوماً ضد إسرائيل في يونيو/ حزيران وارتفاع سعر الدولار)، تراجعت القدرة الشرائية للناس بشكل كبير».

امرأة إيرانية تحمل حبات من الرمان في وقت يستعد فيه الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)

وأعلن المصرف المركزي الإيراني مطلع ديسمبر (كانون الأول) معدل تضخم سنوياً بلغ 41 في المائة، وهو رقم لا يعكس بدقة الزيادات الحادة في أسعار السلع الأساسية.

وقالت غوزاردي بأسف: «لهذا السبب، لا نرى الكثير من الأصناف على الموائد كما في السنوات السابقة».

فاكهة بعيدة المنال

قال بائع الفاكهة علي أكبر محمدي أمام بسطته: «مع ارتفاع الأسعار، لم يعد الأمر كما كان، حين كنّا نستطيع دعوة العائلة كلّها».

وأوضح أنّ أسعار الرمّان، الفاكهة الأساسية في «يلدا»، تضاعفت مقارنة بالعام الماضي، فتراجعت المبيعات تلقائياً.

ونشرت صحيفة «هم ميهن»، أمس، رسماً كاريكاتورياً بعنوان «ليلة يلدا» يُظهر رجلاً فقيراً يحاول التقاط سلّة فاكهة معلّقة بالقمر ولا يمكنه الوصول إليها، في إشارة إلى أنّ الفاكهة أضحت بعيدة من متناول بعض العائلات.

إيرانيون يحتفلون بزينة «يلدا» استعداداً للمهرجان السنوي (أ.ف.ب)

وسجّل الريال الإيراني في الأيام الأخيرة أدنى مستويات له في مقابل الدولار بسوق الصرف غير الرسمية، عند نحو 1,3 مليون ريال، مقارنة بنحو 770 ألفاً قبل عام.

وقال البائع رحيمي (21 عاماً) الذي فضّل عدم كشف اسمه الكامل من متجره لبيع المكسّرات إن «السوق والاقتصاد في حالة فوضى. نحاول الصمود، فلا خيار أمامنا».

وتسببت الحرب في يونيو ضد إسرائيل، والخشية من اندلاع مواجهة جديدة، وعودة العقوبات الأممية على خلفية البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب جمود المفاوضات مع الولايات المتحدة؛ في زيادة القلق بين الإيرانيين وإرباك الاقتصاد.

أمل وشِعر

ترمز ليلة «يلدا» (أو شب يلدا بالفارسية) التي تعني الولادة، تقليدياً إلى انتصار الخير والأمل (النور) على الشرّ (الظلام)، وتمثل عادة لحظة بهجة وتمنّيات.

إيرانيون يتفقدون زينة «يلدا» (إ.ب.أ)

وقالت مارال باغربور، وهي طالبة في السادسة عشرة مبتسمة: «نمضي الوقت مع العائلة - الأجداد والعمات وأبناء العم - نقرأ حافظ (الشيرازي)، نشرب الشاي أو القهوة، وأحياناً تغنّي جدّتي».

ويعد أخذ الفأل من ديوان حافظ، لشاعر القرن الرابع عشر حافظ الشيرازي والأيقونة الثقافية في إيران، جزءاً لا يتجزأ من تقاليد يلدا، بحثاً عن بصيص أمل وسط صعوبات الحياة.

إيرانيون يتأملون زينة «يلدا» أثناء استعدادهم للاحتفال بأطول ليلة في السنة في طهران (إ.ب.أ)

وكما تنتشر أشجار الميلاد والزينة في الغرب، تزدان المراكز التجارية في طهران بأشجار رمزية ورمّان وصحون فاكهة ضخمة إيذاناً بحلول «يلدا».

ولا تقتصر الاحتفالات على إيران، بل تُقام أيضاً في دول ناطقة بالفارسية مثل أفغانستان وطاجيكستان.