تطورَ العديد من القصص المبهجة خلال السنوات السبع منذ أن استقبل رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، اللاجئين السوريين، الذين وصلوا على متن طائرة إلى تورنتو. لكن قليلين منهم لفتوا انتباه الجمهور بقدر ما لفت طارق هدهد، الذي كان على متن الطائرة الثالثة من السوريين الذين هبطوا في كندا، رفقة عائلته.
وبالإضافة إلى تلقي قصة طارق هدهد اهتمام وسائل الإعلام على نطاق واسع؛ فقد تحولت فيما بعد إلى فيلم، ورويت في كتاب.
إليكم ملخصاً سريعاً لأولئك الذين لا يتذكرون تماماً قصته. بالعودة إلى سوريا؛ كان عصام هدهد؛ والد طارق، قد أسس متاجر لصناعة الحلوى في دمشق، تلك التي وظفت في نهاية المطاف مئات الأشخاص، وشحنت الشوكولاته إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط. غير أن القصف خلال الحرب الأهلية أدى إلى دمارها.
أصبحت عائلة هدهد لاجئين برعاية خاصة في أنتيغونيش - نوفا سكوشا. وفي حين أن البلدة هي مقر جامعة «سانت فرنسيس كزافييه»، فإنها معروفة عموماً بانتشار الشيخوخة السكانية بدلاً من اتسامها بالحيوية الاقتصادية.
كان طارق في منتصف طريق الدراسة بكلية الطب عندما فر من سوريا. لكن بمجرد وصوله إلى كندا، وبمساعدة كبيرة من سكان أنتيغونيش، تعهد بإعادة تأسيس أعمال والده تحت اسم «السلام بالشوكولاته».
وافق طارق على مقابلتي في هاليفاكس - نوفا سكوشا، للحصول على آخر المستجدات بشأن العمل التجاري، والحديث عن دور المهاجرين في المجتمع الكندي.
كان مكان اجتماعنا متجر «السلام بالشوكولاته» الرئيسي؛ بأنواره الساطعة في قلب منطقة الواجهة البحرية السياحية في هاليفاكس، أحد الرموز الواضحة لثروات الشركة، مع تصميم يتميز برموز السلام ومقتطفات من سوريا؛ بما في ذلك الممر المقوس المبلط.
وكان افتتاحه في ربيع عام 2021 أثناء تفشي الوباء بمثابة عمل إيماني مُعجز. لكن طارق أخبرني أن عودة سفن الرحلات البحرية إلى هاليفاكس خلال العام الحالي، قد جلبت طوابير طويلة من الزبائن إلى المتجر. وحتى في وقت متأخر من ظهيرة يوم من أيام الأسبوع، مع الرياح العاصفة والظلام السائد، جذبت تدفقاً ثابتاً من عشاق الشوكولاته.
في هذا الشهر، افتتح طارق متجراً جديداً وأكبر مساحةً، ووسع المصنع الذي ينتج الشوكولاته وأخبرني أن «السلام بالشوكولاته» يوظف الآن نحو 75 شخصاً، ويمكن أن يوظف ما بين 30 و40 عاملاً إضافياً، إذا كانوا متاحين في أنتيغونيش. نحو ألف متجر في جميع أنحاء كندا الآن يبيع الشوكولاته من إنتاجه، ويرجع الفضل جزئياً إلى الصفقة مع شركة «إمباير»؛ شركة البقالة في نوفا سكوشا التي تملك سلاسل سوبر ماركت «سوبيس»، و«كندا سيفواي».
قال طارق إن بناء مشروع تجاري في كندا أسهل بكثير من سوريا؛ وأضاف: «استغرق والدي 10 سنوات لتأسيس الشركة في دمشق، لقد فعلت هذا هنا في غضون نحو شهر».
وفي حين قال هدهد إن عوامل، مثل سهولة الحصول على أموال الاستثمار في كندا، تجعل من الممكن للمهاجرين بدء أعمال تجارية ناجحة، فإن دعم المجتمع للمهاجرين لا يقل أهمية عن ذلك.
ومن الواضح أن هدهد فخور بنجاح عائلته، وكان سعيداً بالحديث عن ذلك. لكنه كان حريصاً أيضاً على مناقشة ما أصبح كمثل المهمة الشخصية بالنسبة إليه: إزالة الحواجز أمام الآتين الجدد، وإظهار القيمة الاقتصادية للمهاجرين أمام الكنديين.
يشعر هدهد؛ طالب الطب السابق، بالانزعاج من أن كثيراً من المهاجرين غير قادرين على استخدام مهاراتهم بصفة فورية عندما يصلون إلى كندا، وبدلاً من ذلك، كثيرون يتعين عليهم الالتحاق بمدارس إضافية، ومواجهة عمليات الاعتماد البطيئة والمكلفة.
وقد قيل لهدهد إنه إذا أراد متابعة دراسته الطبية، فسيتعين عليه العودة إلى المدرسة الثانوية، والحصول على شهادة جامعية كندية، ومن ثم إجراء اختبارات القبول في كلية الطب هناك.
وعن ذلك قال: «كان الأمر سخيفاً»، مضيفاً أن اللوائح قد أجبرته على تحويل أفكاره إلى تجارة الشوكولاته.
يتحدث هدهد بانتظام في جميع أنحاء كندا، ويلتقي مع الحكومات، ويدلي بشهادته أمام اللجان التشريعية بشأن الهجرة. وبناء عليه؛ قال إنه لاحظ أنه قد يكون هناك بعض التحركات أخيراً عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بأوراق اعتماد الرعاية الصحية المهنية التي يجري الحصول عليها في الخارج. وأضاف: «التغيير يحدث ليس بسبب استعداد السياسيين لحل المشكلة، وإنما بسبب النقص في قطاع الرعاية الصحية بسبب الوباء»، وتابع: «نحن نُميز ضد كل هؤلاء الناس، ونجعلهم يعيشون في كآبة وقلق وخوف على مستقبل عائلاتهم».
حرص هدهد على وجود مكون اجتماعي لشركة «السلام بالشوكولاته». وقال إن هناك الآن نحو 200 سوري يعيشون في أنتيغونيش، التي يبلغ عدد سكانها 5 آلاف نسمة، معظمهم يعملون في شركة الشوكولاته، وقد انضم إليهم أخيراً عشرات من اللاجئين الأوكرانيين. تتبرع شركة «السلام بالشوكولاته» بنحو 5 في المائة من أرباحها لمختلف القضايا والجمعيات الخيرية.
وفي حين واجه هدهد أحياناً عداءً ضد المهاجرين (قال إن رجلاً اتهمه ذات مرة بالقدوم إلى أنتيغونيش ليأخذ وظيفته)، فإن تجربته تمثلت في أن مثل هذه المشاعر موجودة على الهامش إلى حد كبير. وقال: «الجميع يرى أن هذا البلد يرتكز على قيم كثيرة. وأهم القيم التي تملكها كندا هي: الرأفة، والتعاطف».
* خدمة «نيويورك تايمز»