كيف تعيد القمة الأميركية ـ الأفريقية تشكيل المنافسة على «قارة المستقبل»؟

سباق عالمي بـ«وجه اقتصادي» وآخر «آيديولوجي»

جانب من أعمال القمة الأميركية الأفريقية في واشنطن الثلاثاء (أ.ف.ب)
جانب من أعمال القمة الأميركية الأفريقية في واشنطن الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

كيف تعيد القمة الأميركية ـ الأفريقية تشكيل المنافسة على «قارة المستقبل»؟

جانب من أعمال القمة الأميركية الأفريقية في واشنطن الثلاثاء (أ.ف.ب)
جانب من أعمال القمة الأميركية الأفريقية في واشنطن الثلاثاء (أ.ف.ب)

أعادت القمة الأميركية الأفريقية الثانية التي تستضيفها العاصمة واشنطن حالياً، إحياء تساؤلات حول موقع الولايات المتحدة في سباق القوى الدولية لتعزيز النفوذ في أفريقيا، لا سيما مع نجاح قوى منافسة، كالصين وروسيا، في بسط حضورها بصور متنوعة في دول القارة، كما لم تغب قوى حليفة لواشنطن، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، أو حتى تركيا، عن مشهد التنافس الدولي على القارة التي وصفتها الإدارة الأميركية نفسها بأنها «قارة المستقبل».
وبينما يكتسي التنافس الدولي على الساحة الأفريقية وجهاً اقتصادياً، فإن البعد الثقافي لا يبدو غائباً، فالقوى المتنافسة تحمل رؤى آيديولوجية أو حتى دينية متباينة، ما يضفي على التنافس بعداً أعمق من مجرد صراع اقتصادي على قارة تمتلك وفرة في الموارد الطبيعية، وأقل متوسط أعمار لسكانها (18.8 عام) في مقابل (30 عاماً) متوسطاً عالمياً.
ويرى محللون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن عودة الولايات المتحدة إلى القارة الأفريقية «لن تكون سهلة»، فواشنطن تعود إلى الساحة الأفريقية بعدما «أدارت ظهرها لدول القارة لسنوات»، الأمر الذي يسَّر لقوى أخرى التمدد اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً في كثير من دول القارة.
وتنعقد القمة الأميركية الأفريقية الثانية في واشنطن، خلال الفترة من 13- 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وتعد القمة التي يحضرها 49 من القادة الأفارقة، أكبر تجمع دولي في واشنطن، منذ ما قبل انتشار جائحة «كوفيد-19».
وتعهدت واشنطن قبيل انطلاق القمة، على لسان مستشارها للأمن القومي، جاك سوليفان، بتخصيص 55 مليار دولار لتعزيز التعاون مع دول القارة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويرى الدكتور محمد يوسف الحسن، الباحث والمحلل السياسي التشادي المختص بالشأن الأفريقي، أن القمة «لا تعبر عن حماية المصالح الأميركية فقط؛ بل تستهدف حماية الأنظمة التابعة للمعسكر الغربي التي كانت تُدار من قبل الاتحاد الأوروبي بعد التراجع الملحوظ للنفوذ الأوروبي، وعدم قدرته على مواجهة المد الشيوعي المتمثل في روسيا والصين على المستويين السياسي والاقتصادي، في القارة الأفريقية».
ويضيف الحسن لـ«الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة «تستهدف الاقتصادات القوية في القارة، وخصوصاً التي تمتلك مصادر للطاقة» فضلاً عن الدول ذات الموقع الاستراتيجي بعيداً عن الضوضاء والإعلام؛ خصوصاً بعد الخسارة الجزئية في التحكم بمصادر الطاقة على مستوى دول الخليج، وكذلك بعد القمة العربية الصينية التي «هزت المعسكر الغربي بشكل عام، وأميركا بشكل خاص».
من جانبه، يرى السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن القمة «جاءت متأخرة» إذا ما قورنت بالنشاط اللافت لقوى أخرى في أفريقيا، كالصين وروسيا وتركيا وحتى إيران، فالإدارة الأميركية «تقاعست عن الاهتمام بالقارة منذ انعقاد القمة الأولى عام 2014، في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ودفعت ثمناً فادحاً لسياسات وتصريحات خلفه دونالد ترمب، الذي أدت تصريحاته التي لم تخلُ من ازدراء وعنصرية إلى أزمات مع عدة دول أفريقية، ومع الاتحاد الأفريقي نفسه».
ويعرب حليمة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده بأن الانسحاب الأميركي من القارة فتح المجال أمام دول كالصين التي تجاوز حجم تجارتها مع أفريقيا 400 مليار دولار، بينما بلغ حجم التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وأفريقيا 64.3 مليار دولار في عام 2021، وهو ما يقل عن 2 في المائة تقريباً من التجارة العالمية الأميركية.
ويضيف نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن المناخ في أفريقيا «لا يبدو مواتياً لعودة واشنطن إلى الساحة الأفريقية، والتمتع بما يحظى به منافسوها من حضور»، على الرغم مما تحاول أن تظهره خلال القمة من حرص على بناء شراكات لا تقتصر على المستوى الرسمي، وإنما تمتد إلى المجتمع المدني والشباب والقطاعات الشعبية. ويتابع: «واشنطن بحاجة إلى مقاربة ورؤية جديدة ومختلفة تماماً عما اتبعته لعقود، وعليها أن تدرك أن الدول الأفريقية باتت تتأثر بمواقف منافسي الولايات المتحدة، فهناك 23 دولة أفريقية لم تؤيد الموقف الغربي من روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا بحد ذاته إشارة تفهمها الإدارة الأميركية جيداً».
وحسب تقارير سابقة للبنك الدولي، فإن الصين تتفوق على الولايات المتحدة في حجم التجارة والاستثمار في أفريقيا، فخلال الفترة من عام 2007 إلى 2017 انخفضت التجارة الأميركية مع أفريقيا بنسبة 54 في المائة، بينما نمت التجارة الصينية بنسبة 220 في المائة. واستضافت بكين خلال العقد الماضي منتدى التعاون الصيني الأفريقي بانتظام، مرة كل 3 سنوات.
في المقابل، أعلنت واشنطن في 8 أغسطس (آب) الماضي، عن «وثيقة توجيهية جديدة» تتضمن «إعادة صياغة شاملة لسياستها في أفريقيا جنوب الصحراء، لمواجهة الوجود الروسي والصيني ومكافحة الإرهاب». وحذَّرت إدارة بايدن، في استراتيجيتها من أن الصين «تعتبر المنطقة ساحة يمكن لبكين فيها تحدي النظام الدولي القائم على القواعد، وتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة، بينما تقوض الشفافية والانفتاح».
كما تتهم الإدارة الأميركية روسيا بأنها «تاجر الأسلحة الأبرز في أفريقيا»، وأن الشركات العسكرية الخاصة التي تقول واشنطن إنها مرتبطة بالكرملين «تثير عدم الاستقرار في دول القارة، من أجل مصالحهم الاستراتيجية والمالية».
ويعتقد يوسف الحسن أن الصراع الآيديولوجي والديني «حاضر في التنافس الدولي على أفريقيا»، لافتاً إلى أن الكنيسة الأميركية صاحبة نفوذ على الحياة السياسية في الداخل الأميركي، و«تسعى إلى تعزيز حضورها في كثير من دول القارة، مثل الحالة النيجيرية والحالة التشادية والكاميرونية»، إضافة إلى استخدام البعد الثقافي المتمثل في الهوية على أساس عرقي، في مناطق التماس العربي الزنجي، مثل موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسودان وتشاد، فضلاً على ملف المغرب العربي، والتفرقة ما بين العرب والأمازيغ.
في المقابل، يؤكد السفير صلاح حليمة أن التنافس على أفريقيا «اقتصادي واستثماري في المقام الأول، ويمكن استخدام المقاربة الثقافية وحتى الدينية أحياناً لدعم هذه المصالح»، ويلفت في هذا الصدد إلى أن تركيا -على سبيل المثال- تستخدم البعد الثقافي والديني بكثافة لفرض حضورها في أفريقيا؛ مشيراً إلى أن هناك أكثر من 20 ألف طالب صومالي مبتعث في مدارس وجامعات تركية بمنح مجانية.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

أصدرت محكمة فيدرالية أميركية، الخميس، حكماً يدين 4 أعضاء من جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، أبرزهم زعيم التنظيم السابق إنريكي تاريو، بتهمة إثارة الفتنة والتآمر لمنع الرئيس الأميركي جو بايدن من تسلم منصبه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام دونالد ترمب. وقالت المحكمة إن الجماعة؛ التي قادت حشداً عنيفاً، هاجمت مبنى «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، لكنها فشلت في التوصل إلى قرار بشأن تهمة التحريض على الفتنة لأحد المتهمين، ويدعى دومينيك بيزولا، رغم إدانته بجرائم خطيرة أخرى.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

أدانت محكمة أميركية، الخميس، 4 أعضاء في جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، بالتآمر لإثارة الفتنة؛ للدور الذي اضطلعوا به، خلال اقتحام مناصرين للرئيس السابق دونالد ترمب، مقر الكونغرس، في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وفي محاكمة أُجريت في العاصمة واشنطن، أُدين إنريكي تاريو، الذي سبق أن تولَّى رئاسة مجلس إدارة المنظمة، ومعه 3 أعضاء، وفق ما أوردته وسائل إعلام أميركية. وكانت قد وُجّهت اتهامات لتاريو و4 من كبار معاونيه؛ وهم: جوزف بيغز، وإيثان نورديان، وزاكاري ريل، ودومينيك بيتسولا، بمحاولة وقف عملية المصادقة في الكونغرس على فوز الديمقراطي جو بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترمب، وفقاً لما نق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الأربعاء، انتقادات لقرار الرئيس جو بايدن، عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك خلال جولة يجريها الملياردير الجمهوري في اسكتلندا وإيرلندا. ويسعى ترمب للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل، ووصف قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج ملك بريطانيا بأنه «ينم عن عدم احترام». وسيكون الرئيس الأميركي ممثلاً بزوجته السيدة الأولى جيل بايدن، وقد أشار مسؤولون بريطانيون وأميركيون إلى أن عدم حضور سيّد البيت الأبيض التتويج يتماشى مع التقليد المتّبع بما أن أي رئيس أميركي لم يحضر أي مراسم تتويج ملكية في بريطانيا. وتعود آخر مراسم تتويج في بري

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

هناك شعور مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والاكتئاب والسكري والوفاة المبكرة والجريمة أيضاً في الولايات المتحدة، وهو الشعور بالوحدة أو العزلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.