الشغور الرئاسي يحرم لبنان الاحتفال باستقلاله

لقاء مسؤول في «حزب الله» وقائد الجيش لم يتناول الملف الرئاسي

وزير التربية يضع أمس إكليلاً من الزهور في موقع اغتيال الرئيس رينيه معوض (الوكالة الوطنية)
وزير التربية يضع أمس إكليلاً من الزهور في موقع اغتيال الرئيس رينيه معوض (الوكالة الوطنية)
TT

الشغور الرئاسي يحرم لبنان الاحتفال باستقلاله

وزير التربية يضع أمس إكليلاً من الزهور في موقع اغتيال الرئيس رينيه معوض (الوكالة الوطنية)
وزير التربية يضع أمس إكليلاً من الزهور في موقع اغتيال الرئيس رينيه معوض (الوكالة الوطنية)

اقتصر إحياء الذكرى الـ79 لاستقلال لبنان، أمس الثلاثاء، على دعوات لانتخاب رئيس للجمهورية، والحفاظ على السيادة، من غير احتفال رسمي درج لبنان على إقامته في هذه المناسبة، بسبب الشغور في موقع الرئاسة.
ولم ينظّم الجيش اللبناني عرضاً عسكرياً في المناسبة كانت تشارك فيه في العادة كتائب عسكرية تمثل الألوية والأفواج المقاتلة، إلى جانب كتائب من القوى الأمنية والصليب الأحمر، فضلاً عن تلقي الرؤساء التهاني في القصر الرئاسي. وقالت مصادر عسكرية إن العروض لم تُقم في هذا العام، بسبب الشغور الرئاسي، كون الرئيس بحكم القانون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعليه لا يمكن تنظيم حفل، ولو كان رمزياً، بسبب هذا الجانب فقط.
ووضع وزير التربية عباس الحلبي إكليلاً من الزهر في الموقع الذي تم فيه اغتيال الرئيس رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، وكان معوض أول رئيس للجمهورية ينتخب بعد التوصل إلى اتفاق الطائف.
وفي فترات الشغور الرئاسي السابقة أيضاً، لم تُقم أي عروض عسكرية، بينما أقيم عرضان رمزيان في عامي 2019 و2020 في وزارة الدفاع الوطني، بمشاركة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ووزراء ومسؤولين آخرين، في ظل الاحتجاجات عام 2019، وأزمة انتشار وباء كورونا في عام 2020.
ومضى 22 يوماً على الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويستمر تعذر التوصل إلى توافق بين القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب على شخصية واحدة يمكن تأمين أصوات ثلثي البرلمان لها في الدورة الأولى، أو تأمين نصاب ثلثي أعضاء المجلس في الدورة الثانية. ومن المتوقع أن يكون مصير الجلسة التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري يوم غد الخميس، شبيهاً بمصير الجلسات الست السابقة.
ولم تتوقف الاتصالات بين القوى السياسية خلال الأيام الماضية للتوصل إلى تفاهم. ويتمسك حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» وقوى أخرى ومستقلون بترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة، فيما يدفع «حزب الله» و«حركة أمل» وقوى أخرى باتجاه ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، فيما يرى آخرون أن هناك فرصاً لاختيار شخصية ثالثة يتوافق حولها معظم المكونات، ومن ضمنها قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الذي يحتاج انتخابه إلى تعديل دستوري، كون الدستور يمنع انتخاب موظف في الفئة الأولى.
وبعدما تسربت معلومات عن لقاء بين مسؤول وحدة «الارتباط والتنسيق» في «حزب الله» وفيق صفا خلال الأيام الأخيرة بالعماد جوزيف عون، نفت مصادر مواكبة للقاء أن تكون المحادثات قد تطرقت للملف الرئاسي. ووضعت المصادر اللقاء ضمن إطار «اللقاءات الدورية»، موضحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاء تناول ملفات مرتبطة بالتنسيق على الأرض، مضيفة أن اللقاء «ليس الأول بين صفا والعماد عون، وعادة ما يجري لأمور تنسيقية ولم يتناول الملف الرئاسي بتاتاً».
وفي سياق اللقاءات بين القوى السياسية التي تتناول التنسيق في ملف رئاسة الجمهورية، التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، عضو كتلة «التجدد» النائب أشرف ريفي، الذي أكد أن «الأولوية في هذه المرحلة هو ملف رئاسة الجمهورية، ولأنه همُّنا الأول لإعادة الانتظام العام إلى الحياة السياسية، لا سيما أن البلد لم يعد يحتمل التأخير والمماطلة والألعاب البهلوانية».
وقال: «الشرف أن يكون لنا مرشح للرئاسة بالتعاون مع (القوات اللبنانية) وهو النائب ميشال معوّض، فيما الفريق الآخر يتلطّى خلف الورقة البيضاء ليخفي انقسامه الداخلي وعجزه عن توحيد صفوفه». وتابع ريفي: «إنها المرة الأولى التي لم يفلح فيها (حزب الله) بتوحيد صفه الداخلي». وإذ حمّل «مسؤولية التأخير في إنقاذ البلد لكل من يعطل جلسات انتخاب الرئيس إن كان في الدورة الأولى أو الثانية»، أكد ريفي إصرارهم على «المتابعة يداً بيد مع (القوات) للوصول إلى بر الأمان، باعتبار أن لبنان لنا ولن يكون ولاية إيرانية أو جزءاً من إيران».
عيد الاستقلال
وطغى ملف الشغور في الرئاسة على تصريحات المسؤولين في عيد الاستقلال، وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: «كلنا أمل بأن يتعاون السادة النواب لانتخاب رئيس جديد؛ إيذاناً بمرحلة جديدة من التعافي والنهوض. كما أننا سنمضي في العمل الوطني والدستوري المطلوب منا، مؤمنين بأن الاستقلال نضال يومي بكل الأشكال، ووليد قناعة من قلب الإنسان وصميم وجدانه».
بدوره، غرد وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم عبر «تويتر» قائلاً: «العيد التاسع والسبعون للاستقلال يدعونا جميعاً إلى تحمل مسؤولياتنا لإنقاذ بلدنا مما يواجهه من تحديات غير مسبوقة في تاريخه. وفي هذا اليوم الوطني نجدد ثقتنا المطلقة بقواتنا المسلحة ونقدر تضحياتها الكبرى لحفظ الوطن وصون استقلاله».
من جهته، كتب وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي على «تويتر»: «الاستقلال… يكون بتحمل المسؤولية؛ دفاعاً عن الوطن، حفاظاً على السيادة ونهائية الكيان، صوناً للمؤسسات وتمسكاً بالشرعية المتمثلة بالقوى الأمنية والجيش اللبناني».
وشدد وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حميه، على أن «الإيمان باستقلال الوطن يكمن في كيفية ممارسة المسؤولية في مواقعها كافة»، وقال في بيان: «التبصر بواقع الوطن أولاً، والولوج إلى مكامن القوة فيه ثانياً، ومن ثم اتخاذ القرار السديد في كيفية معالجة مشكلاته ثالثاً، هي أركان نعدّها خارطة استقلالية صرفة تبعدنا عن أي تسول أو خضوع لأي كان».
وإذ أكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن «الاستقلال آتٍ لا محالة»، قال رئيس تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية عبر «تويتر»: «كلنا أمام اختبار حقيقي لصون حرية واستقلال لبنان بالوحدة والحوار والانفتاح».
وغرد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، عبر حسابه على «تويتر»: «الإنسان يكون حرّاً عندما يعبر قراره عن قناعته، والمسؤول يكون سيادياً ومستقلاً عندما ينبع موقفه من ضميره ومن مصلحة شعبه ووطنه». وأضاف: «مصلحة لبنان ومستقبل أجياله الشابّة، فوق كل المصالح والاعتبارات. هكذا نفهم الاستقلال ونعيشه، ولا شيء يحرجنا»، وتابع: «في هذا العام هناك فراغ في ذكرى الاستقلال، وليس فقط في معناه».
وغرّد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غياث يزبك عبر «تويتر»: «محزن أن نستفيق صباح الاستقلال على أعلام منكَّسة وقصر جمهوري فارغ، وجيش لا يَستعرِض فخوراً، وأطفال لا يلوِّحون بالأعلام ويُنشدون. أيّها السياديون انتفضوا، أيّها المتردِّدون استفيقوا من غيبوبة الخنوع، لننتخِب رئيساً يشبه أحلامنا وتضحياتنا، لنستعيد الجمهورية».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«صحيفة»: أميركا تضرب أهدافاً لتنظيم «داعش» في سوريا

عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«صحيفة»: أميركا تضرب أهدافاً لتنظيم «داعش» في سوريا

عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

أفادت صحيفة ‌«نيويورك تايمز»، ‌نقلا ‌عن ⁠مسؤول ​أميركي ‌طلب عدم الكشف عن ⁠هويته، ‌أن ‍الجيش الأميركي ‍شن ‍غارات جوية على ​أهداف عدة لتنظيم «داعش» في سوريا اليوم الجمعة.


الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات «قيصر» ويؤكد بدء مرحلة البناء

الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
TT

الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات «قيصر» ويؤكد بدء مرحلة البناء

الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)

رحّب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الجمعة، برفع الولايات المتحدة نهائياً العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة تمهّد لعودة الاستثمارات إلى البلاد بعد سنوات من الحرب.

وقال، في كلمة مصورة، هي أول منشور له عبر منصة «إكس»: «اليوم هو أول يوم وسوريا دون عقوبات بفضل الله عزّ وجلّ، ثم بجهودكم وصبركم لأربعة عشر عاماً».

وتوجه بـ«الشكر الجزيل والخاص للرئيس دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، على استجابته لدعوة هذا الشعب السوري، وتقدير أعضاء الكونغرس لتضحيات الشعب السوري وتلبيتهم لدعوته برفع العقوبات عن سوريا».

وأضاف: «الشكر الجزيل لكل من ضحى وصبر خلال فترة الثورة السورية المباركة، لكل من استنشق الكيماوي، ولكل من هاجر وغادر أرضه، ولكل من غرق في البحار، ولدماء الشهداء التي روت هذه الأرض المباركة، حتى وصلنا إلى هذا النصر العظيم الذي توج برفع القيود عن سوريا بشكل كامل».

كما شكر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وكانت وزارة الخارجية السورية أكدت في وقت سابق أن رفع العقوبات «مدخل لمرحلة إعادة البناء والتنمية»، داعية «جميع السوريين، في الداخل والمهجر، إلى الإسهام في جهود النهوض الوطني».

وعلّق ترمب مرّتين تطبيق العقوبات على سوريا استجابة لمناشدات سعودية وتركية. لكن الشرع سعى إلى وضع حد نهائي للعقوبات خشية دفعها المستثمرين المتخوفين من تداعياتها القانونية في الولايات المتحدة للابتعاد عن سوريا.

وأقرّ الكونغرس الأميركي، الأربعاء، الرفع النهائي للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق بشار الأسد عبر «قانون قيصر».


ملعب يعدّ متنفساً لأطفال مخيم بالضفة الغربية يهدده قرار هدم إسرائيلي

أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
TT

ملعب يعدّ متنفساً لأطفال مخيم بالضفة الغربية يهدده قرار هدم إسرائيلي

أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة، كان أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم غير مكترثين بالإسمنت الشاهق الذي بات جزءاً من المشهد، حتى جاء قرار إسرائيلي بهدم المنشأة التي تحوّلت إلى متنفس نادر لسكان المخيم المكتظ قرب بيت لحم.

يقول عبد الله عدنان، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وهو يستعد لتدريبات المنتخب الفلسطيني لكرة القدم، إن «هذا الملعب منَحَني فعلاً القدرة على التدريب»، مضيفاً: «لولاه، لَما كانت لديّ هذه الفرصة لأمثّل المنتخب».

وُلد عدنان ونشأ في «عايدة»، على غرار شبان كثيرين من المخيّم أدّوا أولى مراوغاتهم هنا.

في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عثر أطفال جاءوا للعب على مذكرة للجيش الإسرائيلي عند مدخل الملعب، أحضروها إلى مهند أبو سرور، المدير الرياضي لنادي شباب عايدة.

طفل فلسطيني يتدرب على حراسة المرمى بملعب كرة قدم في مخيم عايدة بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

يقول أبو سرور: «فوجئنا عندما اكتشفنا أنها قرار بهدم ملعب كرة القدم في مخيم عايدة».

ويضم هذا الملعب، الذي تُعادل مساحته نصف ملعب كرة قدم، وفق المعايير الرسمية، أكثر من 500 طفل يتدربون على أرضيته.

«مساحة مفتوحة»

يضيف أبو سرور أن «هذا الملعب هو المساحة المفتوحة الوحيدة التي نملكها. وإغلاقه يشكل انتكاسة لحلم الأطفال وإسكاتاً للشعب الفلسطيني وطموحه أن يكون جزءاً من هذه الرياضة».

ويشير عدنان، البالغ 18 عاماً، إلى أن الملعب «طوق نجاة»، إذ إنه لو لم يكن موجوداً لاضطر إلى اللعب في الشارع أو ترك اللعبة نهائياً.

وتحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ عام 1967 وتهدم، بشكل متكرر، منازل أو منشآت فلسطينية بحجةِ بنائها بلا ترخيص.

طفل فلسطيني يتدرب على كرة القدم في ملعب بمخيم عايدة قررت السلطات الإسرائيلية هدمه وتظهر خلفه أجزاء من جدار الفصل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

واطّلعت «وكالة الصحافة الفرنسية» على مذكرة الجيش، الصادرة عن «كوغات»، هيئة وزارة الدفاع المسؤولة عن الشؤون المدنية الفلسطينية، والتي تقول إن الملعب بُني «دون ترخيص».

لكن أنطون سلمان، رئيس بلدية بيت لحم وقت إنشاء الملعب في 2021، يؤكد أن الموقع قانوني تماماً.

ويشير إلى أن البلدية استأجرت الأرض من الكنيسة الأرمنية المالكة لها، قبل أن تتولى اللجنة الشعبية للمخيم إدارتها، الأمر الذي أكده رئيس اللجنة سعيد العزة.

وردّاً على أسئلة «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الجيش الإسرائيلي إنه «على طول السياج الأمني (الجدار الفاصل)، هناك أمر مصادرة وأمر يحظر البناء، وبالتالي فإن البناء في المنطقة نُفّذ بصورة غير قانونية»، مضيفاً أن طعناً قدّمته الكنيسة الأرمنية ما زال قيد النظر.

وكغيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، أنشئ «مخيم عايدة» لإيواء جزء من مئات الآلاف الذين فرّوا أو أُجبروا على مغادرة منازلهم عام 1948 عند قيام إسرائيل. ومع مرور الوقت، تحولت مدن الخيام إلى أحياء إسمنتية مكتظة.

جنود إسرائيليون يُوقفون فلسطينياً ووُجّه إلى الحائط لتفتيشه في مخيم نور شمس قرب طولكرم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

ويقول العزة إن «أكثر من سبعة آلاف شخص يعيشون على هذه القطعة من الأرض. الشوارع ضيقة، وليس لدينا مكان آخر للتنفس!».

«فرنسا أسهل من نابلس»

يعرض أبو سرور بفخرٍ ما قدّمه الملعب للسكان، إذ تمكنت مجموعات شبابية من السفر إلى الخارج للمشاركة في لقاءات رياضية، في متنفس نادر، مقارنة بالحصار المفروض على الضفة الغربية.

ويقول: «الذهاب للعب في فرنسا أسهل من الذهاب للعب في نابلس» (على بُعد أقل من مائة كيلومتر شمال الضفة الغربية).

وبعد الهجوم غير المسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والذي أطلق شرارة حرب ضروس في قطاع غزة، أقامت السلطات الإسرائيلية مئات الحواجز الإضافية في الأراضي الفلسطينية.

يضم ملعب مخيم عايدة الذي تُعادل مساحته نصف ملعب كرة قدم وفق المعايير الرسمية أكثر من 500 طفل يتدربون على أرضيته (أ.ف.ب)

وبات التنقل بين المدن أكثر تعقيداً بفعل شبكات طرق مخصّصة للمستوطنين، يُحظر على الفلسطينيين استخدام أجزاء منها، ما يَفرض عليهم الالتفاف لمسافات طويلة.

وفي الآونة الأخيرة، احتاج فريق كرة قدم من رام الله، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً، إلى ست ساعات للوصول إلى مخيم عايدة، وفق أبو سرور.

وعلى هامش تدريب يضم نحو خمسين طفلاً بين الخامسة والعاشرة، يأمل المدرب محمود جندية أن يُبقي القرارُ الملعب قائماً.

ويقول: «نعم، الجدار موجود، نشعر بأننا في سجن. لكن رغم ذلك، الأهم أن يبقى الملعب وأن يواصل الأطفال اللعب. إذا هُدم الملعب، فإن كل أحلام الأطفال ستُهدم».