تمحور الحراك الاحتجاجي في إيران، أمس، في الذكرى الأربعين لمقتل عشرات المتظاهرين من القومية البلوشية في «الجمعة الدامية» بمدينة زاهدان، مركز محافظة بلوشستان، وشهدت طهران، بالإضافة إلى عدة مدن كردية، شمال غربي البلاد، إضرابات في الأسواق تضامناً مع المحافظة الحدودية مع باكستان وأفغانستان التي سجلت أكبر عدد من القتلى منذ وفاة الشابة مهسا أميني التي أشعلت فتيل الأزمة.
وأظهرت تسجيلات فيديو إغلاق محلات تجارية في مدن سنندج وبوكان وبانة وسقز مسقط رأس مهسا أميني. وقالت منظمة «هنغاو» الحقوقية إن أصحاب المتاجر في المدن التي تقطنها أغلبية كردية بدأوا إضراباً، أمس (الأربعاء)، حداداً على عشرات قُتلوا في مدينة زاهدان، 30 سبتمبر (أيلول).
وجاءت الإضرابات بعد بيان من مركز التعاون بين الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة دعا إلى إضرابات في كردستان، وإقامة مراسم ذكرى الأربعين لقتلى مدينة زاهدان. وقال المركز في بيان: «نطالب كل أبناء إيران وكردستان بإدانة قتل البلوش في (الجمعة الدامية)، بأي طريقة ممكنة، وأن يقوموا بالاحتجاج، والتعبير عن تضامنهم مع عائلات القتلى والضحايا في بلوشستان».
وقالت «وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان» (هرانا) إن أصحاب المتاجر في حي «ولي عصر» الصناعي بطهران أغلقوا متاجرهم أيضاً بمناسبة مرور 40 يوماً على وقوع حوادث القتل.
وتجددت التجمعات في جامعات العاصمة وعدد من المدن الإيرانية، وأحيا طلاب الجامعات ذكرى خدانور لجعي، وهو أحد ضحايا «الجمعة الدامية»، في زاهدان، وانتشرت منه صورة وهو مكبل على عمود للعلم الإيراني في مركز أمني بمدينة زاهدان، قبل أن تُعلن وفاته.
وتداول تسجيل فيديو من لجعي وهو يرقص في مناسبة عالية. وردد طلاب جامعة «العلوم والثقافة» بطهران شعار «قُتل خدانور على يد بعض المرتزقة». ورفع محتجون لافتة في طريق سريع وسط العاصمة، كتب عليها: «من زاهدان حتى طهران... روحي فداء إيران».
وفي طريق سريع في شاهين شهر بمحافظة أصفهان، نزلت امرأة يداها ملطختان بطلاء أحمر وترتدي رداء أبيض، كُتِب عليه «زاهدان».
ومساء أول من أمس (الثلاثاء)، شهدت عدة أحياء في طهران احتجاجات ليلية، وعادت الشعارات أيضاً في المباني السكنية، وأظهرت تسجيلات الفيديو تجمعات في مدن مشهد وكرج. وجرى تداول تسجيل فيديو من حرق لوحة إعلانية كبيرة تحمل صورة المرشد الإيراني علي خامنئي في مدينة يزد، المعقل الثالث للمحافظين الذين يشكلون القاعدة الشعبية للنظام.
وردد المحتجون هتافات تندد بالمرشد الإيراني والنظام. وفي شارع جردن التجاري شمال طهران، ردد محتجون شعار «لا نريد الدولة القاتلة للأطفال»، بالإضافة إلى شعار «الموت للديكتاتور». وفي مدينة كرج غرب طهران، ردد المحتجون شعارات تصف مطالب بإجراء استفتاء، وكذلك الإصلاحات بأنها «رمز خداع الناس».
واتسعت رقعة الاحتجاجات سريعاً بمشاركة كثيرين من طلبة وأطباء ومحامين وعمال ورياضيين. وشنت ميليشيا «الباسيج» التابعة لـ«الحرس الثوري» وقوات أمنية أخرى حملة قمع شديدة لمواجهة المسيرات المناهضة للنظام، لكن المحتجين يتمسكون بمطلبهم في إنهاء حكم رجال الدين، وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي.
كما فرضت إيران قيوداً على الإنترنت، بما فيها الوصول إلى «إنستغرام» و«واتساب»، ونشرت حتى شرطة الخيالة في شوارع العاصمة طهران، في محاولة لقمع الاحتجاجات.
إعدامات وإقالة
وفي وقت متأخر أول من أمس، قالت «وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان» (هرانا) إن 328 محتجاً قُتلوا في الاحتجاجات حتى يوم الاثنين، بينهم 50 طفلاً، في 877 تجمعاً احتجاجياً، شهدته 137 مدينة و136 جامعة. وأشارت إلى 14 ألفاً و823 معتقلاً، بينهم 431 طالباً.
وقالت إن 38 من قوات الأمن قتلوا في الاحتجاجات، وأفادت وسائل إعلام رسمية الشهر الماضي بمقتل أكثر من 46 من أفراد قوات الأمن.
في الأثناء، أعلنت الشرطة الإيرانية تغيير قائد شرطة محافظة بلوشستان، بعد أيام على قمع مسيرة احتجاجية في مدينة خاش. وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن قائد الشرطة حسين اشتري أقال قائد قوات الشرطة في محافظة بلوشستان أحمد طاهري، وتم تعيين محمد قنبري.
وتأتي إقالة القيادي في الشرطة بعدما سقط الجمعة 16 قتيلاً، عندما أطلقت قوات الأمن الإيرانية النار على متظاهرين في مدينة خاش بمدينة زاهدان. وطاهري أعلى قيادي من الشرطة تتم إقالته بعدما أقال مجلس الأمن بمحافظة بلوشستان.
في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أُقيل مسؤولون في الشرطة بينهم قائدها في زاهدان، على خلفية «إهمال» من قبل ضباط أدى إلى «جرح ووفاة عدد من المواطنين الذين كانوا يؤدون الصلاة، ومشاة أبرياء لم يكن لهم أي ضلوع» في الأحداث.
في غضون ذلك، أعلن القضاء الإيراني، أمس (الأربعاء)، إعدام شخصين أُدينا بقتل أربعة عناصر من الشرطة عام 2016 في محافظة بلوشستان (جنوب شرق). وأفاد موقع «ميزان أونلاين» التابع للقضاء، بأن عنصرين من جماعة «جيش العدل» المعارضة، هما رشيد بلوش وإسحاق آسكاني، تم إعدامهما أمس (الثلاثاء) في سجن زاهدان.
ويتهم البلوش السلطات الإيرانية بممارسة «التمييز الطائفي والعرقي» ضدهم. وخلال السنوات الماضية، طرحت السلطات الإيرانية اتهامات تربط المعارضين البلوش بـ«الجماعات المشددة»، مثل «القاعدة» و«داعش»، وهي اتهامات وصفتها المعارضة البلوشية بـ«الباطلة».
وفي 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي، أطلقت القوات الأمنية النار على محتجين تجمهروا أمام مركز للشرطة بالقرب من جامع مكي، حيث كانت تقام مراسم صلاة الجمعة، احتجاجاً على اغتصاب فتاة على يد قائد في الشرطة.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران إن 92 متظاهراً على الأقل قتلوا في 30 سبتمبر (أيلول) في زاهدان. ومنذ ذلك الحين، قُتل 28 شخصاً على الأقل في بلوشستان، كما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن المنظمة، أمس.
وفي الأيام الأولى من الحادث، ادعت رواية رسمية أن الأحداث سببها هجوم مسلّحين من المعارضة البلوشية على مراكز لقوات الأمن، لكن خطيب جمعة زاهدان ومفتى أهل السنّة في إيران، عبد الحميد إسماعيل زهي، دحض رواية الأجهزة الأمنية، واتهم تلك القوات بإطلاق النار على المتظاهرين بشكل مميت. وطالب بمحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين.
وواجه إسماعيل زهي انتقادات من وسائل إعلام حكومية وتهديدات من وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» بسبب انتقاداته لقمع المحتجين، ودعوة المسؤولين إلى استفتاء شعبي. وقال إسماعيل زهي إن «التمييز والانتقائية يعرضان إيران لتحديات»، منتقداً أجهزة الدولة بسبب طرحها اتهامات «انفصالية» ضد المحتجين. ونقل موقعه الرسمي: «كلنا إيرانيون ونشعر بالأخوة... توجيه اتهامات الانفصالية للناس وربطهم بأطراف أخرى كذبة وتهمة». وقال: «رغم مضي 43 عاماً على الثورة، النساء والقوميات والطوائف والأقليات تواجه التمييز وعدم المساواة».
وعلى مدى ستة أسابيع الماضية، ينظم البلوش مسيرات احتجاجية كل جمعة للتذكير بمأساة زاهدان.
تهديد صحافيين
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس (الأربعاء)، إن «الأعداء يستخدمون الحرب التركيبية لمواجهة إيران القوية والمستقلة».
من جانبه، وصف قائد القوات البرية للجيش الإيراني، كيومرث حيدري، أمس (الأربعاء)، المحتجين بـ«الذباب»، وقال إن «مثيري الشغب لن يكون لهم مكان في الجمهورية الإسلامية، إذا أمر المرشد علي خامنئي بحملة أكثر صرامة على الاحتجاجات»، حسبما نقلت «رويترز» عن وكالة «مهر» شبه الرسمية.
وقال حيدري: «إذا قرر التعامل معهم، فلن يبقى لمثيري الشغب مكان في البلاد بعدها».
وأمس، حذّر وزير الاستخبارات الإيرانية إسماعيل خطيب بريطانيا من أنها ستدفع ثمن محاولات «زعزعة الأمن» في إيران. وأضاف، في مقابلة مع موقع خامنئي الرسمي: «لن نكون أبداً مثل بريطانيا داعمين للأعمال الإرهابية وزعزعة الأمن في دول أخرى، لكن لن يكون لدينا التزام بمنع حدوث زعزعة الأمن في هذه الدول، لذلك ستدفع بريطانيا ثمن أفعالها لجعل إيران غير آمنة»، حسبما أوردت «وكالة الصحافة الفرنسية».
واتُهم «الحرس الثوري» هذا الأسبوع بتهديد صحافيين إيرانيين يعملان في قناة «إيران إنترناشونال» التلفزيونية الناطقة بالفارسية، ومقرها لندن، بالقتل. وكتبت «فولانت ميديا» (Volant Media) في بيان أن الصحافيين تلقيا «تحذيرات وتهديدات ذات مصداقية»؛ الأمر الذي دفع شرطة لندن إلى «إبلاغ الصحافيين رسمياً بأن هذه التهديدات تشكل خطراً داهماً وموثوقاً وكبيراً على حياتهما وأفراد أسرتيهما».
في باريس، قالت منظمة «مراسلون بلا حدود»، أمس (الأربعاء)، إن إيران تحاول بشكل منهجي إسكات النساء من خلال توقيف عدد غير مسبوق من الصحافيات في حملتها ضد الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني.
وأوضحت المنظمة: «فيما يواصل النظام الإيراني قمع الاحتجاجات التي انطلقت إثر مقتل مهسا أميني، فإن نحو نصف الصحافيين الذين قبض عليهم أخيراً هم من النساء، من بينهن اثنتان تواجهان عقوبة الإعدام». وأضافت في بيان: «تزايد عمليات توقيف الصحافيات يكشف نية النظام الإيراني إسكات أصوات النساء بشكل منهجي». وهذا الأسبوع، وجّهت السلطات الإيرانية الاتهام إلى نيلوفر حامدي وإلهه محمدي، وهما صحافيتان كانتا مِن أول من لفت الانتباه إلى وفاة أميني، بتهمة «الدعاية ضد النظام والتآمر ضد الأمن القومي»، وهما تهمتان قد تؤديان إلى عقوبة الإعدام.
وأشارت المنظمة إلى أنه منذ اندلاع الاحتجاجات، أوقف 42 صحافياً على الأقل في كل أنحاء إيران. وأوضحت أنه تم الإفراج عن ثمانية منهم حتى الآن، وهناك 15 صحافية من بين 34 صحافياً ما زالوا رهن الاحتجاز.