في ثاني أيام الأسبوع الثامن من أحدث احتجاجات عامة تعصف بإيران، أغلق محتجون في مدينة مريوان طريقاً سريعة لنقل السلع بين إيران وإقليم كردستان العراق، بعدما استخدمت قوات الأمن الذخائر الحية لتفريق مسيرات احتجاجية بالمدينة، فيما أشارت جماعات حقوقية ومقاطع مصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى استمرار المسيرات الاحتجاجية في مدن كثيرة، الأحد، من طهران؛ إلى مدينة يزد بوسط البلاد، ورشت في الشمال.
وأظهر تسجيل فيديو؛ نشرته منظمة «هنغاو» الحقوقية الكردية، تصاعد ألسنة الدخان في مريوان وانتشار عناصر «الحرس الثوري»، وأسفر استخدام الذخائر الحية من قوات الأمن عن جرح 35 شخصاً خلال مسيرة احتجاجية شهدتها المدينة الحدودية. وسمع دوي وابل الرصاص في تسجيل فيديو يظهر تصاعد الدخان في مناطق من المدينة.
ووقعت صدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذي نظموا مسيرة احتجاجية بعد فراغهم من مراسم دفن نسرين قادري التي فارقت الحياة بمستشفى في طهران مساء السبت، وذلك بعد يومين من دخولها في غيبوبة بسبب ضربات هراوات على الرأس، خلال حملة القمع التي تشنها السلطات ضد المسيرات الاحتجاجية في العاصمة الإيرانية.
وأشارت المنظمة إلى نقل قادري إلى مسقط رأسها في مدينة مريوان ودفنها فجر الأحد تحت تدابير أمنية مشددة ومن دون حضور أحد. وأظهر تسجيل فيديو نقل مجموعة من قوات القمع من مدينة سقز إلى مدينة مريوان.
وفي السياق نفسه، قالت المنظمة إن قوات الأمن «اختطفت» 6 من أهالي مدينة كامياران بمحافظة كردستان. وأشارت إلى مقتل 61 شخصاً في 38 مدينة تقطنها غالبية كردية منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» بادعاء «سوء الحجاب» في طهران. ومن بين القتلى في المدن الكردية، سقط 11 طفلاً، و7 نساء، كما لقى 5 أشخاص حتفهم تحت التعذيب. وشهدت 11 جامعة في المدن الكردية احتجاجات. وأظهرت تقديرات المنظمة أكثر من 4 آلاف معتقل؛ بينهم 130 امرأة، و77 قاصراً، و23 معلماً، و37 طالباً. وتشير أرقام المنظمة إلى مقتل 15 عنصراً من قوات الأمن في المدن الكردية.
وفي وقت متأخر السبت، قالت «منظمة نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)»، في أحدث إحصائية، إن 318 محتجاً قتلوا في أنحاء البلاد منذ اندلاع الحراك الاحتجاجي في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي. وتشير الأرقام إلى مقتل 49 قاصراً، و38 عنصراً من قوات الأمن، كما تقدر المنظمة اعتقال 14 ألفاً و802 شخص في 136 مدينة و134 جامعة شهدت احتجاجات.
وتفجرت المظاهرات المناهضة للحكومة في سبتمبر الماضي بعد وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني إثر احتجاز «شرطة الأخلاق» لها بزعم انتهاك قواعد الملابس الصارمة المفروضة على النساء.
عقوبات مشددة
وتجددت المسيرات المناهضة للنظام في 9 مدن على الأقل في أنحاء إيران السبت، مطلع الأسبوع الثامن من الاحتجاجات. وأظهرت الفيديوهات نزول المحتجين إلى شوارع في طهران وكرج وأراك وشهريار (وسط) والأحواز (جنوباً) وسنندج ومريوان وسقز وشهركرد (غرباً). كما تجددت التجمعات في جامعة طهران، وهتف الطلاب ضد حرمان الطلاب من الدراسة والمشاركة في الامتحانات، ومصادرة البطاقة الطلابية.
وردد المحتجون شعارات: «الموت لخامنئي» و«الموت للديكتاتور» و«هذا عام الدم ... سيقط خامنئي»... وهتافات أخرى منددة بالمؤسسة الحاكمة.
بموازاة النزول إلى الشارع، تصاعدت حملة رفع اللافتات المؤيدة للاحتجاجات وكتابة الشعارات ورسوم الغرافيتي. وفي أوتوستراد «همت» علق المتظاهرون لافتة عملاقة باسم الشابة نيكا شاكرمي التي قتلت في الأسبوع الأول من الاحتجاجات. كما كتب المحتجون شعارات: «الموت لخامنئي» على لوحات إعلانية عملاقة فوق وإلى جانب الطرق السريعة. وكان لافتاً انتشار شعار: «المرأة... الحياة... الحرية» على الجدران واللافتات.
ورفع المحتجون في أوتوستراد نيايش لافتة تقتبس من الناشط الحقوقي مجيد توكلي الذي أوقفته قوات الأمن خلال الاحتجاجات الحالية، كتب عليها: «ليس لدينا مكان سوى الشارع، والشارع يعني الناس».
في غضون ذلك، حث نواب إيرانيون متشددون، الأحد، السلطة القضائية على «التعامل بحزم» مع المحتجين، في وقت تواجه فيه الجمهورية الإسلامية صعوبة في قمع أوسع احتجاجات تشهدها منذ سنوات.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن 227 نائباً في البرلمان الذي يضم 290 عضواً قالوا في بيان: «نطالب القضاء بالتعامل بحزم مع مرتكبي هذه الجرائم ومع كل من يساعدون في الجرائم ويحرضون مثيري الشغب»، وفق «رويترز».
وكان القضاء الإيراني قد أعلن الأسبوع الماضي عن محاكمة ألف متهم. ومن بين المتهمين في طهران، يواجه 4 تهمة «الحرابة» التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، في حين تشمل تهم الموقوفين الآخرين «التواطؤ ضد أمن البلاد»، و«الدعاية ضد النظام» و«الإخلال بالنظام العام».
وقالت أنسية خزعلي، نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة، إن «تقديم الاحتجاجات بوصفها نسوية خاطئ»، مشيرة إلى أن 12 في المائة فقط من المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة من النساء. وقالت: «سجلوا كل شيء باسم النساء، وبشعار: (المرأة... الحياة... الحرية)»: وأضافت: «نلاحظ استخدام المرأة أداة في كثير من القضايا الأخرى». وعدّت ما يجري في الشارع الإيراني «حرباً شاملة ضد إيران والمرأة والأسرة الإيرانية»، طبقاً لوكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري».
جيل جديد
من جهته؛ قال وزير السياحة والتراث الثقافي في إيران، عزت الله ضرغامي، إن المسؤولين «يقولون إنهم ليس بإمكانهم التفاهم مع مواليد ما بعد عام 2000»، موضحاً أنه تحدث إلى أحد المحققين الأساسيين مع المعتقلين الموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة. ونقلت وكالة «إيلنا» الإصلاحية عن ضرغامي قوله إن المحقق «قال لي إنني منذ وقت طويل أستجوب السياسيين الكبار، وخلال هذه الأيام استجوبت المئات، وهي أصعب استجوابات لي؛ لأنني لا أفهم ماذا يقولون، وهم لا يفهمون ماذا أقول». وتطرق ضرغامي إلى تحدي النساء قوانين الحجاب خلال الاحتجاجات الأخيرة، وقال: «اليوم الشابات والتلميذات في الشوارع من دون حجاب، ماذا حدث؟». وعلق أيضاً على انتشار ظاهرة إسقاط العمامة من على رؤوس رجال الدين في الشوارع والأماكن العامة على يد المحتجين من إناث وذكور. وقال: «رجل الدين الذي يعدّ من الفقراء، يعبر الشارع ويسقطون عمامته. إنهم غاضبون من شيء آخر، والانتقام من ذلك؛ من المُلا الذي يحتاج إلى قوت ليلته».
وانتشر مقطع فيديو يظهر صيحات الاستهجان ضد رجل دين في مدرسة ثانوية للذكور في طهران. وأظهرت صور أخرى تلميذات يجلسن في قاعة دراسية من دون حجاب، بينما يتحدث رجل دين إليهن. وقال جواد نيك بين، نائب مدينة كاشمر وهو من رجال الدين في البرلمان إنه تعرض للضرب على يد مجموعة من المحتجين بينما كان في طريقه لمقر بلدية طهران. وقال: «بعض هذا السلوك حقنا... ويجب أن نتلقى الصفعات». وقال: «بعد يومين (من الحادث) اعتقل عدد منهم، وأنا سحبت الشكوى لإطلاق سراحهم».
مزاعم أمنية
في غضون ذلك، أعلن جهاز استخبارات «الحرس الثوري»، في بيان، عن اعتقال 3 خلايا «على صلة بمجموعة النفاق» في محافظات الأحواز وفارس وأصفهان، مضيفاً أنها «كانت تنوي القيام بأعمال تخريبية».
وقال البيان: «خططت الخلايا الثلاث للتجنيد والربط بين مثيري الشغب، وتنفيذ هجمات ضد المراكز الحكومية والأمنية ومراكز إنفاذ القانون، وتدمير الممتلكات لعامة، وقتل المواطنين»، وأضاف البيان: «بسبب السيطرة والإشراف والتصرف في الوقت المناسب من قبل عناصر استخبارات (الحرس الثوري)؛ أحطبت خططهم». وأضاف: «رؤوس الخلايا أبلغوا عناصرهم بمحاور عملياتية متعددة خلال الأسابيع الأخيرة».
جاء البيان في وقت أفادت فيه صحيفة «جام جم» التابعة للتلفزيون الرسمي، نقلاً عن «مصدر أمني مطلع» بأن «جهاز استخبارات الحرس الثوري، قام بتحييد خلية تخريب واغتيالات في محافظة خوزستان (الأحواز)». وأضاف المصدر أن «الخلية كانت (تتحرك) تحت دعم وإشراف دولة أوروبية». وادعى البيان أن «اعترافات المعتقلين تشير إلى خطط لاغتيال عدد من الوجهاء العرب وتكرار سيناريو فبركة الاغتيالات وإثارة الفوضى في زاهدان وأردبيل (شمالي غرب)».
ولم تتطرق الصحيفة إلى الدولة الأوروبية، أو عدد الأشخاص المعتقلين.
وقبل البيان بساعات قليلة، قال «الحرس الثوري» إنه قتل شخصاً وجرح آخر، «حفاظاً» على المقار العسكرية في ميناء معشور النفطي جنوب محافظة الأحواز. وأفاد البيان: «في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، أطلق النار على إرهابيين يستقلان دراجة نارية، خلال عملية لحماية مركز أمني». وأضاف: «قتل أحدهما على الفور واعتقل الآخر». ولم يوضح البيان طبيعة الخطر الآتي من الشخصين.
وفي وقت لاحق، أفادت وكالة «إرنا» الرسمية بأن مسحلين يستقلون سيارة «بيجو» أطلقوا النار على مدير شركة الغاز في مدينة الفلاحية، بالقرب من ميناء معشور. ووفق التقرير؛ أصاب المسلحون سيارة المسؤول الإيراني بـ10 رصاصات. تأتي التقارير عن تدهور الوضع الأمني في محافظة الأحواز ذات الأغلية العربية، بينما حذرت منظمات حقوقية وناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي من إعدام عباس دريس؛ أحد معتقلي احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، حيث سجلت بلدة الجراحي في ميناء معشور أكبر عدد من القتلى بنيران «الحرس الثوري» الذي يتولى حماية المدينة الحساسة.
توتر في بلوشستان
وفي محافظة بلوشستان جنوب شرقي إيران، قُتل 4 أفراد من الشرطة الإيرانية في إطلاق نار بدوافع «شخصية»؛ وفق الرواية الحكومية التي أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية.
ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن علي رضا صياد، قائد الشرطة في مدينة بمبور بمحافظة بلوشستان، أن «حادثاً» وقع في مركز شرطة المرور عند طريق إيرانشهر - بمبور السريعة، وأدى إلى مقتل 4 أفراد من الشرطة. وفي وقت لاحق، نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن صياد أن الحادث كان ذا «دوافع شخصية». وأوضح أن أحد المنتسبين إلى الشرطة «أطلق النار» في المركز «جراء خلاف شخصي بينه وبين عنصر آخر»، مشيراً إلى أنه جرى توقيف مطلق النار وتسليمه للقضاء.
وسقط 16 قتيلاً على الأقل بمدينة خاش بمحافظة بلوشستان حيث يحتج البلوش كل جمعة على مقتل أكثر من 90 شخصاً خلال مسيرة احتجاجية بمدينة زاهدان في 30 سبتمبر الماضي. وقال إمام جمعة زاهدان، في بيان، إن أحداث خاش «جريمة دموية»، معرباً عن أسفه لمقتل وجرح العشرات في مدينة خاش، ومشدداً على أن طريقة المواجهة مع الاحتجاجات الشعبية في بلوشستان «توضح مدى الظلم والتمييز» في حق هذه المحافظة التي تقطنها غالبية سنية.
وقال بيان عبد الحميد إسماعيل زهي، السبت: «هل الرصاص هو الرد على الشعارات وإلقاء الحجارة؟ ليس من الواضح لماذا المواجهة مع المحتجين في بلوشستان تختلف عن المناطق الأخرى في البلاد؛ لأي سبب يقتلون الناس التي تحتج في المحافظة دون رحمة؟».