بريجيت جيرو... موت زوجها المأساوي تميمة لا تستطيع الكتابة من دونها

الكاتبة الثالثة عشرة التي تفوز بجائزة غونكور منذ 120 سنة

بريجيت جيرو (أ.ف.ب)
بريجيت جيرو (أ.ف.ب)
TT

بريجيت جيرو... موت زوجها المأساوي تميمة لا تستطيع الكتابة من دونها

بريجيت جيرو (أ.ف.ب)
بريجيت جيرو (أ.ف.ب)

لم يكن مفاجئاً أن تحصد الكاتبة الفرنسية بريجيت جيرو Brigitte Giraud بروايتها «العيش سريعاً» جائزة «الغونكور» لهذه الدورة من سنة 2022؛ أهم جائزة فرنسية، ومن أهم الجوائز الأدبية عالمياً. وبفوزها تصبح بريجيت جيرو، المولودة في مدينة سيدي بلعباس بالغرب الجزائري (1960)، التي تعيش في مدينة ليون منذ زمن طويل، المرأة الثالثة عشرة من اللواتي فزن بها منذ قرن وعشرين سنة... أي منذ إعلان الأخوين غونكور عن إنشائهما لهذا الجائزة، عام 1903.
ياه... كم يعتبر عددهن ضئيلاً! ولكن ليس هذا وقت نقاش هذا الموضوع. المهم الآن أن هذه الكاتبة المتميزة ستتسلم، بسعادة قصوى، ورقة 10 يوروات فقط، ولسوف تضعها في إطار أنيق، وتعلقها في مكان الصدارة في بيتها، ولن تأتيها الفكرة الساذجة كي تضيفها لرصيدها في البنك إذا كانت تملك رصيداً!
لكن الكاتبة المتوجة وناشريها، يعرفون حق المعرفة، بالتخصص والتجربة، والوجود في بقعة جغرافية ما زال سكانها يقرأون، أن مبيعات الرواية الفائزة: «العيش سريعاً» (Vivre vite)، بل وجميع أعمالها، ستتجاوز مئات الآلاف من النسخ، وستدرّ عليهم أرباحاً معتبرة، وستكون الرواية المتوجة، المزين غلافها بحزام الغونكور الأحمر القاني، من أهم هدايا الأحباب للأحباب، في أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة التي على الأبواب.
بريجيت جيرو الروائية التي تكتب في صمت وهدوء، درست الأدب وعملت في الترجمة والنشر، والنقد الموسيقي في جريدة «لو موند» (Le Monde)، وهي المفتونة بموسيقى الروك مثل زوجها الراحل كلود الذي هو الآخر من مواليد الجزائر، وكان صديقاً للمغني الجزائري رشيد طه الذي غادرنا عام 2018. وكرست بريجيت جيرو جل حياتها للكتابة، فألفت أكثر من عشر روايات، ومجموعة قصصية، ومسرحية، وقصصاً للأطفال، وفيلماً تلفزيونياً اجتماعياً بعنوان «لا تقلق». وكان أول عمل روائي صدر لها بعنوان «غرفة الوالدين» سنة 1997. ثم بعد عشر سنوات من صدور هذه الرواية، أي في سنة 2007، حصلت بريجيت جيرو على جائزة الغونكور للقصة القصيرة.
لا يخفى على قارئ أعمال بريجيت جيرو ومتابع مسيرتها الأدبية، أن العامل المركزي لفلسفة العمل الإبداعي في كتاباتها هو ذلك الحدث المفجع الذي أودى بحياة زوجها كلود سنة 1999 في حادث دراجة نارية قاتل وهو في طريقه إلى إحضار ابنهما من المدرسة. وكان هذا الحدث المأساوي هو العمود الفقري المكسور الذي تحاول الكاتبة بهشاشة وقوة غريبتين أن تتركه كما هو، لا أن ترممه، بل تدور حوله وحول وجعه كأنه تميمة لا تستطيع العيش ولا الكتابة دونها.
وأنت تقرأ رواية «العيش سريعاً» بصفحاتها الـ208، وبأسلوبها الأدبي المنساب ولغتها العذبة في بساطتها، تجد نفسك تتغلغل في عالم الروائية الخاص- السيرذاتي، بينما هي أمامك تعيد ترتيب قطع الروح مرة أخرى إلى الحكاية الفاجعة؛ فترويها بتأنٍّ، وترسم حولها الخطوط، وعلامات الاستفهام، وعلامات التعجب، والبياض، والنقاط المتواصلة. وتتوالد بين أصابعها الأسئلة الوجودية، وتتداعى اللّاأجوبة. وأنت تقرأها تتذكر ما قرأتَه للروائية آني إرنو، المتوَّجة بجائزة نوبل للآداب لهذا العام أو لمارغريت دوراس، وهما تُعِدّان نسج منديل حكاية الوداع الموجعة.
إنها في «الحياة سريعاً» تعيد استكشاف وتشريح ذلك الحدث المأساوي الذي ذهب ضحيته زوجها كلود بسرعة البرق ودون سابق إنذار، من خلال سؤال جوهري فلسفي يبدأ بـ«لو»، وكأنها تريد أن تعيد ترتيب العالم والزمن بوقائعه وصدفه. إنها ومن خلال سردها لا تلعن القدر بل تسائله. ولا تعاتب الزمن ولا تتهم أحداً ولا تتشاءم من شيء، بل إنها تحاصر الوجود الإنساني بالأسئلة الجارحة في بعديه الذاتي والجمعي. ويظل السؤال المقلّب على أوجهه الستة عندها قائماً على الفكرة المؤسسة للوجود والعدم: ماذا لو أنني؟ ماذا لو أنه؟ ماذا لو كان قد...؟ لا ترفع بريجيت في روايتها دعوى قضائية ضد أي شيء أو أحد، بل تغوص في النفس الإنسانية حتى لتبدو مثل يمّ لا حدود له، متضاربة أمواجه التي لا تهدأ.
ورغم أن لجنة التحكيم آثرت نص «العيش سريعاً»، الذي وجد صداه على ما يبدو في الشعور العام ومسَّ أعمق عصب في أعضائها، إلا أن تسرب الأخبار من مداولات أعضاء أكاديمية الغونكور، يفيد بأن الاختيار لم يكن سهلاً، خصوصاً أنه كانت هناك منافسة شديدة بين هذه الرواية ورواية «ساحر الكرملين» Le mage du Kremlin لجوليانو دا أمبولي Giuliano Da Empoli، التي استعرضتها «الشرق الأوسط» سابقاً. لكن بعد أربع عشرة مداولة، وبالانتخاب المتعادل، كان لا بد لرئيسها، ديديي دوكوان Didier Decoin - كما صرح بذلك - أن يستعمل حقه في صوته المزدوج، كي يحسم الكفة لصالح «العيش سريعاً» ثم يقبّل يد كاتبتها تقديراً أثناء حفل التتويج.
بريجيت جيرو، هذه الكاتبة المتواضعة، المتوارية، لم تطل الكلام أمام حقل من الكاميرات، وبحر من الصحافيين أثناء حفل الإعلان التقليدي عن النتيجة في مطعم دروان بباريس، بل بكل بساطة تقدمت مترددة ثم شكرت اللجنة، والناشرين لها، وقراءها. وفكرت في ابنها، وذكرت زوجها كلود، وأكدت أن إشكالية «العيش سريعاً» بقدر ما هي حميمية فهي إنسانية، وأن الجائزة ليست لشخصها بل هي لبستان الأدب العالمي الذي تحفر فيه منذ سنين طويلة.
* كاتبة جزائرية


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.