بلد ثالث... حلم معظم النازحين السوريين في لبنان

60 % من المغامرين عبر «قوارب الموت» يحملون الجنسية السورية

TT

بلد ثالث... حلم معظم النازحين السوريين في لبنان

بعكس ما يروّج كثيرون من المسؤولين اللبنانيين، لا يعيش النازحون السوريون في لبنان برفاهية تجعلهم يتمسكون بالبقاء على الأراضي اللبنانية، حيث تفتقد الأكثرية الساحقة منهم أبرز مقومات العيش. ويحلم قسم كبير من هؤلاء بالمغادرة إلى بلد ثالث؛ إما بطريقة شرعية عبر مفوضية اللاجئين، وإما من خلال قوارب تنقلهم بطرق غير شرعية إلى أوروبا.
ومع إطلاق لبنان مجدداً مسار العودة بعدما كان قد توقّف نحو 3 سنوات مع أزمة كورونا والأزمات المتتالية التي شهدها البلد، يدرس آلاف النازحين خياراتهم. وتؤكد المفوضية أن غالبيتهم يعبرون دائمًا عن رغبتهم بالعودة إلى بلدهم، إلا أنهم يخشون من عدم توافر عوامل أساسية للعيش؛ وهي: الأمن والسلامة، والسكن، والوصول إلى الخدمات الأساسية (مياه، تعليم...).
وتنتظر أم أحمد، منذ عام ونصف العام، اتصالاً من المفوضية لإبلاغها بموعد سفرها إلى كندا، فهي التي أُبلغت بالموافقة على طلبها، تحلم وأولادها الثلاثة يومياً بالمغادرة وبحياة جديدة وكريمة بعيداً عن لبنان.
وتقول الأم العشرينية التي فقدت زوجها في الحرب السورية، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن من 11 عاماً نعيش هنا كل أنواع المآسي، أضف إلى ذلك أن أحد أولادي مريض بالتوحد. العودة إلى سوريا ليست خياراً فمنزلنا دُمّر بالكامل.. كما البقاء هنا هو آخِر ما نريده، فأيّ أم تطمح لتربية أولادها في خيمة؟!».
وتشير بولا برشينا، الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان، إلى أن «إعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى دول ثالثة هي حل محدود، لكنه حل رئيسي للكثير من اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم ولديهم احتياجات خاصة لا يمكن تلبيتها في لبنان، أضف أن فرص إعادة التوطين تنقذ الأرواح وتوفر بدايات جديدة»، لافتة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «في عام 2022، اعتباراً من أكتوبر، غادر أكثر من 5000 لاجئ لبنان إلى بلدان مختلفة، بما في ذلك الأرجنتين وأستراليا وكندا وفنلندا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وأيرلندا وهولندا والنرويج ونيوزيلندا وإسبانيا والسويد وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية».
وتضيف: «عام 2021 كان لبنان ثاني دولة في العالم تتقدم بأكبر عدد من طلبات إعادة التوطين. وقدَّم ما مجموعه 8034 لاجئاً يعيشون في لبنان طلبات لإعادة التوطين نصفهم من النساء والأطفال». وترى برشينا أن «المزيد من فرص إعادة التوطين أمر أساسي للاجئين في لبنان، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والتي تؤثر على اللبنانيين واللاجئين».
وتدعم المفوضية اللاجئين الأكثر ضعفاً بأنواع مختلفة من المساعدة، بما في ذلك مواد الإغاثة الأساسية والدعم الصحي والنفسي والاجتماعي، كما النقدي.
وأكدت المفوضية تكراراً أن النازحين لا يتقاضون أية مبالغ شهرية بالدولار الأميركي، إنما حصراً بالليرة اللبنانية، بحيث لا يتجاوز المبلغ الممنوح للعائلة المليون ليرة لبنانية؛ أي 25 دولاراً أميركياً، بما يجعل 9 من كل 10 لاجئين سوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع ويكافحون من أجل البقاء.
ونظراً لأن معظم النازحين السوريين يدركون أن حظوظ انتقالهم إلى دولة ثالثة عبر الآلية التي تعتمدها المفوضية ضعيفة جداً لمحدودية الفرص التي تتيحها الدول الغربية، بات الكثيرون منهم يغامرون بالانتقال عبر ما بات يُعرف بـ«قوارب الموت» إلى أوروبا بعد بيعهم كل ما يملكون لتأمين تكلفة الرحلة.
وتضاعف عدد الأشخاص الذين غادروا أو حاولوا المغادرة عن طريق البحر تقريبًا في عام 2021، مقارنة بعام 2020. واستمر هذا الاتجاه التصاعدي في عام 2022، مع زيادة بنسبة 257 % في عدد الركاب الذين يعتزمون القيام بهكذا مغامرة في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.
ووفق مصدر رسمي، ففي عام 2022 تم الكشف عن مغادرة 47 قاربًا على الأقل، تضم 4061 فرداً غادروا لبنان أو حاولوا المغادرة بشكل غير نظامي. ويقول المصدر، لـ«الشرق الأوسط» إنه «من بين تلك القوارب كانت 6 تنوي الوصول إلى قبرص، بينما كان 30 تنوي الوصول إلى إيطاليا. وشملت الجنسيات السوريين (60 %)، واللبنانيين (28 %)، والفلسطينيين، إضافة إلى جنسيات أخرى». وتشير الناطقة باسم المفوضية إلى أنهم يعملون مع المجتمعات المحلية لتوعية الناس بـ«مخاطر هذه التحركات غير المنتظمة»، مشددة على ضرورة «حشد الدعم المستمر لمساعدة لبنان مع تدهور الظروف المعيشية للاجئين واللبنانيين على حد سواء».
وتشهد العلاقة بين المفوضية والسلطات اللبنانية توتراً منذ فترة لاتهام الأخيرة المجتمع الدولي- وضمناً المفوضية- بعدم تسهيل عودة السوريين إلى بلدهم، وهو ما لا تنفيه بولا برشينا التي تقول إنه «في الوقت الحالي، لا تقوم المفوضية بتسهيل أو تشجيع العودة الطوعية الواسعة النطاق للاجئين إلى سوريا من لبنان. ومع ذلك يختار آلاف اللاجئين ممارسة حقهم في العودة كل عام». وتضيف: «تدعو المفوضية إلى احترام الحق الأساسي للاجئين في العودة بحرّيّة وطوعية إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه، وهي ستواصل الانخراط في حوار مع الحكومة اللبنانية، بما في ذلك مع مكتب الأمن العام في سياق حركات العودة التي ييسرها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».