بعد نحو 3 أسابيع من تفجر أحدث موجة احتجاجات شعبية في إيران، لم يختلف الوضع كثيراً في البلاد، وواصل المحتجون، خصوصاً النساء، الإصرار على تحدي القبضة الأمنية، في وقت حذرت فيه طهران القوى الغربية من تبني أي عقوبات ضد قمعها الاحتجاجات.
وقال شهود في طهران إن السلطات نشرت رجال شرطة مكافحة الشغب بكثافة في مدن عدة الأربعاء؛ لا سيما حول الجامعات، التي تمثل مواقع محورية للاحتجاجات. وأظهرت مقاطع فيديو تدوولت على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعاء فتيات من مدارس ثانوية في طهران وهن يخلعن الحجاب ويرددن: «الموت لخامنئي»، و«كلنا مهسا... سنحاربكم»، وكذلك: «نحن لا نريد متفرجين... التحقوا بنا» في استمرار لمناشدات المحتجين الإيرانيين توسيع نطاق الحراك الاحتجاجي.
واجتاحت الاحتجاجات إيران؛ كالنار في الهشيم، في غضون ساعات، عقب اندلاع شرارتها في جنازة الشابة الكردية مهسا أميني، بمدينة سقز في محافظة كردستان، لتتحول إلى مسيرات منددة بالسلطات. وفارقت أميني الحياة في ظروف غامضة أثناء اعتقالها لدى الشرطة.
ومع دخول الاحتجاجات يومها الـ19 أمس، ردد المحتجون شعارات جديدة إلى جانب الشعارات التي فرضت نفسها بقوة على أحدث احتجاجات عامة تشهدها البلاد، تندد بـ«الحرس الثوري». وفي أحد الفيديوهات يردد المحتجون شعار: «إذا لم نتوحد؛ فسنقتل فرداً فرداً». وقال أحد الطلاب في طهران: «هناك كثير من قوات الأمن حول جامعة طهران، لدرجة أنني خشيت مغادرة الحرم الجامعي. ينتظر العديد من مركبات الشرطة في الخارج لاعتقال الطلاب» وفق «رويترز».
وأعرب وزير التعليم عن غضبه من التطورات في المدارس، متهماً «الأعداء» بالوقوف وراء دخول المدارس الثانوية على خط الاحتجاجات. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن وزير التعليم قوله إن «العدو استخدم كل قوته لاستهداف التعليم والطلاب». ونشرت وكالة «هرانا»؛ التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان وأوضاع السجون في إيران، تسجيل فيديو على «تويتر» يظهر اشتباك ضباط يرتدون ملابس مدنية مع طالبات في «معهد شريعتي للتدريب التقني والمهني»، في منطقة خاني آباد جنوب طهران.
وفي أصفهان؛ قامت 3 فتيات بتدوير أوشحة الرأس في الهواء فوق جسر للمشاة، أثناء رفعهن لافتة رسمت فيها خريطة إيران وأثار أيد دامية وكتب عليها: «التالي واحد منا».
وفي مدينة يزد، حذرت نقابة الطلبة من اقتحام جامعة يزد. وقالت النقابة في بيان: «هل تريدون تكرار كارثة المهجع الطلابي لجامعة طهران في 1999 واقتحام جامعة شريف الصناعية في جامعة يزد».
إجراءات متماثلة
تجددت الاحتجاجات الليلية في طهران مساء الثلاثاء وفق ما أظهرت تسجيلات فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي. وردد المحتجون حتى وقت متأخر شعار «الموت للديكتاتور» في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، صاحب كلمة الفصل في نظام الحكم، كما رددوا شعار: «الموت لولاية الفقيه، بسبب سنوات من الجرائم».
وتعالت أبواق السيارات في شارع شريعتي الذي يربط منطقة تجريش في شمال ويمتد ومنطقة بهارستان مقر البرلمان الإيراني وسط طهران. وتظهر نساء من دون حجاب في سوق تجريش.
وفي مقطع فيديو قيل إنه جرى تصويره بمدرسة في شيراز الثلاثاء، أحاط نحو 50 طالبة بعنصر من «الباسيج» جرت دعوته لإلقاء كلمة، وهتفن: «اغربوا عن وجوهنا يا باسيج» و:«الموت لخامنئي».
وهدد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان باتخاذ إجراءات مماثلة إذا أقر الاتحاد الأوروبي عقوبات على طهران. وقال: «إذا أراد الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراء متسرع وغير مدروس بمضاعفة الموقف، يجب أن تنتظر عملاً فعالاً ومتبادلاً من جمهورية (إيران الإسلامية)».
وقالت وسائل إعلام إيرانية، الأربعاء، إن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير البريطاني للمرة الثانية منذ اندلاع الاحتجاجات في أنحاء البلاد الشهر الماضي. واستدعت الخارجية البريطانية، القائم بالأعمال الإيراني فيما يتعلق بالتعامل القمعي مع الاحتجاجات التي قالت جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إنها شهدت إلقاء القبض على الآلاف وتسببت في إصابة المئات، كما أسفرت عن سقوط أكثر من 150 قتيلاً.
من جهتها، نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن مسؤول كبير بوزارة الخارجية قوله إن «التصريحات أحادية الجانب» لبريطانيا تظهر أن «لها دوراً في السيناريوهات العدائية للإرهابيين الناشطين ضد الجمهورية الإسلامية».
أطفال ضمن قوات القمع
وأصدرت «جمعية الإمام علي» الخيرية بياناً تدين فيه استخدام الأطفال في قوات قمع الاحتجاجات، محذرة بأن «هذا الإجراء الحكومي يعدّ انتهاكاً واضحاً لحقوق الطفل، ويتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل». وذلك بعدما تدوولت في الأيام الأخيرة صور لأطفال يرتدون ملابس عسكرية، مزودين بهراوات ودروع إلى جانب ميليشيات «الباسيج» ووحدة مكافحة الشغب. وقال الجمعية: «نسمع من بعض الأطفال أن زملاءهم في المدارس جرى استدعاؤهم للقمع في الشوارع مقابل إعطائهم بعض أكياس من الطعام، لكي يدافعوا عن الظلم بدلاً من حقهم».
ولعبت «الباسيج»، وهي ميليشيا متطوعين تابعة لـ«الحرس الثوري»، دوراً كبيراً في حملة القمع إلى جانب الشرطة.
ودافع المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، عن قطع الإنترنت وحجب منصات التواصل الاجتماعي، قائلاً إن «إنستغرام» و«واتساب» تقام فيهما «دروس لارتكاب الجرائم والفسق والفجور».
بدورها، دعت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيرانيين إلى استخدام تطبيقات «روبيكا» و«إيتا» بدلاً من و«اتساب» و«إنستغرام». وحذر خبراء أمن الإنترنت من خطورة نسخ محلية إيرانية لبرامج التواصل الاجتماعي على أمن المستخدمين.
وأقر منتظري بتأثير حجب المنصات على معيشة الإيرانيين. وكانت هيئة التجارة الإلكترونية في البلاد قد حذرت الأسبوع الماضي من انهيار 400 ألف وظيفة وزيادة مليون شخص على العاطلين عن العمل في البلد الذي يعاني من أزمة فائقة في البطالة منذ سنوات. وقال منتظري إنه «كان ينبغي أن ننظر للبعيد بإنشاء شبكة داخلية للإنترنت بدلاً من استخدام البرامج الخارجية عندما لم تكن معيشة الناس متصلة بالإنترنت».
ومن جانب آخر، انتقد منتظري محامي عائلة أميني لإدلائه ببيانات «دون دليل»، بعد أن نُقل عنه قوله إن «أطباء يحظون باحترام» يعتقدون أنها تعرضت للإيذاء البدني في الحجز.
وفتحت السلطات القضائية الإيرانية تحقيقاً لتحديد سبب وفاة مراهقة قد تكون قُتلت خلال الاحتجاجات التي تشهدها البلاد في أعقاب وفاة مهسا أميني، على ما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية «إرنا».
ونقلت الوكالة عن المدعي العام بالعاصمة، علي صالحي، قوله الثلاثاء: «فتحت محكمة جنايات طهران تحقيقاً لتحديد سبب وفاة نيكا شاكرمي». وأضاف: «صدر أمر بالتحقيق في ذلك، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد».
وقال صالحي إن السلطات أطلقت سراح 400 معتقل بعدما أمر خامنئي بفرز الموقوفين. ولم يشر المسؤول الإيراني إلى إحصائية المعتقلين في العاصمة.
رعب في زاهدان
تضاربت المعلومات أمس عن عدد القتلى في مدينة زاهدان، ففي وقت ذكرت فيه «حملة نشطاء البلوش» أن عدد القتلى وصل إلى 64 شخصاً، ذكرت وكالة محلية في محافظة بلوشستان جنوب شرقي إيران أن عدد القتلى وصل إلى 88 شخصاً.
ونقلت قناة «بي بي سي» الفارسية عن شهود عيان في محافظة بلوشستان أن زاهدان ومدناً أخرى في هذه المحافظة «دخلت في أجواء أمنية وعسكرية بعد إطلاق النار المباشر على المصلين والمتظاهرين الجمعة الماضية، بالقرب من الجامع المكي». وأشار شاهد عيان إلى انتشار واسع للعسكريين في المدينة لمنع أي تجمعات في الشوارع. وقال: «ضباط الأمن يرتدون ملابس محلية ويطلقون النار على الناس حتى لو كانوا في طوابير أمام المخابز. أشعلوا النار في المتاجر... البعض أخفى الجثث في المنازل لكيلا تحدد هوياتهم خشية اعتقال الشباب والرجال». ووصف شاهد عيان آخر أوضاع مدينة زاهدان بـ«الحربية». وقال: «يقومون بالتخريب مرتدين ملابس البلوش للزعم أن المدينة تواجه تهديدات إرهابية».
والتقى عدد من المسؤولين الإيرانيين وجهاء في محافظة بلوشستان الأربعاء في مسعى لإعادة الهدوء إلى المحافظة المتوترة، ونقلت «دويتشه فيله - فارسي» عن مصادر محلية أن الوجهاء طالبوا بإقالة محافظ بلوشستان.
وكان إمام جمعة زاهدان، ومفتى أهل السنة في إيران عبد الحميد ملازهي، قد اتهم القوات الأمنية الإيرانية بنشر قناصة لاستهداف المحتجين في مظاهرة خرجت بعد صلاة الجمعة في زاهدان إثر سخط شعبي تزامن مع قيام قائد في شرطة مدينة تشابهار باغتصاب فتاة عمرها 15 عاماً من أقلية البلوش السُنية. وبحسب ملازهي قتل 40 شخصاً في الاحتجاجات.
ويقول الناشطون إن الأحداث خلفت 100 جريح؛ بعضهم في حالة حرجة. وأظهرت تسجيلات الفيديو حشوداً من المتظاهرين أمام مركز للشرطة بالقرب من مقر صلاة الجمعة في زاهدان، قبل أن يسمع دوي إطلاق النار من داخل مركز الشرطة.