الأعمال الشعرية الكاملة للأمير بدر بن عبد المحسن تدخل العالمية

الأمير بدر بن عبد المحسن
الأمير بدر بن عبد المحسن
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للأمير بدر بن عبد المحسن تدخل العالمية

الأمير بدر بن عبد المحسن
الأمير بدر بن عبد المحسن

بعد ركض في ميدان الشعر لامس نصف قرن، يدشن الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، أعماله الكاملة، في خمسة دواوين مطبوعة، وذلك في جناح خاص ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يقام في واجهة الرياض في الفترة ما بين 29 سبتمبر (أيلول) الحالي حتى 8 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وصدرت الدواوين الخمسة، وهي «هام السحب، شهد الحروف، ما ينقش العصفور في تمرة العذق، لوحة ربما قصيدة، رسالة من بدوي»، بإشراف مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية، وبمبادرة من وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، وتنفيذ شركة «المحترف السعودي»، التي تعكف حالياً، بإشراف الهيئة، على ترجمة هذه الأعمال الشعرية إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، من خلال لجان متخصصة، لنقل تجربة الأمير بدر بن عبد المحسن الشعرية إلى العالمية.
وتضم الأعمال الشعرية خمسة دواوين، وقد تم طباعة ثلاثة منها لعدة مرات وهي: «ما ينقش العصفور في تمرة العذق، ورسالة من بدوي، ولوحة ربما قصيدة»، أما الديوانان الجديدان فهما: «هام السحب» ويكفينا العنوانُ، ويغنينا عن مؤونة الشرح والتوصيف، إذ يضم القصائد الوطنية، ذائعة الصيت، التي حفظها الناس كأغنياتٍ وطنية خالدة، و«شهد الحروف» الذي يضم مجموعة كبيرة من قصائد التفعيلة والعمود، وهي بدورها أغنياتُ حُب وجمالٍ تغنى بها الناس، وبقيت علاماتٍ فارقة في تاريخ الفن السعودي لعقود، وكذلك أغنيات جديدة نسبياً.
وقال الشاعر والكاتب السعودي محمد جبر الحربي لـ«الشرق الأوسط»، «أكملتُ تصفحَ (الأعمال الشعرية) لشاعرٍ مختلفٍ أثرى حياتنا بأعمال فنية رائدة، شاعرٍ خالدٍ في قلوب السعوديين ووطنهم، شاعر أجمعت القيادة والشعب على حبهِ وتكريمه، ووضعه في مكانه اللائق، وهذا الإجماعُ ظاهرة نادرة، وهو ظاهرة لأنه لم يتحقق لعشرات الشعراء الخالدين، فهناك أمثلة عبر التاريخ لمن أحبته السلطات، ولم يعجب الشرائح المثقفة، أو عامة الناس، وهناك من نفَتْه السلطات وأطرب الناس»، لافتاً إلى أنه مضى أكثر من نصف قرنٍ على هذه الحكاية؛ حكاية شاعرٍ مُولَعٍ بالجديد والتجديد، فقاد ثورة حقيقية في عالم القصيدة الشعبية، وفن كتابة الأغنية، عبر شعرٍ يفِي بعهد ووعدِ الإبداع، ويصل إلى القلوب ويُشاع، شاعرٌ لامس القلوب فاحتضنته، وأحاطته بالضلوع.


لوحة «رسالة من بدوي»

وشدد الحربي بالقول: «أو ليس من النادر أن يتربع شاعرٌ لأجيال على عرش الأغنية، والقصيدة، والشعر الشعبي بأنواعه المختلفة، أكان تفعيلة أم عموداً كشاعرٍ حديثٍ مجدد...؟!، ولعله من البديهي أن ندرَك أن الشاعر المقصود هنا هو الشاعر الأمير، وإن شئت الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، الشاعر الذي تقلد الشعر، وترك المناصب التي كانت تناديه، واكتفى بنداء وعناء الشعر، وما يقوده إلى أنهار الخيال والصورِ الفريدة والجمال».
وأوضح الشاعر محمد الحربي: «لقد فهم بدر بن عبد المحسن المعادلة الصعبة، وفك رموزها، واكتشف سرها، وهو لم يحتفظ بها لنفسه، لكن لم يستطع أحدٌ من الشعراء المجايلين، أو الذين أتوا بعده، مجاراته فيما يحسن، في الفن الذي يعرف دروبه ليل نهار، فهو البدر في ليله، الشمس في نهاره، فظل نسيجَ وحدِه، كل شيءٍ واضحٌ لديه قبل القصيدة، أثناءها، وبعدها، وكذلك ما يريده من الشعر في النهاية، فهو جلي واضح، نستدل على هذا من تجربته، ومما حققه ووصل إليه...، وهو مسرحي من الطراز الأول، فلو كانت القصيدة أو الأغنية مسرحاً، لكان من أفضل من يعرف أسرار الخشبة، والديكور، والإضاءة، وحركة الممثلين، فهو الرائي وهو الكاتب والمُخرج، فهو دائم السعي لكي يكون الأفضل، مورداً في هذا السياق ما قاله الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن عن نفسه: «أنا دائماً أتخيل القصيدة في شكلها النهائي، وأعرف موضوعها، وأتخيل الأغنية، أتخيل كل عمل فني أنجزه، لكن ربما قادني عملي عليه إلى عوالمَ أخرى، أكثر اختلافاً وجدة»، لقد عمل بدر بن عبد المحسن على تنويع ينابيعه المعرفية وتجديدها، فالفن لديه متشابك متكامل، ولا يمكن للشاعر أن يبقى في عقول وأحاسيس الناس، وأن يخلد بلا ثقافة متنوعة راسخة، وعمل دؤوب على بناء المشروع الشعري، لذلك نراه قد قرأ التاريخ، بل هو مُولَعٌ به، وقرأ الأدب العربي قديمه وحديثه، والشعرَ «شعبيه وفصيحَه»، والرواية، كما قرأ الفن التشكيلي العالمي مبكراً بعينين تعرف قيمة الألوان، ويشعر بسعادة وسكينة وراحة عندما يرسم، وشاهد الأفلام العربية والعالمية، وكم سافر ويسافر، وتجول في البلدان، فعرف ثقافات وحضارات الشعوب، لكنه قبل ذلك عرف وطنه، وتاريخ وطنه، وأهل وطنه، عاداتهم ولهجاتهم وتراثهم، آلامهم وآمالهم.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
TT

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)

في الوقت الذي يشهد تصاعداً للجدل حول إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه الأصلي في المدخل الشمالي لقناة السويس، قررت محكمة القضاء الإداري بمصر الثلاثاء تأجيل نظر الطعن على قرار إعادة التمثال لجلسة 21 يناير (كانون الثاني) الحالي، للاطلاع على تقرير المفوضين.

وتباينت الآراء حول إعادة التمثال إلى موقعه، فبينما رأى معارضو الفكرة أن «ديليسبس يعدّ رمزاً للاستعمار، ولا يجوز وضع تمثاله في مدخل القناة»، رأى آخرون أنه «قدّم خدمات لمصر وساهم في إنشاء القناة التي تدر مليارات الدولارات على البلاد حتى الآن».

وكان محافظ بورسعيد قد أعلن أثناء الاحتفال بالعيد القومي للمحافظة، قبل أيام عدة، بأنه طلب من رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه في مدخل القناة بناءً على مطالبات أهالي المحافظة، وأن رئيس الوزراء وعده بدراسة الأمر.

ويعود جدل إعادة التمثال إلى مدخل قناة السويس بمحافظة بورسعيد لعام 2020 حين تم نقل التمثال إلى متحف قناة السويس بمدينة الإسماعيلية (إحدى مدن القناة)، حينها بارك الكثير من الكتاب هذه الخطوة، رافضين وجود تمثال ديليسبس بمدخل قناة السويس، معتبرين أن «المقاول الفرنسي»، بحسب وصف بعضهم، «سارق لفكرة القناة وإحدى أذرع التدخل الأجنبي في شؤون مصر».

قاعدة تمثال ديليسبس ببورسعيد (محافظة بورسعيد)

ويعدّ فرديناند ديليسبس (1805 - 1894) من السياسيين الفرنسيين الذين عاشوا في مصر خلال القرن الـ19، وحصل على امتياز حفر قناة السويس من سعيد باشا حاكم مصر من الأسرة العلوية عام 1854 لمدة 99 عاماً، وتقرب من الخديو إسماعيل، حتى تم افتتاح القناة التي استغرق حفرها نحو 10 أعوام، وتم افتتاحها عام 1869.

وفي عام 1899، أي بعد مرور 5 سنوات على رحيل ديليسبس تقرر نصب تمثال له في مدخل القناة بمحافظة بورسعيد، وهذا التمثال الذي صممه الفنان الفرنسي إمانويل فرميم، مجوف من الداخل ومصنوع من الحديد والبرونز، بارتفاع 7.5 متر، وتم إدراجه عام 2017 ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.

ويصل الأمر بالبعض إلى وصف ديليسبس بـ«الخائن الذي سهَّل دخول الإنجليز إلى مصر بعد أن وعد عرابي أن القناة منطقة محايدة ولن يسمح بدخول قوات عسكرية منها»، بحسب ما يؤكد المؤرخ المصري محمد الشافعي.

ويوضح الشافعي (صاحب كتاب «ديليسبس الأسطورة الكاذبة») وأحد قادة الحملة التي ترفض عودة التمثال إلى مكانه، لـ«الشرق الأوسط» أن «ديليسبس استعبد المصريين، وتسبب في مقتل نحو 120 ألف مصري في أعمال السخرة وحفر القناة، كما تسبب في إغراق مصر بالديون في عصري سعيد باشا والخديو إسماعيل، وأنه مدان بالسرقة والنصب على صاحب المشروع الأصلي».

وتعد قناة السويس أحد مصادر الدخل الرئيسية لمصر، وبلغت إيراداتها في العام المالي (2022- 2023) 9.4 مليار دولار، لكنها فقدت ما يقرب من 50 إلى 60 في المائة من دخلها خلال الشهور الماضية بسبب «حرب غزة» وهجمات الحوثيين باليمن على سفن في البحر الأحمر، وقدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخسائر بأكثر من 6 مليارات دولار. وفق تصريح له في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

في المقابل، يقول الكاتب المصري علي سعدة، إن تمثال ديليسبس يمثل أثراً وجزءاً من تاريخ بورسعيد، رافضاً ما وصفه في مقال بجريدة «الدستور» المصرية بـ«المغالطات التاريخية» التي تروّجها جبهة الرفض، كما نشر سعدة خطاباً مفتوحاً موجهاً لمحافظ بورسعيد، كتبه مسؤول سابق بمكتب المحافظ جاء فيه «باسم الأغلبية المطلقة الواعية من أهل بورسعيد نود أن نشكركم على القرار الحكيم والشجاع بعودة تمثال ديليسبس إلى قاعدته».

واجتمع عدد من الرافضين لإعادة التمثال بنقابة الصحافيين المصرية مؤخراً، وأكدوا رفضهم عودته، كما طالبوا فرنسا بإزالة تمثال شامبليون الذي يظهر أمام إحدى الجامعات الفرنسية وهو يضع قدمه على أثر مصري قديم.

«المهندس النمساوي الإيطالي نيجريلي هو صاحب المشروع الأصلي لحفر قناة السويس، وتمت سرقته منه، بينما ديليسبس لم يكن مهندساً، فقد درس لعام واحد في كلية الحقوق وأُلحق بالسلك الدبلوماسي بتزكية من والده وعمه وتم فصله لفشله، وابنته نيجريلي التي حصلت على تعويض بعد إثباتها سرقة مشروع والدها»، وفق الشافعي.

وكانت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد أصدرت بياناً أكدت فيه أن ديليسبس لا يستحق التكريم بوضع تمثاله في مدخل القناة، موضحة أن ما قام به من مخالفات ومن أعمال لم تكن في صالح مصر.

في حين كتب الدكتور أسامة الغزالي حرب مقالاً يؤكد فيه على موقفه السابق المؤيد لعودة التمثال إلى قاعدته في محافظة بورسعيد، باعتباره استكمالاً لطابع المدينة التاريخي، وممشاها السياحي بمدخل القناة.

وبحسب أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس المصرية والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، الدكتور جمال شقرة، فقد «تمت صياغة وثيقة من الجمعية حين أثير الموضوع في المرة الأولى تؤكد أن ديليسبس ليس هو صاحب المشروع، لكنه لص سرق المشروع من آل سان سيمون». بحسب تصريحاته.

وفي ختام حديثه، قال شقرة لـ«الشرق الأوسط» إن «ديليسبس خان مصر وخدع أحمد عرابي حين فتح القناة أمام القوات الإنجليزية عام 1882، ونرى بوصفنا مؤرخين أنه لا يستحق أن يوضع له تمثال في مدخل قناة السويس».