تواصلت الاحتجاجات لليوم الثامن على التوالي في طهران وعدة محافظات إيرانية، فيما شكلت طهران مساء الجمعة مسرحاً لمناوشات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، بعد أسبوع من احتجاجات غاضبة على موت الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» وأدى قمعها إلى مقتل لا يقل عن 41 وفقاً لأحدث إحصائية رسمية، وذلك بعدما قالت منظمة حقوقية إن عدد الضحايا وصل إلى 50 شخصاً.
وصعدت السلطات الإيرانية من لهجة التلويح بقمع الاحتجاجات. وقال الرئيس إبراهيم رئيسي اليوم السبت إن على إيران «التعامل بحزم مع أولئك الذين يعتدون على أمن البلاد وسلامها». وصرح غداة عودته من نيويورك: «الأعداء يريدون ركوب الموجة... خلق الفوضى... والإزعاج».
ونقلت رويترز عن وسائل إعلام إيرانية أن تصريحات رئيسي جاءت في مكالمة هاتفية قدم خلالها التعازي لأسرة أحد أفراد الأمن قُتل طعناً الأسبوع الماضي، مع توجيه أصابع الاتهام للمحتجين. وذكرت أن الرئيس «شدد على ضرورة التمييز بين الاحتجاج والإخلال بالنظام العام والأمن ووصف الأحداث بأنها أعمال شغب».
وبدوره، طالب رئيس القضاء الإيراني غلام حسين محسني إجئي بـ«مواجهة رادعة» مع «العناصر الأساسية» في الاحتجاجات ومحاكمتهم.
وقال: «الأشخاص الذين ألحقوا ضرراً بالممتلكات العامة وخالفوا أوامر الشرطة والمرتبطون بأجهزة تجسس خارجية والمجاميع المعادية للثورة يجب أن يعاملوا وفق القانون، من دون أي رحمة».
وبعد ساعات قليلة من تحذيرات رئيسي، تجددت الاحتجاجات في ثامن يوم على انطلاقها في طهران وشيراز مركز محافظة فارس الجنوبية وميناء آمل بمحافظة مازندران وشاهين شهر بمحافظة أصفهان وسنندج في كردستان وشهريار في محافظة طهران. وأظهر مقطع فيديو، امرأة تصعد فوق سيارة وتلوح بغطاء الرأس، وسط تجمهر حشد من المحتجين حولها. وتناقل ناشطون مقاطع فيديو عن انتشار قوات الأمن في محيط جامعة طهران، وردد حشد كبير من الطلاب شعار «الموت للديكتاتور». وفي أحد الفيديوهات يحسب رجال من الأمن امرأة على الأرض، ومناوشات مع المحتجين. وفي زنجان، اعتقلت قوات الأمن امرأة لم ترتدِ الحجاب، فيما رشق محتجون سيارات الشرطة بالحجارة في مدينة تبريز.
وواصلت القوات الأمنية حملة الاعتقالات في صفوف الناشطين السياسيين والصحافيين، وتباينت المعلومات حول اعتقال ما يتراوح بين 8 إلى 12 صحافياً في طهران.
وأظهرت مقاطع فيديو حشوداً من المحتجين في ثلاثة من أكبر أحياء غرب طهران وهي ستارخان وأكتابان وصادقية، بينما تصاعدت أعمدة الدخان من الطرقات وسط إطلاق نار كثيف واستخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع. وأصر المحتجون على ترديد هتافات منددة بالمرشد الإيراني علي خامنئي.
وذكر ناشطون ووسائل إعلام في وقت متأخر الجمعة أن متظاهرين اشتبكوا في مدن إيرانية عدة مع قوات الأمن وأحرقوا سيارات للشرطة ورددوا شعارات مناهضة للمؤسسة الحاكمة. وانتشرت صور على شبكات التواصل الاجتماعي لنساء إيرانيات يحرقن الحجاب في بلدٍ يفرض عليهن تغطية رؤوسهن.
وتُظهر مقاطع فيديو رجلاً يرتدي زياً عسكرياً يطلق النار على متظاهرين لم يُحدد عددهم حتى الآن، في منطقة شهر ري في جنوب العاصمة الإيرانية. وتُظهر لقطات أخرى محتجين يركضون أمام فندق بارك رويال في شمال طهران، في شارع شهد فوضى وإشعال حرائق. وسُمع دوي ما لا يقل عن ثماني طلقات لم يُحدد مصدرها بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وأفادت منظمة «حقوق الإنسان لإيران» التي مقرها في النرويج الجمعة بمقتل ما لا يقل عن 50 شخصاً في الاحتجاجات.
وكانت أشرطة فيديو تم تداولها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت نساءً خلال الاحتجاجات يخلعن حجابهن ويلقين به في نار مشتعلة في الطريق. وهتف المتظاهرون أيضاً: «لا للحجاب، لا للعمامة، نعم للحرية والمساواة».
ونددت منظمات غير حكومية تنشط من خارج إيران بقمع عنيف للمحتجين، بينما تشهد شبكة الإنترنت في كل أنحاء البلاد اضطرابات وانقطاعات، لا سيما بالنسبة إلى تطبيقي واتساب وإنستغرام، فيما أعلنت واشنطن إجراءات «دعم لتدفق المعلومات بحرية إلى الشعب الإيراني».
وقالت منظمة العفو الدولية، المدافعة عن حقوق الإنسان، إن المتظاهرين واجهوا «رداً مميتاً متصاعداً من قوات الأمن خلال الأيام الماضية»، ودعت إلى «آلية تحقيق» مستقلة تابعة للأمم المتحدة للنظر في أحداث الأسبوع الفائت.
وأضافت أنه في ليلة 21 سبتمبر (أيلول)، أدى إطلاق قوات الأمن النار إلى مقتل ما لا يقل عن 19 شخصاً، من بينهم أربعة أطفال. وقالت المنظمة: «ارتفاع عدد القتلى مؤشر مقلق على مدى قسوة هجوم السلطات على الحياة البشرية في ظل الظلام الذي خلفه قطع الإنترنت».
وخرجت مسيرات مضادة نظمتها الدولة في عدة مدن لمواجهة الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ووعد الجيش بالتصدي «للأعداء» الذين يقفون وراء الاحتجاجات. وحمل «الحرس الثوري» الإيراني على المتظاهرين، وندد بـ«عملية نفسية وحرب إعلامية مفرطة»، واصفاً ما يحصل بأنه «مؤامرة جديدة سيكون مصيرها الفشل». كذلك، أعلنت أجهزة الاستخبارات في بيان أن «كل مشاركة في تظاهرات غير قانونية ستُعاقب أمام القضاء».
وذكر عزيز الله مالكي قائد الشرطة في محافظة جيلان أن حملة الاعتقالات في المحافظة طالت «739 شخصاً بينهم 60 امرأة، وصفهم بـ«مثيري الشغب»،
ونقلت وكالة (إرنا) الرسمية عن مالكي قوله إنه تم ضبط العديد من الأسلحة والذخائر والمتفجرات أيضاً خلال الاعتقالات.
في مدينة كرمان، أعلن رئيس القضاء في محافظة كرمان، إبراهيم حميدي اعتقال من سماهم «قادة الشغب» في المحافظة. ووصف الحراك الاحتجاجي بـ«الزبد على سطح الماء». وكان محتجون قد أضرموا النار في لافتة كبيرة للجنرال قاسم سليماني وسط كرمان مسقط رأسه.
وقالت الوزارة الداخلية الإيرانية في بيان اليوم إن «أعمال الشغب في الشوارع ليس لها غرض سوى بث الرعب وتعطيل النظام العام وتشويس الرأي العام وزعزعة الهدوء والراحة النفسية»، مضيفاً أنه «سيجري التعامل مع أعمال الشغب بما يتماشى مع جميع اللوائح القانونية لحماية حقوق المواطنين».
وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي للتلفزيون الرسمي إن «الأعداء يعتقدون أنه يمكنهم الإطاحة بالنظام عبر هذه الاحتجاجات». ونفى مسؤولية قواته عن موت الشابة مهسا أميني. وقال في تكرار لأقوال سابقة إن «الفحوصات الطبية وفحوصات الطب الشرعي تظهر أنه لم يكن هناك ضرب (من قبل الشرطة) ولا كسر في الجمجمة».
وأوقفت شرطة الأخلاق مهسا أميني (22 عاماً) في 13 سبتمبر، وتوفيت في مستشفى بعد ثلاثة أيام. وقال ناشطون إنها تلقت ضربة على رأسها، لكن السلطات الإيرانية قالت إنها فتحت تحقيقاً في الحادثة، وتحدث مسؤولون إيرانيون عن إصابتها بأمراض سابقة، وهو ما نفته أسرتها بشدة عدة مرات خلال الأسبوع الماضي.
وقال مركز «حقوق الإنسان في إيران» الذي مقره في نيويورك إن الحكومة ردت على المتظاهرين بـ«الذخيرة الحية والمسدسات والغاز المسيل للدموع، وفق أشرطة فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيها أشخاص ينزفون بغزارة».
وبيّن أشرطة الفيديو المتداولة، يمكن رؤية متظاهرين، يشوهون أو يحرقون صوراً للمرشد علي خامنئي، في تكرار لما شهدته المدن الإيرانية في الاحتجاجات المعيشية خلال عامي 2017 و2019.
وكان حزب «اتحاد شعب إيران» الذي شكله مقربون من الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي (1997 - 2005) «يطالب» السلطات بـ«إعداد العناصر القانونية التي تمهد لإلغاء قانون الحجاب الإجباري»، وفق ما جاء في بيان أصدره السبت. وانضم بذلك إلى حزب «اعتماد ملي» فصيل مهدي كروبي، الذي دعا لأول مرة لإلغاء قانون الحجاب.