هل تُغير «كاوست» من مشهد الزراعة في منطقة الخليج العربي؟

تقنية لشركة ناشئة من الجامعة تستخدم المياه المالحة في الإنتاج الزراعي

نجحت الشركة بشكل مبدئي في بيع طماطم في أسواقٍ محليّة،  بعد زراعتها في الدفيئات المبردة بالمياه المالحة
نجحت الشركة بشكل مبدئي في بيع طماطم في أسواقٍ محليّة، بعد زراعتها في الدفيئات المبردة بالمياه المالحة
TT

هل تُغير «كاوست» من مشهد الزراعة في منطقة الخليج العربي؟

نجحت الشركة بشكل مبدئي في بيع طماطم في أسواقٍ محليّة،  بعد زراعتها في الدفيئات المبردة بالمياه المالحة
نجحت الشركة بشكل مبدئي في بيع طماطم في أسواقٍ محليّة، بعد زراعتها في الدفيئات المبردة بالمياه المالحة

على مسافة قريبة من مدينة الرياض، العاصمة السعودية، تم الانتهاء أخيراً من بناء موقع يضم مزرعة تجريبية على مساحة 6 هكتارات، قد يقدم حلاً لمشكلتي الأمن الغذائي والأمن المائي التي يواجهها العالم. وسوف ينتج هذا المشروع - التجربة، مجموعة مختارة من المحاصيل، وذلك باستخدام تقنية تعتمد على المياه المالحة بدلاً من المياه العذبة.
هذا التوجه الذي تعمل عليه جامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (كاوست)، عبر شركتها الناشئة، التي تحمل اسم «مزارع البحر الأحمر»، يوضح أن الزراعة بالمياه المالحة لم تعد مستحيلة، وقد تكون خياراً لا بد منه من أجل تأمين الغذاء للبشرية في المستقبل.
يشار إلى أن «كاوست» منذ إنشائها عام 2009 تعمل على وضع حلول للمشكلات العالمية المتعلقة بتوفير الغذاء، الذي يعتبر أحد مجالات أبحاث الجامعة الاستراتيجية الأربعة، التي منها الماء والطاقة والبيئة. وكذلك ترجمتها إلى حلول حقيقية تعود بالنفع للمملكة ولمنطقة الخليج العربي وما بعدها. وتمتلك الجامعة تراثاً من الأبحاث الرائدة والمؤثرة في مجموعة من المجالات ذات الصلة بالزراعة الصحراوية، وبيولوجيا وجينوم النباتات، وأبحاث الميكروبات، ومكافحة الآفات، والاستزراع المائي، وغيرها.


تم بناء موقع لتطوير تقنية الشركة على نطاق تجاري تصل مساحته إلى 6 هكتارات

ويؤكد رئيس الجامعة الدكتور توني تشان على التزام «كاوست» بدعم استراتيجيات الأمن الغذائي الوطني للسعودية بقوله: «يرتبط التصحر والظروف القاحلة في المملكة بمشكلات ندرة المياه، والاعتماد على الواردات الغذائية، وتآكل التربة، وما يرتبط بها من قضايا الحياة على الأرض، ما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجه الأمن الغذائي. وهو ما نحاول تسليط الضوء عليه، وطرح الحلول والمساهمات المتميزة التي يقدمها باحثونا في هذا المجال».

بداية التجربة
البداية كانت من مجمع «كاوست للأبحاث والتقنية»، حينما اجتمعت رؤية أستاذ علوم النبات في الجامعة، البروفسور مارك تيستر، وزميله خبير الهندسة الزراعية، الدكتور رايان ليفرز، على التصدّي لحل واحدة من أكثر التحديثات الحرجة في المنطقة؛ تأمين الأمن الغذائي بالمناطق التي تعاني من ندرة المياه كالسعودية والشرق الأوسط.
في عام 2018، قادت تلك الرؤية إلى تأسيس شركة ناشئة من «كاوست» متخصصة في تقنية طوّرتها الجامعة، تستخدم المياه المالحة مصدراً أساسياً لإنتاج المحاصيل الزراعية التجارية. في البداية، أمّنت الشركة الناشئة تمويلاً أولياً بقيمة 1.9 مليون دولار، تبعه تمويل استثماري ناجح بنحو 16.5 مليون دولار في عام 2021. وفي أبريل (نيسان) من هذا العام، حصلت الشركة على رأس مال استثماري يُقدّر بـ18.5 مليون دولار، من قِبل مجموعة رائدة من المستثمرين السعوديين، والشرق أوسطيين، والأميركيين، ما يعد أحد أكبر الاستثمارات في تاريخ المنطقة - حتى وقتنا هذا - في تقنية الزراعة. وجاء التمويل عن طريق الاكتتاب، الذي عكس الاهتمام الخيالي من قِبل المستثمر بتقنية شركة «مزارع البحر الأحمر». كما سيسهم هذا الاستثمار في إلهام المجتمع المحلّي للتوصُّل إلى حلول زراعية مستدامة، تعالج أزمة انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
شارك في هذه الجولة التمويلية - التي فاق نجاحها كل التوقعات - كل من؛ «واعد»، وهو مركز «أرامكو» لدعم ريادة الأعمال، ومجموعة «صافولا»، المجموعة القابضة الاستراتيجية الأولى للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للأغذية والتجزئة، جنباً إلى جنب مع تمويلات صندوق «كاوست للابتكار»، الذي يُعدّ واحداً من المستثمرين الرئيسين في الشركة، بالإضافة إلى «أولسون أوبين»، وهي شركة استثمار مقرّها شيكاغو بالولايات المتحدّة.


د. رايان ليفرز الرئيس التنفيذي لشركة «مزارع البحر الأحمر»

ويبدو أن تقنية الشركة جذبت اهتمام أميركا الشمالية منذ العام الماضي. فنجد شركة AppHarvest، ومقرها ولاية كنتاكي الأميركية، وهي متخصصة في إنشاء المزارع الداخلية، وكذلك شركة بونا فينتشر لرأس المال الاستثماري، ومقرها ألاباما، قد ساهمتا آنذاك بمبلغ استثماري قدره 6 ملايين دولار أميركي.
يقول المهندس فهد العيدي، المدير الإداري لمركز أرامكو لدعم ريادة الأعمال «واعد»: «طورت شركة (مزارع البحر الأحمر) نموذج أعمال مبتكراً ومستداماً لمواجهة تحدي انعدام الأمن الغذائي ومحدودية الموارد الزراعية عالمياً، فضلاً عن كونه يراعي الظروف الإقليمية إلى حد كبير».

«مزارع البحر الأحمر»
للتكيف مع الضغط العالمي على إمدادات المياه العذبة؛ ابتكر الباحثان «تيستر» و«ليفرز» نظاماً زراعياً علمياً اقتصادياً للأغذية المعتمدة على المياه المالحة بدلاً من المياه العذبة. ولقد أثبتت هذه التقنيّة نجاحاً كبيراً؛ حيث قللت من استهلاك المياه العذبة بنسبة تتراوح ما بين 85 إلى 90 في المائة.
وتضم التقنية عناصر هامة من ريادة عالمية لعلوم النبات، كالتبريد المستدام، وإدارة الطاقة والضوء، والذكاء الصناعي.
وعلى سبيل المثال، نجد شركة مثل AppHarvest الأميركية المشار إليها أعلاه، التي تشيّد عدداً من أكبر المزارع الداخلية في العالم (متضمناً ذلك مزرعة تبلغ مساحتها 60 هكتاراً في مدينة مورهيد، بولاية كنتاكي)، تستثمر في تقنية «مزارع البحر الأحمر»، لماذا؟ لأن دفيئاتها الزراعية الخاصة بها تعتمد على مياه الأمطار المعاد تدويرها، التي لا تتاح بسهولة في منطقة الخليج العربي. ولهذا السبب فإن تقنية الشركة الناشئة التي تمنع تبلور الملح، وهو ما يسمح بنظام التبريد للمزارع بالاعتماد على المياه المالحة دون حدوث تصلب، تعد الخيار الأمثل للاستثمار في مثل هذه البيئات.
أضف إلى ذلك، أن الشركة الناشئة تمتلك مجموعة من التقنيات الأخرى، مثل تقنية الطاقة الشمسية لتشغيل المراوح داخل الدفيئات، والذكاء الصناعي ممثلاً في مواد التغطية الذكية لحمايتها من الحرارة. أما بالنسبة لتوفير الطاقة فإن التقنية تستهلك طاقة أقل بمرتين إلى 6 مرات قياساً بالدفيئة العادية المبردة ميكانيكياً. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن تقييم نجاح تلك التقنية بشكل سريع وسهل، في ظلّ المناخات القاسية، وبمناطق تعتبر أساليب الزراعة التقليدية غير ممكنة أو مُكلّفة للغاية.
ونجحت شركة «مزارع البحر الأحمر» بشكل مبدئي في بيع طماطم في أسواقٍ محليّة، بعد زراعتها في الدفيئات المبردة بالمياه المالحة داخل حرم «كاوست»، وتوسّعت في عمليات تشغيلها بشكل سريع.
وإضافة إلى إكمال بناء الموقع الذي يضم المزرعة التجريبية المشار إليه سابقاً لتطوير هذه التقنية على نطاق تجاري، فقد تم أيضاً إنشاء مرفق للبحث والتطوير داخل حرم الجامعة.
مما سبق، يمكن القول إنه مع تفاقم الأزمة المناخية، وما نشهده من تعرض مناطق كثيرة حول العالم لارتفاع كبير في درجات في الحرارة وموجات الجفاف، يبدو أن تقنيات شركة «مزارع البحر الأحمر» قد أحدثت تغييراً مهماً في مفهوم الزراعة في السعودية وغيرها من المناطق التي تعاني من شحّ المياه ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة. كما قدمت حلولاً لتحديات شح الغذاء، بما ينسجم مع رؤية 2030 في المملكة.

مستقبل الزراعة بالمياه المالحة
في عام 2018، نظمت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية في الرياض ورشة عمل دولية عن مكافحة التصحر والطرق المبتكرة في إدارة المناطق الجافة. وفي تلك الورشة ناقش عدد من الخبراء المشاركين موضوعاً حيوياً يركز على الابتكارات في إدارة البيئة المالحة واستخدام الموارد المتجددة. وأشاروا إلى أن الدراسات بيّنت أنه بحلول 2050 سوف يحتاج العالم إلى أكثر من «70» مليون هكتار من الأراضي تكون صالحة للزراعة وإنتاج منتجات غذائية مفيدة، وأن «20 في المائة» من الزراعة تعتمد على المياه المالحة، ما سيسهم في طرح استثمارات زراعية تعتمد على المياه المالحة، بقيمة تقدر بنحو «27» مليار دولار. كما تم التركيز على الدفيئات الزراعية، والاعتماد على المياه المالحة في الزراعة حيث من شأنها تقليل استهلاك الطاقة والمياه العذبة.
في هذا الإطار، تستهدف شركة «مزارع البحر الأحمر» في المرحلة التالية تسويق تقنيتها إقليمياً وعالمياً، وتخطط لتطوير أحدث منتجاتها التجارية في منطقة الخليج، ودعم الابتكار الزراعي في المنطقة عبر الشراكات القائمة على التقنيات الزراعية مع شركات في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي الوقت ذاته فتح أسواق جديدة في مناطق مثل أميركا الشمالية.
ولا تزال الشركة تلتزم بتطوير سلاسل الإمداد الغذائي المستدامة في المملكة، ووقّعت أخيراً اتفاقية مع شركة تطوير البحر الأحمر، التي تقف وراء تطوير أكثر من مشروع سياحي طموح في العالم، لبناء وتشغيل مزرعة تجريبية داخلية، التي ستنمو فيها المحاصيل، لتقديمها إلى الزوار والمقيمين بشكل مستدام.
ومن المخطط له أن ينتج مشروع المزرعة التجريبية الداخلية مجموعة متنوعة من الثمار الخضراء الطازجة، والأعشاب، ومحاصيل العنب والخضراوات والفواكه. وجنباً إلى جنب مع تلك المزرعة؛ فإنَّ شركة «مزارع البحر الأحمر» سيكون لديها الخيار لزيادة مساحتها لأكثر من 100 هكتار، وهو ما سيجعلها أكبر مزرعة مستدامة من نوعها في العالم.
ويعلق الدكتور رايان ليفرز، الرئيس التنفيذي لشركة «مزارع البحر الأحمر» على ما تحقق بقوله: «اقتناع المستثمرين الموقرين برؤيتنا الاستثمارية، يعد بمثابة شهادة مصداقية لتقنيتنا الواعدة، واستراتيجية الشركة التجارية. واليوم يتملكنا الحماس أكثر من أي وقت مضى للاستمرار في مهمتنا، وعلاج الاعتمادية على استهلاك المياه العذبة في إنتاج الأغذية، وتحسين الأمن الغذائي».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.