«الدفن الفضائي»... الخيال العلمي الذي صار حقيقة

ذكره نيل آر جونز للمرة الأولى عام 1931

إرسال الرفات إلى الفضاء (شركة harbour funerals)
إرسال الرفات إلى الفضاء (شركة harbour funerals)
TT

«الدفن الفضائي»... الخيال العلمي الذي صار حقيقة

إرسال الرفات إلى الفضاء (شركة harbour funerals)
إرسال الرفات إلى الفضاء (شركة harbour funerals)

بينما لا يزال المجتمع العلمي الأميركي مختلفاً بشأن طريقة دفن أفراد الطواقم الذين يمكن أن يُتوفوا خلال الرحلة إلى المريخ، هناك شكل آخر من «الدفن الفضائي»، تقدمه بعض الشركات الأميركية منذ العام 1997.
وقبل نحو عامين، فجّرت مجلة «بوبيولار ساينس» العلمية الأميركية جدلاً حول طريقة «الدفن»، إذا حدثت وفاة لرواد الفضاء في رحلتهم إلى المريخ، التي ستكون محفوفة بالمخاطر؛ حيث رأى البعض أنه يمكن حرق الجثث وإلقاء رفاتها في الفضاء، ورأى آخرون أنه يمكن إلقاء الجثث في الفضاء، وذهب فريق ثالث إلى خيار أكل بقايا الجثث، وهي فكرة مؤلمة، لكنها حدثت عندما تحطمت طائرة في جبال الأنديز عام 1972؛ حيث لم يكن لدى الركاب طعام ولا وسيلة للتواصل، واتخذوا قراراً صعباً بأكل من ماتوا.
لا يسبب حدوث الوفاة على الأرض هذا التحدي، لكن ظهرت قبل 25 عاماً، خدمة يتم التسويق لها على أنها تكريم للمتوفين؛ حيث يتم نثر بعض رفاتهم للفضاء. ويعود أصل هذا النشاط الغريب إلى مؤلف الخيال العلمي نيل آر جونز، الذي أطلق فكرة نثر البقايا في الفضاء لأول مرة عام 1931 في روايته «القمر الصناعي جيمسون»، وتم ذكر هذا الأمر أيضاً عام 1965 في فيلم «The Loved One»، وفي عام 1977 تناول مقال صحافي بقلم ريتشارد ديغروت في «سياتل تايمز» الفكرة.
وأَرسلت أولى رحلات الدفن الفضائي عام 1997 رفات كاتب السيناريو والمؤلف للمسلسل الأميركي الشهير «ستار تريك» جين رودينبيري، مع رفات 24 شخصاً آخرين، عام 1997، من خلال رحلة نفذتها شركة «سيليستيس» الأميركية، ومقرها ولاية تكساس، ولحقت برودينيبري زوجته ماجل بارت بطل المسلسل في رحلة عام 2014.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الرحلات شائعة، وانضمت شركات أخرى إلى خدمة «الدفن الفضائي»، مثل شركة Beyond Burial، وأصبح التنافس بين الشركات في تقديم تجارب دفن فريدة.
وتختلف خيارات الدفن في الفضاء اعتماداً على الشركة، لكن معظم الشركات تقدم خدمات تتضمن إما اصطحاب الرفات في رحلة فضائية وإعادتها إلى الأرض أو إيداعها في الفضاء، وأرخص الخيارات يسمى رحلة شبه مدارية؛ حيث يتم إرسال جزء من البقايا (عادة من 1 إلى 3 غرامات من الرماد) على متن مركبة فضائية تُطلق في الفضاء، لكنها تعود لاحقاً إلى الأرض، وخدمة أخرى تطلق الرماد في الفضاء، ثم يحترق عند عودته إلى الغلاف الجوي.
وتشمل الخيارات الأكثر تكلفة بقاء البقايا في الفضاء، وتتضمن بعض الأمثلة إطلاق البقايا في مدار الأرض، أو مدار أجسام أخرى خارج كوكب الأرض مثل القمر، أو في الفضاء السحيق.
وإذا لم يتم حرق بقايا أحد الأحباء، فيمكن بدلاً من ذلك إطلاق عينة من الحمض النووي الخاص بهم في الفضاء، ويمكن أخذ العينة وهم على قيد الحياة باستخدام مسحة الخد، أو يمكن أخذها بعد الوفاة.
ويمكن لبعض الأشخاص اختيار إطلاق حمضهم النووي في الفضاء خلال حياتهم لكي يتمكنوا من الاستمتاع بالتجربة بأنفسهم.
وتجمع رحلة شركة «سيليستيس» الأميركية المقبلة، التي ستنطلق في وقت لاحق من هذا العام، بين كثير من الخيارات؛ حيث ستجمع بين رفات الممثلة نيشيل نيكولز، نجمة مسلسل «ستار تريك»، والحمض النووي لزميلها في المسلسل «ديفورست كيلي»، ليلحق الاثنان برفات مؤلف المسلسل جين رودينبيري، التي ذهبت للفضاء في عام 1997.
وأعلنت الشركة الشهر الماضي أن رفات نيشيل نيكولز، ممثلة المسلسل الأميركي الشهير «ستار تريك»، التي توفيت في 30 يوليو (تموز) عن عمر ناهز 89 عاماً ستكون على متن رحلتها الأولى، وأعلنت الخميس الماضي انضمام الحمض النووي لممثل آخر من أبطال المسلسل إلى الرحلة، وهو الممثل «ديفورست كيلي»، الذي توفى في 11 يونيو (حزيران) 1999.
وقال كريس إم سميث، صديق كيلي الذي قدّم عينة الحمض النووي عبر خصلة من شعره: «تبرعت بخصلة الشعر حتى يتمكن كيلي من الانضمام إلى زملائه في المسلسل في رحلتهم الأبدية إلى الفضاء بين النجوم، أعتقد أنه كان سيحب الذهاب إلى المجرات مرة أخرى مع فريق العمل وزملائه».


مقالات ذات صلة

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يوميات الشرق يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (إكس) play-circle 01:45

رئيس «الخدمات الجيومكانية» في «نيو للفضاء»: سنطلق تطبيقاً للخرائط الرقمية

تمضي السعودية نحو مساعيها في التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات جديدة ومستقبلية، يبرز من ضمنها قطاع الفضاء بوصفه أحد القطاعات التي يتسارع فيها التقدم.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».