معركة كسر شوكة الدولار... «خيار الأعداء» و«باب خلفي للأصدقاء»

اتفاق «قوة سيبيريا» يفتح الباب لتشكيل محور تحدي «العملة الخضراء»

مسنة تمر بجانب مكتب صرافة يعرض أسعار صرف اليورو والدولار الأميركي إلى الروبل الروسي في العاصمة موسكو (إ.ب.أ)
مسنة تمر بجانب مكتب صرافة يعرض أسعار صرف اليورو والدولار الأميركي إلى الروبل الروسي في العاصمة موسكو (إ.ب.أ)
TT

معركة كسر شوكة الدولار... «خيار الأعداء» و«باب خلفي للأصدقاء»

مسنة تمر بجانب مكتب صرافة يعرض أسعار صرف اليورو والدولار الأميركي إلى الروبل الروسي في العاصمة موسكو (إ.ب.أ)
مسنة تمر بجانب مكتب صرافة يعرض أسعار صرف اليورو والدولار الأميركي إلى الروبل الروسي في العاصمة موسكو (إ.ب.أ)

خلال الأيام الخوالي، والتي امتدت منذ نهاية الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي (المتفكك) وحتى بدايات عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، دأبت روسيا على النفي الرسمي لمساعيها للنأي عن الدولار أو استبدال هيمنته على مسارات التجارة والمالية العالمية، رغم أن موسكو كانت بالفعل قد بدأت «خطوات تجريبية» واسعة النطاق - مثل غيرها من دول العالم - ليوم التطبيق الفعلي لهذه الخطوة.
خلال الأعوام الأخيرة، ومع اضطراب العلاقات التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين على وجه الأرض، أميركا والصين، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، تبين أن الصين كانت سباقة بدورها في محاولات الافتكاك من سيطرة الدولار، وإن كان تركيزها انصب مذاك الحين على استغلال ضعف اليوان في ضرب الاقتصاد الأميركي (والأوروبي) عبر التنافسية غير القابلة للهزيمة.
كما سارت بكين على خط موازٍ عبر المضي قدما في تطوير الرينمبي (اليوان) الرقمي كعملة سيادية إلكترونية أكثر موثوقية من غيرها من العملات المشفرة، ومضمونة من دولة كبرى مع عدد هائل متوقع من التداولات من خلال مئات الملايين من المستخدمين داخليا على أقل تقدير، ما يؤهلها لتكون عملة تجارة دولية بامتياز.
أيضاً خلال الأعوام الماضية، فإن عددا من الدول «المغضوب عليها أميركيا» سعت للهروب من طوق العقوبات التي تترصد اقتصاداتها وتعوق حركاتها المفروضة بالدولار، عبر أبواب خلفية، ومن بين المحاولات على سبيل المثال كانت تحركات كل من فنزويلا أو إيران خلال سنوات العقوبات لتهريب النفط، أو اعتماد الأولى «البترو» (وهي عملة مشفرة تصدرها فنزويلا بضمان النفط).

الفرصة الذهبية

لكن المحاولات الفردية، أو مع شركاء أصغر حجما لم تتجاوز المراحل التجريبية في المعركة... البداية الحقيقية لتفعيل التحرك في مواجهة هيمنة الدولار كانت على ما يبدو حين التقت إرادة كل من موسكو وبكين، بما تمثلانه من قوتين استراتيجيتين عظميين، يؤهل تحالفهما لتشكيل نواة محور قوي يمكن البناء عليه لاستقطاب مزيد من الدول لاحقا.
فمنذ فرض عقوبات على روسيا، ومحاولات التضييق على مسارات صادراتها الطاقوية (التي تمثل عصبا حساسا للاقتصاد الروسي)، وجدت الصين (التي تسمى «مصنع العالم» وأكبر مستهلك للطاقة على وجه الأرض) ضالتها وفرصتها في شراء كميات كبرى من الطاقة الرخيصة (نسبيا وسط أسواق مشتعلة) سواء للاستخدام أو للتخزين، لتشير الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية إلى أن روسيا أصبحت أكبر مصدر للطاقة إلى الصين خلال الشهور الأخيرة.
ومنذ نهاية عام 2019، أطلقت موسكو وبكين خط أنابيب «قوة سيبيريا» الذي ينقل الغاز الروسي من سيبيريا إلى شنغهاي، بقدرة 38 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 30 عاماً.
وفي مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، تسربت أنباء عن تواصل الطرفين لتفعيل اتفاقات رسمية تنص على شراء الصين للطاقة الروسية باستخدام العملات المحلية للطرفين (اليوان والروبل)، وهو ما يعني النأي بما قيمته تريليونات الدولارات عن مسارات السيطرة الأميركية على النظام التجاري العالمي، كما أنه سيعد اتفاقا رابحا للطرفين، من حصول الصين على طاقة ثابتة ورخيصة، وضمان روسيا لتصدير طاقتها رغم العقوبات... بل إن الصين قد تصبح «محطة» لإعادة تصدير الطاقة الروسية حال الحاجة لذلك.

بكين مستاءة

روسيا ليست وحدها المتأففة من معاملة الغرب، فقد دعت وزارة الخارجية الصينية ألمانيا يوم الجمعة، إلى اتخاذ سياسة «عملية ومنطقية» باتجاه الصين، وذلك عقب تقرير يفيد بأن برلين تقوم بمراجعة استراتيجيتها التجارية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ إن أكبر اقتصاد في أوروبا يجب أن يضع «طاقة إيجابية» في التعاون ذي النفع المتبادل مع الصين، وذلك عقب تقرير يفيد بأن الحكومة الألمانية تتطلع إلى خفض الاعتماد الاقتصادي على الصين، ربما عن طريق إنهاء بعض الدعم للشركات الألمانية العاملة هناك، مثل الضمانات الحكومية للاستثمار والتصدير. ووصفت ماو مثل تلك الإجراءات بأنها «سخيفة للغاية».
وبحسب التقرير، تريد الحكومة الألمانية أيضاً تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، ومزيد من التعامل بالمثل في التجارة مع الصين. وتردد أن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى قد تناقش إمكانية تحريك شكوى أمام منظمة التجارة العالمية ضد قيود الصين. وردت ماو بالقول: «دائما ما تتبع الصين قواعد منظمة التجارة العالمية»، مضيفة أنه حال تحريك شكوى، سوف تدافع بكين عن حقوقها ومصالحها بموجب قواعد المنظمة.
علامات موازية

وفي إطار النظرة العامة لمعركة تحدي الدولار، فإن إلقاء نظرة على سوق العملات المشفرة قد يكون هاما، إذ أنها تعد تلقائيا إحدى أبرز نوافذ التهرب من سيطرة العملة الأميركية، سواء من الدول المغضوب عليها، أو من الأفراد الذين لا يريدون تتبع أموالهم.
وخلال الأسبوع الأخير، عادت «بتكوين» لما فوق 20 ألف دولار للوحدة، وهو ما يدل على رواج بيعها وبكثافة مع أخواتها من العملات المشفرة، وقد يكون الأمر واضحا الآن أن أسواق هذه العملات تنشط مع زيادة التهديدات التي يوجهها الغرب إلى روسيا أو الصين.
وبالتوازي، أعلن البنك المركزي الروسي مؤخراً تمديد القيود على تداول الأفراد العملات الأجنبية نقدا، بما لا يزيد عن 10 آلاف دولار أو يورو لمدة ستة أشهر، حتى 9 مارس (آذار) عام 2023.
وذكر بيان البنك، أنه «تم تمديد القيود المفروضة على شراء العملات الأجنبية لمدة 6 أشهر أخرى حتى 9 مارس 2023، بما لا يزيد عن 10 آلاف دولار أو ما يعادلها باليورو، ليدخل هذا القرار حيز التنفيذ اعتباراً من 9 سبتمبر (أيلول) 2022».
وفي مطلع مارس الماضي، فرض البنك المركزي الروسي قيودا على تداول النقد الأجنبي في البلاد، وحظرت الهيئة التنظيمية شراء العملات نقدا من قبل الأفراد وقيدت سحبها نقدا من الودائع بما لا يزيد عن 10 آلاف دولار لمدة ستة أشهر من 9 مارس وحتى 9 سبتمبر 2022. وجاء هذا التحرك إثر فرض الغرب عقوبات مالية واقتصادية واسعة ردا على قيام موسكو بغزو أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي.

تحركات مضادة

مقابل التحركات الصينية والروسية، لا تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي. وأخيرا بدأت واشنطن سلسلة اجتماعات مع وزراء من دول آسيا وجزر الهادئ في إطار قمة اقتصادية تهدف لمواجهة نفوذ الصين المتزايد في المنطقة.
وتأمل إدارة بايدن من خلال الشراكة التجارية الجديدة تعزيز حضورها في منطقة شعرت بأنها أهملت في عهد سلفه دونالد ترمب، إذ أعلن الأخير في ظل سياسته الانعزالية القائمة على مبدأ «أميركا أولا»، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» التجارية والتي ينصب تركيزها على آسيا، في خطوة رأى البعض أنها تفسح المجال للصين للهيمنة في منطقة تعد غاية في الأهمية من الناحية الاقتصادية بالنسبة للعالم.
وقالت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو في مستهل القمة إن «الوقت حان لتكون لدى الولايات المتحدة رؤية اقتصادية ملموسة في المنطقة»، مشيرة إلى أن الدول الـ14 المنضوية في الحلف تساهم في أكثر من 40 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي.
وتأمل واشنطن وضع معايير مشتركة على مستوى المنطقة، لكن من دون الترويج للوصول إلى سوقها المحلية على شكل اتفاقية تقليدية للتجارة الحرة. وستركز المحادثات على أربع نقاط رئيسية: الاقتصاد الرقمي وسلاسل الإمداد والطاقة النظيفة ومكافحة الفساد. وواجه الحلف انتقادات على اعتباره مجرد كلام فارغ تعد قيمته رمزية ليس إلا.
لكن الحديث عن اتفاقيات للتجارة الحرة لا يحظى بشعبية في الولايات المتحدة، حيث يعتبر الرأي العام أنها تشكل تهديدا للوظائف الأميركية. ويضم «الإطار الاقتصادي للازدهار في المحيطين الهندي والهادئ» الولايات المتحدة وأستراليا وبروناي وفيجي والهند وإندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا ونيوزيلندا والفيليبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام.
يعد الحلف نظريا «منصة مفتوحة» يمكن في مرحلة ما بأن تنضم إليه دول أخرى، لكنه لا يشمل تايوان، الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبر الصين أنها جزء من أراضيها.

مصالح لـ«الأصدقاء أيضاً»:

رغم أن حاجة الدول المغضوب عليها مثل روسيا والصين أكبر للتخلص من هيمنة الدولار، إلا أن الدول الصديقة أيضاً قد تكون مرتاحة للمضي قدما في إضعاف سيطرة الدولار عالميا، وذلك نتيجة لقوة الدولار التاريخية الحالية، حيث تراجع اليورو أمامه إلى ما دون التوازن، وهو مستوى غير مسبوق على الإطلاق منذ بدء التعامل بالعملة الأوروبية الموحدة قبل بداية الألفية الحالية. كما أن الجنيه الإسترليني يواجه ذات المصير، إذ بلغ أدنى مستوياته مقابل العملة الأميركية منذ عام 1985، وقد يصل بدوره إلى منطقة التعادل التي لم يسبق بلوغها تاريخيا حال استمرار تردي الأوضاع محليا في المملكة المتحدة.
ولا يجب أن يغيب الين الياباني عن الأعين أيضاً، إذ أنه في أدنى مستوياته بدوره مقابل الدولار، لدرجة أثارت قلق الحكومة والبرلمان اليابانيين. ورغم أن ضعف العملات المحلية (الين مثالا) يمنحها قوة تجارية وتنافسية أكبر مقابل الدولار، خاصةً في الدول الصناعية الكبرى، وكذلك يمنح أسواقها المالية وأوراقها السيادية أفضلية لرخص أسعار شرائها، إلا أنه يؤثر من جهة أخرى بشكل حاد على المالية العامة للدولة وقد يخل بموازينها، كما أنه يتسبب في رفع عوائد السندات والديون وفوائدها (باحتساب المقابل بالدولار).
وفي أوقات الرخاء الاقتصادي والنمو، فقد يكون الشق الأول أهم، نابعا من جذب الاستثمارات الأجنبية ورواج تصدير السلع المحلية... لكن في حالات الركود والتضخم، فإن الرهان قد يكون عكسيا، خاصةً مع ضخ حزم الإنقاذ في المالية العامة.
ولذلك فإن دولا صديقة لأميركا قد لا تعوق تقدم خطط إضعاف الدولار، بل قد تدعهما بشكل أو بآخر من تحت الطاولة.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.