«كأنها معي»... عندما تتداخل قيم الثورة مع قيم الحب

رواية لعلي خيون حققت معادلة فنية وسردية وحياتية صعبة

«كأنها معي»... عندما تتداخل قيم الثورة مع قيم الحب
TT

«كأنها معي»... عندما تتداخل قيم الثورة مع قيم الحب

«كأنها معي»... عندما تتداخل قيم الثورة مع قيم الحب

في حوارها مع المكتبي «خليل المنهل» قالت «أماني الياسين» وهي تقدم له كتابها «غنى القلوب»:
«كتابي حجرٌ جريءٌ أردت أن ألقيه في بِركة ساكنة، لكي تتحرك». (ص 11)
ومثلما أرادت بطلة الرواية أماني الياسين أن تحرك ماء البِركة الساكنة من خلال إلقاء حجرها هذا، كذلك فعل الروائي عندما ألقى هو الآخر حجراً أكبر في روايته «كأنها معي» - دار «أهوار» - ربما ليحرك سكون بحيرة الفعل الروائي. وهذا الحجر، من الناحية السردية يتمثل في زيارة أماني الياسين للمكتبي خليل المنهل، والتي كانت بمثابة الحافز «البروبي» والبنية الإطارية التي ولدت لاحقاً، كل الأحداث والتفاصيل والوقائع التي شهدتها الرواية، فهذا اللقاء كان الشرارة التي حرّكت الماء في البحيرة الساكنة وأشعلت النار في كومة القش المتيبس، حيث ظل المكتبي خليل المنهل هو السارد الرئيسي أو ذات المؤلف الثانية الممسكة بكل خيوط اللعبة السردية. وبذا يشكل اللقاء بين أماني الياسين وخليل المنهل نقطة شروع الحدث الروائي، حيث نبدأ بالتعرف إلى بطلة الرواية أماني الياسين، وهي كما يقول «ابنة بغداد الأبية، ذات اليسر والعافية». (ص 5)، وهي فضلاً عن ذلك تحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وصاحبة مؤلفات أكاديمية مرموقة تدرس في كلية العلوم والسياسة، التي ترأس أحد أقسامها. ونكتشف من خلال استرسال المكتبي خليل المنهل، أنها مُطلقة من التاجر المعروف طلال طوبان الشدهان، مع أنها ما زالت تحمل خاتم زواجها. ويشعر المكتبي خليل المنهل بلهفة للاطلاع على أسرار كتابها المختلف، الذي دفعته له للنشر، واختلافه عن كتبها الأكاديمية الأخرى؛ لأنه كما حدس عن تجربة شخصية مرت بها. وهكذا يخصص الروائي الفصل الثاني لمخطوطة «غنى القلوب» لأماني الياسين؛ مما يجعل الرواية ذات طبيعة ميتاسردية؛ لأنها انطوت على قصة داخل قصة، كما أن أماني قالت: إنها ترى الإنسان موقفاً، وهذا ما سعت إليه في الكتابة. (ص 16).
سنلاحظ عند القراءة، أن هذا النص في الواقع نص روائي ينتمي إلى رواية السيرة الذاتية الأنثوية، تحديداً Autobiography (الأوتوبيوغرافية)، وبذا نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع مخطوطة الدكتورة (أماني الياسين) التي شغلت الفصل الثاني بكامله، واحتلت سبعين صفحة، أي بما يعادل ثلث المتن الروائي.
تستهل أماني الياسين مخطوطتها بسرد ذاتي (أوتوبيوغرافي) مبأر عبر توظيف ضمير المتكلم (أنا):
«أنفقت عمري في توفير قناعات صعبة لنفسي، كي تستمر الحياة على أصولها». (ص 15).
وتكشف أماني الياسين في مخطوطتها عن تجربتها الحياتية، وبشكل خاص العاطفية منها، والتي تعرفت فيها إلى شخصية «خالد الغانم» الذي كان يجلس يومياً على مقعد في حديقة عامة تطل على شباكها، ليقتنص لحظة مشاهدتها:
«واجهتني تلك الأفكار الصعبة مبكراً عندما لاحظت تعلق ذلك الشاب الشديد بي، فقد كان يتبعني كل يوم من المدرسة إلى البيت، ثم يجلس ويقرأ، وهو ينتظر إطلالتي من الشباك العلوي». (ص 18).
وعلى الرغم من كل المعوقات التي تقف بين أماني وهذا الشاب العاشق فقد نما الحب، متحدياً المعوقات الاجتماعية والطبقية، فهي تنتمي إلى أسرة غنية، بينما هو ينتمي إلى أسرة فقيرة أو تحت خط الفقر، وقد اعترفت أماني بأن أباها «رفض ذلك بسبب التفاوت الطبقي». (ص 66).
إلا أن قصة حب رومانسي جارف راحت تشدهما حتى نهاية الرواية. ويدخل العاشق خالد الغانم على خط السرد من خلال سلسلة من الرسائل المتبادلة بينهما، تقوم بنقلها الخادمة حليمة، ويعلن خالد الغانم، أنه إنما يفعل هنا ما سبق وأن فعله الشاب «فيرتر» بطل الكاتب الألماني غوته في روايته «آلام فيرتر»، عندما خلّد قصة حبه لحبيبته شارلوت من خلال سلسلة من الرسائل الموجهة إلى حبيبته.
ويبدو أن هذه الفوارق الاجتماعية والطبقية بين أماني وخالد كانت حافزاً كبيراً لهما للتفوق وتأكيد الذات. إذْ اجتهد خالد حتى حصل على الدكتوراه، وبدورها استطاعت أماني أن تستثمر نفيها إلى بيروت لتكون تحت رقابة أبيها وزوجته اللبنانية، فأكملت دراستها العليا، وحصلت على الدكتوراه في القانون. وشاءت المصادفات أن يلتقي الحبيبان في معرض القاهرة للكتاب، وهو يوقّع كتابه الجديد «كأنها معي»، في إشارة تناص واضحة لعنوان الرواية، لطابور من القراء حوله. وقد علقت إحدى القارئات على الكتاب، وكأنها تلخص قصة الحب العذري هذا بين الحبيبين:
«إنها رسائل حب كُتبت لحبيبة بعيدة، لم تطلع عليها، إنها فكرة جديدة في منتهى الرومانسية، والمؤلف يقول: إنها قصة حقيقية، وقعت له». (ص 64).
وتبلغ عملية تحدي الحبيبين للمعوقات، باشتراكهما في انتفاضة تشرين؛ إذْ تُشاهد أماني الياسين في شاشات التلفزيون، وهي تتصدر المظاهرات الجماهيرية الغاضبة في ساحة التحرير، كما ينضم خالد الغانم إلى المتظاهرين، حيث نجده يتحدث لقرائه عن كتابه «كأنها معي» في إشارة واضحة تناصية أخرى لعنوان الرواية،:
«انظر، إنه خالد مرزوق الغانم، يشارك في التجمع الشعبي، ويتحدث لقرائه عن كتابه (كأنها معي) الذي يضم رسائل أدبية ذات طابع فلسفي لحبيبته أماني». (ص 229).
وبهذه اللمسة الوطنية الثورية تنتهي الرواية، حيث يتحول الحب الصادق إلى نسغ يروي عروق الثورة والانتفاضة التشرينية، وتندمج قيم الثورة مع قيم الحب في وحدة موضوعية وإنسانية خالدة؛ مما يجعل الرواية تحلق بجناحين هما جناح الحب، وجناح الثورة. أن هذه النهاية المفتوحة دعوة مفتوحة للتأويل والتأمل والمساءلة في قيم الحياة والحب والثورة والجمال معاً.
ومثلما حرك المؤلف بحيرته السردية الساكنة بهذا الحجر الكبير نراه لا يظل حبيس حبكة واحدة، هي حبكة الحب العذري بين الحبيبين، وأسير مكان واحد فقط هو بغداد. بل يتحرك داخل العراق وخارجه، فنرى أماني في بيروت كما نرى خالد في القاهرة، وبذا يتسع الفضاء المكاني والزماني للرواية، كما تنزل الرواية إلى الأعماق السفلى للمجتمع من خلال زيارة أماني إلى المنطقة الشعبية الفقيرة التي كان يقيم فيها خالد الغانم وأسرته، وكذلك من خلال شراء المكتبي خليل المنهل مكتبة أماني الياسين ونقلها إلى مخزن قريب من شارع المتنبي، لكنه يكتشف، بعد فترة قصيرة أن هذه الكتب قد سُرقت من المكتبة، ووجد بدلاً منها عائلة فقيرة قد استقرت في المخزن. وقد اكتشف خليل المنهل أن سارق الكتب شخص معروف بـ«المسلول»، وأن هذه العائلة الفقيرة التي تضم الأب راضي الراضي وزوجته رضية وأطفالهما، هي التي سكنت في هذا المخزن الخاوي، مضطرة، ونجد المكتبي خليل وهو يتساءل عن مصير كتبه:
«اسمع أخي، ببساط متناهية، أنا خليل فرحان المنهل، بائع في شارع المتنبي. هذا المخزن وضعت فيه آخر مكتبة اشتريتها من عائلة أستاذة جامعية... وأنا أسألك أين الكتب؟» (ص 109).
ويقودنا هذا اللقاء بين المكتبي خليل المنهل والرجل الذي احتل مخزنه، والذي يحمل اسم راضي الراضي إلى عالم الفقراء، والمشردين، الذين يجدون أنفسهم فجأة بلا مأوى، بعد أن طُردوا من بيوتهم التي هدمت لكي يُشيّد بدلاً عنها (مول) كبير، فاضطروا إلى البحث عن مأوى بديل من خلال قيامهم بالتجاوز على ممتلكات الآخرين.
ونكتشف أن هذا العالم مليء بالصدق والأمانة والبراءة، وأن خالد الغانم كان يعطف على راضي الراضي، بل ودعاه إلى الذهاب إلى ساحة التحرير للمشاركة في انتفاضة تشرين والمطالبة بحقوقه الضائعة:
«أيعرف خالد الغانم أنكم هنا؟
- أرسل لنا من يخبرنا بضرورة الخروج للمطالبة بحقوقنا في ساحة التحرير». (ص 112).
كما ناول راضي الراضي المكتبي خليل المنهل ورقة بخط أمينة الياسين كان قد عثر عليها في أحد كتبها:
«أحب الفقراء بسبب خالد الغانم. كان فقير الحال، غني النفس، ثري الروح، مثقفاً، وراهنت على أن الفقراء كلهم، في جوهرهم مثل خالد». (ص 113).
وهكذا فقد خرجت الرواية من حبكة الحب الرومانسي إلى عالم المسحوقين، وقيمهم التي لا تختلف عن قيم عالم الأثرياء وأبناء الطبقات الغنية. وبذا؛ فقد منح هذا التناول بعداً اجتماعياً وإنسانياً أرضياً، وربما وطنياً عندما التحمت هموم جميع المواطنين والوطنيين في الحرص على حرية الوطن وسعادته تحت راية انتفاضة تشرين في ساحة التحرير، وفي كل ساحات العراق المنتفضة تحت شعار «أريد وطن».
لقد اشتغل الروائي بذكاء ومهارة في نسج خيوط تجربته الروائية من خلال تعالق الخطابات واللغات والحبكات المختلفة لتشكل في النهاية تجربة إنسانية شفافة ورقيقة، مظهرها الخارجي الحب الرومانسي الجارف الذي ربط بين حبيبين فرقت بينهما الفوارق الاجتماعية والطبقية، لكن جوهرها الحقيقي، هذا اللقاء الإنساني العظيم بين الحب والوطن وقضية الحرية، فأصبحت الرواية نشيدا للحب ونشيدا للوطن في آن واحد، وبذا فقد حلقت الرواية بجناحين، جناح الحب الرومانسي العذري، وجناح الواقع الاجتماعي المطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والمتمثل بانتفاضة تشرين الجماهيرية، فحققت معادلة فنية وسردية وحياتية صعبة، جعلت منها رواية تضج بالحياة والأمل والحب والجمال.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».