في مشاهد «لافتة» من الأداء الحركي، تناول العرض المسرحي الإيطالي «الوهم»، الذي يعرض ضمن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، «رمزية» الحب والموت. وخلا العرض من فكرة القصة أو «الحدوتة» التقليدية التي تتكون من بداية ووسط ونهاية عبر حبكة متصاعدة تعتمد على التشويق في انتظار مفاجآت النهاية، فبدلاً من ذلك، اعتمدت المسرحية على الأداء الحركي المفعم بالحيوية والاستعراضات الغنائية التي تسيطر على العمل من بدايته إلى نهايته بينما الخط القصصي الوحيد يأتي متضمناً في سياق تلك الأغاني.
بدأ العرض المسرحي، بداية «لافتة»، فثمة ستارة بيضاء يتوسطها قلب وسط إضاءة شديدة الخفوت. يظهر عدد من الفتيات متشحات بالزي الأسود، يلقين بأوراق عديدة على خشبة المسرح على شكل مراكب. تبدو كل فتاة في أفضل حالاتها، فتصنع بيديها أشكالاً من الفراشات والورود تنعكس بظلالها على الستار. تتوهج خشبة المسرح بلهب الحب عبر شاب وسيم يناجي محبوبته على هذه الخلفية الرومانتيكية. يزداد عدد المراكب مع تصاعد الموسيقى تدريجياً في ظل وجود ما ينذر بالخطر فتتصاعد همهمات الفتيات وكأنهن يلقين تعويذة سحرية تحذر من كارثة على وشك التحقق. تظهر إحدى الجثث دون مقدمات، فتخفت الموسيقى ثم تتحول إلى لحن جنائزي طويل وحزين.
ورغم طابعه الاستعراضي الغنائي، لا يخلو العمل من الحد الأدنى من الإطار الدرامي الذي يتسم بالرمز واللاواقعية، من خلال قصة الحب التي تنشأ في البداية بين الشاب والفتاة، وكيف يبحران عبر الخيال، إلى بحيرة بعيدة لينعما سوياً بالخصوصية والعزلة، حيث لا يوجد من يعكر صفوهما وهما يبحران وسط الموج الأزرق الهادئ بقارب صغير قبل أن تظهر تلك الجثة.
يعد ظهور تلك الجثة بمثابة جرس إنذار أو نقطة تحول تجعل الجميع يتخلى عن أنانيته وسعادته الفردية ليفكر في الهم الجمعي للبشر وآلامهم على نحو قد يعيد إلى أذهان البعض بعض القضايا الواقعية ذات الصلة مثل، قضية ضحايا (الهجرة غير المشروعة) الذين يسافرون من دون أي اشتراطات أمان بحثاً عن (فرصة)، فإذا بهم في نهاية المطاف (جثث) يحملها الموج إلى الشاطئ.
المسرحية أخرجها فابيو أمودي، وشخصتها فرقة «أكاديمية مسرح روما صوفيا أميندوليا» على مدى 55 دقيقة، وقد أحسن أمودي توظيف عناصر الإضاءة والمؤثرات الصوتية والأداء الحركي للممثلين، بحيث تصبح كل هذه الأدوات طيعة وسلسة وكأنها بديل للحوار وهنا يظهر التحدي الأكبر، فقد أراد المخرج أن يكون الديكور والملابس والغناء المتراوح بين الهمس والصياح هي فقط أداة التعبير دون الحاجة للغة الإيطالية وهو ما ربما يفسر عرض المسرحية دون ترجمة.
ويوضح المسرحي السعودي، سامي الزهراني، رئيس فرقة مسرح الطائف، أن «عنصر اللغة على خشبة المسرح ربما يكون أحد أكثر عناصر ضعفاً في أي عرض، نظراً لما يفرضه من حاجة للتأويل أو الترجمة، وكلما كان العمل له طابع عالمي تخلص من اللغة المنطوقة إلى أقصى حد، وهو ما تحقق في (الوهم)»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «اللغة هنا هي لغة الجسد، التي لا تحتاج إلى ترجمة ويستطيع كل متفرج أن يفسرها حسبما يتراءى له».
ويضيف الزهراني أن العرض يتضمن توظيفاً بارعاً لفكرة الرمز من خلال ثنائية الطاووس والفراشة، فالأول يمثل الرجل، بينما الثانية تشير إلى المرأة، مشيراً إلى أن «العمل في مجمله يتسم بالحيوية والرشاقة وسرعة الإيقاع».
ويشيد الناقد والباحث المسرحي، عبد الكريم الحجراوي، بالإيقاع الحركي الذي استطاع تجسيد الحالة النفسية للشخصيات وتحولاتها الحادة من الرومانسية إلى الصدمة إلى الغضب، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «العمل اعتمد على الصراع الدرامي بين الحب والموت كثنائية قائمة منذ القدم، تم تجسيدها من خلال تقنيات بسيطة مثل الاستعانة بـ(خيال الظل) لترسم تفاصيل الحدث بشكل رمزي، كما جاءت سينوغرافيا العرض مقتصدة فلم تقع في (فخ) الإبهار البصري والاستخدام المفرط للتكنولوجيا».
«الوهم» مسرحية إيطالية تتناول «رمزية» الحب والموت
تعرض ضمن «المهرجان التجريبي» في مصر
«الوهم» مسرحية إيطالية تتناول «رمزية» الحب والموت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة