القادة في مواجهة التاريخ

هنري كسينجر (أرشيفية-رويترز)
هنري كسينجر (أرشيفية-رويترز)
TT

القادة في مواجهة التاريخ

هنري كسينجر (أرشيفية-رويترز)
هنري كسينجر (أرشيفية-رويترز)

عندما سئل هنري كسينجر عن رأيه بانتخاب الرئيس دونالد ترمب، قال: «إنه ظاهرة لم تعتد عليها الدول. فهو يضع أميركا والأميركيين أولاً، ولذلك يحبه الشعب الأميركي». ويتابع كسينجر: «يطرح الرئيس ترمب أسئلة من نوع جديد، على الأخصام كما على الحلفاء». وينصح كسينجر الرئيس بعدم الغرق في الأمور الروتينية على حساب المسائل الأساسية، ويعتبر أن الرئيس أوباما بدأ عملية انسحاب أميركا من السياسة العالمية.
وأصدر كسينجر مؤخراً كتاباً حول القيادة تحت عنوان: «القيادة: ست دراسات حول الاستراتيجية العالمية». في هذا الكتاب، يتناول كسينجر ستة قادة عالميين كانوا قد أثروا في بلدانهم، مثل كونراد أديناور، مارغريت ثاتشر وأنور السادات. لكن السؤال يبقى: هل الإنسان الفرد هو الذي يصنع التاريخ أم العكس؟ هل كان بإمكان أينشتاين أن يبدع لو كان قد ولد قبل 50 عاماً من سنة ولادته؟ وهل عمر الإنسان المحدود جداً (معدل اليوم 65 عاماً وما فوق) قادر على تغيير مجرى التاريخ بثقله وتراكماته؟

القرار التاريخي في اللحظة التاريخية
يقول الكاتب ستيفن جونسون في كتابه «من أين تأتي الأفكار الجيدة»، ما معناه: «إذا كان الإنسان مركباً من شبكات تعمل مع بعضها البعض كي تنتج، فمن الطبيعي أن تأتي الأفكار الجيدة نتيجة لتفاعلات وتراكمات، وتلاقي أمور عدة لها صلة ببعضها البعض». ويتابع جونسون ليقول إن الإبداع يتطلب بيئة مرنة، لينة على غرار الماء. من هنا تزدهر المجتمعات البشرية التي تتمتع بحركية أكثر من غيرها. ماذا يعني مثلاً أن يعطي الرئيس هاري ترومان أمراً باستخدام النووي ضد اليابان؟
بين العام 1982 والعام 1984، حكم يوري أندروبوف الاتحاد السوفياتي خلفاً لليونيد بريجنيف. وأصدر أندروبوف عقيدته التي تقوم على الأسس التالية: «لم يعد الاتحاد السوفياتي قادراً على المنافسة في الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأميركية. فهناك الصراع الجيوسياسي، كما هناك البعد الاقتصادي. والاقتصادي هو الذي يمول الجيوسياسي». وبما أن الاقتصاد السوفياتي كان يعاني، قرر أندروبوف التخفيف من الصراع الجيوسياسي، لصالح الاقتصاد. فهل يلام أندروبوف؟ وهل أصدر عقيدته طوعاً، أم قسراً؟ وما هي التداعيات السلبية على الاتحاد السوفياتي بعد تخفيف الاحتقان الجيوسياسي؟

زمن غورباتشوف
توفي الرئيس غورباتشوف عن عمر يناهز 91 سنة. معه سقط الاتحاد السوفياتي. وهو بشكل ما صانع العالم الذي نعيش فيه اليوم. فهو من تسبب بالقيادة الأحادية الأميركية للعالم لفترة وجيزة من الزمن. وبعد تفكيك الاتحاد السوفياتي، أعلن بوش الأب النظام العالمي الجديد بعد تحرير الكويت.
وغورباتشوف هو من قرر الانسحاب من أفغانستان، تاركاً وراءه المجاهدين الذين سيتحولون لاحقاً إلى تنظيم «القاعدة». ونفذت «القاعدة» أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ومن «القاعدة» انبثق تنظيم داعش الذي غيّر منطقة الشرق الأوسط، خاصةً دول الهلال الخصيب.
غورباتشوف هو أيضاً من زار الصين إبان أزمة ساحة تينانمين، فاعتبره الطلاب الصينيون نموذجاً لهم. لكن الحزب الصيني درس حالته كي يتجنب تفكك الصين. وهو من سهل الوحدة الألمانية. وعندما تسلم القيادة، كانت الإمبراطورية السوفياتية في أقصى امتدادها، ومعه انحسرت إلى أدنى الحدود الممكنة. لكن الانحسار المادي والجغرافي للإمبراطورية لا يعني مطلقاً أنها غابت عن العقول ومن القلوب، ومن الذاكرة الجماعية الروسية. فالإمبراطورية حاقدة عليه، كما لم يرحمه الليبراليون لأنه فشل في «لبرلة» روسيا.
فهل التاريخ هو الذي أتى بغورباتشوف؟ أم الظروف الموضوعية؟ وهل واقع الاتحاد السوفياتي حينها هو الذي دفع به إلى الواجهة؟ ماذا لو أتى وقتها أحد القادة المتشددين، ولعب اللعبة النووية؟ فهل كان نموذج ستالين سينفع؟
تدخل الإمبراطورية السوفياتية اليوم تجربة جديدة مع الرئيس بوتين في أوكرانيا، ليظهر سلوكان مختلفان يتراوحان بين غورباتشوف وبوتين، وهما:
أرخى غورباتشوف الحبل كثيراً لمجتمع تعود على الإكراه والظلم والقوة، فانفرط عقد الإمبراطورية.
واليوم، يحاول بوتين إعادة تركيب الإمبراطورية بالإكراه والقوة والدمار. لكن غاب عن باله أن الوعي هو عملية باتجاه واحد، لا يمكن عكسه. فمن وعى الحرية وذاق طعمها، لا يمكن إعادته بسهولة إلى حضن الديكتاتورية.


مقالات ذات صلة

السلطات الأميركية تلاحق رجلاً يشتبه بقتله 5 أشخاص في تكساس

العالم السلطات الأميركية تلاحق رجلاً يشتبه بقتله 5 أشخاص في تكساس

السلطات الأميركية تلاحق رجلاً يشتبه بقتله 5 أشخاص في تكساس

أعلنت السلطات في ولاية تكساس، اليوم (الاثنين)، أنّها تلاحق رجلاً يشتبه بأنه قتل خمسة أشخاص، بينهم طفل يبلغ ثماني سنوات، بعدما أبدوا انزعاجاً من ممارسته الرماية بالبندقية في حديقة منزله. ويشارك أكثر من مائتي شرطي محليين وفيدراليين في عملية البحث عن الرجل، وهو مكسيكي يدعى فرانشيسكو أوروبيزا، في الولاية الواقعة جنوب الولايات المتحدة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وفي مؤتمر صحافي عقده في نهاية الأسبوع، حذّر غريغ كيبرز شريف مقاطعة سان خاسينتو في شمال هيوستن، من المسلّح الذي وصفه بأنه خطير «وقد يكون موجوداً في أي مكان». وعرضت السلطات جائزة مالية مقدارها 80 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تتيح الوصول إل

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
العالم وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن أمين مجلس الأمن الأرميني قوله إن أرمينيا وأذربيجان ستجريان محادثات في المستقبل القريب بشأن اتفاق سلام لمحاولة تسوية الخلافات القائمة بينهما منذ فترة طويلة، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. ولم يفصح المسؤول أرمين جريجوريان عن توقيت المحادثات أو مكانها أو مستواها.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
العالم مقاتلات روسية تحبط تقدم قوات الاحتياط الأوكرانية بصواريخ «كروز»

مقاتلات روسية تحبط تقدم قوات الاحتياط الأوكرانية بصواريخ «كروز»

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الجمعة)، أن الطيران الروسي شن سلسلة من الضربات الصاروخية البعيدة المدى «كروز»، ما أدى إلى تعطيل تقدم الاحتياطيات الأوكرانية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الألمانية. وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيانها، إن «القوات الجوية الروسية شنت ضربة صاروخية بأسلحة عالية الدقة بعيدة المدى، وأطلقت من الجو على نقاط الانتشار المؤقتة للوحدات الاحتياطية التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، وقد تحقق هدف الضربة، وتم إصابة جميع الأهداف المحددة»، وفقاً لوكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية. وأضافت «الدفاع الروسية» أنه «تم إيقاف نقل احتياطيات العدو إلى مناطق القتال».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نائب لرئيس الوزراء الروسي يؤكد أنه زار باخموت

نائب لرئيس الوزراء الروسي يؤكد أنه زار باخموت

أعلن مارات خوسنولين أحد نواب رئيس الوزراء الروسي، اليوم (الجمعة)، أنه زار مدينة باخموت المدمّرة في شرق أوكرانيا، وتعهد بأن تعيد موسكو بناءها، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال خوسنولين على «تلغرام»ك «لقد زرت أرتيموفسك»، مستخدماً الاسم الروسي لباخموت، مضيفاً: «المدينة متضررة، لكن يمكن إعادة بنائها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.