لماذا تخلت تركيا الآن عن رفضها تطبيع علاقاتها مع سوريا الأسد؟

موسكو تدفع منذ فترة طويلة باتجاه عودة الاتصالات بين أنقرة ودمشق

سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)
سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)
TT

لماذا تخلت تركيا الآن عن رفضها تطبيع علاقاتها مع سوريا الأسد؟

سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)
سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)

أثارت الاستدارة «الحادة» في موقف تركيا تجاه النظام السوري، التي كشفت عنها تصريحات متتابعة من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان ومساعديه والوزراء في حكومته العديد من التساؤلات عن الأسباب والتوقيت ودوافع هذا التحول بعد 11 سنة من الموقف الصلب الرافض لأي حوار مع دمشق. إذ عادة ما يسبق حملة التصريحات الانطلاق في الاتصالات وجهود التطبيع بين تركيا والدول التي ترغب في تحسين العلاقات معها. بداية... لا يمكن فصل التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية لتركيا عن الوضع الداخلي بشقيه السياسي، المتمثل في دخول تركيا مرحلة الاستعداد للانتخابات الرئاسة والبرلمانية المقررة في 18 يونيو (حزيران) 2023، والضغوط التي يتعرض لها إردوغان وحكومته في الملف السوري وتحديدا فيما يتعلق بحل مشكلة اللاجئين السوريين الذين تتصاعد موجات الرفض الداخلي لبقائهم، والاقتصادي المتمثل في أزمة خانقة كان حزب العدالة والتنمية الحاكم وصل إلى السلطة بسبب أزمة مثيلة لها شهدتها البلاد في عام 2001، وخشيته من أن يرحل بسبب غياب الحلول للأزمة كما جاء بسبب قدرته على حل أزمة مشابهة. وهناك منظور آخر يتعلق بمراجعات السياسة الخارجية، ومحاولة تركيا كسر عزلتها في فترة تشهد تغيرات عالمية وإقليمية لا تستطيع أنقرة مواجهتها في ظل أزمات في علاقاتها مع محيطها الإقليمي، ومع جميع الدوائر المهمة كالاتحاد الأوروبي الذي تسعى لعضويته والولايات المتحدة المحكومة بملفات خلافية مزمنة تتصاعد تارة وتخبو أخرى.
في كواليس أنقرة، اشتعلت حرب بين حكومة رجب طيب إردوغان وأحزاب المعارضة التركية التي ترغب في الإجهاز على السلطة لأنها ترى الفرصة مواتية جداً للصعود إلى الحكم في الانتخابات المقبلة، وإنهاء حقبة 21 سنة من حكم إردوغان وحزبه.
وجرى، بالفعل، توظيف ورقة العلاقات مع الجارة سوريا وورقة اللاجئين و«خطأ» سياسة إردوغان وحكومته تجاهها. ووسط كل ذلك كان يدور حديث عن اتصالات على مستوى أجهزة الاستخبارات والأمن تجري في الخفاء وتسرب أخبارا عنها، بحساب، على مدى 5 سنوات، إلا أن أحداً لم يتخيل قول إردوغان بأن هدف بلاده ليس هزيمة النظام السوري بل وجوب تصعيد الاتصالات معه إلى أعلى المستويات.
بعض المحللين، يعتبر أن الاستدارة، التي عكستها التصريحات ليست استدارة سينتج عنها تطبيع قريب مع دمشق بقدر ما هي حركة سريعة من إردوغان لنزع السيف من يد خصومه، والوصول إلى أبعد مما كانوا يعدون به الناخب التركي... ليبرز في المقدمة على طريقة «بيدي لا بيد عمرو». وهذا أسلوب أجاده إردوغان طيلة عقدين من الزمان وأثبت نجاعته في كسب المعارك ضد المعارضة.
بدأت حملة التصريحات التي كشفت عن جهود التقارب التركي مع نظام الأسد بتصريح لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن إجرائه حديثاً قصيراً مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش الاجتماع رفيع المستوى لـ«مجموعة دول عدم الانحياز»، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسها الذي عقد في بلغراد خلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
وأكد جاويش أوغلو أن الدفع باتجاه الحوار بين أنقرة ودمشق جاء من جانب روسيا، وأن الرئيس فلاديمير بوتين «يقترح على تركيا، منذ زمن بعيد، التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد وأن بوتين والمسؤولين الروس قالوا منذ فترة طويلة دعونا نوصلكم بالنظام». وأردف «كانت هناك لقاءات بين أجهزة المخابرات في البلدين لفترة... الآن بدأت مرة أخرى... لمناقشة قضايا مهمة في هذه الاجتماعات».
وتابع الوزير التركي «علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم... يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف».
- غضب واحتجاجات
كلام جاويش أوغلو أشعل ثورة غضب واحتجاجات من جانب السوريين في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال سوريا وصلت إلى حد إحراق علم تركيا. وهو ما استنكرته المعارضة السياسية والعسكرية التركية وتعهدت مع أنقرة بمحاسبة المسؤولين عنه. واتفقت المعارضة وأنقرة على أن ثمة تحريضاً على المظاهرات من جانب النظام وميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي صعدت تركيا هجماتها ضدها في شمال وشرق سوريا بعدما تراجعت عن شن عملية عسكرية ضدها في منبج وتل رفعت بسبب ممانعتي واشنطن وموسكو.
ثم جرى الحديث عن احتمال إجراء اتصال هاتفي بين إردوغان والأسد، استبعدت أنقرة حدوثه في الوقت الحالي. وبعد ذلك خرجت أنباء من إيران عن لقاء محتمل بين إردوغان والأسد على هامش «قمة مجموعة شنغهاي» المقرر عقدها في مدينة سمرقند بأوزبكستان في سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن جاويش أوغلو نفى هذه الأنباء كما نفى توجيه دعوة للأسد للمشاركة في القمة، لكنه أكد أيضاً استعداد أنقرة للحوار مع النظام السوري بلا شروط.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو

تصريحات التقارب مع النظام في دمشق، لم تتوقف عند جاويش أوغلو، بل امتدت إلى الرئيس إردوغان، الذي طالما تهجم شخصياً على الأسد. وحدث تحول في لهجة إردوغان وأعلن، الأسبوع الماضي، أن هدف بلاده في سوريا ليس تحقيق النصر على الأسد، بل محاربة الإرهاب، مؤكداً أن الحوار مع النظام السوري يجب أن «يصل إلى أعلى المستويات».
- طمأنة المعارضة
حقاً الكلام المتتابع عن الحوار والتطبيع مع الأسد أقلق أوساط المعارضة السورية، من نكث أنقرة بوعودها لها والضغط عليها من أجل التنازل للنظام من أجل التخلص من «صداع» أكراد سوريا وتهديداتهم لحدود تركيا الجنوبية.
من أجل ذلك، عقد جاويش أوغلو اجتماعا مع قادة المعارضة السورية، الأربعاء الماضي، وسط توالي الكلام عن الحوار مع النظام والتأكيد على ضرورة التصالح أو تحقيق التوافق معه من أجل تحقيق السلام الدائم في سوريا. واستهدف اللقاء الذي عقد بمقر الخارجية التركية وحضره رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، تقديم رسالة طمأنة للمعارضة بشأن الدعم التركي. وأكد جاويش أوغلو، عقب اللقاء، أن تركيا تقدر وتدعم مساهمة المعارضة السورية في العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا وبدء مفاوضات سياسية وتشكيل حكومة وحدة خلال سنتين تليها انتخابات.
- ضغوط روسيا
الاعتقاد السائد الآن في أوساط المعارضة السورية هو أن ضغوط روسيا على تركيا هي التي أدت إلى رضوخ أنقرة للحوار وإعادة العلاقات مع دمشق. وهو اعتقاد يتبناه ساسة أتراك كبار مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي يرأس حاليا حزب «المستقبل» المعارض. فقد انتقد داود أوغلو، ما وصفه بـ«انجرار حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان وراء المطالب الروسية» وإعادة العلاقات مع النظام السوري، وتسليمه اللاجئين قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وعبر داود أوغلو، الذي كان وزيراً لخارجية تركيا عندما اندلعت الحرب الداخلية في سوريا، عن انزعاجه من التقارب الذي تبديه أنقرة حالياً مع الأسد، والاستدارة التي قام بها إردوغان. وقال داود أوغلو، خلال فعالية لحزبه في أنقرة تحت عنوان «مشكلة الهجرة غير النظامية ومقترحات الحل بتوجيه من عقل الدولة وضمير الأمة» منتقداً «لقد تحولوا جميعاً، وليس جاويش أوغلو فقط؛ بل إردوغان وحليفه رئيس حزب (الحركة القومية) دولت بهشلي؛ لأن بوتين يريد ذلك، بينما لا يقوم النظام السوري بأي خطوات مقابلة، تماماً كما في العلاقات مع مصر. إذا تطورت العلاقات بهذا الشكل، فإن تركيا ستعاني من ذلك».
عموماً، يرى محللون أن تغييرات كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة، من بينها أن بين هذه التغيرات «الحرب الأوكرانية الروسية، وظهور نظام عالمي جديد بعد كوفيد - 19 سواءً على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والعسكري، وظهور تكتلات جديدة في المنطقة والعالم، واكتشاف تركيا أنها لا يمكن أن تبقى بمعزل عن هذه التغيرات وبخاصة مع الدول المجاورة، وإدراكها أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب لانغلاقها على نفسها... ولذا تحركت لتقليص الخلافات في علاقاتها مع دول المنطقة والعالم.
ويضيف معلقون أن السياسة التركية الجديدة حيال بالملف السوري تشي بأن حكومة إردوغان ترغب في إحداث اختراق حقيقي يحسن حظوظها في البقاء على رأس السلطة قبل انتخابات العام المقبل، كون الملف السوري ينعكس على تركيا ومصالحها في الداخل والخارج.
- مطالب متبادلة
المفهوم أن لا صفقات في العلاقات بين الدول بلا ثمن، وفي هذا الإطار كشفت مصادر تركية عن مطالب متبادلة بين أنقرة والنظام السوري من أجل إعادة فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات.
المصادر التي تحدثت إلى صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، قالت إن النظام السوري طرح 5 مطالب على أنقرة تحقيقها قبل فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، تتلخص في إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر باب الهوا إلى سيطرته، وترك السيطرة الكاملة على الممر التجاري بين معبر باب الهوا وصولاً إلى دمشق، بالإضافة إلى الطريق التجاري الواصل بين شرق سوريا - دير الزور والحسكة، وطريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) للنظام، وعدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال والشركات الداعمة للنظام.
أما تركيا فطالبت النظام السوري، بالمقابل، بتطهير مناطق ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بالكامل، والقضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين.
وفي وسط هذا السيل من والمواقف أعلنت دمشق أنه لا حوار قبل الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا. وأكد على هذا المطلب وزير الخارجية فيصل المقداد خلال مباحثاته في موسكو الأسبوع الماضي. وبدوره، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف بلاده الرافض لأي عمل عسكري تركي في شمال سوريا.

وزير الداخلية التركي سليمان صويلو (رويترز)

في المقابل، لا ترى تركيا أن النظام قادر على حماية الأراضي السورية أو القضاء على «التنظيمات الإرهابية» في شمال البلاد، كما أعلن ذلك مراراً وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
وللعلم، تحدثت تقارير عن استعداد تركيا للخروج من منطقة شرق الفرات وشمال سوريا، بشرط أن يلتزم النظام بالقضاء تماما على وجود الميليشيا الكردية على حدود تركيا، والتي تقول أنقرة إنها تلقت دعما من الغرب، وبخاصة من الولايات المتحدة التي تعتبر «الوحدات» حليفا وثيقيا في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا.
- أين يتوزع السوريون في تركيا؟
> أعلنت إدارة الهجرة التركية في أبريل (نيسان) الماضي، أن عدد السوريين تحت «الحماية المؤقتة» في تركيا بلغ 3 ملايين و762 ألفا و686 سوريا يتوزعون في 32 ولاية من ولايات تركيا الإحدى والثمانين.
سجلت تركيا زيادة كبيرة في عدد اللاجئين السوريين منذ العام 2012 إذ سجلت حينها دخول 14234 سوريا، وكانت أكبر زيادة في عدد اللاجئين السوريين عام 2013، إذ سجل 224655 سوريا في ذلك العام.
تأتي ولاية إسطنبول في المرتبة الأولى من حيث عدد السوريين المقيمين فيها بنحو 542 ألفا و602. تليها غازي عنتاب بـ462 ألفا و897، فهطاي بـ433 ألفا و142، فشانلي أورفا بـ430 ألفا و3 سوريين، فأضنة بـ256 ألفا و468، فمرسين بـ242 ألفا و935، فبورصة بـ184 ألفا و363، فإزميربـ149 ألفاً و839، فقونية بـ123 ألفا و627 سوري، فكيليس بـ107 آلاف و214، وتضم ولايات أخرى 829 ألفا و610 سوريين.
- مخاوف السوريين بين التقارب مع النظام وسجالات الانتخابات
> وسط كل الزخم على الساحة السياسية التركية إزاء الملف السوري، ما بين مساعي التقارب بين أنقرة ودمشق، أو التناطح بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، يجد السوريون في تركيا أنفسهم في مأزق.
فهم عالقون بين مخاوف التطبيع مع النظام والاتفاق على إعادتهم بعد الحصول على ضمانات – لا يثقون بها، بشأن أمنهم وحمايتهم -، وبين الضغوط الهائلة في الداخل التركي والنداءات المتصاعدة والوعود بإعادتهم إلى بلادهم بعد انتخابات 2023 حال فوز المعارضة بها.
المخاوف تؤرق نحو 3.7 مليون سوري، قلة قليلة منهم تعيش في مخيمات قرب حدود بلادهم، والغالبية العظمى منتشرة في الولايات والمدن التركية حيث أسس كثيرون حياة مستقرة تشي بأن فكرة العودة لم تعد تخطر على البال.
وفعلاً لا تمر لحظة بلا سجالات في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حول وجود السوريين في تركيا، ومشاركة من حصلوا منهم على الجنسية التركية في الانتخابات المقبلة... ودورهم في صنع المستقبل بعدما أصبحوا مواطنين أتراكا.
ولا يتوقف السجال على أوساط المجتمع التركي، بل بات يمثل ارتدادا لحملات انطلقت منذ أكثر من سنة ضد ما يروج له على أنه «الخطر السوري» أو حتى «الاحتلال». ويتبنى أوميت أوزداغ، رئيس حزب «النصر» التركي القومي المتشدد، حملة مناهضة لبقاء السوريين بالبلاد، في دعوة تثير الانقسام بين مؤيد ورافض لوجود السوريين، وامتدادا إلى من يرون أنه ما كان على تركيا أن تفتح أبوابها إلا للنساء والأطفال والعجائز... ورفض استقبال من هم في سن تمكنهم من البقاء في بلادهم للحرب بدلا من التسكع على الشواطئ وفي شوارع تركيا.
ولقد تجدد السجال بين أوزداغ ووزير الداخلية التركي سليمان صويلو حول مسألة المجنسين السوريين، إذ أكد صويلو أن عدد السوريين المجنسين لا يزيد عن 211 ألفا يحق لـ120 ألفا فقط منهم التصويت في الانتخابات المقبلة. بينما يدعي أوزداغ أن أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية حتى يوليو (تموز) الماضي بلغ مليونا و476 ألفا و368 سوريا، من دون أن يوضح مصدر البيانات التي حصل منها على هذه الأرقام.
وحدهم السوريون هم من يتحملون تبعات التصريحات المستمرة بحقهم والتي ساهمت، إلى حد بعيد، في تأجيج خطاب الكراهية والعنصرية بحقهم في الشارع التركي.
ومع استمرار الحديث عن اللاجئين السوريين ومشاكلهم ونمط حياتهم المختلف - بمن فيهم أولئك الحاصلون على الجنسية التركية – صار كثيرون منهم يسعون إلى مغادرة تركيا نحو أوروبا وطلب اللجوء في دولها، وأصبحت صربيا التي يمكن دخولها بجواز السفر التركي بسهولة من الوجهات التي يقصدها آلاف السوريين كمعبر إلى أوروبا.
في المقابل، قسم كبير من السوريين الحاصلين على الجنسية التركية يعيشون في قلق وترقب انتظاراً للانتخابات التركية ونتيجتها، وغالبيتهم يعتقدون أن المعارضة ستلغي، حال فوزها بالانتخابات، الجنسيات الاستثنائية التي حصلوا عليها. وكان ناشطون أتراك أطلقوا حملة على منصات التواصل الاجتماعي لمنع السوريين الحاصلين على الجنسية التركية من المشاركة الاقتراع بعدما كشفت إحصائيات وزارة الداخلية عن أن غالبية السوريين يعيشون في مدينة إسطنبول، تليها غازي عنتاب وهطاي وشانلي أورفا وأضنة ومرسين.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.