طبّق اللبنانيون القول المأثور «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» عندما أطلقوا العنان لمشاعرهم وللغة جسدهم متفاعلين مع موسيقى ميشال فاضل ورودج في حفل «كولوراتورا». ففي ظل أزمة خبز يعيشونها ويقفون بالطوابير ليحصلوا على ربطة، جاءت الموسيقى لتغذي أرواحهم. ففتحوا لها قلوبهم وشرعوا لها صدورهم وأذهانهم كي تسكّن أوجاعهم ولو لساعتين ونصف من الوقت. ووقف الآلاف على الواجهة البحرية في بيروت يهتفون للحياة التي اشتاقوا لطعمها أكثر من الطحين الضائع في دهاليز الدولة اللبنانية.
وفي مشهدية اشتاقوا إليها زحف اللبنانيون بالآلاف نحو مركز البيال وسط بيروت، لاستقبال حفلة «كولوراتورا» التي تحط رحالها لأول مرة في لبنان.
وبعد تأخير ساعة عن موعد افتتاح الحفل، أطل الموسيقيان ميشال فاضل، و«دي جي» رودج على المسرح. فهما فاجآ الحضور بدخولهما القاعة من الخلف، ومرا بين المقاعد وهما يتحدثان عما ينتظر الجمهور في «كولوراتورا». وما أن اعتلى رودج الخشبة وبرفقته ميشال فاضل مفتتحين الحفل بمقطوعة «Ameno» الشهيرة لفريق أيرا، حتى راح الحضور يهتفون فرحاً، حاملين أجهزتهم الخلوية المضاءة يلوحون بها للثنائي الموسيقي تعبيراً عن حماسهم.
ورغم حضور الـ«كورال» على الخشبة لمواكبة الموسيقيين في بعض المقاطع الغنائية، إلا أن الجمهور شكل فريق «كورال» آخر نابعاً من حماسه الكبير. وكان محرك الحفل رودج يستخدمه بين الفينة والأخرى ليلون أجواء الحفل. فكان يطفئ صوت التسجيلات الغنائية التي فاق عددها الـ150 أغنية، ليتيح للحضور سماع صوته المتفاعل مع الحفل. شكلت بيروت العنوان العريض للحفل، بعد أن راح رودج يردد اسمها بين وصلة موسيقية وأخرى في عبارة «هذه هي بيروت التي نريدها»، أو «إنها بيروت المدينة التي لا تموت»، و«بيروت بيروت اشتقنا لك».
وعلى وقع أغانٍ لبنانية وأخرى أجنبية، تشارك الموسيقيان في إحياء الحفل، واحد بعزفه على البيانو، وآخر بتسجيلات صوتية يتقن نقل إيقاعاتها بسرعة.
وتوالت أغانٍ معروفة على مسمع الحضور بينها «زيديني عشقا» لكاظم الساهر، و«اشتقنالك يا بيروت» لكارول صقر، و«انساي» لسعد المجرد، و«حرمت أحبك» و«بتونس بيك» للراحلة وردة الجزائرية وغيرها. كما استمتع الحضور بأغانٍ أجنبية معروفة كـ«بيلا تشاو»، و«On va danser»، و«Jerusalem»، التي قدمها كل من رودج وميشال فاضل في تغليفة موسيقية جديدة.
أما مفاجأة الحفل فتمثلت بإطلالة للشاعر نزار فرنسيس، الذي قدمه ميشال فاضل، واصفاً إياه بالصديق العزيز. وألقى فرنسيس قصيدة عن لبنان أشار فيها إلى مؤامرة تحاك ضده لتجويع الناس وذلهم بأرخص الأثمان. وختمها قائلا: «في ناس عندن نخوة الأوطان بقيوا وما رضيوا يفارقوك ومنهم أنا، حبي إلك إيمان وما بغير هالإيمان مهما غيّروك». ولحقت هذه الوصلة الشعرية مباشرة أغنية «تعلا وتتعمر يا دار» للراحلة صباح. فانتصب الحضور يرددها ويهتف صارخا «لبنان لن تموت».
استُهل الحفل بمشاركة بين نجميه في العزف ولعب الموسيقى. وخصصت بعدها، مساحة لميشال فاضل عزف فيها على البيانو مقطوعات غنائية بمشاركة «الكورال» والأوركسترا على المسرح. ومن بين تلك الأغاني «خطرنا على بالك» لطوني حنا، و«بتونس بيك» للراحلة وردة. ليستلم الـ«دي جي» رودج المسرح من بعده، ويقدم وصلة موسيقية خاصة به.
وفي منتصف الحفل تبدلت المشهدية العامة للحضور، الذين كانوا منقسمين منذ بدايته بين واقفين وجالسين على المقاعد، ليقف الجميع ويبدأ الرقص والتفاعل مع الموسيقى بلا كلل.
وفي الختام وعلى وقع أغنية جوزيف عطية، «لبنان رح يبقى»، ودّع الحضور لحظات الفرح التي عاشوها في «كولوراتورا» بأعلى أصواتهم، تماماً كما يشير عنوان الحفل؛ فـ«كولوراتورا» بالإيطالية تعني أعلى نغمة يمكن الوصول إليها في الغناء الأوبرالي.