أعطى الحكم بالسجن المؤبد الصادر عن محكمة في استوكهولم ضد حميد نوري، نائب المدعي العام السابق في سجن قرب طهران، بتهم ارتكاب جرائم حرب، معارضين إيرانيين الأمل في إمكانية تحقيق العدالة في الإعدامات الجماعية التي شهدتها إيران في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.
وأصدر القضاء السويدي، أمس، حكماً بالحبس مدى الحياة على حميد نوري، وهو أول مسؤول إيراني يحاكم بتهمة الضلوع في عمليات إعدام جماعي أمرت بها طهران في 1988.
وجاءت إدانة نوري بعدما رفضت المحكمة دفاعه الذي اعتمد على نفي أن يكون هو الشخص نفسه محل القضية، بسبب استخدام المتهم المدان اسم حميد عباسي أثناء فترة عمله في السجن.
وقال دفاع نوري أيضاً إنه لم يكن أصلاً موجوداً في سجن «غوهردشت» في نهاية عام 1988، وهي الفترة التي يحاكم فيها. ولكن القاضي توماس زاندر؛ الذي قرأ مقتطفات من الحكم المؤلف من 400 صفحة، قال إن «المحكمة لم تقبل بهذا الدفاع»، وإن الأدلة المقدمة من الادعاء كانت «قوية ومقنعة»، منها شهادات الشهود الـ60 الذين استمعت إليهم المحكمة وفتوى الخميني التي عرضها الادعاء والتي تدعو لقتل المعارضين من «مجاهدي خلق» والأحزاب اليسارية.
ونوه زاندر بأن المحكمة استنتجت أن «نوري كان ضالعاً بالاشتراك والتواطؤ مع آخرين في الإعدامات التي نفذت تطبيقاً لفتوى المرشد الإيراني الأول الخميني».
- لحظة العدالة
من جهته، قال الناشط والكاتب الصحافي إيرج مصداقي، أحد الناجين من الإعدامات ومن المدعين الأساسيين في القضية، إن لحظة صدور الحكم كانت «أهم لحظة في حياة الإيرانيين الساعين للعدالة». وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بعد صدور الحكم، إنه الآن يخطط لخطوات إضافية والسعي لإدانة المسؤولين عن نوري، مسمياً من بينهم الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي الذي ورد اسمه في المحاكمة في استوكهولم على أنه أحد القضاة الأربعة فيما باتت تعرف بـ«لجنة الموت».
وقال مصداقي: «لدينا حكم من محكمة أوروبية اعترفت بوقوع إعدامات عام 1988 بصفتها جريمة كبيرة ضد الإنسانية، وهذا مهم للغاية». وتابع: «بعد أن اعترفت محكمة أوروبية بوقوع هذه الجرائم، فعلى القانون الجنائي الدولي أن يجيبنا. حميد نوري تمت إدانته، كيف يمكن لرئيسي أن يبقى مرحباً به في العالم الحر؟».
وعدّ المحامي البريطاني كنيث لويس، الذي يمثل بعض المدعين بالحق العام من «مجاهدي خلق»، القرار «مهماً للغاية؛ لأنها المرة الأولى التي تبحث فيها محكمة بالغرب في إعدامات 1988»، مضيفاً أن «النظام الإيراني بذل كل ما يمكن لنكران الجرائم وحتى حاول إخفاء الأدلة التي تؤكد وقوعها، مثل تدمير المقابر الجماعية... وغيره، لذلك هذا قرار بالغ الأهمية لمئات الآلاف من الذين عانوا من هذا النظام».
وعدّ لويس أن قرار التعويضات الذي أقرته المحكمة بمبالغ زهيدة لا تتجاوز ما يعادل نحو 3700 يورو «هو الأقل أهمية، لأن الأموال لم تكن يوماً ما يسعى إليه الضحايا».
وعبر لويس عن ارتياحه للحكم الصادر، وقال: «كنت مؤمناً بأنه ستتم إدانته، وأنه سيأخذ حكماً مدى الحياة، ولكن كان ممكناً للمحكمة أن تجده فقط شريكاً في هذه الجرائم الفظيعة، وفي هذه الحالة كان يمكن أن يتم إنزال عقوبة بـ16 أو 18 عاماً وليس مدى الحياة».
والحكم مدى الحياة في السويد يكون عادة بين 20 و25 عاماً، رغم أنه قابل للتمديد. ولكن يمكن أيضا بعد مرور 12 عاماً أن يتقدم المحكوم عليه بطلب تحديد مدة حكمة، ويخرج قبل مرور 20 عاماً.
وكشف دفاع نوري عن أنه سيستأنف الحكم، رغم أنه من غير الواضح على أي أسس قانونية سيعتمد لطلب الاستئناف، خصوصاً أن طلباً كهذا يجب أن يتضمن أدلة جديدة لم تنظر فيها المحكمة الابتدائية.
في حال إطلاق سراحه، فلن يحق لنوري العودة إلى السويد بحسب الحكم الصادر الذي قال إنه سيتم طرده من البلاد من دون السماح له بالعودة.
وقد رحبت زعيمة «مجاهدي خلق»، مريم رجوي، بالحكم الصادر ضد نوري، وعدّته «الخطوة الأولى على طريق العدالة الكاملة». وقالت في بيان إن محاكمة خامنئي ورئيسي والقادة والجناة الآخرين في مجزرة 1988 أمر ضروري أكثر من أي وقت مضى.
وطالبت الحكومة السويدية بأن «تضع على الفور متابعة قضائية ضد رئيسي بصفته سفاح مجزرة 1988 بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجريمة ضد الإنسانية».
وتعرضت السويد لضغوطات سياسية من إيران لإطلاق سراح نوري. وسارعت طهران أمس للتنديد بحكم المحكمة السويدية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني إن «إيران على ثقة تامة بأن الحكم الصادر بحق نوري كان لدوافع سياسية وليست له شرعية قانونية».
واعتقلت السويد نوري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 لدى دخوله إلى مطار استوكهولم لزيارة شخصية، وبدأت محكمته في أغسطس (آب) العام الماضي.
- تحت المجهر
وسلطت المحاكمة اهتماماً على الرئيس المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي يخضع لعقوبات أميركية بسبب أفعاله السابقة والتي تشمل ما تصفه واشنطن ونشطاء بـ«دوره» بصفته واحداً من 4 قضاة أشرفوا على جرائم القتل في عام 1988. ولدى سؤاله عن هذه المزاعم، قال رئيسي للصحافيين بعد انتخابه عام 2021 إنه دافع عن الأمن القومي وحقوق الإنسان.
عادت قضية إعدامات صيف 1988، للواجهة في أغسطس (آب) 2016، بعدما سرب مكتب حسين علي منتظري، نائب الخميني الذي عزل من منصبه لاحقاً، تسجيلاً صوتياً من اجتماعه مع المسؤولين الأربعة فيما تعرف بـ«لجنة الموت» في أغسطس 1988، ومن بين رجال الدين الأربعة، نائب المدعي العام في طهران حينذاك، الرئيس الحالي رئيسي، الذي يعد من أبرز المرشحين لخلافة المرشد الحالي علي خامنئي.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، دافع حسين علي نيري، حاكم الشرع في إعدامات 1988 والذي ترأس «لجنة الموت»، لأول مرة عن تلك الإعدامات. وقال في شهادة نشرت على موقع «مركز وثائق الثورة الإسلامية» إن «الظروف الحرجة للبلاد» دفعت الخميني إلى اتخاذ قرار الإعدامات.
وقال نيري: «لولا القرار، لكان الوضع مختلفاً تماماً، ربما لم يبق النظام مطلقاً»، متهماً جماعة «مجاهدي خلق» بالوقوف وراء الاغتيالات التي حدث في الثمانينات، وقال: «في ظل تلك الأوضاع كان من غير الممكن إدارة البلد باللين واللطف».
- صفقة تبادل
توترت العلاقات بين السويد وإيران بشكل غير مسبوق. ويسمح القانون السويدي للقضاء بمحاكمة المواطنين السويديين والأجانب في جرائم تمثل انتهاكاً للقانون الدولي ارتُكبت خارج السويد. واستدعت طهران السفير السويدي في مايو (أيار) الماضي، في اليوم الذي طالب فيه الادعاء العام السويدي بالسجن المؤبد للمسؤول الإيراني. كما اعتقلت طهران عدداً من السياح الأجانب من الأسابيع الماضية من بينهم سائح سويدي، مما دفع بالخارجية السويدية إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى إيران خشية اعتقالهم لاستخدامهم في مفاوضات لتبادل المعتقلين لاحقاً وإخراج نوري من السجن في السويد. ولكن فكرة إطلاق سراحه وإعادته إلى إيران بعملية تبادل أسرى، لا تبدو أنها تثقل بال المعارضين الإيرانيين. فمصداقي علي الأقل يقول إنه «حتى لو تمت إعادته إلى إيران، فلا فرق بالنسبة إلينا»، فهو حصل على الاعتراف بوقوع الإعدامات من محكمة أوروبية، وهذا بالنسبة إليه كاف للبحث بمحاسبة أوسع للمسؤولين عن الجرائم.