راكمت الأزمات المتعاقبة التي مرت على ليبيا منذ 10 سنوات أعداد المواطنين النازحين داخل البلاد، وعلى الرغم من أن السلطة التنفيذية المؤقتة التي تسلمت مهامها في البلاد مطلع فبراير (شباط) عام 2021 وعدت بحصر أعدادهم فإن هذه القضية لا تزال تراوح في مكانها.
وشهدت مدن ليبية في شرق البلاد وغربها وجنوبها عمليات نزوح لأسباب إما قبلية أو تتعلق بترتيبات عسكرية أو بمحاربة الجماعات المتشددة. وعدا عن عملية النزوح الواسعة لآلاف المواطنين من مناطق جنوب طرابلس العاصمة على خلفية الحرب التي بدأت في الرابع من أبريل (نيسان) 2019، وانتشارهم في بلدات خارج محاور الاقتتال، تأتي عملية نزوح سكان مدينة مُرزق التي تسببت بها اشتباكات محلية، في أغسطس (آب) 2019، ووصفها السكان بـ«المجزرة»، وقُتل فيها نحو 90 شخصاً، وجرح أكثر من 200 آخرين.
وتحدث محمد المهدي، وهو ناشط مدني ينتمي إلى مُرزق، إلى «الشرق الأوسط»، عن جهود تبذل من بعض السياسيين لإعادة النازحين إلى مدينتهم، لكنه قال: «منذ أن تم تشريدهم قبل ثلاث سنوات، والأوضاع على حالها، برغم تعرضهم للانتهاكات والتشريد بالإضافة إلى جرائم حرب شنيعة ارتكبت ضدهم وترافقت مع نهب وحرق لممتلكاتهم».
وبرغم أن المدينة غير صالحة راهناً للسكن، فإن المهدي قال: نأمل خيراً في المستقبل». وكان دعا فور عملية التهجير إلى إجراء «تحقيق دولي» في تشريدهم على يد جماعة من «تبو أوزو التشادية» تقيم في مُرزق، وفق قوله.
ورأى في حينه أن هذه الجماعة «تعاونت مع أبناء عمومتهم من تبو ليبيا وتشاد والنيجر، مدعومين بعصابات إرهابية» لكن قبائل «التبو» من جهتها ترفض هذه الاتهامات.
وأضاف «الحكومة لم تقدم سوى الوعود، لكننا صامدون في الدفاع عن قضيتنا حتى نحقق مطالبنا ومحاسبة المسؤولين والمتورطين في هذه (المجزرة) وإعادة 23 مخطوفاً منذ عامين».
ونزح من مدينة مُرزق، التي شهدت معارك دامت 8 أشهر، قرابة 4 آلاف أسرة، تضم 34 ألف نسمة، بعد إضرام النيران فيها، وفقاً لغالبية السكان، الذين انتقلوا للإقامة في مدن عدة بأنحاء البلاد.
وفي السياق نفسه، تسببت الحرب التي شهدتها بنغازي (شرقاً)، ثاني أكبر المدن الليبية، في عام 2014 ضد «الجماعات الإرهابية» في نزوح مئات الأسر إلى مناطق خارج المدينة. وقبل أيام أوعز عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، بحل الأزمات التي تواجه المهجرين من المنطقة الشرقية، إلا أن دعوته هذه وصفت بـ«المكايدات السياسية».
كما كلف الدبيبة رئيس مجلس إدارة «مصرف الجمهورية» بإصدار تعليماته إلى فروع المصارف التابعة له «لتسهيل إجراءات المهجرين، وإتمام معاملاتهم المالية»، وخاطب مجلس إدارة «صندوق الزكاة» لاعتماد مقترح إنشاء لجنة زكاة خاصة بمهجري المنطقة الشرقية تتبع ديوان الصندوق تحت اسم «لجنة زكاة بنغازي» ومقرها مدينة طرابلس.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، إنها تبذل جهوداً «لمساعدة النازحين بمختلف جنسياتهم في متطلباتهم المعيشية وتوفير أماكن بديلة يتلقون فيها دروسهم. وقالت إن «180 طفلاً وطفلة، من بينهم عدد من النازحين واللاجئين سيتمكنون من الوصول إلى مساحة تعلم آمنة وودية، بعد أعمال التجديد التي أجرتها على مدرستهم في غاب بأقصى الجنوب الليبي». كما لفتت إلى أن «الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية» و«المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» وزعت الأسبوع الماضي مساعدات إيوائية وطرود العناية الشخصية لأكثر من ألف عائلة نازحة من تاورغاء وموزعة على 8 مخيمات في بنغازي وحولها.
وتظل أزمة سكان تاورغاء بغرب ليبيا هي الأبرز في معضلة النزوح داخل الوطن. وأُجبر سكانها، وهي الواقعة على بعد 200 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة طرابلس، على مغادرة منازلهم بشكل جماعي بعد إضرام النيران فيها، عقب «ثورة 17 فبراير» عام 2011 على أيدي ميليشيات من مصراتة المجاورة.
وتقول حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة الدبيبة، إنها تبذل «جهوداً مضاعفة» لإعادتهم إلى مدينتهم، من خلال تشكيل لجنة لحصر مخيماتهم في العاصمة ومدن أخرى، لكن جُل المواطنين يرون أنهم «اعتادوا الوعود الحكومية وملوها» لأنها لا تتحقق حسبهم.
ويعيش سكان تاورغاء في مخيمات ووحدات سكنية مستأجرة بأنحاء ليبيا، بعيداً عن ديارهم التي يبحثون عن أي سبل للعودة إليها، برغم تعاقب الحكومات وتعثر الحلول.
«نازحون داخل الوطن» أزمات ليبيين عابرة للحكومات
«نازحون داخل الوطن» أزمات ليبيين عابرة للحكومات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة