توأمان في موسيقى المغرب العربي

اللغة تتوق لحركة الصوت والزمان أخُو المكان

أحمد وهبي  -  دحمان الحراشي
أحمد وهبي - دحمان الحراشي
TT
20

توأمان في موسيقى المغرب العربي

أحمد وهبي  -  دحمان الحراشي
أحمد وهبي - دحمان الحراشي

تتميز الموسيقى في شمال أفريقيا ومنطقة المغرب العربي خصوصاً بنوع من الانحياز الجمالي لخصوصية المكان في المدى البُعدي للفن، وبحساسية زمنية ترافق حَرَكته على الدوام وتُولد هذا الشكل الإبداعي المركب، الذي يزاوج بين مادتين اثنتين هما: «اللغة التي يغذيها الشعر، والصوت الذي يعكس حركة الإيقاع». إنها حالة توأمة تجمع من جانب بين اللغة والصوت، ومن جانب آخر بين الزمان والمكان.
كثيرة هي الأغاني والإيقاعات الشعبية التي تتغنى بالمكان موضوعاً، غير مجرد بالطبع من عناصره الإيحائية، ومن جمالياته المتنامية، التي لا تكتفي بالبعد الرمزي للمكان، بل تفضي إلى حالات عالية من الأسطورة والتراجيديا في تناولها لفضاءاته المتداخلة، لكن وفق انتظام فني لا يهمل عنصر الزمن الذي يمثل جانبه سياقاً نفسياً واجتماعياً بالغ الأهمية... قد تُمثل هذه القراءة امتداداً لما يعرف بالتنصيف المفاهيمي للموسيقى كمادة، الذي يربط بين التاريخ الزمني وبين المكان، ويعيد في ذات الآن تأطير الفن الموسيقي داخل محور بُعدي سبق لفيلسوف التنوير الألماني لسنج، أن أسس له في كتابه الشهير «لاوكُوُون».
ما يهمنا في هذا الموضوع هو إعادة النظر في موسيقى المغرب العربي، لا باعتبارها لوناً من ألوان الموسيقى العالمية فحسب، بل بالنظر إليها فلسفياً وفق مقاربة ثنائية مزدوجة الدلالة: مادية وبُعدية.
علينا أن ننظر إلى توأمين كُل منهما يحمل توأماً مستقلاً في ذاته، فالزمان والمكان من جهة توأم، واللغة والصوت توأم آخر... نحتاج إلى نظرة ثلاثية الأبعاد ربما!
موسيقى المغرب العربي تؤسس بالفعل لتعلق الكلمة بالإيقاع، فالملحون في شمال المغرب وشرقه، ومثله العاصمي في الجزائر، وموسيقى «المزود» في تونس، والمقامات الحسانية التي تتجسد كنغمات تُدعى «رَدات» في موريتانيا وجنوب المغرب، كلها ألوان رئيسية للموسيقى الأكثر تجذراً في أقطار المغرب العربي، ما يجمعها هو تلك الصلة الوثيقة بين حركة اللغة وحركة الإيقاع، فالشعر المكتوب في هذه الحالة لم يولد من رحم اللغة إلا ليجد له مكاناً في مساحات الإيقاع الشاسعة، فيُغنى ويصبح أنشودة تتجلى وتتوضح في الغناء الذي يحملها حالة ذهنية فتية فيجعلها تختمر داخل فضاء الصوت، ويُخلدها بعد ذلك كخلقٍ إبداعي فني مكتمل الصورة مادياً على الأقل... يعود بنا هذا التصور إلى تصنيف مفاهيمي قديم لأرسطو حين فصل الموسيقى بمادية بديهية تجمع بين اللغة والمسموع الصوتي.
يأخذنا الحديث عن المحليات الموسيقية في المغرب الغربي إلى ألوان أخرى أكثر شيوعاً، إلى موسيقى «المالوف» التي هي من مألوف الطرب المغاربي، ذلك أنها موسيقى تتغنى بروائع الأندلسيات الآتية من زمن الوصل القديم، الذي ظل يحتفظ في ملكوته الخاص بموشحات مغتربة عن ضفة الجنوب المتوسطي، هناك في إيبيريا، حيث التلاقح الثقافي كاد أن يوحد المشرق والغرب... ومثل غيره من ألوان الموسيقى المنتشرة في المغرب العربي، فإن «المالوف» هو الآخر جعل اللغة المتجسدة في الشعر تواقة للغناء، ميالة للإيقاع، فبحركة الصوت ومتعة السماع - لا بغيرهما - تكتمل مادية الفن في هذه الموسيقى، حتى لكأن كل الموشحات الأندلسية ما كُتِبت إلا لِتُغنى!
الحديث عن موسيقى الأندلس في فضاءات المغرب العربي لا يستضيف النوستالجيا فقط، بل يفضي بنا إلى سؤال التوأم الآخر، أي المكان والزمان.
للطرب الأندلسي علاقة مؤثرة بكلا العنصرين، إنه يحتضنهما معاً، فالأندلسيات تتغنى في مقاماتها العديدة بزمن الوصل الذي تُحكى فصوله المتواترة أولاً بأول، لكنها تتغنى أيضاً بفضاء مكاني معروف، هو الفردوس المفقود في وسط الأرض، شمال القارة السمراء غرباً، وجانبَ بحر الظلمات، في المتوسط حيث تفضي الأمواج أخيراً إلى تخوم إيبيريا. كيف لنا ألا نستشعر حالة التراجيديا النابعة من هذا التركيب المكثف للزمان والمكان في لحظة واحدة ونحن نصغي إلى الأندلسيات الكلاسيكية بأصوات مغاربية دافئة النغَم.
ينسحب الأمر على بقية ألوان الموسيقى من شرق المغرب العربي إلى غربه، وفي جنوبه الحساني بموريتانيا، يُعنى أحد المقامات بذكر «النسيب» الذي يجعل الغزل توأماً لعشق المكان والحنين إليه، والواقع أن هذا الغرض قديم في الشعر العربي، فقد دأب الشعراء العرب على تذكر الأطلال نسبة إلى قاطنها «المحبوب»، لكن الطرب الحساني في موريتانيا وجنوب المغرب قد رسخ في موسيقاه علاقة «المَواضِع» بالزمن الغائب، فطالما ترنمت حنجرة الفنانة الموريتانية ذائعة الصيت ديمي بنت آبا بأغانٍ وتوليفات موسيقية تُدعى «الأشْوَار»، تتغنى في صميم بوحها بأماكن لم تكن لِتُذكَر لولا ارتباطها بحقب زمنية بالغة الحساسية في نفوس من يعرفون مآثر الربوع وأهلها وقبائلها وتاريخها الملحمي. وفي المغرب، كثيراً ما عُرفت المدن بأغانيها التي تتغنى بأسمائها وما يميزها من رموز وجماليات. فهذه أغاني مراكش التي تبدأ من أناشيد الصوفية وقصص «السبعة رجال» إلى الأغاني الوطنية التي تفاخر المدن بقدوم الحاكم إلى مراكش البهجة، وفي الشمال نذكر غنائيات «طنجة العالية» و«شفشاون النوارة» وغيرها، وأكثر من أن تُحصى أغاني فاس ومكناس وسائر المدن العتيقة... ولا حاجة للسؤال عن سياق أغنية «وهران رُحتِ خسارة» الشهيرة في الجزائر، التي وصلت إلى ما هو أبعد من ثنائية الزمان والمكان، فما كان يطمح إليه مبدعها الأول أحمد وهبي هو بعث مشاعر الشوق في نفوس من يحن إلى زمن ماض في وهران المدينة، بعد أن توالت مواسم الغربة والفراق، وأقفَرت البلدة من سكانها، لكن العالمية كانت هي منتهى هذه الأغنية الأسطورية... ومثلها «يا الرايح وين مسافر» التي أنشدها دحمان الحراشي في حالة من حالات الأسى على زمن يمر بسرعة ويسرق معه ورود الشباب وصفاء الروح فيه، بينما يسافر الغريب في «بلاد الناس» غير مدرك أن المكان بدلالاته المعروفة ليس هو المشكلة.
حالة أخرى من التوأمة بين الزمان والمكان جسدتها هذه الأغنية التي هي اليوم من أيقونات الطرب الجزائري، ليس في المغرب العربي فحسب، بل في العالم بأسره.

- كاتب وشاعر مغربي


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

فرقة أدونيس... بين «وديان» الموسيقى وسهولها والقمم

جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)
جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)
TT
20

فرقة أدونيس... بين «وديان» الموسيقى وسهولها والقمم

جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)
جيو فيكاني ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة وأنطوني خوري أعضاء فرقة أدونيس (إدارة أعمال الفرقة)

تستوحي فرقة «أدونيس» ألبومها الجديد من الحياة بدروبها الشاقّة، بوديانها وسهولها وقممها الشاهقة. لم يُطلق الموسيقيون اللبنانيون الأربعة على مجموعتهم الغنائية عنوان «وديان» عبثاً. للألبوم حكايةٌ يشبه بطلُها البشرَ العاديين الذين يصلون إلى حافة الهاوية ويختبرون قعرها.

«الناس عموماً، والجيل الصاعد خصوصاً، يريدون موسيقى تشبه الحقيقة وكلاماً مقتبساً من الواقع، وهذا ما نحاول تقديمه». يتحدّث أنطوني خوري، مغنّي الفرقة، لـ«الشرق الأوسط»، عشية إطلاق ألبوم «أدونيس» السابع، والذي يضمّ 12 أغنية.

الرحلة عبر الألبوم والانتقال من أولى أغانيه إلى آخِرها، كما الخروج من مكانٍ صاخب مليء بالناس، والذهاب طوعاً نحو العزلة. لدى «أدونيس» حرصٌ على سرد الحكايات من خلال الموسيقى: «تتنوّع المشاهد أمام عينيْ بطل الألبوم. يسير نحو مكانٍ غير مأهول، يجد نفسه حيناً في الوادي السحيق فينتابه الخوف، وأحياناً على قمة الجبل فتتغيّر انطباعاته».

غلاف ألبوم «وديان» لفرقة أدونيس اللبنانية (إدارة الأعمال)
غلاف ألبوم «وديان» لفرقة أدونيس اللبنانية (إدارة الأعمال)

هذه المشهديّة الطبيعية المتبدّلة انعكست حتماً على مزاج الألبوم وألوانه الموسيقية. صحيح أنّ الهوية الأساسية هي «الإندي روك»، كما في «ناديني»، و«لو بدّك ياني»، إلّا أنّ للـ«RnB» مساحته كذلك في أغانٍ مثل «ما اعرفها». تخوض الفرقة أيضاً تجربة الـbaroque pop حيث يتداخل البوب الهادئ والموسيقى الأوركسترالية في أغنية «الطريق السريع». ومهما تعدّدت الأنواع الموسيقية في «وديان»، يبقى الثابت ذلك الدمج المتقَن والسلس بين الغربي والشرقي، والذي يبلغ ذروته في «خود ساعات».

وفق أنطوني، فإنّ الفرقة حريصة على الهوية التي عُرفت بها، منذ انطلاقتها قبل 14 عاماً؛ أي الروك الكلاسيكي المستقل والناطق باللهجة اللبنانية. لكن في مقابل هذا الثبات، ثمة كثير من التحوّلات. سارت «أدونيس» على إيقاع التجديد في موسيقاها. يعدّد أنطوني مفاتيح التطوّر: «أوّلاً نحب أن نتسلّى بالموسيقى ونصنع ما ليس متوقّعاً. ثم إننا نفتح دائماً باب التعاون مع موسيقيين آخرين آتين من خلفيّات ثقافية متعددة». هذا ما حصل في «وديان»، حيث كانت للمنتج الأردني عمرو الشوملي اليد الطولى في العملية الإنتاجية، إلى جانب المنتجيْن اللبنانييْن تَيم وروبير الأسعد.

في «وديان»، كما في سائر أعمال «أدونيس»، لا يقتصر اللهو بالموسيقى على اللحن، بل ينسحب على الكلام. ليس مستغرباً مثلاً أن تتداخل اللهجتان اللبنانية والأردنية في أغنية مثل «ما اعرفها»؛ «ما المانع في ذلك؟»، كما يعلّق أنطوني مبتسماً. هو الذي أمضى فترات طويلة في عمّان لإنجاز الألبوم، كان لا بدّ من أن يتأثّر باللهجة ويضمّنها إحدى الأغاني.

يتولى أنطوني إضافة إلى الغناء كتابة الأغاني وتلحينها (إدارة الأعمال)
يتولى أنطوني إضافة إلى الغناء كتابة الأغاني وتلحينها (إدارة الأعمال)

يكتب الكلام مستنداً إلى موهبةٍ تتمازج فيها لغة الناس مع مستوى عالٍ من الشاعريّة. يؤلّف الموسيقى كذلك. أما المنتَج النهائي من ألبومات وحفلات، فلا يكتمل دون رفاقه الذين يستمدّ منهم أنطوني الطمأنينة والرغبة في الاستمرار؛ هم عازفو فريق «أدونيس» وشركاء الرحلة الطويلة: نيكولا حكيم، وجويي أبو جودة، وجيو فيكاني.

بعد إطلاق الألبوم، في 10 أبريل (نيسان) الحالي، تقوم الفرقة بجولةٍ تأخذها من أبوظبي والقاهرة، إلى أوروبا وكندا، مروراً بالرياض. كلّما حطّ أنطوني في المملكة العربية السعودية، استرجعَ سنواتٍ من طفولته ومراهقته أمضاها في منطقة الدمّام. «أذكر الهدوء والشعور بالأمان والسكون. في الخُبَر، حصل احتكاكي الأول بالموسيقى. هناك، قررت تطوير موهبتي ومنحتُها مساحتها». ومنذ ذلك الحين، لم يفارق الشاب الثلاثينيّ البيانو، لتنسكب كلماته فوق النغم لاحقاً وتكتمل الخلطة بصوته المتأرجح بين الأداء القويّ والنبرة الحزينة التي لا بدّ منها.

من إحدى حفلات الفرقة (إدارة الأعمال)
من إحدى حفلات الفرقة (إدارة الأعمال)

بما أنّ قبالة كل وادٍ جبل، لا تغيب الإيقاعات المرحة والراقصة عن الألبوم، كما في أغنية «نانسي». هي مستوحاة ببساطة من مزحة أطلقتها الفنانة نانسي عجرم عندما قالت إنها لا تحب الرقص. وحتى في أغنية مثل «خود ساعات»، والتي تتطرّق إلى الفراق والصمت بين الحبيبَين، لا مفرّ من إيقاع الفرح المستوحى من أغاني الفنانين اللبنانيين التي ضربت في فترة عام 2000.

يلفت أنطوني إلى أنّ العمل على ألبوم «وديان» استمرّ سنتَين، وقد تأخّر الإصدار بسبب ما مرّ به لبنان والمنطقة من عدوان إسرائيلي. ولكل مَن عبَروا وادي الحرب بصلابة وعزيمة، تُهدي الفرقة أغنية «أبطال»؛ «لأنّ الأبطال ليسوا فحسب مَن يقاتلون على الجبهة، بل كل مَن واصل أداء رسالته الإنسانية، رغم الخطر والخوف، كالأطباء والمُسعفين والطيّارين والصحافيين»، وفق تعبيره.

تتكلم «أدونيس» لغة الشباب اللبناني والعربي وتريد لأغانيها أن تشبه الواقع (إدارة الأعمال)
تتكلم «أدونيس» لغة الشباب اللبناني والعربي وتريد لأغانيها أن تشبه الواقع (إدارة الأعمال)

لا تقتصر التحيّات القلبيّة على أبطال الحرب، بل يخصّ أنطوني كذلك كلاً من جدّته جانو وابن أخيه تيمو بمعزوفتَين. «أثّرت بي وفاة جدّتي جانو كثيراً، وهي كانت في طليعة مَن شجّعوني على خوض الموسيقى، فقررت إهداءها هذه المعزوفة. ثم وُلد تيمو، الحفيد الأول في العائلة، الذي جاء ليذكّرنا بأنّ بعد الموت حياة، وبعد الوديان سهولاً».

الإرث، وانقضاء الزمن، والبقاء، واستدامة الطبيعة مقابل فناء الإنسان، كلّها موضوعات تعبر بين سطور أغاني «وديان». وعندما يُسأل أنطوني عن أولويات «أدونيس»، بعد 14 سنة على انطلاقتها، يعود ليشدّد على فكرة الإرث تلك، رغم أنّ الفرقة ما زالت شابّة. يقول: «نفكّر حالياً بالموسيقى التي سنترك خلفنا، نريد أن يليق ما نقدّم، الآن، بمَن قد يسمعوننا بعد 20 أو حتى 100 عام».

«أدونيس» في مهرجانات بعلبك الدولية عام 2022 (إدارة الأعمال)
«أدونيس» في مهرجانات بعلبك الدولية عام 2022 (إدارة الأعمال)

يخطّط الشبّان الأربعة للاستمرارية كذلك، متحصّنين بشراكتهم المتينة وصداقتهم الحقيقيّة. يؤمنون بالانفتاح على فنانين آخرين آتين من خلفيات ثقافية متنوّعة ومن تجارب موسيقية مختلفة. «لا نقلق من المنافسة»، كما يقول أنطوني. «ننظر بفضول إلى التجارب الموسيقية الصاعدة، هي تُلهمنا وتحفّزنا على التحدّي والتجديد».