لوت ألتمان وستيفان زفايغ... الحب وحده ليس كافياً للرد على خراب العالم

دفعهما هتلر إلى الانتحار متعانقين قبل أن يواجه مع عشيقته المصير نفسه

زفايغ وزوجته لوت ألتمان
زفايغ وزوجته لوت ألتمان
TT

لوت ألتمان وستيفان زفايغ... الحب وحده ليس كافياً للرد على خراب العالم

زفايغ وزوجته لوت ألتمان
زفايغ وزوجته لوت ألتمان

ليس ثمة توصيف مناسب لشخصية الكاتب النمساوي الشهير ستيفان زفايغ سوى القول بأنه كان أشبه بعاصفة تمشي على قدمين. ذلك أن زفايغ لم يعرف الراحة أبداً على امتداد سني حياته الستين، ليس فقط بسبب قلقه الإبداعي وشغفه الدائم بالترحال، بل لأن أوروبا التي نعمت في طفولته وصباه، بشيء من السكينة والاستقرار، لم تلبث بفعل تضارب المصالح وحمّى العصبيات القومية، أن أغرقت نفسها عبر حربين عالميتين متتاليتين في دوامة من التطاحن الدموي، أدت إلى مقتل وإصابة وتشريد ملايين البشر. لكن ما أحدث في قلب الكاتب الإنساني ثلماً عصياً على الاندمال، لم ينحصر في الجانب المادي من الخسارات، ولا في تسوية مدن وقرى وصروح بكاملها بالتراب، بل في لجوء القارة التي أحبها بكل جوارحه إلى تدمير المعنى الحضاري والأخلاقي الذي جسدته في حقبة نهوضها السابقة، وإلى بيع نفسها للشيطان مقابل الإمساك بمفتاح المعرفة العقلية، تماماً كما كان غوته قد تنبأ لها في كتابه «فاوست» قبل قرن واحد من ذلك التاريخ.
لم يكن ستيفان زفايغ كاتباً هامشياً أو مغموراً لتظل حياته طي الخفاء أو التجاهل، بل كان بوصفه واحداً من ألمع كتّاب النصف الأول من القرن العشرين، محلّ متابعة واهتمام من النقاد والدارسين والمترجمين، كما ملايين القراء الموزعين بين رياح الأرض الأربع، إلا أن خوفه من انتصار الفاشية وتعرُّض وقائع حياته للتزوير، دفعه إلى كتابة سيرته بنفسه، بدءاً من طفولته المبكرة ووصولاً إلى الفترة التي سبقت انتحاره بقليل. ولهذا السبب بدا كتابه «عالم الأمس» إضافة إلى كونه مدونته الشخصية المفصلة، أقرب إلى وثيقة تاريخية وسياسية وثقافية هامة عن واقع القارة العجوز في زمن المنعطفات الكبرى، وإعادة ترسيم الخرائط والإمبراطوريات والحدود بين الدول، التي تشاء المصادفات أن تتكرر بنسخة جديدة في أيامنا الراهنة. والواقع أن زفايغ الذي ولد عام 1881 لأبوين يهوديين بالغي الثراء، لم يكن ليظن على الإطلاق أن الأرض الوادعة التي ولد في كنفها ستطحنها مرتين سنابك العنف الهمجي، وأن ما سماه «عصر الأمن الذهبي» في أوروبا، سيخلي مكانه لأعتى الحروب وأكثرها فتكاً بالبشر ومنجزاتهم. ففي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى كانت فيينا التي تسند ظهرها إلى تاريخ حافل بالإبداع، وإلى عبقريات هايدن وموزارت وبيتهوفن وشوبيرت وبرامز ويوهان شتراوس، تُلبس كبرياءها الوطني لبوس الثقافة والفن، وتبني على ضفتي الدانوب صروحاً للتقدم، بالغة الرهافة، ومترعة بالمتع الحسية والروحية.
يكشف صاحب «السر الحارق» في مذكراته عن السلوكيات المحافظة التي حكمت العلاقة بين الجنسين عند نهايات القرن التاسع عشر. وهو أمر لم تنحصر تجلياته في القوانين المتشددة والصارمة للعصر الفكتوري، بل تعداه إلى الأدب نفسه؛ حيث أدى النقص في الحرية إلى كبح التعبير عن الرغبات، وتقليص منسوب الجرأة والبوح في روايات ذلك القرن، إلى حد أن القضاء الفرنسي أصدر، بدعوى مكافحة التهتك والزنا، قراراً بحظر رواية فلوبير «مدام بوفاري». وقد ذهب زفايغ إلى القول بأن الخوف من كل ما هو جسدي ورغبي في تلك الفترة، هو الذي دفع المجتمع الأوروبي إلى إطلاق العنان لنزواته المكبوتة عبر تشجيع البغاء، وإنشاء دور مخصصة له. إلا أن الأمور راحت تنقلب تماماً في مطالع القرن العشرين؛ حيث بات الاختلاط متاحاً بين الجنسين، إضافة إلى ما تبعه من انتشار الملاهي والحانات وصيحات الموضة والفن الحديثين.
إن التأمل ملياً في مجريات الأمور لا بد أن يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان هناك شيء من الازدواجية والتناقض بين مواقف زفايغ النظرية المتقدمة، وبين سلوكه الفعلي على أرض الواقع. إذ ثمة في حياة صاحب «لاعب الشطرنج»، وهو الصديق الأثير لفرويد، ما يشير إلى عناصر وترسبات محتبسة في تكوينه الشخصي والنفسي، كانت تفوق وعيه النظري والمعرفي، وتجعله كائناً محكوماً بكثير من التناقضات. فالبعد الإنساني والأخلاقي في أدبه لم يكن ليحجب أثرته المقابلة والتفافه الواضح حول ذاته الفردية. وهو ما أكد عليه صديقه الأثير توماس مان، الذي علّق على انتحاره اللاحق بالقول: «إنه أناني، لم يفكر لحظة انتحاره إلا في نفسه. ألا يعرف أن جميع الكتاب الألمان الذين شردهم هتلر بوحشيته وهمجيته في سائر أنحاء الأرض، أصبحوا أذلاء يقفون على أبواب الناس، فيما ظل هو معززاً مكرّماً يعيش حياة الملوك؟!». كما أن ولاء زفايغ العاطفي لبلده الأم لم يمنعه من النجاة بنفسه حين تمت مداهمة منزله في سالزبورغ، والفرار من بلد إلى بلد، طلباً للأمان ومجانبة المخاطر.
على أن مواقف زفايغ الخجولة من البطش الهتلري الدموي، لا تعني بأي حال تواطؤاً مع العنصرية النازية، بقدر ما تعكس هشاشة وخوفاً من المواجهة متأصلين في تكوينه الشخصي. ولن تفوتنا الإشارة هنا إلى أن زفايغ لم يتحرج من القول بأن سلاح الكاتب الأهم في مقارعة الاستبداد يتمثل في إبداعه الأدبي، قبل أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن جزءاً من الثمن الباهظ الذي دفعه الكاتب في لحظات يأسه القصوى، كان متصلاً بعقد الذنب والتقصير، في مواجهة العتو الظلامي الذي ظل يلاحقه من كتاب إلى كتاب، ومن منفى إلى منفى.
وبالعودة إلى علاقاته العاطفية، يُظهر زفايغ في أدبه اهتماماً غير قليل بالمرأة، ينعكس بشكل جلي في أعماله «رسالة من امرأة مجهولة» و«ماري ستيوارت» و«ماري أنطوانيت» وغيرها. لكن هذا الاهتمام الأدبي يقابله في الحياة الفعلية قدرٌ غير مبرر من التجاهل والتغييب لعلاقاته العاطفية بزوجتيه، وبالنساء بشكل عام. والأرجح أن العراك الذي كان يدور في أعماقه بين تربيته اليهودية المحافظة ووعيه المتنور، جعله شديد الحذر في الكشف عن فتوحاته العاطفية ومكنونات قلبه. كما أن اغتباطه المفرط أثناء إقامته الباريسية «بتفاني زوجات أصدقائه الشعراء في إدارة منازلهن والقيام بالطبخ والعناية بالأطفال، مقابل حق الأزواج في الحرية، والمغامرة في عالم الفن» لا بد أنه يعكس شيئاً من قناعاته المتصلة بدور المرأة وفاعليتها الاجتماعية والإنسانية. كما لن يغيب عن البال من ناحية أخرى أن مذكرات زفايغ قد كُتبت تحت وطأة الانهيار المريع لجبهات الحلفاء، وبحضور زوجته لوت وتحت أنظارها. الأمر الذي دفع بحياته العاطفية إلى مكان خلفي من السيرة.
أما بشأن حياته العاطفية، فقد تزوج زفايغ للمرة الأولى من فريدريكا ونترنتز، التي التقاها عام 1908، وكانت في ذلك الوقت امرأة متزوجة وأماً لابنتين اثنتين. وإذ أغرم كل منهما بالآخر، لم يتحقق ارتباطهما الشرعي إلا عام 1920، أي بعد حصول فريدريكا على الطلاق من زوجها الأول. وفي حين أن الكاتب لم يأتِ على ذكر فريدريكا مطلقاً في مذكراته، يُجمع كثير من كتّاب سيرته على القول بأن نجومية زفايغ ونمط حياته المترحلة وكثرة المعجبات من حوله، هي التي أثارت مجتمعة غيرة الزوجة، وأوصلت علاقتهما إلى نهايتها المحتومة بعد عقد ونيف من الزمن. وهذا النزوع إلى المغامرة تؤكده الكاتبة الفرنسية دومينيك بونا في كتابها «ستيفان زفايغ... الصديق الجريح»؛ حيث تشير إلى أن الكاتب الذي حرص على الظهور أمام قرائه بمظهر الرجل الزاهد والجديّ، ظل يجد متعته القصوى في المغامرات الحياتية والعاطفية، حتى نهاية حياته.
أما زوجة زفايغ الثانية لوت التمان، التي ارتبط بها الكاتب أثناء إقامته في بريطانيا عام 1939 بعد أن عملت سكرتيرة ومساعدة له، فقد اعتبرتها كاتبة سيرته (بونا) معجبته الأبدية، «والمرأة التي أسهم قربها من كل ما يحبه في إيقاظ غريزة الحب في أعماقه». وحين قرر الزوجان المتحابان الانطلاق نحو الولايات المتحدة، ومنها إلى البرازيل، شرعا بتعلم اللغة البرتغالية على متن السفينة التي قادتهما باتجاه البلد النائي، الذي وصفه زفايغ لاحقاً بالجنة الموعودة التي لا يتقن أهلها سوى الحب والرقص والإخاء الإنساني. وما لبث زفايغ أن وضع كتاباً عن الدولة المضيفة يشيد فيه بالبرازيل بوصفها نموذجاً زاهياً لأرض المستقبل، مقابل النموذج الأوروبي الغارق في وحول الماضي. وهو ما أثار استهجان المثقفين البرازيليين الناقمين آنذاك على سلطتهم الاستبدادية الحاكمة، كما اعتبره الكاتب الأميركي جورج بروكنيك، في كتاب له عن زفايغ بعنوان «المنفى المستحيل»، عملاً مخيباً للأمل ودلالة على «سذاجة» مفرطة في وعي الكاتب السياسي.
الحب الغامر الذي وفّر لزفايغ وزوجته بعض أسباب التفاؤل لم يستطع الصمود طويلاً أمام ما واجهه الطرفان من وطأة اليأس وكوابيس المنفى. وهو ما عكسته الرسائل المتلاحقة التي بعث بها زفايغ إلى عدد من أقاربه وأصدقائه ومحبيه؛ حيث كان الشعور بالذنب وعقدة الفرار من المواجهة هما سيدي الموقف. تضاف إليهما بالطبع قراءة الكاتب المتشائمة لمستقبل الكوكب الأرضي. وإذ تمكن الكاتب «المهيض» من إقناع زوجته الشابة بالانتحار، بعد أن بذلت جهوداً مضنية لثنيه عن قراره، عمد كل منهما إلى تناول كمية كبيرة من الحبوب المنومة، ثم تمددا جنباً إلى جنب، في مشهد عناق أبدي بات مع الزمن، أحد أكثر المشاهد الإنسانية تعبيراً عن اتحاد الحب والموت في حسرة واحدة.
وفي رسالته الأخيرة إلى العالم، كتب زفايغ قبيل انتحاره بلحظات: «إن الذي بلغ الستين من العمر يحتاج إلى طاقات غير عادية ليبدأ بداية جديدة. وما لديّ من طاقات قد استنزفتْها أعوام التشرد المديدة. لذلك من الأفضل في اعتقادي أن أختم في الوقت المناسب، وأنا منتصب القامة، حياة كان العمل الفكري فيها يعني الفرح الأصفى، والخير الأسمى على الأرض».
ورغم أن رسالة زفايغ المؤثرة تبدو أشبه بمضبطة اتهام دامغة، ضد الهجوم العنصري المروع الذي شنّه موسوليني وهتلر على الجانب الجميل والمضيء من الكوكب الأرضي، فإن الكاتب النمساوي الذي قتله نفاد صبره، ويأسه من المصير البشري، لم يكن يعلم أن للتاريخ ميزان عدالته المترع بالمفارقات. فبعد 3 سنوات ونيف من انتحار الزوجين الطريدين، سيتم إعدام موسوليني وعشيقته كلارا بيتاتشي، رمياً بالرصاص في العام 1945. أما أدولف هتلر فسيلجأ بعد ذلك بأيام، وتجنباً لمصير حليفه المذل، إلى إنهاء حياته الدامية برصاصة في الرأس، فيما اختارت حبيبته إيفا براون، التي أصرت على إقامة مراسيم زواجه منها قبيل انتحارهما بقليل، أن تنهي حياتها بسمّ السيانيد القاتل، وهي بعد في الثالثة والثلاثين، أي في العمر نفسه الذي قضت لوت ألتمان نحبها فيه. كأن القدر الذي قدّم للعالم نُسخاً مزيدة ومنقحة من التراجيديا الشكسبيرية روميو وجولييت، كانت له هو الآخر رسالة، مفادها أنه في مكان ما من اللجج السوداء للنفس الإنسانية، ثمة مكان للحب، يتشابه فيه الجلادون والضحايا إلى حدود التطابق التام. مكان يمكن له أن ينقلب تماماً على معناه، كما يحدث لأوروبا الراهنة في لحظة من التدمير الهستيري للذات، بقدر ما يمكنه أن يكون في لحظات أخرى، بقعة الزيت المؤسسة التي استرشد بهدْيها قبل قرنين اثنين كلّ من بوشكين وتولستوي ودوستويفسكي وآخرين غيرهم، ممن اعتبرهم ستيفان زفايغ ذات يوم «بناة العالم» ومناراته وينابيعه الملهِمة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».