ماكرون يواجه «الحكم المستحيل» بعد فقدانه الأكثرية النيابية

حل البرلمان الفرنسي بات سلاحه الوحيد أمام اليسار واليمين المتطرف

ماكرون بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية يوم الأحد (أ.ف.ب)
ماكرون بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية يوم الأحد (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يواجه «الحكم المستحيل» بعد فقدانه الأكثرية النيابية

ماكرون بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية يوم الأحد (أ.ف.ب)
ماكرون بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية يوم الأحد (أ.ف.ب)

انطلق العهد الثاني للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعيد انتخابه قبل شهرين، في أسوأ الظروف بعد الصفعة التي تلقاها يوم الأحد بخسارته الأكثرية المطلقة في البرلمان الجديد، بعد أن تمتع خلال السنوات الخمس الماضية بأكثرية مريحة مكنته من استصدار القوانين التي أرادها وإدارة شؤون البلاد على هواه. ومع حصول كتلة «معا» الداعمة له على 246 مقعداً في الندوة البرلمانية، فإن ماكرون يكون قد خسر ما لا يقل عن 104 مقاعد وما يزيد على مليون صوت بين انتخابات عام 2017 وانتخابات هذا العام.
وبذلك، يجد الرئيس الفرنسي نفسه وحكومته وحزبه أمام معادلة عصية على الحل إذ يتعين عليه، كلما طرحت حكومته مشروع قانون أمام البرلمان الجديد اجتذاب 43 نائباً إضافياً كرديف للأكثرية النسبية التي تحصل عليها ولتمرير ما يريده. والحال أن خياراته محدودة للغاية ولا يجد أمامه سوى مجموعة نواب حزب «الجمهوريين» اليميني المعتدل الذي فاز، رغم انهيار فاليري بيكريس مرشحته في الانتخابات الرئاسية، بـ61 مقعداً يضاف إليها ثلاثة مقاعد لحلفائه. وما يميز خسارة ماكرون عن غيره أنه «الوحيد» الذي فشل في الحصول على أكثرية مطلقة بعد فترة قصيرة على إعادة انتخابه، ما يضع عهده الثاني على باب المجهول.

شرخ عميق
وقبل أن تنطلق المفاوضات والمساومات، ثمة أمر ثابت يتمثل في وجود شرخ عميق داخل هذه المجموعة المنقسمة أصلاً على نفسها إلى ثلاثة توجهات. ثمة من يدعو، كالوزير السابق جان فرنسوا كوبيه، إلى إقامة تحالف أو ائتلاف حكومي على أساس برنامج حكم واضح مع ماكرون، بينما يرهن توجه آخر تقديم الدعم للحكومة بناء على طبيعة مشروع القانون المطروح على البرلمان. أما التوجه الثالث فإنه يرفض تماماً التعاون مع الرئيس الفرنسي، وأن يلعب لصالحه دور «العكاز» الذي يستند ويتكئ عليه من أجل الالتفاف على الهزيمة الانتخابية التي حلت به رغم أن تكتله يبقى الأكبر عدداً في البرلمان الجديد. وفي أي حال، فإن هذه الكتلة ستطلب «ثمنا سياسيا» لدعمها الذي لن يكون مجانا بحيث ستتمسك بأن يؤخذ بوجهات نظرها في مشاريع القوانين التي ستقدمها الحكومة تحت طائلة حرمانها من الدعم. ومن غرائب نتيجة الانتخابات أنها وفرت لليمين المعتدل الذي كان على وشك الانهيار تماما وخسر نصف عدد نوابه، منصة لتعويمه ولتمكينه من أن يلعب دور الحكم للسنوات الخمس القادمة.

قصر الإليزيه
والمؤكد أن ماكرون الذي دفع النظام السياسي الفرنسي إلى أقصى حدود ما يتيحه النظام الرئاسي يجد اليوم نفسه أمام معطى جديد تماما. فالسلطة كانت بالأمس في قصر الإليزيه الذي كان الآمر الناهي، إذ إن برلمان الأمس كان بمثابة غرفة تصادق على ما يريده ماكرون وتنقله حكومته في إطار مشاريع القوانين. وطيلة خمس سنوات، كانت مناقشات المجلس النيابي في حدودها الدنيا لأن هيمنة الأكثرية الداعمة للحكومة كانت مطلقة. أما اليوم، فإن الأمور ستختلف جذرياً ليس فقط لأن الحكومة فقدت الأكثرية المطلقة، بل أيضاً وخصوصا لوجود مجموعتين نيابيتين عازمتين على إضعاف ماكرون وإنهاك حكومته. الأولى هي كتلة اليسار بتلاوينه المختلفة التي يقودها جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب فرنسا المتمردة، وقد حصلت على 142 مقعداً بحيث فرضت نفسها كقوة المعارضة الأولى في المجلس النيابي.

قوة اليسار
ورغم أن ميلونشون لم يحقق كافة طموحاته النيابية وأولها تمكينه من أن يفرض نفسه رئيسا للحكومة، فإنه نجح في إيصال اليسار بقوة إلى البرلمان وسيخوض معارضة شرسة ضد ماكرون وحكومته. وأول الغيث قرار التحالف طرح الثقة برئيسة الحكومة إليزابيث بورن في الخامس من يوليو (تموز) القادم. واستبق نواب من تكتله هذا الاستحقاق بالمطالبة باستقالة بورن من منصبها رغم فوزها في الانتخابات.
وطالب ثلاثة من نواب حزب ميلونشون برحيلها عن رئاسة الحكومة فاعتبرت النائبة ماتيلد بانو أنها تفتقر لـ«السلطة والقدرة، وهي غير مؤهلة» من أجل البقاء في منصبها ومواجهة البرلمان الجديد، فيما شدد زميلها مانويل بومبار على ضرورة رحيلها «لأن ماكرون لم يعد بوسعه أن يمارس الحكم كأن شيئا لم يحصل». أما لويس أليو، نائب رئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف فقد رأى من جانبه أن بورن «قد ألم بها الوهن إلى درجة أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في منصبها». إلا أن الناطقة باسم الحكومة الوزيرة أوليفيا غريغوار فقد نفت أي رغبة رئاسية في رحيل رئيسة الحكومة التي عينت قبل شهرين. إلا أنها لم تنجح في فرض نفسها لا على الكتلة الرئاسية ولا أن تكون «سياجا» يحمي الرئاسة. ولم تكن هزيمة ماكرون عددية فقط إذ إن مسؤولين مقربين منه لحقتهم الهزيمة وفي مقدمتهم رئيس البرلمان المنتهية ولايته ريشار فران، ورئيس مجموعة نوابه وزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير، فيما خسر ثلاثة وزراء حاليين المنافسة، وهم وزيرات النقلة البيئوية والصحة وشؤون ما وراء البحار.

اليمين المتطرف
يمثل فوز الحزب اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبن الظاهرة الأبرز في الانتخابات الأخيرة. لوبن التي خسرت مرتين المنافسة الرئاسية في وجه ماكرون، كان لها في البرلمان السابق ثمانية نواب. أما في البرلمان الجديد فقد ارتفع العدد إلى 89 نائباً رغم أن نظام الاقتراع الأكثري وفق الدائرة الصغرى لا يعمل لصالحها. وما فتئ حزبها، إلى جانب أحزاب أخرى، مثل الخضر والحركة الديمقراطية، ينادي بتبني نظام انتخابي آخر أكثر عدلاً. والثابت اليوم وما أكدته نتائج يوم الأحد أن اليمين المتطرف أخذ يعد في فرنسا القوة السياسية الثالثة، الأمر الذي لم يعرفه في أي دولة أوروبية رئيسية، وهو الأقرب بالتالي لما يمكن تسميته «زلزالاً سياسياً».وجاء في تحليل مطول لصحيفة «لو موند» بقلم رئيس تحريرها، أن جانبا من المسؤولية يقع على ماكرون وتكتله وحكومته وحزبه الذين لم يحترموا آلية إيجاد «جبهة جمهورية» تقف في وجه زحف اليمين المتطرف العنصري والدعوة صراحة للاقتراع لمرشحي «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» أي تحالف اليسار في حال تنافس مرشحوه مع مرشحي الجبهة الوطنية. وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون يدين في إعادة انتخابه لأصوات اليسار التي انصبت لصالحه وحرمت منها لوبن.

فرص حل البرلمان
يعطي الدستور الفرنسي رئيس الجمهورية حق حل المجلس النيابي. وسبق للجنرال ديغول وللرئيس جاك شيراك أن قاما بهذه الخطوة التي تعد بمثابة سلاح الردع الأخير بين يدي رئيس الجمهورية. بيد أن سلاحاً كهذا لا يمكن استخدامه بخفة، بل يجب أن يكون مبرراً وأن تتوافر مؤشرات تدل على أن نتائج انتخابات لاحقة ستكون مختلفة عن التي ظهرت يوم الأحد. وفي أي حال، ثمة جدل بين الحقوقيين حول هذه المسألة وإمكانية استخدامها وزمنها.
وقد سارعت الناطقة باسم الحكومة إلى نفي هذا الاحتمال من غير أن تستبعده تماما معتبرة ضمناً أن أداء المجلس الجديد هو الذي سيكون الفيصل. والحال أن كافة المحللين والمراقبين يتوقعون نقاشات حامية وصاخبة تحت قبة البرلمان الذي سيشكل حلبة الصراع بين السلطة التنفيذية والمعارضة العازمة على إنهاك ماكرون، رغم انقسامها بين يمين متطرف ويسار متشدد.

سلطة ماكرون الخارجية
يبقى أن إضعاف ماكرون على الساحة الداخلية سيكون له أثره على حضوره الخارجي، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي ستشهد في الأيام القادمة ثلاث قمم رئيسية «الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع والحلف الأطلسي»، وكل ذلك على خلفية استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.
ويعطي الدستور الفرنسي رئيس الجمهورية سلطة رسم السياستين الخارجية والدفاعية للبلاد، فضلاً عن كونه القائد الأعلى للقوات الفرنسية المسلحة وحامل «مفتاح» السلاح النووي. لكن في المقابل، يستطيع البرلمان محاسبة الحكومة التي تنفذ السياسة الرئاسية وأن يطرح الثقة فيها، وأن يقدم مقترحات قوانين تخالف توجهات السلطة التنفيذية، ما يعني عملياً أن المعارضة قادرة على إزعاج ماكرون وحكومته بسبب فقدانهما الأكثرية التي هي السلاح السري لأي سلطة تنفيذية.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».