روسيا تستعد لمرحلة جديدة بعد 100 يوم من الحرب

الغرب يتوعد بهزيمة بوتين

السفيرة الأميركية الجديدة في كييف تتحدث في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأوكرانية أمس (أ.ب)
السفيرة الأميركية الجديدة في كييف تتحدث في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأوكرانية أمس (أ.ب)
TT

روسيا تستعد لمرحلة جديدة بعد 100 يوم من الحرب

السفيرة الأميركية الجديدة في كييف تتحدث في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأوكرانية أمس (أ.ب)
السفيرة الأميركية الجديدة في كييف تتحدث في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأوكرانية أمس (أ.ب)

مع مرور 100 يوم على الحرب الروسية في أوكرانيا يتضح أكثر حجم التغيرات التي فرضتها المواجهة على الساحة الدولية، وعلى الأطراف المنخرطة في الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر. وكما يقول خبراء، لم يسبق أن شهد العالم تحولات متسارعة بهذه الدرجة من الحدة وبهذا العمق الذي شمل كل منظومة العمل الدولي، وانسحب على التحالفات والمحاور التي بدا جزء منها متماسكاً إلى أقصى درجة كما ظهر لدى «الغرب الجماعي» وفقاً للمصطلح الذي بات أكثر تردداً في موسكو في وصف «الأعداء»، بينما بدت محاور أو تكتلات أخرى إقليمية ودولية مرتبكة وحائرة أمام التطورات المتسارعة وأمام الواقع الجديد الذي فرضته الحرب في أوكرانيا.
ومع استعداد موسكو للمرحلة الجديدة بأهداف أوسع من أهداف «المرحلة الثانية» التي انحصر نطاقها في منطقة دونباس، يبدو الغرب من جهته أكثر قدرة على مواجهة الموقف وتعزيز مسار مواجهة طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل وتعهد الغرب بإلحاق هزيمة كاملة بمشروع روسيا الإقليمي والدولي.
- انسداد أفق المفاوضات
وتتخذ الترجيحات أبعاداً أكثر غموضاً مع انسداد أفق إعادة إطلاق المفاوضات، واحتمال وضع سيناريو يمكن الطرفين الروسي والأوكراني من التوصل إلى حل وسط. وحتى محاولات الوساطات المتعددة التي برزت في الأسابيع الماضية، لم تنجح في وضع تصور لتهدئة الموقف أو الشروع في بلورة آليات للتسوية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع أمس (رويترز)

وواجهت المبادرة الخجولة التي طرحتها إيطاليا هجوماً عنيفاً من جانب موسكو التي رأت فيها «اغتراباً كاملاً عن الأمر الواقع الجديد الذي كرسته العملية العسكرية»، وفي المقابل تراوحت محاولات تركيا وأطراف أخرى للعب دور الوساطة في مربع ميت، ولم تقابل الدعوة الأخيرة لعقد اجتماع روسي أوكراني بحضور الأمم المتحدة حماساً من جانب موسكو. لا يبدو أن إنجاز أهداف المرحلة الثانية من الحرب التي تم خلالها تركيز الجهد العسكري الروسي في مناطق الشرق والجنوب، وتثبيت الأمر الواقع الميداني السياسي الجديد بتقسيم أوكرانيا إلى منطقتي نفوذ سوف يقود إلى وضع نهاية للمواجهة. خصوصا أنه برزت من الطرفين إشارات إلى أن إطالة أمد الحرب، ودخولها مراحل جديدة غدا بين الخيارات الأكثر ترجيحاً.
- حصيلة 100 يوم من المعارك
مع تركيز القوات الروسية والقوات الموالية لها جهدها في منطقة دونباس تم إحراز تقدم ملموس على جميع محاور القتال، وشكل استكمال السيطرة على ماريوبول في منتصف مايو (أيار) نقطة تحول مهمة، كون التقدم حقق واحدا من الأهداف الأساسية للمعركة وهو فصل أوكرانيا نهائيا عن بحر أزوف، وتثبيت مناطق سيطرة موسكو في القطاع البري شمال شبه جزيرة القرم. ومع توسيع مساحة سيطرة الانفصاليين في إقليمي لوغانسك ودونيتسك لتبلغ نحو 90 في المائة من إجمالي مساحة الحدود الإدارية للوغانسك وأكثر بقليل من 65 في المائة وفقا للتوزيع الإداري قبل 2014، بدا أن موسكو باتت تقترب من نهاية هذه المرحلة من دون أن تحقق بقية أهدافها. فهي مع تثبيت سيطرتها على خيرسون التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم كونها تقع إلى شمال القرم مباشرة، لكن فشلت عمليات في توسيع مساحة السيطرة على زاباروجيه المجاورة. وفي استكمال مهام تحقيق تقدم ميداني في وسط البلاد لتثبيت خطوط فصل جديد على ضفتي نهر دنيبرو.
ويمكن ملاحظة أن الجيش الروسي انتقل إلى استخدام آليات مختلفة عن المرحلة السابقة في تكتيكات المعارك شملت التوقف عن شن عمليات الهجوم المباشر على المناطق، والاكتفاء بتقديم غطاء جوي كامل لوحدات الانفصاليين الذين تقاتل إلى جانبهم وحدات شيشانية ومتطوعون من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ومناطق أخرى. ساهم ذلك في تقليص الخسائر المباشرة للجيش الروسي بشكل ملحوظ.
- الطيران الاستراتيجي والصواريخ
كما لوحظ توسيع استخدام الطيران الاستراتيجي والصواريخ بعيدة المدى في شن ضربات جوية مركزة على المناطق المحاصرة والمنشآت التي تزودها بالعتاد والسلاح والوقود.
فضلا عن استهداف المعسكرات والمرافق ومحطات سكك الحديد في مناطق وسط وغرب البلاد، وهي مواقع تستخدم إما لتجميع ونقل الإمدادات إلى المناطق التي تجري فيها المعارك وإما لاستقبال الشحنات العسكرية الغربية. كما يتم استهداف منشآت تخزين الوقود بنفس الطريقة.
بالتزامن مع استمرار «معركة دونباس» بدت مؤشرات إلى الأهداف الروسية في المرحلة المقبلة بدأت تتخذ نطاقا أوسع. وساهم غياب أفق لتسوية سياسية مع رفض أوكرانيا الاستجابة لشروط موسكو في القبول باستقلال لوغانسك ودونيتسك وسيادة روسيا على القرم. في تعزيز نهج الكرملين نحو المضي في معركته حتى النهاية ورفض القبول بأي مبادرات لوقف إطلاق النار. في هذه الأجواء، عادت أوساط روسية إلى التركيز على أن الأهداف التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين عند إعلان الحرب والتي تمثلت في «اجتثاث النازية وتقويض كل القدرات العسكرية لأوكرانيا» وهما هدفان بين أهداف أخرى يعكسان إصرارا على السيطرة على كل أوكرانيا، وإطاحة السلطة الحاكمة فيها.
- 3 مجالات رئيسية
في هذا الإطار عكست كلمات الخبير العسكري فلاديسلاف شوريغين في مقابلة صحافية الإطار العام للتحرك الروسي في مرحلة مقبلة، إذ قال: «أمام روسيا حاليا ثلاثة مجالات رئيسية. الأول، هو الهزيمة النهائية للقوات المسلحة الأوكرانية في دونباس. بعد ذلك، الضغط باتجاه ترانسنيستريا (مولدافيا) من أجل القضاء على التهديد، في اتجاهي أوديسا ونيكولاييف. وبوجه عام، سوف نحاول جعل هذا الجزء من البحر الأسود بحرا داخليا لنا. بالإضافة إلى ذلك، هناك مهام لطرد القوات الأوكرانية من شمال شرقي ووسط البلاد، أي من زاباروجيه، وخاركوف. والمرحلة الأخيرة هي كييف. أي أنه لا يزال لدينا ما يكفي من العمل والمراحل».
أيضاً، في سياق المهام الأخرى الموضوعة تشكل عملية التحضير لضم أجزاء من أوكرانيا نهائيا إلى روسيا واحدة من الأهداف الأساسية حاليا. وحمل مرسوم بوتين في 25 مايو حول تسهيل منح الجنسية لسكان خيرسون وزاباروجيه إطلاقا عمليا لهذه المرحلة. وبالتأكيد وفقا لتصريحات عدد من المسؤولين والبرلمانيين فإن روسيا «لن تنسحب أبدا من المناطق التي سيطرت عليها».
- تمدد حلف «الناتو»
في المحيط الروسي تبدو نتائج جهود موسكو لحشد تأييد واسع لمواقفها متواضعة حتى الآن. ولم يحمل عقد قمة بلدان منظمة الأمن الجماعي ثم اجتماع وزراء الدفاع لهذه المجموعة جديداً على صعيد تحفيز شركاء روسيا في المجموعة على إعلان مواقف أو القيام بخطوات ملموسة لتخفيف الضغط عنها. ورغم أن موسكو وشريكتها الأقرب مينسك انطلقتا في هذا المجال من التحذير من مخاطر تمدد حلف الناتو على المجموعة الإقليمية كلها، لكن كما اتضح من غياب مواقف واضحة ومعلنة لهذه البلدان فإن التعامل مع مشكلة توسع الناتو لا يقابل بنفس الدرجة من الاهتمام لدى بلدان المنظمة. وهذا أمر مفهوم كون التهديد الأمني والعسكري المباشر يقع على عاتق روسيا وبيلاروسيا وحدهما، في حين أن بلادا مثل كازاخستان وقيرغيزستان أو أرمينيا لا تواجه مشكلات جدية مع ملف انضمام فنلندا والسويد مثلاً إلى حلف الناتو.
- «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»
على الصعيد الاقتصادي سعت موسكو إلى تحفيز مجموعة «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» لتخفيف وطأة العقوبات الغربية عليها. لكن هذه المجموعة التي تضم ست جمهوريات سوفياتية سابقة وبرغم أن معاملاتها التجارية تجري بالروبل بنسبة 75 في المائة من التبادلات لكن يبقى حجم تأثيرها محدودا للغاية، بالمقارنة مع إجمالي حجم المبادلات التجارية الروسية. كما أن هذه البلدان لا تمتلك القدرات الصناعية والتقنية التي وفرتها بلدان الغرب سابقا لروسيا. وفي المجال الأوسع، يشكل انضمام فنلندا والسويد المحتمل إلى حلف شمال الأطلسي أكبر وأبرز تداعيات الحرب حتى الآن، وهذا يعني تغيير موازين القوى كلياً في شمال أوروبا، وأحكام تطويق روسيا في بحر البلطيق، فضلاً عن تغير السياسات حيال التعامل مع ملف القطب الشمالي، الذي كان حتى وقت قريب مثالا على القدرة على التعاون وتحوّل سريعا إلى منصة مهمة للتنافس والمواجهة.
- تغير أولويات أوروبا
لكن الأسوأ من ذلك بالنسبة إلى موسكو أن 100 يوم من الحرب أنتجت تبدلاً غير مسبوق في أولويات أوروبا، وقلبت موازينها ليس فقط لجهة البحث عن مصادر جديدة للطاقة، بل وفي مجال «عسكرة» الاتحاد الأوروبي الذي بدا كما يقول مسؤولون روس إنه «لم يعد يظهر فوارق تميزه عن حلف الأطلسي».
وحملت الحرب انعكاسات مهمة على ملفات مرتبطة بسياسات روسيا بشكل مباشر، وخصوصا في سوريا حيث تصاعدت وتائر الهجمات الإسرائيلية خشية من قيام إيران بشغل الفراغ الذي أحدثه الانشغال الروسي بأوكرانيا، وأيضا تحركات تركيا لتوسيع مساحة المنطقة الآمنة في الشمال السوري. في الحالين ترى موسكو تهديدا لنظام التهدئة ما يشكل عنصرا ضاغطا عليها. لكن الملاحظ هنا أن موسكو تعاملت حتى الآن بهدوء مع التهديد التركي بشن عملية عسكرية، في المقابل بدت اللهجة الروسية تجاه إسرائيل أكثر قسوة من السابق، وبرزت تحليلات تقول إن تل أبيب «تنسق تصعيدها في سوريا مع واشنطن لتعزيز الضغط على موسكو في أوكرانيا».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: 11 ألف جندي كوري شمالي نُشروا في منطقة كورسك الروسية

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ينتقد وقوف الحلفاء متفرجين على وجود قوات كورية شمالية (رويترز)

زيلينسكي: 11 ألف جندي كوري شمالي نُشروا في منطقة كورسك الروسية

قال الرئيس الأوكراني الاثنين إن 11 ألف جندي من كوريا الشمالية وصلوا إلى منطقة كورسك الحدودية الروسية وقدّر البنتاغون إرسال بيونغ يانغ ألفي جندي إضافي إلى كورسك.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تتفقد عسكريين أوكرانيين في منطقة كييف الكبرى (د.ب.أ)

وزيرة خارجية ألمانيا في كييف مجدداً لطمأنة الأوكرانيين

زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، كييف، الاثنين، لطمأنة الأوكرانيين الذين يواجهون صعوبات على الجبهة والمستائين من الدعم الغربي الخجول.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
أوروبا القوات الروسية تسيطر على قرية فيشنيف بمنطقة دونيتسك شرق أوكرانيا (رويترز)

تقدم روسي بمنطقة دونيتسك... وأوكرانيا تُقرّ بوقوع قتال

قال الجيش الروسي، الأحد، إن قواته سيطرت على قرية فيشنيف بمنطقة دونيتسك شرق أوكرانيا، وإنها تواصل تقدّمها صوب المركز اللوجيستي في بوكروفسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شؤون إقليمية مواطن روسي يلتقط صورة بهاتفه لمركبة أميركية خلال نقلها إلى معرض مخلفات الحرب في أوكرانيا في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية (إ.ب.أ)

تركيا: إرهاق روسيا وأوكرانيا في الحرب سيؤدي لوضع جديد

أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن الحرب الروسية - الأوكرانية يجب أن تنتهي على أساس وحدة أراضي أوكرانيا، معتقداً بأن إرهاق الطرفين سيؤدي إلى وضع جديد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية يتابع أحد تدريبات جيشه (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

الاستخبارات الأوكرانية: نشر نحو 7 آلاف جندي كوري شمالي قرب الجبهة

ذكرت وكالة الاستخبارات الأوكرانية أنه يبدو أن روسيا نشرت أكثر من 7 آلاف جندي كوري شمالي مسلحين ببنادق هجومية من طراز «إيه كيه 12».

«الشرق الأوسط» (سول)

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»
TT

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»

«الخطوط الفرنسية» تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر «احترازياً»

أعلنت شركة «الخطوط الجوية الفرنسية»، أمس (الأحد)، أنها علّقت «حتى إشعار آخر» رحلاتها فوق منطقة البحر الأحمر، وذلك «في إجراء احترازي» بعد أن أبلغ طاقمها عن وجود «جسم مضيء» فوق السودان، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت الشركة في بيان: «تؤكد الخطوط الجوية الفرنسية (إير فرانس) أنها قررت، في إجراء احترازي، أن تُعلّق التحليق فوق منطقة البحر الأحمر حتى إشعار آخر».

وأضاف البيان أن هذا القرار اتُخذ عقب «رصد جسم مضيء على ارتفاع عالٍ في السودان».

وذكرت الشركة أن خط سير بعض رحلاتها قد تغيّر وأن بعض الطائرات قد عادت أدراجها نحو المطارات التي أقلعت منها.

وشددت على أن سلامة عملائها وأطقمها «هي ضرورة مطلقة»، مشيرة إلى أنها تراقب باستمرار تطور الوضع الجيوسياسي في المناطق التي تخدمها طائراتها وتحلّق فوقها «من أجل ضمان أعلى مستوى من السلامة والأمن للرحلات الجوية».

وقال مصدر في مجال الطيران للوكالة إن الخطوط الفرنسية هي شركة الطيران الوحيدة التي اتخذت هذا الإجراء الاحترازي، مضيفاً أن المجال الجوي فوق المنطقة لم يتم إغلاقه.

وبدعم من إيران، يشن الحوثيون هجمات صاروخية وبمسيَّرات منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 على السفن التي يعتبرونها مرتبطة بإسرائيل، تضامناً مع الفلسطينيين.

وأدت الهجمات التي وقعت في البحر الأحمر وخليج عدن إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية بشكل كبير في هذه المنطقة الأساسية للتجارة العالمية.