حسن شيخ محمود... «رجل المفاجآت» أمام اختبار «الفرصة الثانية»

عاد لرئاسة الصومال في سابقة تاريخية محمَّلاً بآمال تحقيق الاستقرار

حسن شيخ محمود... «رجل المفاجآت» أمام اختبار «الفرصة الثانية»
TT

حسن شيخ محمود... «رجل المفاجآت» أمام اختبار «الفرصة الثانية»

حسن شيخ محمود... «رجل المفاجآت» أمام اختبار «الفرصة الثانية»

محمَّلاً بآمال استعادة الاستقرار الأمني والسياسي، ولو بشكل نسبي، عاد «رجل المفاجآت» الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود، إلى سدة الحكم مجدداً، ليصبح الرئيس العاشر للصومال، محطماً عرفاً انتخابياً دام 62 سنة، ومواجهاً اختبار الفرصة الثانية في بلد يموج بالاضطرابات الأمنية والسياسية. تسلم شيخ محمود، منصبه كرئيس جديد للبلاد يوم (الاثنين) الماضي، وسط مراسم تنصيب محدودة بالقصر الرئاسي في مقديشو. وجاء فوزه بالانتخابات منتصف مايو (أيار) الجاري، على حساب الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، في ماراثون انتخابي دام أكثر من سنة من قِبل أعضاء البرلمان بغرفتيه، وكان يجتمع داخل مرآب طائرة في مطار العاصمة مقديشو تحت حراسة مشددة من القوات الأفريقية، لتفادي هجمات مسلحة باتت أمراً اعتيادياً في البلاد. هذا، وسبق أن تولى شيخ محمود (66 سنة)، منصب الرئاسة من قبل بين عام 2012 وعام 2017، في حين لم يسبق أن فاز رئيس سابق بولاية ثانية في الصومال.
يرى مراقبون للمشهد الصومالي أن الرئيس حسن شيخ محمود استغل خبرته السابقة ونجاحه في فرض «هدوء نسبي» إبان فترته الأولى، وفيها تمكن من «إضعاف حركة الشباب» المسلحة والموالية لتنظيم «القاعدة»، فضلاً عن الدعم الإقليمي والدولي الذي يحظى به، كمبرر قوي لعودته للحكم مرة أخرى. وتشير أستاذة الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة هبة البشبيشي، في لقاء أجرته معها «الشرق الأوسط»، أن فوز شيخ محمود بالمنصب مرة أخرى، يعبّر عن «رغبة أعضاء البرلمان الصومالي في استعادة فترة حكمه السابقة والتي اتسمت نوعاً بوجود استقرار نسبي، ليس حقيقياً، لكن على الأقل فإن التخلص من (سلفه محمد عبد الله) فرماجو وصراعه المحتدم مع رئيس وزرائه محمد حسين، والذي تورّط فيه عدد من الموظفين الدوليين في الصومال، بات أمراً ملحاً».
غير أن شيخ محمود يواجه تحديات صعبة خلال رئاسته المقرر لها 4 سنوات. وتقول البشبيشي موضحة: «أمام الرئيس الجديد مهام صعبة بل في غاية الصعوبة من محاولة سيطرة حركة الشباب، ومواجهة الحالة الاقتصادية المتردية، وخطر المجاعة والجفاف الذي يحيط بأكثر من 3 ملايين صومالي». لكنها تعوّل مع ذلك على قدرة شيخ محمود على «إنهاء فصول التجاذبات السياسية» التي تعصف بالبلاد.
جاء فوز شيخ محمود بالرئاسة، بعد انتخابات ماراثونية دامت ثلاث جولات، اقتصر فيها حق التصويت فقط على نواب البرلمان، بسبب المخاوف الأمنية من إجراء انتخابات شاملة، حيث اقتصرت المشاركة في التصويت على 328 نائباً. وحصل الرئيس المنتخب على 214 صوتاً، مقابل 110 أصوات لصالح خصمه فرماجو في جولتها الأخيرة، أقسم بعدها محمود اليمين الدستورية.
وتعد هذه المرة الثالثة فقط الذي تجري فيها انتخابات رئاسية بطريقة غير مباشرة داخل الصومال، التي لم تشهد انتخابات ديمقراطية شعبية منذ 1969، بل إن الانتخابات السابقة أُجريت في كينيا وجيبوتي المجاورتين، الأمر الذي جعل محللين يرون أن إجراء الانتخابات بالصومال «نجاح في حد ذاته». وكان يفترض أن تجري الانتخابات العام الماضي مع انتهاء ولاية فرماجو، لكن الخلافات السياسية وعدم الاستقرار ساهما في تأجيل التصويت أكثر من مرة، ما أتاح لفرماجو البقاء في السلطة.

تقريب المسافات
يدرك شيخ محمود، الملقب محلياً بـ«رجل المفاجآت»، المهمة الرئيسية التي استُدعي إليها، وهي توحيد الصفوف ولمِّ الشمل. ولذلك استهلّ إعلان فوزه في أول كلمة له أمام البرلمان، تعهّد خلالها بالعمل على تقريب المسافات بين الصوماليين، ونافياً الانتقام من أنصار النظام السابق. ومما قاله شيخ محمود: «علينا المضيّ قدماً ولسنا بحاجة إلى ضغائن... ولا انتقام». وأردف: «لا يمكننا أن ننسى الماضي المؤلم ولكن نستطيع أن نسامح. هنا في هذه القاعة سُلمت الرئاسة إلى محمد (فرماجو) في عام 2017 وسلمها هو لي الليلة».
كلام شيخ محمود، المرفق دائماً بابتسامته الشهيرة الهادئة، ضخّ تفاؤلاً لدى كثيرين من أبناء الصومال بل والمجتمع الدولي، ما جعل الكاتب الصومالي عبد القادر علي ورسَمه، يصفه بـ«الرئيس البسام»، قائلاً: «الشيخ محمود شخصية لا تفارقه البسمة في وجهه، وقد أكد في برنامجه الانتخابي العفو العام عن الجميع... وبدأت مرحلته بهذه النوع من الفرحة والسرور... إننا نتفاءل بابتسامته، وبتحمله المشاق في سبيل الإصلاح المنشود».
في المقابل، يُجمل الخبير في الشأن الأفريقي الدكتور حمدي عبد الرحمن، السبب الأساسي في خسارة فرماجو أمام شيخ محمود بأن الأول «جعل الصومال، بما تعانيه من تحديات بناء الدولة، جزءاً من استقطاب سياسات القرن الأفريقي... فهزم الرجل الذي تشبّث بأهداب السلطة حتى آخر لحظة بالمماطلة والأساليب كافة». وأضاف في تغريدة له على صفحته بـ«فيسبوك»، «هزم فرماجو في الجولة الثالثة في ماراثون انتخابي من قبل أعضاء البرلمان بغرفتيه والذي اجتمع في أحد هناجر مطار مقديشو تحت حراسة مشددة من القوات الأفريقية. ولعل ذلك يعطي دلالة على ما قدم الرجل أنه على الرغم من السنوات الخمس التي قضاها في السلطة والأموال التي أُنفقت على المؤسسة الأمنية والعسكرية لم يتمكن البرلمان من عقد جلسته في مقره المعتاد وإنما في مكان قصيّ وبحراسة قوات أجنبية».
يدرك شيخ محمود جيداً أنه يواجه مهمة صعبة في دولة يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، وتعاني من أسوأ جفاف منذ 40 عاماً.
ويعاني الصومال من حرب أهلية وتمرد وصراع بين العشائر مع عدم وجود حكومة مركزية قوية منذ الإطاحة بالحاكم الاستبدادي محمد سياد بري عام 1991، وليس للحكومة أي سيطرة تُذكر خارج العاصمة كما تتولى قوة من الاتحاد الأفريقي حماية «منطقة خضراء». وفي محاولة لتغيير هذا الواقع المرير تعهد شيخ محمود بالإصغاء لجميع الفرقاء في الصومال، ومحاولته تشكيل مناخ سياسي حر، وقال إنه يعتزم جمع كل الأطراف على طاولة واحدة لمناقشة مستقبل البلاد.

خبرة تعليمية وتربوية
يحظى شيخ محمود، المولود في مدينة غللقسي وسط الصومال عام 1955، بخبرة تربوية وتعليمية واسعة، بخلاف خبرته السياسية كونه سبق أن تولى رئاسة البلاد بين سبتمبر (أيلول) 2012، و16 فبراير (شباط) 2017، وأنه رئيس حزب «السلام والتنمية» الذي أسسه عام 2011.
وهو أيضاً يعد ابناً للبيئة الصومالية بالأساس، فقد تلقى تعليمه الأساسي في غللقسي، قبل أن ينتقل إلى العاصمة مقديشو عام 1978 وفي عام 1981 نال درجة الليسانس في مجال التكنولوجيا من جامعة الصومال الوطنية وأجرى الدراسات العليا (الماجستير) في المجال نفسه في جامعة بركات الله الهندية عام 1988.
عمل شيخ محمود، الذي تنحدر أصوله من قبيلة «أبغال»، إحدى كبرى القبائل الصومالية، أستاذاً في جامعة حكومية حتى انهيار الحكومة المركزية في عام 1990. ولم يغادر حينها البلاد، إذ عمل في عدد من المنظمات الدولية المحلية، معتمداً على لغته الإنجليزية الجيدة، منها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كمسؤول تربوي في جنوب ووسط الصومال، وهو من مؤسسي «جامعة سيمد» إحدى الجامعات الأهلية المرموقة في البلاد.
ورغم تمتعه بخلفية «سياسية – إسلامية»، فإنه يجهر بمعاداته لمنهج حركة «الشباب» المتطرفة ويقبل بالعمل مع الغرب لبناء الصومال، حيث يتبنى منهجاً وسطياً توافقياً لا يمانع فيه من تطبيق الشريعة بحكم أن الإسلام دين كل الصوماليين. وتحالف في ولايته الرئاسية الأولى مع مجموعة «الدم الجديد» المنشقة عن حركة الإصلاح فرع «الإخوان الدولي» في الصومال، لكن -ووفق مراقبين- فإنه «لا يتمتع بآيديولوجية دينية أو فكرية محددة».

المعترك السياسي
عبر بوابة التعليم دخل شيخ محمود غمار السياسة، فبعد أن شارك عام 1999 في تأسيس «المعهد الصومالي للإدارة والتنمية الإدارية» بالعاصمة مقديشو، أسس عام 2011، حزب «السلام والتنمية»، الذي لا يزال يرأسه. ومنه انتُخب عام 2012 بوصفه رجلاً أكاديمياً وناشطاً في المجتمع المدني، نائباً بالبرلمان لأول مرة عام 2012، وفي الانتخابات نفسها أصبح مرشحاً للرئاسة، ورغم حظوظه القليلة أمام منافسه الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، فاز بها فأصبح بعدها «رجل المفاجآت».
في ولايته الأولى تمكن شيخ محمود من تأسيس نظام فيدرالي قسّم فيه البلاد إلى ولايات، وأعاد بناء مطار مقديشو الدولي، كما نجح في السيطرة نسبياً على عدة مناطق في مواجهة حركة «الشباب» المسلحة، كما اشتهر بالسعي إلى تنفيذ سياسة توافقية بين الفرقاء الصوماليين.
ويسجل شيخ محمود في إنجازات ولايته الأولى، تحرير 36 مدينة من قبضة «حركة الشباب»، الأمر الذي يلقي على عاتقه مهمة معقدة. ويقول إن «الأمن هو أولوية الفترة الجديدة وإن الحل العسكري أولويته في مكافحة حركة الشباب المسلحة التي ظهرت عقب الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد».
وفي عام 2013 اختارت مجلة «تايم» شيخ محمود ضمن أكثر 100 شخصية تأثيراً حول العالم. وكان شيخ محمود من الأسماء التي عارضت تمديد فترة ولاية الرئيس السابق فرماجو.
وبشأن مستقبل ولايته الثانية، أكد شيخ محمود أن تحقيق الاستقرار السياسي وإنشاء دولة ديمقراطية هو أهم أولوية للإدارة الجديدة عقب تحقيق الأمن. وأوضح في مقابلة مع «الأناضول» أن الصومال لم ينجح في حل مشكلاته الأمنية رغم كل الخطوات والمبادرات التي تم تنفيذها، وأن معضلة الأمن تزداد بالمشكلات الموجودة بالمجالات الأخرى، مؤكداً أنه سيحرص على عدم تكرار أخطاء الماضي.
وقبيل تسمله منصبه رسمياً، التقى الرئيس الصومالي المنتخب حسن شيخ محمود رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، في العاصمة مقديشو، على مأدبة غداء، في خطوة بدت نحو ترميم السياسة الداخلية للصومال، حيث ناقش آليات الاستقرار السياسي والعمل على إنشاء دولة ديمقراطية.
وحول خطة انسحاب قوات مهمة الاتحاد الأفريقي الموجودة منذ سنوات في الصومال والتي يصل عددها إلى 20 ألفاً تقريباً، قال إن خطة الانسحاب أُعدّت منذ مدة طويلة إلا أن تطبيقها لم ينجح. وأشار إلى أن الاتحاد الأفريقي قدم الكثير من أجل الصومال، وأن تسليم المهام الأمنية إلى الحكومة الصومالية سيصبح ممكناً بعد فترة قصيرة من تأسيس النظام الأمني في البلاد.

رسائل دعم دولي
يحظى شيخ محمود بدعم إقليمي ودولي واسع، الأمر الذي قد يسهم في تذليل بعض العقبات خلال مهمته الصعبة، ولعل قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، إعادة نشر قوات أميركية في الصومال، بالتزامن مع إعلان فوز شيخ محمود، أبرز خطوة تعكس الدعم الدولي للرئيس الصومالي الجديد.
ووفق مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، فإن قرار بايدن جاء بعد أن طلب وزير الدفاع لويد أوستن، الانتشار هناك «لإعادة إنشاء وجود عسكري أميركي مستمر في الصومال لتمكين قتال أكثر فاعلية ضد حركة الشباب، التي زادت قوتها وتشكل تهديداً متزايداً».
وشكر الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، نظيره الأميركي جو بايدن على قراره إعادة الوجود العسكري الأميركي إلى الصومال. وفي بيان عبر «تويتر»، قالت الرئاسة الصومالية: «لطالما كانت الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً به في سعينا لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب».
وجاء القرار الأميري بعد نحو 18 شهراً من انسحاب نحو 750 عسكرياً أميركياً كانوا منتشرين في البلد الواقع في القرن الأفريقي، سيتمركز «أقل من 500» عسكري أميركي مجدداً في الصومال، وفق ما أضاف المسؤول الأميركي الذي تحدث إلى لـ«أسوشييتد برس»، طالباً عدم ذكر اسمه.
وكان الرئيس السابق دونالد ترمب قد أمر في ديسمبر (كانون الأول) 2020 وقُبيل انتهاء ولايته، بسحب القوات الأميركية من الصومال.
وإلى جانب واشنطن، تلقى شيخ محمود دعماً وتأييداً من معظم القوى والمنظمات الغربية والإقليمية، على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي دعا الرئيس الجديد لسرعة لتشكيل حكومة شاملة تعمل مع الأطراف المعنية الأخرى معاً بشكل وثيق لتعزيز الأولويات الوطنية الحاسمة والتصدي للتحديات التي يواجهها الصومال. كما أعرب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن تمنيه للرئيس الجديد التوفيق وتحقيق ما يصبو إليه الشعب الصومالي من سلام واستقرار. وأكد مصدر مسؤول بالأمانة العامة، أن الجامعة ستواصل وقوفها ودعمها للصومال في مسيرته التنموية وجهوده الحثيثة لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسساته.
وكان شيخ محمود قد أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سينتهج سياسة خارجية «مبنية على التعايش السلمي مع العالم بعيداً عن خلق عداوة خارجية قد تؤثر سلباً على العلاقات الدبلوماسية مع العالم الخارجي». وأضاف أنه سيعزز مكانة العلاقات الصومالية مع دول العالم خصوصاً التي دعمت بلاده في شتى المجالات إلى جانب حربها ضد الإرهاب، في إشارة إلى حركة «الشباب» الصومالية.


مقالات ذات صلة

الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

العالم العربي الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

أعلن الجيش الصومالي نجاح قواته في «تصفية 60 من عناصر حركة (الشباب) المتطرفة»، في عملية عسكرية مخططة، جرت صباح الثلاثاء، بمنطقة علي قبوبي، على مسافة 30 كيلومتراً جنوب منطقة حررطيري في محافظة مذغ وسط البلاد. وأكد محمد كلمي رئيس المنطقة، وفقاً لوكالة الأنباء الصومالية، أن «الجيش نفذ هذه العملية بعد تلقيه معلومات عن سيارة تحمل عناصر من (ميليشيات الخوارج) (التسمية المتعارف عليها حكومياً لحركة الشباب المرتبطة بالقاعدة) وأسلحة»، مشيراً إلى أنها أسفرت عن «مقتل 60 من العناصر الإرهابية والاستيلاء على الأسلحة التي كانت بحوزتهم وسيارتين عسكريتين». ويشن الجيش الصومالي عمليات عسكرية ضد «الشباب» بدعم من مقات

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس وزراء الصومال: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش لاستعادة الاستقرار

رئيس وزراء الصومال: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

(حوار سياسي) بين مواجهة «إرهاب» غاشم، وجفاف قاحل، وإسقاط ديون متراكمة، تتمحور مشاغل رئيس وزراء الصومال حمزة بري، الذي قال إن حكومته تسعى إلى إنهاء أزمتي الديون و«الإرهاب» بحلول نهاية العام الحالي، معولاً في ذلك على الدعم العربي والدولي لإنقاذ أبناء وطنه من مخاطر المجاعة والجفاف. «الشرق الأوسط» التقت المسؤول الصومالي الكبير بالقاهرة في طريق عودته من الأراضي المقدسة، بعد أداء مناسك العمرة، للحديث عن تحديات يواجهها الصومال حاضراً، وآمال كبيرة يتطلع إليها مستقبلاً...

خالد محمود (القاهرة)
العالم رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش لاستعادة الاستقرار حمزة بري أكد ضرورة القضاء على أزمة الديون لإنقاذ وطنه من المجاعة والجفاف بين مواجهة «إرهاب» غاشم، وجفاف قاحل، وإسقاط ديون متراكمة، تتمحور مشاغل رئيس وزراء الصومال حمزة بري، الذي قال إن حكومته تسعى إلى إنهاء أزمتي الديون و«الإرهاب» بحلول نهاية العام الحالي، معولاً في ذلك على الدعم العربي والدولي لإنقاذ أبناء وطنه من مخاطر المجاعة والجفاف. «الشرق الأوسط» التقت المسؤول الصومالي الكبير بالقاهرة في طريق عودته من الأراضي المقدسة، بعد أداء مناسك العمرة، للحديث عن تحديات يواجهها الصومال حاضراً، وآمال كبيرة يتطلع إ

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي واشنطن: مجلس النواب يرفض مشروعاً لسحب القوات الأميركية من الصومال

واشنطن: مجلس النواب يرفض مشروعاً لسحب القوات الأميركية من الصومال

رفض مجلس النواب الأميركي مشروع قانون، قدمه أحد النواب اليمينيين المتشددين، يدعو الرئيس جو بايدن إلى سحب جميع القوات الأميركية من الصومال في غضون عام واحد. ورغم هيمنة الجمهوريين على المجلس، فإن المشروع الذي تقدم به النائب مات غايتس، الذي لعب دوراً كبيراً في فرض شروط الكتلة اليمينية المتشددة، قبل الموافقة على انتخاب كيفن مكارثي رئيساً للمجلس، رفضه غالبية 321 نائباً، مقابل موافقة 102 عليه. وعلى الرغم من أن عدد القوات الأميركية التي تنتشر في الصومال، قد تراجع كثيراً، عما كان عليه في فترات سابقة، خصوصاً منذ عام 2014، فإن البنتاغون لا يزال يحتفظ بوجود مهم، في الصومال وفي قواعد قريبة.

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم العربي الصومال يستعد لرحيل «قوات أتميس» الأفريقية

الصومال يستعد لرحيل «قوات أتميس» الأفريقية

عقدت الدول المشاركة في بعثة قوات الاتحاد الأفريقي العاملة في الصومال (أتميس)، اجتماعاً (الثلاثاء)، بالعاصمة الأوغندية كمبالا، لبحث «سبل تعزيز العمليات العسكرية الرامية إلى القضاء على (حركة الشباب) المتطرفة». ويأتي الاجتماع تمهيداً للقمة التي ستعقد في أوغندا خلال الأيام المقبلة بمشاركة رؤساء الدول المنضوية تحت بعثة «أتميس»، وهي (جيبوتي، وأوغندا، وبوروندي، وكينيا، وإثيوبيا)، وفقاً لوكالة الأنباء الصومالية الرسمية. وناقش الاجتماع «سبل مشاركة قوات الاتحاد الأفريقي في العمليات العسكرية الجارية للقضاء على فلول (حركة الشباب)، كما تم الاستماع إلى تقرير من الدول الأعضاء حول ذلك»، مشيدين بـ«سير العمليات

خالد محمود (القاهرة)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.