الحكومة الإسرائيلية تشدد الرقابة على 35 ألف مقدسي

بعد التصدي لفلسطيني في حادثة طعن ومنع الإسعاف عنه

الشرطة الإسرائيلية في موقع حادث الهجوم الذي وقع السبت في القدس القديمة (إ.ب.أ)
الشرطة الإسرائيلية في موقع حادث الهجوم الذي وقع السبت في القدس القديمة (إ.ب.أ)
TT

الحكومة الإسرائيلية تشدد الرقابة على 35 ألف مقدسي

الشرطة الإسرائيلية في موقع حادث الهجوم الذي وقع السبت في القدس القديمة (إ.ب.أ)
الشرطة الإسرائيلية في موقع حادث الهجوم الذي وقع السبت في القدس القديمة (إ.ب.أ)

على الرغم من نشر شريط فيديو يبيّن بوضوح أن رجلَي الشرطة الإسرائيليين واصلا إطلاق الرصاص على الشاب الفلسطيني محمد سليمة، بعد طعنه شاباً يهودياً، ومنعا عنه العلاج تاركين إياه ينزف حتى الموت، تبنّت الحكومة برئاسة نفتالي بنيت، رواية الشرطة، وعدّت الشرطيين «بطلين قوميين». وقد طلب عدد من الوزراء، في جلسة أمس، تقييد حريات أهالي القدس الفلسطينيين، وقررت الحكومة في ختام مداولاتها، تشديد الرقابة على مداخل المدينة وتحركات مواطنيها الفلسطينيين.
وحسب وزير الاتصالات، يوعز هندل، فإن «هناك انفلاتاً في الحكم في مدينة القدس، يجعل الفلسطينيين يُهدرون دماء اليهود ويشعرون بأنهم يستطيعون طردنا بالقوة من عاصمتنا الأبدية». وطالب باستعادة هيبة السلطة، والضرب بيد من حديد على كل من يتطاول على القانون «ويسعى لإخافة اليهود ومنعهم من العيش في المدينة المقدسة أو زيارتها».
كانت جلسة الحكومة الإسرائيلية قد التأمت، أمس، في ظل انتقاد الشرطة إجراء تحقيق مع الشرطيين اللذين أطلقا الرصاص على الشاب الفلسطيني لمعرفة ملابسات الحادث. وراح الوزراء، وفي مقدمتهم بنيت، يدافعون عن الشرطيين، لكي يصدوا اتهامات المعارضة اليمينية.
يُذكر أن الحادث وقع في ساعات بعد الظهر من يوم السبت، مقابل منطقة باب العمود، المدخل المركزي للبلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة. ويتضح من شريط فيديو نُشر أمس، أن الشاب الفلسطيني، الذي تبين أنه الأسير السابق الذي لا ينتمي إلى أي تنظيم، محمد شوكت محمد سليمة (25 عاماً) من بلدة سلفيت في الضفة الغربية، كان يسير في الشارع وبشكل مفاجئ استدار وطعن بسكين كان يحمله الشاب اليهودي المتدين أفراهام إليميلخ (21 عاماً)، عدة طعنات في عنقه، فأصابه بجروح متوسطة. وحضر شرطيان وطلبا من الشاب الفلسطيني، الاستسلام، فركض نحوهما وهو يشهر السكين، فأطلقا عليه الرصاص وسقط أرضاً. ومع أنه كان مشلول الحركة وكان بالإمكان السيطرة عليه، استمرا بإطلاق الرصاص عليه وهو ممدد على الأرض. وانضمت في هذه الأثناء قوة شرطة كبيرة، ومنعت تقدم سيارة إسعاف لنقل المصاب، فظل ينزف حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
على أثر ذلك، اتهم شهود العيان من الفلسطينيين، الشرطيين الإسرائيليين، بإعدام الشاب سليمة، وعدّت السلطة الفلسطينية أن الأمر «جزء من مسلسل إعدامات تُنفَّذ بحق الفلسطينيين بقرار رسمي من حكومة الاحتلال». وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن «الإعدامات باتت سياسية رسمية في إسرائيل ضد الفلسطينيين» وعدّتها «إرهاب دولة».
وقد ثارت ثائرة المعارضة اليمينية بعد الحادثة، واتهمت الحكومة بـ«سياسة الخنوع وتشجيع الإرهاب الفلسطيني». ثم انضم مسؤولون في الحكومة والشرطة إلى الانتقاد، فأعلن الناطق بلسان الشرطة أن التحقيق إجراء روتيني لأي حادث إطلاق نار يسفر عن مقتل شخص. وأضاف أن التحقيق بيّن أن الحادث كان بمثابة «هجوم إرهابي»، ولكنّ نشر مقطع فيديو من مكان الحادث يُظهر الشرطيين وهما يطلقان النار على المشتبه به عدة مرات وهو ممدد على الأرض، «استدعى التدقيق». وخرج المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي، بتصريحات يثني فيها على ما قام به الشرطيان وقال، خلال اتصال هاتفي مع ذوي الشرطيين: «لقد تصرفا بطريقة حازمة ومهنية وسريعة، وبفضلهما تم إنقاذ حياة الإنسان وليس لديّ شك في أنهما كانا بطلين آخرين لشعب إسرائيل في عيد حانوكا». وقال قائد شرطة حرس الحدود في القدس، أمير كوهين: «أؤيد بشكل كامل الجنود الذين استجابوا للحادث كما اقتضت الضرورة وقاموا بتحييد المنفذ، مما منعه من إلحاق المزيد من الأذى بالجنود والإسرائيليين الموجودين في المكان». وأضاف كوهين، في اتصاله مخاطباً ذوي الشرطيين: «شاهدنا جميعاً الفيديو، ورأينا أن ولديكما البطلين تصرفا وفقاً لطريقة تدريبنا لهما ونتوقع منهما أن يتصرفا كحماة للمدنيين».
وفي جلسة الحكومة، أمس، قال بنيت: «لقد تصرف الشرطيان بشكل سريع وحازم، كما هو متوقع من عناصر الشرطة، ضد إرهابي حاول قتل مدني إسرائيلي. أود أن أنقل لهما دعمي الكامل. هذه هي الطريقة التي يُتوقع أن تتصرف بها قواتنا وهذه هي الطريقة التي تتصرف بها. يجب ألا نسمح لعاصمتنا بأن تصبح بؤرة للإرهاب». وقال وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، المشرف على الشرطة: «بعد ثانية أو ثانيتين من إطلاق النار الأول، كان على الشرطيين أن يقررا ما إذا كان الإرهابي سينفّذ تفجيراً انتحارياً. عند وجود شك، ليس هناك شك. لذلك أطلقا الرصاص وضمنا حياة الناس».
وقال وزير الدفاع، بيني غانتس: «نفّذت قوات حرس الحدود في القدس ما هو واضح وهو تحييد المنفّذ بالوسائل التي معها وباحتراف، ويظهر من المواد التي لدينا ومن التحقيق الأوّلي ما جرى، وأسعى لدعم القوات». وكان الوزير العربي في الحكومة وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، من حزب اليسار «ميرتس»، وحيداً في انتقاد سلوك الشرطة، فقال، خلال الجلسة: «في مواجهة محاولة قتل، يجب إطلاق النار على المهاجمين لإنقاذ الأرواح، ولكن ليس من أجل إزهاق أرواح (المهاجمين) عندما لا يشكلون تهديداً».
من جهتها، قالت النائبة العربية من كتلة «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية المعارضة، عايدة توما سليمان، إن الشرطة قامت بإعدام الشاب في الوقت الذي لم يعد يشكّل فيه خطراً. وعدّ زميلها في الكتلة، النائب عوفر كسيف، «إطلاق النار على الشاب سليمة، إعداماً بشكل تعسفي». وأضاف: «إطلاق النار على شخص مصاب ممدد على الأرض في الوقت الذي لم يعد يشكل فيه تهديداً، بغضّ النظر عن أفعاله، جريمة حرب».
وفي الجانب الفلسطيني، نشر مكتب الرئيس محمود عباس، بياناً ندد فيه بإطلاق النار ووصفه بأنه «اغتيال». وحثّ المجتمع الدولي على «التحرك الفوري لوقف جرائم إسرائيل». وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين، المجتمع الدولي، بإعادة النظر في كل ما يسمى «الإرهاب»، الذي تطلقه إسرائيل جزافاً بحق الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتقييم ودراسة سلوكيات الاحتلال برمّته، عقب احتضان أركان الحكومة الإسرائيلية لقتلة الشاب محمد سليمة، الذي أُعدم بدم بارد في مدينة القدس المحتلة. وأشارت إلى أنها تتابع هذه الجريمة الموثقة من جوانبها وتفاصيلها كافة، تمهيداً لرفعها إلى المحكمة الجنائية الدولية، متوقعين منها التحرك الفوري حتى لا تُتهم هي الأخرى بالتهرب من مسؤوليتها وخضوعها لابتزاز إسرائيل ومن يقف خلفها من دول عظمى تحميها من كل انتقاد.
في القاهرة، قال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة في الجامعة العربية، سعيد أبو علي، إن «ما قام به جنود الاحتلال الإسرائيلي من إعدام ميداني بحق الشاب الفلسطيني هو جريمة حرب بشعة تعبّر عن ماهية إسرائيل وعقليتها العدوانية المتطرفة والأوامر التي تُعطى لهم من المستويات السياسية بإطلاق النار والقتل المباشر». وطالب أبو علي في تصريح لوكالة «وفا»، أمس (الأحد)، بضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني قبل فوات الأوان.
كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد داهمت مدينة سلفيت، فجر أمس، واعتقلت شقيق منفذ عملية الطعن في القدس، كما داهمت مدينة رام الله واعتقلت اثنين من أصدقائه. وقررت الحكومة الإسرائيلية، أمس، تعزيز قواتها المرابطة في القدس وزيادة المراقبة على مداخل بوابات البلدة القديمة، التي يعيش فيها 35 ألف فلسطيني. وقال الوزير هندل، صاحب الاقتراح بذلك: «يجب تفتيش كل من يدخل البلدة، حتى لا يصل إليها مسلحون». وقد تم توثيق قيام شرطة الاحتلال باعتقال صبية فلسطينية، أمس، قرب منطقة باب العمود من دون سبب.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».