مبادرة الحكيم لانتخابات العراق تطمئن الخاسرين وتقلق الفائزين

عمار الحكيم أطلق مبادرة مثيرة للجدل (د.ب.أ)
عمار الحكيم أطلق مبادرة مثيرة للجدل (د.ب.أ)
TT

مبادرة الحكيم لانتخابات العراق تطمئن الخاسرين وتقلق الفائزين

عمار الحكيم أطلق مبادرة مثيرة للجدل (د.ب.أ)
عمار الحكيم أطلق مبادرة مثيرة للجدل (د.ب.أ)

دعا زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم إلى مبادرة وطنية سياسية وموسعة تجمع جميع القوى الفائزة، على مستوى المقاعد أو الأصوات، وعلى مستوى «المتقبل للنتائج أو المعترض عليها»، وعلى مستوى القوى الكبيرة أو القوى الناشئة الشبابية والمستقلة، إلى وضع صيغة تفاهم تفضي إلى إعادة التوازن للعملية السياسية، من خلال اتفاق وطني جامع متوافق عليه من قبل الجميع، بآليات ونقاط وتوقيتات واضحة وعملية.
واختار الحكيم مدينة دهوك في إقليم كردستان، وبحضور قادة الإقليم، لا سيما أعضاء «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الفائز بأعلى المقاعد في الإقليم، مكاناً لعرض المبادرة.
وقال الحكيم في بيان صدر عن مكتبه تضمن نصوص المبادرة، إن «مثل هذا الاتفاق بحاجة إلى وعي وتضحية من جميع الأطراف، دون الإضرار بحقوق الفائزين ولا القفز على مطالب المعترضين، للمضي قدماً والخروج من عنق الزجاجة، متجاوزين الشد والتوتر والاختناق السياسي الحاصل».
وأضاف الحكيم أنه يحذر ويدعو إلى أمور عدة؛ هي «ضرورة التزام الأطراف كافة بالآليات القانونية والسلمية في الاعتراض والتفاوض، واعتبار الدم العراقي خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه من قبل الجميع». كما دعا إلى «الالتزام بالحوار الوطني المستقل، بعيداً عن التدخلات الخارجية بكافة أنواعها وأطرافها، فضلاً عن ضرورة معالجة جميع المقدمات والمخرجات الانتخابية في أي اتفاق قادم، مع وضع آليات واضحة لحل الخلافات أثناء وبعد تشكيل الحكومة».
وتضمنت المبادرة «تقسيم الأدوار بين الحكومة والبرلمان القادم من حيث تمكين الفائزين في الحكومة، كما المعارضين والممتنعين في البرلمان، لإيجاد حالة من التوازن السياسي، بالإضافة إلى التصويت على (ورقة الاتفاق الوطني) كقرار برلماني في أولى جلساته الرسمية».
وفي حين بدت مبادرة الحكيم تحمل حالة اطمئنان للخاسرين الذين يمثلهم «الإطار التنسيقي» الشيعي، الذي يضم «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري، و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و«ائتلاف النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«العقد الوطني» بزعامة فالح الفياض، فإنها من جانب آخر أحدثت حالة قلق للفائزين بالانتخابات، لا سيما الثلاثة الأوائل وهم: «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر (74 مقعداً)، و«حزب تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي (43 مقعداً)، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني (32 مقعداً).
ورغم اللقاءات التي عقدها الحكيم مع زعامات إقليم كردستان، مثل مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، ونيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان، ومسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم، فإن «الحزب الديمقراطي» لم يصدر موقفاً واضحاً من هذه المبادرة رغم التمنيات الطيبة التي أبداها المسؤولون الكرد في إنجاح أي مسعى لرأب الصدع، مثلما عبروا في كلماتهم التي ألقوها في مؤتمر «منتدى الأمن والسلام في الشرق الأوسط» أو عبر البيانات الثنائية مع الحكيم وعبر اللقاءات الخاصة التي عقدت معهم.
في الجبهة السنية، لم يصدر موقف إيجابي أو سلبي حيال مبادرة الحكيم، بينما الأنظار لا تزال تتجه إلى الفائز الأول في الانتخابات، وهو «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، الذي يواصل جهوده من أجل تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية.
وطبقاً للمراقبين السياسيين، فإنه من غير المرجح أن يوافق الصدر على كل ما تضمنته «ورقة الحكيم» من أفكار؛ لأنها من وجهة نظره تمثل حبل إنقاذ للقوى الخاسرة التي تريد الالتفاف على نتائج الانتخابات عبر تأكيدها على التزوير، خصوصاً أن الصدريين يرفضون الحديث عن التزوير ويرون أن المقاعد التي حصلوا عليها هي استحقاقهم الطبيعي مقابل الاستحقاق الطبيعي لخصومهم داخل البيت الشيعي، الذين حصلوا على عدد متواضع من المقاعد.
القيادي في «تيار الحكمة» محمد اللكاش، أعلن من جهته أن «قوى (الإطار التنسيقي) رحبت وأيدت ورقة التسوية التي قدمها الحكيم، خصوصاً أنها ورقة مهمة لغرض خروج العملية السياسية من الأزمة التي تعيشها بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي تم تلاعب بها بشكل واضح وعلني» على حد قوله.
وأضاف اللكاش أن «جميع قوى (الإطار التنسيقي) مع ورقة التسوية المقدمة من الحكيم، ونحن الآن في انتظار آراء ومواقف القوى السياسية من هذه الورقة».
وتأتي مبادرة الحكيم الداعية إلى إعادة النظر في مخرجات الانتخابات العراقية التي أجريت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في وقت جدد فيه مجلس الأمن الدولي ترحيبه بالتقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن الإجراءات الانتخابية في العراق.
وقال المجلس في بيانه إن «أعضاء مجلس الأمن رحبوا بتقرير الأمين العام حول العملية الانتخابية في العراق ومساعدة (بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق - يونامي) لهذه العملية، عملاً بالقرار 2576 (2021)»، كما هنأ أعضاء مجلس الأمن حكومة العراق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات على إجراء انتخابات «تمت إدارتها بشكل جيد تقنياً، وسلمية بشكل عام في 10 أكتوبر 2021». كما رحب مجلس الأمن بالنتائج التي توصلت إليها «بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق» والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي أفادت بأن «عمليات إعادة الفرز اليدوية الجزئية لمراكز الاقتراع تتطابق مع نظام نقل النتائج الإلكتروني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.