التقيت أنا ودانيال كريغ، قبل أكثر من عام ونصف العام، في «متحف الفن الحديث»، للحديث عن فيلمه الأخير «لا وقت للموت»، وتوديع شخصية الجاسوس الشهير التي كان يلعبها منذ عام 2006. لقد كان ذلك بمثابة توديع مُستصعب ومُطول للسيد كريغ البالغ من العمر 53 عاماً، الذي لم يكن منذ اللحظة التي اختير فيها لخلافة البطل بيرس بروسنان في دور «العميل 007» شخصاً ملائماً أو أنيقاً للشخصية. كان مظهره قاسياً جداً ونظراته حادة للغاية، وكانت سيرته المهنية الفنية ضعيفة للغاية، وكان شعره أشقر جداً.
كما أخبرني كريغ في تلك المقابلة الأولية، فقد افترض أنه قد تمت دعوته إلى اختبار الأداء لتسهيل اختيار شخص آخر للقيام بالدور. وقال: «كنتُ الشخص المفترض استبعاده ضمن فريق من الممثلين»، مضيفاً أنه في أحسن الأحوال ظن أنه سيحصل على دور الشرير: «تفضل... هذا دور الشرير الخاص بك».
ولكن ما حدث بدلاً من ذلك أن كريغ ظهر بدور «007» لأول مرة في فيلم «كازينو رويال»، ثم المتابعة السريعة في فيلم «كوانتم أوف سولاس» (2008)، ثم الخطوة الأكثر ملحمية في فيلم «سكاي فول» (2012) وأخيراً «سبكتر» (2015). فقد حققت أفلام «بوند» التي مثلها أكثر من ثلاثة مليارات دولار على مستوى العالم.
وعندما تحدثنا مرة أخرى عبر الهاتف في سبتمبر (أيلول)، كان كريغ كما عهدته دائماً متحفظاً وملتزماً بالهدوء والاسترخاء. فحقيقة أن فيلم «لا وقت للموت» بدأ يؤتي ثماره الآن منحته حرية التأمل فيما تعنيه له تجربة «بوند» إلى درجة ما. وبالطبع، كان للنجم المتحفظ سر آخر يخفيه في جعبته؛ إذ أُعلن يوم الأربعاء الماضي عن مشاركة كريغ في الإنتاج الجديد لرواية «ماكبث» من برودواي، حيث يلعب دور «ماكبث» المتعطش للسلطة، إلى جانب الممثلة روث نيغا في دور «ليدي ماكبث».
وكما يقول كريغ في أكثر من مناسبة في محادثاتنا، أنه مجرد ممثل ويجب عدم الخلط بينه وبين دوره الأسطوري السابق الذي سوف يتلاشى قريباً. وقال عن العمل الفني: «كل ما أردت فعله حقاً هو كسب العيش. لم أرغب في الاضطرار للعمل كنادل يطوف على الطاولات، الأمر الذي كنت أفعله منذ كنت في 16 من عمري. فأدركت أنه إذا كان بإمكاني فعل ذلك (التمثيل) ودفع الإيجار، فسوف أكون ناجحاً». لقد تحدث كريغ عن الانتظار المطوَّل لفيلم «لا وقت للموت»، وشاركنا في الوقت الحالي تأملاته الأخيرة حول شخصية جيمس بوند. وهذه مقتطفات منقحة من محادثتين أخريين معه.
> كيف كانت السنة ونصف السنة الماضية بالنسبة لك؟ كيف تسير الأمور؟
- كانت الأمور جيدة بقدر الإمكان. أنا محظوظ بشكل لا يُصدّق، لأن لدي أسرة رائعة، وأيضاً أن يكون لي مكان خارج المدينة، حيث يمكننا الذهاب والابتعاد عن هذا النوع من الجنون. غادرنا المدينة في الثامن من مارس (آذار) 2020. لقد كان عاماً قاسياً على الجميع، ولكن هكذا تجري الحياة.
> هل تشعر بالتواضع بعد أن تقوم بأداء شخصيات تتمتع بالقدرة الهائلة والحيلة ثم بعد ذلك تخوض تجربة واقعية مثل الوباء تذكّرك بأننا جميعاً تحت رحمة هذه القوى الأكبر؟
- حسناً، أنا لا أشعر بذلك على أي حال. أشعر بأنني إنسان عادي معظم الوقت... لا أشعر بأي علاقة مع الشخصيات التي أقوم بها. هم فقط كذلك. كثير من الأمور وُضعت في سياقها الصحيح. > هناك مقطع فيديو من خطاب عندما تحدثتَ إلى زملائك وأفراد الفريق في نهاية تصوير فيلم «لا وقت للموت». لقد دمعت عيناك في النهاية، وكان من المريح جداً بالنسبة لي أن أراك تُظهر عواطفك؛ أنه يمكنك أن تكون حساساً لهذه الدرجة.
- أنا لا أظهر نفسي للعالم بقدر ما قد يرغب الناس، ولكن هذا هو خياري. لقد سبب لي ذلك المشكلات على الأرجح، وجعل الناس يفكرون في أمري. ولكنني إنسان عاطفي بصورة لا تُصدَّق. والمقطع الذي تتحدث عنه هو نهاية 15 عاماً من حياتي التي وضعتُ فيها كل ما أستطيع القيام به. ربما أكون مُصاباً بنوع من الرهبة الاجتماعية حتى لا أشعر بالاختناق في نهاية الأمر. ولكنني آمل ألا أكون مُعتلاً جتماعياً.
> ما الذي ستفتقده بشأن «بوند»؟
- سأفتقد جهد الفريق الهائل الذي يتطلبه الأمر. لقد مرت خمس سنوات تقريباً منذ أن بدأنا هذا المشروع، وهو أمر محبط يثير القلق. في بعض الأحيان أشعر بأنها لن تحدث، لكنها عملية إبداعية بشكل لا يُصدَّق، وسأفتقد ذلك. لدي مشاريع أخرى أقوم بها، ولكن لا يوجد شيء مثل فيلم «بوند».
> سوف تعود إلى برودواي العام المقبل لتمثل دور البطولة في مسرحية «ماكبث». ما الذي جعلك مهتماً بهذه المسرحية تحديداً؟
- لقد كانت واحدة من المسرحيات المفضلة لدي. الأمر صعب جداً. إنها سريعة الخطى وليس طويلة بصفة خاصة. هناك فرصة لفعل شيء بعينه. اعتادت برودواي على اتخاذ مثل هذه الوثبات، مثل كل الصناعات الأخرى، ولفعل شيء مذهل وسحري وغريب، ومحاولة الحصول على ذلك في برودواي، والمشاركة فيه، وإعطائه أكبر قدر ممكن من الدعم. أعرف أنه يمكننا القيام بإنتاج رائع.
* هناك أيضاً نسخة جديدة من فيلم «ماكبث»، بطولة دنزل واشنطن، الذي سوف يصدر في نهاية هذا العام. هل تشعر بأي تنافس مع هذا المشروع؟
- لا أسمح لنفسي بالمنافسة المباشرة مع دنزل واشنطن. لا أعتبر نفسي جديراً بذلك. لا يتعلق الأمر بالمنافسة بين العملين. من الواضح أنهما عملان مختلفان تماماً، لكن لا يقلقني هذا النوع من الأشياء. كلما أنتجنا المزيد من الأعمال، كان ذلك للأفضل دوماً.
دانييل كريغ يودّع «بوند» ويستعد لـ«ماكبث»
دانييل كريغ يودّع «بوند» ويستعد لـ«ماكبث»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة