توقيع «اتفاق أوّلي» للسلام بين باماكو و3 تنظيمات مسلحة في مالي

فريق الوساطة الجزائري يخشى من عدم تقيد الأطراف بوقف إطلاق النار

وزير الخارجية الجزائري يحرص على مصافحة أحد ممثلي الجماعات المسلحة المالية خلال حفل توقيع الاتفاق أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الجزائري يحرص على مصافحة أحد ممثلي الجماعات المسلحة المالية خلال حفل توقيع الاتفاق أمس (أ.ف.ب)
TT

توقيع «اتفاق أوّلي» للسلام بين باماكو و3 تنظيمات مسلحة في مالي

وزير الخارجية الجزائري يحرص على مصافحة أحد ممثلي الجماعات المسلحة المالية خلال حفل توقيع الاتفاق أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الجزائري يحرص على مصافحة أحد ممثلي الجماعات المسلحة المالية خلال حفل توقيع الاتفاق أمس (أ.ف.ب)

وقَّعت الحكومة المالية اتفاق «سلم ومصالحة» مع 3 مجموعات مسلحة بعد ثمانية أشهر من المفاوضات في الجزائر لوضع حد للنزاع في شمال البلاد، بينما طلبت 3 مجموعات مهلة «معقولة» قبل التوقيع. وأبدت أطراف الأزمة المالية ارتياحا للتوصل إلى اتفاق أولي، أمس بالعاصمة الجزائرية، ينهي (مؤقتا) نزاعا مسلحا دام طويلا في شمال البلاد، كان يهدد بانقسام البلاد إلى نصفين. وتخشى الجزائر كرئيس لفوج الوساطة الدولية في النزاع، من عدم التزام الطرفين الرئيسيين، الحكومة والمعارضة المسلحة، ببنود الاتفاق خاصة ما تعلق بتفادي استخدام السلاح في حال وقوع خلاف.
واعتبر وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة الذي قاد شخصيا المفاوضات منذ بدايتها في يوليو (تموز) 2014، أن «هذا يوم مشهود في مسيرة شعب مالي وفي مسيرة سكان المناطق الشمالية في جمهورية مالي نحو السلم والوئام والمصالحة». وأوضح أن هذا الاتفاق بالأحرف الأولى يؤكد أن «المفاوضات ستتواصل في مالي حول مسائل الدفاع والأمن والتنمية الاقتصادية، للتوقيع الرسمي والنهائي على الاتفاق»، متمنيا «ألا يغيب أحد».
وعبر وزير خارجية مالي ممثل حكومة باماكو عبد الله ديوب عن ثقته بأن «التوقيع على الاتفاق هو وعد بالسلام»، وأن جميع الأطراف «ستوقع عليه خلال الأسابيع المقبلة».
ودعا ممثل الأطراف الموقعة المحامي هارونا توريه إلى «حوار مباشر لجعل هذا الاتفاق حقيقة تاريخية وكذلك حقيقة تطفئ نار الحرب بيننا».
ورفض التوقيع على الاتفاق ثلاثة تنظيمات مسلحة، هي «الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، و«المجلس الأعلى لتحرير أزواد»، و«الحركة العربية لتحرير أزواد». وقال قادتها في بيان مشترك «طلبنا من الوساطة الدولية إعطاءنا الوقت والدعم اللازم قبل أي توقيع بالأحرف الأولى على هذا المشروع، بهدف مشاركته مع شعب أزواد في غضون فترة زمنية معقولة». ومع ذلك أعلنوا التزامهم باحترام اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 مايو (أيار) 2014 بكيدال شمال مالي، وباتفاق «وقف الأعمال العدائية» الموقع في 24 يوليو 2014 في الجزائر، والذي تم التأكيد عليه في 19 فبراير (شباط) 2015.
وأفاد البيان بأن التنظيمات المسلحة «تطمئن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والدول الأعضاء في الوساطة، وهي الجزائر بصفتها رئيس فوج الوساطة، وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد ونيجيريا، بأن هذه الخطوة (عدم التوقيع على الاتفاق الأولي) تهدف إلى إعطاء كل الفرص الممكنة لنجاح مسار الجزائر من أجل التوصل إلى اتفاق دائم». وصرح رضوان آيت محمد رئيس «تنسيقية الحركات الأزوادية»، التي تضم التنظيمات الثلاثة التي لم توقع البيان، أن الوثيقة التي عرضت للتوقيع «تتضمن بعض النقائص من بينها الغموض الذي يكتنف الوضع القانوني لمنطقة أزواد، ونقاطا أخرى متصلة بالأمن وبالدفاع في هذه المنطقة»، في إشارة ضمنية إلى مطلب سابق لهذه التنظيمات، يتمثل في إقامة حكم ذاتي في كيدال وغاوو وتومبوكتو، وهي مدن حدودية مع الجزائر.
وعلى خلاف موقف التنظيمات الثلاثة، تم التوقيع على الاتفاق من طرف ثلاث مجموعات مسلحة أخرى هي «الحركة العربية الأزوادية» (منشقة عن الحركة العربية لتحرير أزواد)، و«التنسيقية من أجل شعب أزواد»، و«تنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة». وحضر عن الجانب المالي، وزير الخارجية عبد اللاي ديوب.
وصرح وزير خارجية الجزائر العمامرة، بأن توقيع الأطراف المالية بالأحرف الأولى على اتفاق سلام «يعد يوما تاريخيا فهو يفتح آفاقا واعدة من أجل مستقبل أفضل لكل الماليين». وذكر أن الاتفاق النهائي سيوقع بباماكو «في وقت لاحق»، من دون تحديد تاريخ.
وفي باماكو طالب رئيس الوزراء المالي ماديبو كايتا المجموعات المتمردة بتخطي العقبات، مشيرا إلى أن «بعض الأطراف الفاعلة وبعض المجموعات المسلحة ما زالت مترددة لأسباب نحترمها، لكننا نجد صعوبة في فهمها، خاصة إذا تعلق الأمر بمن يحرصون على بناء السلم والتنمية العادلة والمتوازنة».
وأضاف إثر لقاء مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني: «من المؤكد أن مشروع الاتفاق الذي تم عرضه على الأطراف ليس كاملا، لكنه يمثل توافقا يمكن أن نقبله مع البقاء حذرين بالنسبة لتطبيقه».
وكانت الوساطة الجزائرية عرضت الخميس الماضي على الطرفين مشروع اتفاق جديدا ينص على «إعادة بناء الوحدة الوطنية للبلاد على قواعد تحترم وحدة أراضيها وتأخذ في الاعتبار تنوعها الإثني والثقافي».
وكما ترغب باماكو لا يتحدث الاتفاق عن حكم ذاتي ولا عن نظام فيدرالي ويشدد على الوحدة الترابية وسلامة وسيادة دولة مالي وعلى طابعها الجمهوري والعلماني.
في المقابل، يعتبر الاتفاق تسمية «أزواد» التي يطلقها المتمردون على منطقتهم «حقيقة إنسانية»، ملبيا بذلك رغبة المتمردين وأغلبهم من الطوارق.
وينص الاتفاق على تشكيل مجالس مناطقية تنتخب بالاقتراع العام المباشر وتتمته بصلاحيات مهمة، وذلك في غضون 18 شهرا. كما ينص على «تمثيل أكبر لسكان الشمال في المؤسسات الوطنية».
وعلى الصعيد الأمني، ينص الاتفاق على إعادة تشكيل القوات المسلحة من خلال انضمام مقاتلين من الحركات المسلحة في الشمال إلى الجيش.
وابتداء من 2018 يتعين على الحكومة المالية بحسب الاتفاق، أن تضع «آلية لنقل 30 في المائة من عائدات الميزانية من الدولة إلى السلطات المحلية (..) مع التركيز بشكل خاص على الشمال».
وينص الاتفاق أيضا على تنظيم مؤتمر وطني «لإجراء حوار معمق بين مكونات الشعب المالي حول الأسباب العميقة للنزاع».
من جهة أخرى، ينص الاتفاق على قيام لجنة تحقيق دولية في كل جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية وسائر الانتهاكات الخطيرة التي شهدها النزاع.
وقال مبعوث الأمم المتحدة منجي الحامدي، رئيس «المهمة متعددة الأطراف من أجل استقرار مالي»، للصحافة التي حضرت بكثافة في «فندق الأوراسي» الذي احتضن مراسم التوقيع على الاتفاق الأولي، أن التوقيع بالجزائر العاصمة على اتفاق السلام والمصالحة الوطنية في مالي، يمثل قاعدة متينة لإرساء سلم مستدام ومصالحة وطنية. وأشار الحامدي إلى أن الاتفاق «لا يستجيب لكل المطالب ولا يرضي كل الأطراف، إلا أنه مبني على التوازن». وأضاف: «نجاح هذا الاتفاق مرهون بقدرة الأطراف على تجاوز الحواجز الآيديولوجية والثقافية والسياسية، وخدمة قضية مشتركة هي السلام كعامل للاستقرار والتقدم والتنمية».
ومن جهته، ذكر ميشال ريفران، ممثل «الاتحاد الأوروبي من أجل الساحل ومالي»، أن الاتفاق «واقعي وبراغماتي يفتح الطريق لعودة السلام والاستقرار إلى مالي وكامل المنطقة». وأضاف: «المجتمع الدولي، لا سيما الاتحاد الأوروبي، رافق مالي وسيستمر في مرافقته إلى حين عودة السلام والاستقرار بصفة نهائية». ودعا محمد كومباوري، ممثل «منظمة التعاون الإسلامي»، الأطراف المتنازعة إلى «التحلي بحسن النية والصدق، من أجل عودة السلام والاستقرار إلى مالي».
وتسعى الأطراف الدولية إلى ترسيخ المرحلة الأولى من الاتفاق لضمان نجاحه، على أمل الأطراف الأخرى. وقال ممثل «الاتحاد الأفريقي من أجل الساحل ومالي»، بيار بويويا: «إن هذه المرحلة حاسمة في مسار الجزائر للسلام في مالي، على الرغم من صعوبة وحساسية المفاوضات».
وشاركت ست مجموعات في جولات المفاوضات الخمس منذ يوليو 2014 هي الحركة الوطنية لتحرير أزواد والمجلس الأعلى لوحدة أزواد وحركة أزواد العربية وحركة أزواد العربية المنشقة وتنسيقية الشعب في أزواد وتنسيقية حركات وجبهات المقاومة الوطنية. وكانت المفاوضات التي بدأت في يوليو 2014 في العاصمة الجزائرية، هي الأولى التي شارك فيها كل أطراف النزاع منذ تلك التي أسفرت في يونيو (حزيران) 2013 عن اتفاق تمهيدي في بوركينا فاسو.
وقد استبعدت من المفاوضات المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة التي تحالفت لفترة قصيرة مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد وسيطرت لأكثر من تسعة أشهر على شمال مالي قبل أن تطرد من قبل تحالف عسكري دولي قادته فرنسا في 2013. وقد أطلقت بدلا منه في أغسطس (آب) 2014 عملية بارخان التي تشمل منطقة الساحل والصحراء بأكملها.



الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
TT

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، خلال عملية عسكرية خاصة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي. في حين أعلن الجيش الموريتاني أن المواطنين جرى توقيفهم داخل أراضي مالي، وأكد أنه «لن يسمح» بأي انتهاك لحوزته الترابية.

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

وقالت مصادر محلية إن المواطنين الموريتانيين أفرج عنهم بعد ساعات من التوقيف، وكانت وحدة «فاغنر» قد سلّمتهم إلى الجيش المالي الذي حقّق معهم ثم أفرج عنهم، ليعودوا إلى الأراضي الموريتانية ليل الأربعاء/الخميس.

اختراق الحدود

بعد توقيف الموريتانيين من طرف وحدة «فاغنر»، المرافقة للجيش المالي، تداول ناشطون موريتانيون على وسائل التواصل الاجتماعي معلومات تُفيد بأن مقاتلي «فاغنر» وقوات الجيش المالي «اخترقوا» الحدود، وأوقفوا مواطنين موريتانيين.

ولكن الحكومة الموريتانية نفت أن يكون قد حدث أي اختراق للحدود، وقال الوزير الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد أمدو: «إن وحدات من الجيش المالي كانت تتحرك في مناطق تابعة لحدودها، وأثناء مرورها اعتقلت هذه المجموعة».

وأضاف ولد أمدو، في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أن القرية التي دخلها الجيش المالي وقوات «فاغنر»، «تابعة لدولة مالي»، مشيراً إلى أن «اتصالات جرت بين السلطات العسكرية الموريتانية والمالية أسفرت عن إطلاق سراح الموقوفين».

لا تسامح

وأصدر الجيش الموريتاني بياناً صحافياً حول الحادثة، وقال إن ما تداولته الصحف المحلية وبعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي حول اختراق الحدود «مجرد معلومات مغلوطة وأخبار زائفة»، وقال: «إنه لن يسمح لأي كان بانتهاك الحدود».

وأوضح الجيش الموريتاني أن «الأمر يتعلق بوصول وحدة من الجيش المالي إلى قرية الأغظف الموجودة داخل التراب المالي»، وشدّد على أنه «لم تصل القوات المالية مطلقاً إلى خط الحدود بين البلدين».

وقال الجيش الموريتاني: «إن الوحدة العسكرية المالية أوقفت 18 شخصاً في المناطق التي مرت بها، قبل أن يجري إطلاق سراح الموقوفين لاحقاً، بعد اتصالات ميدانية بين الجهات المعنية بموريتانيا ومالي».

وخلص الجيش الموريتاني إلى «طمأنة المواطنين بأن الوحدات العسكرية الموريتانية المرابطة على الحدود، لن تسمح لأي كان بانتهاك الحوزة الترابية للبلاد»، وفق نص البيان الصحافي.

احتفاء محلي

كان توقيف المواطنين الموريتانيين قد أثار حالة من الرعب في أوساط السكان المحليين، في ظل مخاوف من تصفيتهم، كما سبق أن حدث مع موريتانيين خلال العامين الماضيين، أوقفتهم «فاغنر» وعثر عليهم في مقابر جماعية، ما كاد يقود إلى أزمة في العلاقات بين مالي وموريتانيا.

وبعد الإفراج عن الموقوفين سادت حالة من الارتياح في أوساط السكان المحليين، وأصدرت مجموعة من السياسيين والمنتخبين المحليين بياناً، قالت فيه إن سكان محافظة باسكنو الحدودية «يثمنون إطلاق سراح المختطفين على الحدود المالية».

وقال النائب البرلماني، محمد محمود ولد سيدي، إن الإفراج عن الموقوفين «لحظة تحمل في طياتها فرحة كبرى، وترسم أفقاً جديداً من الأمل والطمأنينة في قلوب الجميع».

وأضاف عضو البرلمان الموريتاني عن دائرة باسكنو، أن السكان يشكرون الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «الذي قاد بحكمة وحزم مسار الجهود المبذولة لتحقيق هذا الإنجاز الوطني الكبير».

وأرجع النائب جهود الإفراج عن الموقوفين إلى ما سمّاه «الدبلوماسية العسكرية (الموريتانية) التي أظهرت قدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية، وأثبتت بالدوام نجاعة وحنكة عاليتين في التعامل مع هذا التحدي الأمني الكبير».

حرب مالي

وتعيش دولة مالي على وقع حرب، منذ أكثر من 10 سنوات، ضد مجموعات مسلحة موالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقبل سنوات قاد ضباط ماليون انقلاباً عسكرياً، وسيطروا على الحكم في البلد، ليعلنوا التحالف مع روسيا، وجلب مئات المقاتلين من «فاغنر» لمساعدتهم في مواجهة المجموعات الإرهابية.

ويثير وجود «فاغنر» داخل الأراضي المالية، خصوصاً في المناطق الحدودية، مخاوف الموريتانيين؛ إذ تسببت عمليات «فاغنر» في مقتل عشرات الموريتانيين داخل الشريط الحدودي بين البلدين.

وتوجد في الشريط الحدودي عشرات القرى المتداخلة، بعضها تتبع موريتانيا ويقطنها مواطنون ماليون، وأخرى تتبع مالي ويقطنها مواطنون موريتانيون، وذلك بسبب عدم ترسيم الحدود بشكل نهائي بين البلدين.