يمنيون يتهمون الحوثيين بنهب إيرادات «التراث والتنمية»

الجماعة أغلقت بيوت الفن والمؤسسات الثقافية وفاقمت معاناة منتسبيها

TT

يمنيون يتهمون الحوثيين بنهب إيرادات «التراث والتنمية»

أفادت مصادر مطلعة في العاصمة اليمنية صنعاء بأن الميليشيات الحوثية واصلت ارتكاب جرائم النهب المنظم بحق إيرادات صندوق التراث والتنمية الثقافية الواقع تحت قبضة وسيطرة الجماعة، وذلك في سياق عمليات التحايل على القوانين الخاصة بإنشائه من خلال ضم موارده المستقلة المستقطعة من كبرى الشركات والمصانع إلى الموازنة العامة لما يسمى بالدولة ثم صرفها بعيداً عن اهتمامات وأهداف الصندوق.
واتهمت المصادر العاملة في قطاع الثقافة الواقع تحت سيطرة الجماعة في صنعاء 4 من قيادات الحوثيين، هم المدعو عبد الله الكبسي المعين من قبل الميليشيات وزيراً للثقافة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، ونائبه أحمد حيدر، والمدعو إبراهيم الموشكي المنتحل لمنصب المدير التنفيذي لصندوق التراث، وسليم المطري مسؤول الإيرادات في الصندوق، بأنهم ينهبون منذ العام 2015 بصورة شهرية أكثر من 80 مليون ريال من موارد الصندوق (الدولار نحو 600 ريال).
وأكدت المصادر التي تحدثت مع «الشرق الأوسط»، عن أن إجمالي ما نهبته تلك القيادات من موارد الصندوق منذ 2015 حتى أبريل (نيسان) الماضي، يقدر بنحو 6 مليارات و80 مليون ريال، بالإضافة إلى مبلغ 117 مليون ريال كانت في حسابات الصندوق قبل انقلاب الجماعة واقتحامها المدن اليمنية.
وأشارت المصادر إلى أن قادة الميليشيات الموكل إليهم إدارة شؤون الثقافة وصندوقها صرفت منذ انقلابها وفرض سيطرتها على مؤسسات الدولة مستحقات شهرين للعاملين والموظفين، بينما واصلت بقية الفترة السطو على تلك الحقوق المالية.
وفي السياق أيضاً، تحدث مهتمون في الشأن الثقافي بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن أن عمليات الفساد والتحايل الحوثية المتكررة بحق الثقافة والتراث وغيرها تأتي في إطار جرائم الجماعة التدميرية التي لا حصر لها بحق ذلك القطاع ومنتسبيه.
ولفتت المصادر إلى أن الهدف من إنشاء الصندوق هو دعم الفنانين وبيوت الفن والفرق الخاصة وغيرها من الجوانب المتعلقة بالتراث الثقافي.
وقال مختصون في الشأن الثقافي في صنعاء إن صندوق التراث الذي مارست من خلاله الميليشيات أبشع صور الفساد والسطو والعبث يعد واحداً من أصل 40 صندوقاً حكومياً خصصت لها موارد من الدولة ومساهمات القطاعات التجارية والمنح الخارجية وتحولت جميعها لإثراء جيوب الجماعة وفي سبيل دعم عملياتها العسكرية.
وأشاروا إلى أن ذلك الصندوق له موارده الشهرية الخاصة به منذ تأسيسه حسب إقرار وموافقة مجلس النواب في العام 2002؛ حيث خصصت له نسبة من مبيعات السجائر والمياه المعدنية ومصانع الإسمنت وشركة النفط، والتي تتجاوز أكثر من 80 مليون شهرياً.
وأضافوا أنه كان للفنانين والأدباء والمثقفين والعاملين في التنمية التراثية حوافز شهرية تصرف من ذلك الصندوق، لكن الميليشيات قطعتها عنهم منذ العام 2015. وادعت حينها أن البلد يمر بـ«حرب» وأنها سخرتها جميعها دعماً لجبهاتها القتالية.
وعلى صعيد متصل، شكا فنانون وأدباء وعاملون بمجال التراث بصنعاء، التقت بهم «الشرق الأوسط»، من استمرار الجماعة في نهب مستحقاتهم وحقوقهم المالية وتسخيرها لصالح مجهودها الحربي ولمن تم تعيينهم من قبلها بإدارة ذلك القطاع.
وتحدثوا عن أن الغالبية منهم لم يتلقوا، في ظل استمرار حكم وفساد الانقلابيين أي مساعدات من الصندوق منذ أكثر من 5 سنوات، ولفتوا إلى أن أوضاعهم المعيشية وأسرهم باتت صعبة وحرجة، ومنهم من لا يزالون يعانون من أمراض مختلفة.
ووصف الفنانون والمثقفون ما يجري من فساد وعبث حوثي منظم بأنه تنمية لجيوب قيادات في الجماعة بعيداً عن التنمية الثقافية والحفاظ على التراث اليمني.
وكشفوا عن أن جرائم السطو والنهب الحوثية بحق ذلك القطاع ومنتسبيه المستمرة على مدى سنوات ماضية أسفرت عن إغلاق بيوت الفن وإيقاف عمل غالبية الفرق الفنية والثقافية الخاصة وتحول مئات من العاملين فيها إلى متسولين في بعض شوارع وطرقات مدن سيطرة الميليشيات.
ومنذ اجتياح الحوثيين، حلفاء إيران في اليمن، العاصمة صنعاء ومناطق أخرى وبسط نفوذهم وسيطرتهم على كل مفاصل الدولة؛ بما فيها مؤسسات الثقافة، تعرضت الحياة الفكرية والأدبية والثقافية في اليمن لمأساة وانتكاسة كبيرة، وطالت العشرات من مباني الهيئات والمؤسسات الثقافية سلسلة من الاقتحامات والتدمير والعبث الممنهج، في حين واجه مثقفون وكتاب وأدباء عمليات اعتداء وتشريد واعتقال ومنع واستهداف وتصفية.
وفي مقابل ذلك، عبّر عدد من الأدباء والمثقفين في مناطق سيطرة الميليشيات، بلقاءات سابقة لهم مع «الشرق الأوسط»، عن أسفهم الشديد للوضع السيئ والمتردي الذي وصل إليه المشهد الثقافي اليمني.
وقال أحد الكتاب في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الميليشيات المدعومة إيرانياً عمدت في السابق من خلال أساليبها الإرهابية إلى تجريف التراث الثقافي اليمني، ولا تزال مستمرة في مساعيها للقضاء على ما تبقى من تنوعه وتعدده؛ بغية فرضها نمطاً ثقافياً أحادياً معادياً للثقافة اليمنية.
وأضاف: «الاضطهاد الحوثي نال على مدى سنوات الانقلاب الماضية من كل الفئات اليمنية بمختلف أطيافها وتوجهاتها، وفي مقدمها الأدباء والمثقفون اليمنيون».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.