«النهضة» لتقديم «تنازلات» لحل أزمة الحكم في تونس

في ظل تواصل أزمة «اليمين الدستورية» وخلافات الرئيسين سعيّد والمشيشي

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (رويترز)
راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (رويترز)
TT

«النهضة» لتقديم «تنازلات» لحل أزمة الحكم في تونس

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (رويترز)
راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (رويترز)

أكد عبد اللطيف المكي، قيادي حركة النهضة التونسية، استعداد حزبه لتقديم تنازلات لحل الخلافات المتواصلة بين رأسي السلطة التنفيذية والأفرقاء السياسيين في البلاد، في إطار ما يتفق عليه المجتمع السياسي وأركان الدولة التونسية، واشترط في المقابل عدم المساس بالدستور وتطبيق مقتضياته.
وقال المكي إن الاتفاق بين مختلف الأطراف السياسية لن يكون إلا عبر تنظيم الحوار الوطني المقترح من قبل اتحاد الشغل (نقابة العمال)، وطالب القيادات السياسية في مختلف مواقع المسؤولية بـ«الكف عن الخطاب العدائي»، داعياً الأحزاب السياسية ومسؤولي الدولة إلى توجيه رسائل إيجابية إلى التونسيين لطمأنتهم، وإعادة الثقة لديهم. كما دعا إلى ضرورة الكف عن التناحر والصراع، والعمل على خلق وضع حكومي مستقر، لتلافي عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، في ظل تواصل أزمة «اليمين الدستورية»، والخلافات المتفاقمة بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
وفي غضون ذلك، نفى نور الدين البحيري، النائب البرلماني عن حركة النهضة، وجود أي انزعاج لحزبه تجاه الزيارة التي قام بها الرئيس سعيد إلى مصر، ولا يقلقها دعم العلاقات مع الأشقاء. وقال في تصريح إذاعي إن «خلافات الإخوان والسيسي في مصر لا تعني حركة النهضة... ولا وجود لـ(الإخوان) في تونس التي تعيش في ظل نظام ديمقراطي تعددي، ودستور يساوي بين الجميع»، مبرزاً أن حزب النهضة معترف به قانونياً، وأنه الحزب الأول في البرلمان التونسي، على حد قوله.
وبخصوص هذه المتغيرات، قال عادل العوني، المحلل السياسي التونسي، إن حركة النهضة «باتت مضطرة للتأقلم مع المستجدات. فالوضع الجديد لن يتطلب منها الانحناء أمام العاصفة فحسب، بل تغييراً جذرياً على مستوى المواقف والاستراتيجيات السياسية. وأولى هذه التغييرات تتعلق بالرئيس قيس سعيد، ذلك أن قادة الحركة مطالبون بالتوقف عن التعرض له، وأن يتركوا المهمة عند الضرورة للآلة الإعلامية الموالية»، على حد تعبيره.
وأضاف العوني موضحاً: «قد تكون هذه الخطوة متبوعة بحملة إعلامية في الخارج، هدفها تلميع صورة الحركة، والامتناع عن شيطنة أعداء الإسلام السياسي وحركة الإخوان. أما على المستوى الداخلي، فهي مدعوة للسير بجدية في طريق المدنية، والفصل الفعلي بين الدعوي والسياسي، وقد تقدم مزيداً من التنازلات، تبعاً لتغير علاقة تركيا بمصر، خوفاً من الوقوع في السيناريو المصري».
وفي هذا السياق، توالت تصريحات قيادات حركة النهضة التي تقلل من أهمية التقارب التركي - المصري، وهو ما قد يجعل حركة النهضة، وفق عدد من المتابعين، في «ورطة سياسية لخسارتها حليفاً آيديولوجياً، خاصة بعد توالي الاتهامات الموجهة لها بتبني (الفكر الإخواني)، وعدم تخلصها من علاقاتها القديمة مع هذا التنظيم الذي بات مصنفاً ضمن التنظيمات الإرهابية».
وتواجه «النهضة» أيضاً تحديات داخلية، تتمثل في الهجوم الحاد الذي قاده الرئيس سعيد ضد ممثلي الإسلام السياسي خلال زيارته إلى العاصمة المصرية، وانتقادات القيادات السياسية المعارضة، وعلى رأسها «الحزب الدستوري الحر» الذي تتزعمه عبير موسي، الداعي إلى إخراج ممثلي الإسلام السياسي من المشهد البرلماني والسياسي.
وفي سياق ذلك، عد محمد الناصر، الرئيس السابق للبرلمان، أن الوضع الحالي الذي تعرفه تونس «محير». وقال إن الإجماع حول خيارات وطنية واضحة، واعتماد خطة إنقاذ واضحة المعالم «تمثل الحل الأمثل للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد. وهذا الحل سيعتمد على تصور جديد يكون محل إجماع، وتوافق واسع من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.